البحث عن زوج للدوقة - 124
الفصل 124 : كسر البيضة والخروج منها ⁷
ما تحتاجُه المرأة هو أنْ تتزين، وتعتني بمنزلها، وتُطيع زوجها.
وفقًا لمعتقدات والدها، تعلّمت أرتيا الكثير لتُصبح سيدةً راقية وجميلة. لكن لَمْ يكًن مِن بين ذَلك أيُّ شيءٍ يتعلق بإدارة الأملاك.
ولَمْ يتغيّر الأمر حتى بعد أنْ أصبحت دوقة.
صحيحٌ أنها تعلّمت أساسيات الحساب وكتابة السجلات مِن أجل تدبير شؤون المنزل، لكنها لَمْ تتجاوز المستوى الأساسي.
ابتسمت إيفانجلين بمرارةٍ وكأنها تفهمُ كُل شيء.
“كنتُ كذَلك أيضًا.”
بما أنها تزوجت في عائلةٍ أخرى وكانت امرأة، لَمْ يكُن لها الحق أساسًا في الاطلاع على هَذهِ السجلات.
لكن بعد طلاق أرتيا، بدأ أشقاؤها الثلاثة الذين تولوا إدارة الحسابات بدلًا مِن الدوق بالتذمر باستمرار.
كانوا يشكون قائلين إنْ بينديكت ولويد قد نهبَا كُل شيء، ولَمْ يتبقَّ لهم سوى الفتات.
“أختي، أرجوكِ ساعدينا.”
وهَكذا، قاموا بعرض السجلات أمامها بكُل وضوح، مِما مكّن إيفانجلين لأول مرةٍ في حياتها مِن الاطلاع على السجلات المالية لعائلة الدوق التي توارثتها الأجيال. وعندها، تأكدت مِن الأمر.
“الوضع أسوأ مِما توقعتُ.”
لَمْ تكُن تتوقع خيرًا، ولكن أنْ يكون الوضع أسوأ مِن التوقعات؟
استعدت أرتيا نفسيًّا حتى لا تفاجأ مهما كان محتوى السجلات، ثم قلبت الصفحة الأولى.
كانت السجلات، المليئة بالمُصطلحات المالية والأرقام، أصعب بكثيرٍ في الفهم مِن الوثائق التي تتضمن معلوماتٍ عن الأشخاص.
فقامت أرتيا بوضع علاماتٍ على الأجزاء التي لَمْ تفهمها وسألت إيفانجلين عنها، أو بحثت في الكتب المُتخصصة، وقرأت السجلات خطوةً بخطوة.
وبعد عشرة أيام، أنهت قراءة السجلات السميكة وقالت بحزن.
“لقد كنتِ مُحقّة، يا عمّتي.”
تم بيع العقارات القيّمة منذُ فترةٍ طويلة، ولَمْ يتبقَّ سوى بعض الأراضي النائية في الريف.
أما أوضاع الأعمال التي توارثتها العائلة، فكانت أسوأ مِن ذَلك بكثير.
فبدلًا مِن التطور مع تغيّر الزمن، أصبحت هَذهِ المشاريع أكثر تخلّفًا، ولَمْ يكُن تشغيلها يجلبُ سوى المزيد مِن الخسائر.
“إذا استمر الأمر على هَذا الحال، فإنَّ عائلة إيدينبرغ ستُفلس.”
“صحيح، لَن تصمد طويلًا.”
حتى مساعدة إيفانجلين مِن خلال نفوذ عائلة ماركيز غلوستر كان لها حدود.
فالسفينة الضخمة المسماة بـ إيدينبرغ كانت تتسربُ إليّها المياه مِن كُل مكان، وكانت تغرق ببطء.
“لهَذا السبب، كنا نأمل أنْ تتزوجي مُجددًا في أسرع وقتٍ مُمكن. فالزواج هو أسرع وأسهل طريقةٍ لتحقيق الاستقرار المالي.”
قالت إيفانجلين ذَلك بوجهٍ كئيب.
بالنسبة لها، كان زواج النبلاء مُجرد صفقةٍ تجارية.
لقد تزوجت بهَذهِ الطريقة، وكانت ترى أنْ أرتيا يجبُ أنْ تفعل الأمر نفسه.
لكن الآن، تغيّرت نظرتها للأمر.
لقد شعرت بالخجل مِن أنها أجبرت ابنة أخيها، التي كانت تنظر إليّها بعيونٍ صافية ومشرقة، على هَذا النوع مِن التفكير.
خفضت إيفانجلين نظرها، غير قادرةٍ على مواجهة أرتيا، لكن الآخرى تحدثت بصوتٍ واضح.
“أنا أفكرُ بالطريقة نفسها.”
“…..!”
