البحث عن زوج للدوقة - 126
الفصل 126 : كسر البيضة والخروج منها ⁹
تنهدت إيفانجلين وهي تنظرُ إلى أخويها الأصغر.
“بينما كنتُم تثيران المشاكل هُنا وهُناك وتتوسلان إليّ بطفولية لأصلح أخطاءكما، أظهرت أرتيا قدرتها.”
تقدم إيان بدلاً مِن ديريك المُحبط.
“أختي، أيُّ قدرةٍ أظهرتها؟ لا تُخبريني إنكِ تعنين أنها أغوت سيدةً نبيلة بريئة لتُبلغ على زوجها؟”
“لقد أصبحت إيثيريال ورفعت مِن شأن اسم العائلة.”
“هَذا…”
“إذا كنتَ تنوي القول إنْ الإيثيريال مُجرد لقبٍ يُمكن الحصول عليه بالضحك والحديث مع النساء، فأغلق فمكَ. لا أريدُ سماع كلماتٍ تافهة تحُط مِن قدر إنجازٍ عظيم يصعُب تحقيقه حتى ببذل كُل الجهد.”
“…..”
“وليس هَذا فقط، فقد بنت أرتيا في وقتٍ قصير سمعةً طيبة بين العائلات الفرعية لعائلة إيدينبرغ.”
أخرجت إيفانجلين وثيقةً كانت تحملها.
“ما هَذا؟”
نظرت إيفانجلين إلى أخويها اللذين ضيّقا عينيهما لقراءة الكلمات المكتوبة على الورقة.
“هَذهِ وثيقة تأييد لأرتيا مِن العائلات الفرعية. مكتوبٌ فيها أنهم يدعمون بقوةٍ فكرة قيام أرتيا بمشروعٍ جديد لصالح العائلة.”
“ماذا؟!”
فتح الأخوان فميهُما دهشةً.
وثيقة تأييد مِن العائلات الفرعية؟ كان ذَلك شيئًا لَمْ يروه مِن قبل في حياتهم.
لقد ولدوا كأبناء العائلة المُباشرة، فكانوا متعجرفين. كانوا يعتبرون العائلات الفرعية دوّن مستواهم بشكلٍ طبيعي، ويرون أنْ مِن الواجب عليهم اتباعهم.
هُنا كان الفرق بينهم وبين أرتيا.
كانت أرتيا تتذكر أسماءهم واحدًا واحدًا، تزورهم وتتحدث إليّهم، وتُقدم لهم هدايا تحمل الصدق.
كان مِن الطبيعي أنْ يدعموا شخصًا مِن إيدينبرغ يُعاملهم بلطف ويهديهم شيئًا.
‘يا لها مِن تعابيرٍ مذهولة…’
نظرت إيفانجلين إلى أخويها وهي تُصدر صوتًا داخليًا بالتأفف.
“امنحا أرتيا فرصةً لإطلاق مشروعٍ جديد لعائلة إيدنبرغ. لَن يتأخر الحُكم عليها وانتقادها بعد رؤية النتائج.”
أضاءت عينا إيفانجلين الحمراوان بنظرةٍ حادة.
لَمْ تكُن مُجرد كلماتٍ عابرة، بل أمرٌ واضح.
لَمْ يستطع الرجُلان معارضة كلامها.
“حسنًا.”
بينما كانا يوافقان إيفانجلين بهدوء، حدّق إيان في أرتيا.
“لا تتوهمي. لسنا نثقُ بكِ، بل نمنحُكِ الفرصة فقط لأن أختنا تدعمُكِ.”
ستُدرك الأمر عندما تبدأ العمل فعليًا.
كم كنتِ تتصرفين بتهورٍ دوّن أنْ تعرفي حدودكِ.
سنرى حينها. سأسحقُكِ تمامًا حتى لا تستطيعي التصرف بغرورٍ بعد الآن، ثم أزوجكِ لرجلٍ ثري.
يا لهم مِن أعمامٍ خبثاء. يُمكن للمرء أنْ يرى ما يفكرون بهِ مِن نظراتهم فقط.
أدركت أرتيا أفكار عمّيها لكنها لَمْ تقُل شيئًا.
لَمْ يكُن يهمُها على الإطلاق ما يفكر بهِ هذان الرجُلان الطفوليان في عقولهم.
المهم أنْ أرتيا أمسكت بدفة السفينة العملاقة التي تُدعى عائلة إيدينبرغ.
***
على الرغم مِن أنها تحدثت بثقةٍ أمام أعمامها، لَمْ تكُن أرتيا قد تعلمت شيئًا عن الأعمال مِن قبل.
“هل يُمكنني فعل ذَلك؟”
للحظةٍ شعرت بالقلق، لكن سرعان ما لفت انتباهها الورود الذهبية التي ملأت الغرفة.
قبل فترة، أهداها كيليان عشرات الورود احتفالًا بأنها أصبحت إيثيريال، وكانت لا تزال تحتفظ بجمالها الزاهي.
كأنها تُثبت أنها تحمل سحر الإمبراطور الأول أورفيوس.
عندما رأت تلكَ الورود، شعرت بثقةٍ مُتدفقة.
“يُمكنني فعلها. أنا إيثيريال هَذا العام.”
شعور الإنجاز منحها الشجاعة، والشجاعة بدورها أصبحت القوة الدافعة للسعي نحو هدفٍ آخر.
منذُ ذَلك اليوم، بدأت أرتيا تفكر.
“ما الذي أعرفهُ جيدًا وأستطيع بيعهُ بمهارةٍ أكثر مِن أيِّ شخصٍ آخر؟”
فكرت وهي تأكل الجزر، تتنزه، تشرب الشاي، تقرأ الكتب، تمشي في الشوارع، وتنظر مِن النافذة…
“ما الذي تُفكرين فيه بهَذا التركيز؟”
“آه!”
صرخت أرتيا صرخةً لا تليق بكرامتها كـ نبيلة وتراجعت.
مدّ كيليان ذراعهِ ليُمسك بخصر أرتيا.
“هل أنتِ بخير؟”
جسدي بخير، لكن قلبي ليس كذَلك.
شعرت بالحرج الشديد لأنها أصدرت صوتًا غريبًا أمام كيليان. لكنهُ بدا وكأنه لا يهتم على الإطلاق.
نظر الرجُل، الذي لَمْ يكُن يعلم بشيء عن قلب أرتيا النابض بقوة، إلى كومة الأوراق على الطاولة.
كانت الأوراق مملوءةً بخط يدها بدقة. قالت أرتيا وهو ينظر إليّها باهتمام.
“لقد حصلتُ على الفرصة بثقة، لكنني أفكرُ في أيِّ مشروعٍ يجب أنْ أبدأ.”
في مجتمع يُهيمن عليهِ الرجال، كانت هُناك بعض المجالات التي تبرز فيها النساء.
مثل الفساتين، المجوهرات، ومستحضرات التجميل، أشياء تتعلق بزينة المرأة.
“لكنني لستُ مهتمةً بتلكَ الأشياء كثيرًا.”
“بالطبع، لأنكِ جميلةٌ حتى بدوّن زينة.”
“…..؟!”
نظرت أرتيا إلى كيليان مذهولةً.
كان يبدو هادئًا، وكأنهُ لا يُدرك ما قاله للتو.
“هل أعطيكِ شيئًا يُناسبكِ؟”
كان كيليان أميرًا يثقُ بهِ الإمبراطور.
لو أعطاها واحدًا مِن المشاريع الوطنية الكبرى، لكان بإمكانها جني أموال أكثر مِن أيِّ مشروعٍ تُديره عائلةٌ نبيلة أخرى.
“لَمْ أتوقع أنْ تقول هَذا يا سموك.”
“لماذا؟ ألَمْ أخبركِ مِن قبل إنني دائمًا أساعدكِ؟”
“المساعدة شيء، وتكليفي بمشروعٍ شيءٌ آخر تمامًا. أنتَ تكرهُ أنْ يتولى شخصٌ غير كفء مسؤولية عملٍ مهم.”
“لهَذا أعهدُ بهِ إليّكِ. لأنكِ إذا أُوكل إليكِ أيُّ عمل، ستؤدينه جيدًا.”
“…..”
ها هو مُجددًا، يقول كلماتٍ مُذهلة بوجهٍ هادئ.
كالعادة، كانت أرتيا الوحيدة التي شعرت بالارتباك.
لإخفاء احمرار وجهها، مضغت أرتيا عصا جزر على الطاولة.
“كلامكَ مُشجع، لكن لا داعي لأن تقلق بشأني.”
“لماذا؟”
لاحظت مؤخرًا أنْ كيليان يظهر تعبيرًا معينًا عندما ترفض مساعدته.
‘كقط يحزن لأن صاحبه لًمْ يقبل الفأر الذي اصطاده.’
في الماضي، كانت أرتيا ستصاب بالخوف وتفكر “يبدو أنني أغضبت سمو الأمير”، لكنها الآن فقط ضحكت بهدوء.
“لا يجب أن أقول إنني أجده لطيفًا أبدًا.”
أجابت بحذر حتى لا تكشف عن أفكارها الحقيقية:
“أريد أن أدير مشروعًا بشكل صحيح. بشيء أهتم به وأستطيع التفوق فيه عن الآخرين.”
أخرجت أرتيا ورقةً مِن بين الأوراق المُكدسة على الطاولة ومدتها له.
“فكرتُ في بعض الأشياء، هل يُمكنكَ إلقاء نظرة؟”
من بين عشرات الكلمات التي تحمل آثار تفكيرها، كان هُناك كلمةٌ واحدة مُحاطةٌ بدائرة.
「الجزر!」
“أنا أحبُ الجزر، كما تعلم. ولحُسن الحظ، لدى عائلة إيدينبرغ أراضٌ شاغرة. فكرتُ أنْ أزرع الجزر على نطاقٍ واسع هُناك.”
في تلكَ اللحظة، تخيل كيليان مشهدًا.
أرتيا ترتدي قبعة قشٍ واسعة الحواف ومئزرًا أبيض، تُمسك بجزرتين برتقاليتين كبيرتين وتبتسم بسعادة.
“ثم نفتتح مقهى كبيرًا في العاصمة، ونبيع حلويات متنوعة مصنوعة مِن الجزر التي نزرعها!”
تخيل كيليان أرتيا مرةً أخرى، ترتدي زيِّ نادلة أبيض، تحمل كعكة جزرٍ لطيفة الشكل وشاي جزر.
أومأ كيليان برأسهِ ووجهُه يحمر قليلاً.
“فكرةٌ جيدة.”
“حقًا؟!”
أضاءت عينا أرتيا برد فعلهِ الإيجابي. لكن سرعان ما تحولت تعابيرُها، كأنها عادت مِن حديقةٍ ملونة إلى واقعٍ باهت.
“لكن بعد البحث، اكتشفتُ أنْ هُناك بالفعل أماكن كثيرة تزرعُ الجزر على نطاقٍ واسع. وهُناك مقاهٍ تعمل في هَذا المجال أيضًا. لستُ واثقةً مِن قدرتي على بناء مشروعٍ ينافسهم.”
“سأشتري كُل مزارع الجزر عدا مزرعتكِ، وأجعلها ملكًا للإمبراطورية، ثم أهدمُها. وسأحول جميع المقاهى إلى أعمالٍ أخرى.”
كان كيليان يريدُ ذَلك بصدق، لكنهُ لَمْ يقُلها بصوتٍ عالٍ.
كان يفقدُ عقله أحيانًا عندما يكون مع أرتيا، لكنهُ أدرك أنْ هَذا الكلام غير منطقي.
لَمْ يكُن مجنونًا إلى هَذا الحد بعد.
“ماذا عن هَذا؟”
“أيـ…”
لَمْ تُكمل أرتيا جملتها، بل اتسعت عيناها فقط. لأن كيليان اقترب منها.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة