البحث عن زوج للدوقة - 125
الفصل 125 : كسر البيضة والخروج منها ⁸
بعد طلاقها، كانت هَذهِ أول جلسةٍ تُعقد في قاعة الاجتماعات في قصر إيدينبرغ.
كانت أرتيا تُداعب المقعد في نهاية الطاولة، المقعد الذي يجلس فيهِ صاحب الجلسة.
“لَمْ أتخيل أبدًا أنني سأجلسُ في هَذا المكان…”
كان هَذا المقعد مُخصصًا لوالدها، وكذَلك للويد.
لَمْ يُسمح لأرتيا أبدًا بدخول هَذهِ الغرفة.
لكن اليوم كان مُختلفًا.
جلست أرتيا على المقعد بوجهٍ مليء بالتوتر.
بعد قليل، وصل الضيوف الذين دعتهم، وهم ديريك، وإيان، وإيفانجلين، كبار أفراد العائلة.
عندما رأى ديريك أرتيا جالسةً في المقعد الأعلى على الطاولة، فتح فمهُ بدهشةٍ وكأنما رآى شيئًا غير لائق.
“أنتِ، أين تجلسين الآن؟!”
كما هزّ إيان رأسهُ باستياء.
“هُناك حدودٌ للغرور. لا يبدو الأمر جيدًا، قفي مِن هُناك.”
أجابتهُ أرتيا بابتسامةٍ هادئة.
“أنا المالكة الوحيدة لهَذا القصر، أليس مِن الغريب أنك يجلس صاحب المكان في مكان الضيوف؟”
“ماذا؟!”
قفز الرجلان، وجهِهما مُحمرٌّ مِن الغضب. وبينما كانا على وشك الرد، تحدثت إيفانجلين.
“توقفوا.”
نظرت إلى أخويها بعينين قاسيتين، ثم تابعت حديثها.
“السبب في اجتماعنا اليوم هو أنْ أرتيا لديها أمرٌ هام لتناقشه حول شؤون العائلة. أود أنْ أسمع ما تقول، بدلاً مِن مشاهدة مشاجراتكم الطفولية.”
“…حسنًا، أختي.”
جلس الرجلان على مقاعدهما، وإنْ كان غاضبين، لكنهُما امتنعا عن الكلام.
فكرة إيفانجلين في فرض النظام مُذهلةٌ حقًا. فكرت أرتيا بدهشة.
ثم وجهت إيفانجلين سؤالًا.
“ولكن أين مكاني؟”
على الرغم مِن تأثيرها الكبير في عائلة إيدينبرغ، إلا أنْ إيفانجلين كانت مِن عائلةٍ أخرى، لذَلك كانت عادةً تجلس في مكانٍ بعيد عن الأنظار عندما تجتمع العائلة.
لكن في هَذهِ الغرفة، لَمْ يكُن هُناك أيِّ ستار.
أشارت أرتيا إلى المقعد الأقرب إليّها.
“أجلسي هُنا، عمتي.”
“….!”
كانت عيون إيفانجلين، وكذَلك عيون الرجلين، تتسع مِن الدهشة.
ثم قالت أرتيا، موجهةً حديثها إلى إيفانجلين.
“أنتِ ابنةُ الدوق إيدنبرغ الأولى، وأخت الدوق السابق وكبار العائلة، وحتى بعد زواجكِ كنتِ دائمًا تهتمين بشؤون العائلة.”
واصلت أرتيا بصوتٍ هادئ.
“أنا أريدُ أنْ أكرمكِ كأكبر شخصيةٍ في العائلة.”
“……”
لَمْ تستطع إيفانجلين أنْ تقول شيئًا، فقط نظرت إلى أرتيا.
على الرغم مِن أنها كانت تعرفُ بأنها مثل الجليد في تعبيراتها، إلا أنْ مشاعرًا دافئة بدأت تعتلي قلبها في تلكَ اللحظة.
ثم نظرت أرتيا إلى الرجلين، الذين كانوا في حالةٍ مِن الذهول.
“هل توافقان، أيُّها العمّان؟”
لا.
كان ديريك يعتقدُ أنه لا يُمكن لعائلة مِن خارج القصر أنْ تشارك علنًا في مثل هَذهِ الاجتماعات، لكنه…
‘ماذا لو غضبت أختي؟’
كان يُفضل جعل شقيقهُ الأكبر كرانك يتحدث، لأنهُ لَمْ يكُن يملك الشجاعة لذَلك.
أغلق فمه، وهو يشعرُ بعدم الرضا.
أما إيان، فقد كانت آراؤه متفقةً مع أرتيا.
“كان يجبُ أنْ تجلس أختي في هَذا المقعد منذُ البداية. كنتُ أشعر بالذنبٍ في كل اجتماع أخفيها فيه. والآن، أشعرُ بالراحة.”
وبذَلك، جلس أربعةٌ مِن عائلة إيدينبرغ على المقاعد.
وكانت أرتيا تتابعهم وهي تتأملهم، فهم يشتركون في لون الشعر الفضي الباهت والعينين الحمر.
“لنبدأ مُباشرةً في الموضوع.”
أخذت أرتيا نفسًا عميقًا ثم تابعت حديثها.
“أريدُ أنْ أغلق جميع الأعمال التجارية لعائلة إيدينبرغ.”
دوّى صوتٌ مذهل في القاعة كما لو أنْ البرق ضربها.
صرخ ديريك بوجههٍ الأحمر.
“هل، هل أنتِ مجنونة؟”
“لا، أنا لستُ مجنونة. أنا لا أمزح.”
أعطتهم أرتيا الأوراق التي أعدتها مُسبقًا.