“لقد جرّبتُ الزواج مِن أجل الحب مرةً مِن قبل. لَمْ أعد أحلم بالزواج الرومانسي منذُ وقتٍ طويل. صحيحٌ أنني أرى أنهُ نظامٌ يجب استغلاله بشكلٍ مُناسب.”
إنْ وجدت شريكًا يمنحُ فائدةً للعائلة، ويمكنها الوثوق بهِ كرفيق حياة، فَلَن تُمانع الزواج أبدًا.
“لكن ليس الآن. إنْ تزوجتُ في ظلّ هَذهِ الأوضاع المالية، فسأكون مُجددًا مُجرد زوجةٍ تُحتقر ولا تؤخذ على محمل الجد. لذا، حتى لو فكرتُ في الزواج، فعليّ أولًا تحقيقُ قدرٍ مِن الاستقرار المالي.”
نظرت إيفانجلين إلى أرتيا بتمعنٍ.
“كنتُ أعتقد أنكِ تشبهينني، لكن يبدو أنكِ أذكى بكثير.”
ابتسمت أرتيا بدلال.
“هَذا لأنني أشبُهكِ، يا عمّتي.”
ضحكت إيفانجلين بصوتٍ عالٍ.
بعد أنْ قضت حياتها محاطةً بأربعة إخوةٍ صغار مُدلّلين، وولدين جافّين في طباعهما، فهمت أخيرًا لماذا كان أصدقاؤها، الذين أنجبوا بنات، شديدي التعلق بهُن.
“إذًا، هل لديكِ أيُّ خطةٍ لتحقيق الاستقرار المالي؟”
“للأسف، ليس بعد. يجب أنْ أبحث عن واحدةٍ الآن.”
تلألأت عينا أرتيا الورديتان، اللتان كانتا تبدوان رقيقتين كزهور الربيع في العادة، بوضوحٍ حازم.
أما الأشقاء الثلاثة الذين قرأوا السجلات، فَلَمْ يفعلوا شيئًا سوى التذمر.
كانوا يثرثرون قائلين إنهم لو كانوا المسؤولين منذُ البداية، لكانوا قد أداروا الأمور بشكلٍ أفضل. لكن لَمْ يُظهر أيٌّ منهم أيَّ محاولةٍ لحل المشكلة.
كان كل ما يشغلهم هو كيفية الاستيلاء على آخر ما تبقى مِن المال.
لكن أرتيا كانت مختلفة.
واجهت الوضع بجدية، وأشعلت إرادتها في إصلاحه.
كما لو أنْ الأمر يخُصّها شخصيًّا.
ضيّقت إيفانجلين عينيها.
كانت ابنة أخيها البالغة مِن العمر ثلاثة وعشرين عامًا متألقةً للغاية.
* * *
قرأت أرتيا السجلات مرةً تلو الأخرى، ومع ذَلك، مهما نظرت إليّها…
“لا أرى أيِّ حل.”
على الأقل كانت العقارات أفضل حالًا.
رغم أنْ قيمتها كانت ضعيفةً، لكنها على الأقل لَمْ تخسر شيء مِما تملكه.
لكن الشركة كانت في حالةٍ خطيرة. هيكل الدخل كان سيئًا، وكلما استمرت في العمل، زادت الديون.
“آه…”
بينما كانت تُفكر بشكلٍ عميق، توجهت أرتيا إلى عائلة كونت غولدجرس.
“مرحبًا، تيا!”
“مِن دواعي الشرف أنْ تأتي إلى منزلنا، سيدة أرتيا!”
كانت ماريغولد وسيسيليا تلتصقان بأرتيا مِن الجانبين بوجوهٍ تُعبر عن سعادتهما الكبيرة.
نظر كونت غولدجرس إليّهما بتعبيرٍ غير راضٍ.
“ماذا تُريدين أنْ تسألي؟”
توجهت أرتيا إلى الرجُل الذي كان ضخمًا مثل الثور وذو وجهٍ مخيف لا يُقارن بأيِّ لص.
“أريدُ أنْ أسمع نصائح عن الأعمال مِن أفضل رجُل أعمال في الإمبراطورية، كونت غولدجرس.”
“…..!”
فوجئ كونت غولدجرس بتلكَ الكلمات، ووسع عينيه.
كان النبلاء الذين يُقدرون الكرامة يعتقدون أنْ تقدير المال بشكلٍ علني أمرٌ غير لائق.
لذَلك، كان كونت غولدجرس، الذي كان يُهمل الأنشطة الاجتماعية ويفني نفسهُ في الأعمال التجارية، يحصل على مدحٍ ولكن ليس على احترام.
لكن عندما سمع ‘أفضل رجُل أعمال في الإمبراطورية’، بدأ يرفعُ كتفيهِ بتفاخر.
أخذت أرتيا ملفًا مِن يدها وقدمتهُ له.
كان يحتوي