“هَذهِ هي التفاصيل حول الأعمال التجارية التي تديرها عائلة إيدينبرغ حاليًا. كما سترون، كلما استمرت الأعمال، كلما تكبدنا المزيد مِن الخسائر. نقوم الآن بتغطية النفقات باستخدام ميزانياتٍ أخرى، وهَذا الوضع يزداد سوءًا مع مرور الوقت.”
واصلت أرتيا حديثها.
“وبحسب استشارة الخبراء، إذا استمرينا على هَذا النحو، فإنَّ عائلة إيدينبرغ ستُفلس تمامًا خلال 20 عامًا.”
“ماذا؟!”
فتح ديريك وإيان أفواههما في صدمة.
بما أنني كنتُ أتعامل مع دفاتر الحسابات، كنتُ أعلم أنْ هُناك خسائر كبيرة. لكن لَمْ أتخيل أبدًا أنْ الوضع خطيرٌ إلى حد الحديث عن الإفلاس.
“بسبب الإدارة السيئة مِن والدكِ وزوجكِ، وصلنا إلى هَذا الوضع، لكن هَذهِ أعمال استمرت لفترةٍ طويلة. كيف تجرؤين على التفكير في إغلاقها؟ يجبُ الحفاظ عليها بأيِّ ثمن.”
“لَمْ أكُن أعلم أنكَ تعتني بأعمال العائلة بهَذا القدر، عمّي.”
أخرجت أرتيا أحد الدفاتر التي كانت قد حصلت عليها مِن إيفانجلين.
“لقد بعتَ بعض المزارع التي كانت تدُر دخلًا، لأنكَ كنتَ بحاجةٍ إلى تجديد قصركَ.”
“ه-هَذا…”
صمت ديريك أمام الهجوم غير المتوقع.
أما إيان، الذي كان جالسًا بجانبه، فقد ابتسم ابتسامةً ماكرة.
“أخي، حقًا قد خيبت آمالي. كنتَ دائمًا تُحاضرنا عن مصلحة العائلة، ولكنكَ افسدت الأعمال بسبب أمورٍ تافهة مثل هَذهِ.”
رائع، عمّي إيان ليس أفضل مِن منه. فكرت أرتيا، ثم توجهت بنظرها نحو إيان.
“أما أنتَ، عمّي إيان، فقد سحبتَ أموالًا كبيرةً مِن رأس المال الذي كان مِن المُفترض أنْ يدخل في الأعمال تحت مسمى ‘استثمار’.”
اختفى التبجُح مِن وجه إيان فجأةً.
“لكن هَذا استثمار! كنتُ أعمل على زيادة ثروات العائلة!”
“لقد قمتُ بالتحقيق عن المكان الذي استثمرت فيه، وتبين أنهُ مُجرد مقامرة. الأموال التي خسرتها هُناك تجاوزت عشرات الملايين مِن الذهب.”
“……”
غمر الصمت الغاضب غرفة الاجتماعات.
نظر العمّان إلى أرتيا بوجوهٍ مشوهة.
استقبلت أرتيا نظرتهُما العدائية بابتسامة، ثم فتحت فمها.
“ليس لدينا سببٌ ولا قدرةٌ على الحفاظ على الأعمال. أليس مِن الأفضل أنْ نعترف بذَلك ونوافق على إغلاقها؟”
بعد فترةٍ طويلة مِن الصمت، تحدث ديريك.
“حسنًا، إذا وافقنا على ما تقوله، ماذا سنفعل بعد إغلاق الأعمال؟”
حتى العائلات النبيلة العريقة تحتاجُ إلى طريقةٍ لتأمين المال إذا أرادت البقاء.
“بالضبط. لذَلك، سأبدأ مشروعًا جديدًا.”
لَمْ يتمكن العمّان مِن فهم ما قالته، فحدقوا فيها بدهشة.
“مَن؟”
“أنا، أرتيا فون إيدينبرغ.”
صُدم ديريك وإيان لدرجة أنهُما فقدا القدرة على الكلام.
لقد كانوا أكثر صدمةً مِن وقت أنْ أشارت أرتيا إلى ضُعفهم أو عندما تحدثت عن إغلاق الأعمال.
لقد كان ما قالتهُ غير معقولٍ تمامًا.
“أنتِ ستبدئين في عملٍ تجاري؟”
“نعم.”
عجز ديريك عن كبح غضبه.
“أنتِ امرأة، ماذا تعرفين عن الأعمال التجارية؟! كل ما تعرفين القيام بهِ هو اختيار الفساتين وشرب الشاي والدردشة!”
“لَمْ أكُن أعرف أنكَ تُفكر هَكذا.”
قالت إيفانجلين بهدوء، مِما جعل ديريك يلّهث.
ثم أضافت إيفانجلين، بنظرتها الجادة.
“أنتَ كنتَ تطلبُ مني المساعدة مرارًا وتكرارًا بسبب خوفكَ مِن والدك، أو لأنكَ تعبتَ مِن توبيخ إخوتكَ لك، أو لأنك تهاجمت مِن أصدقائك. كنتُ أساعدكَ بكُل إخلاص، ولكنكَ كنتَ تفكر هَكذا في داخلكَ؟”
“أ-أختي، أنتِ لست مثل باقي النساء.”
“……”
كانت عيون إيفانجلين حمراء وقاسية.
أخفض ديريك رأسهُ، وقد بدت عليهِ علاماتُ التردد.
“لقد أخطأتُ في كلامي. أنا آسف، أختي.”
أما إيان الذي كان جالسًا بجانب إيفانجلين، فقد ابتسم.
“هل هَذا حدث مرةً أو مرتين؟ عليكَ أنْ تكون حذرًا.”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة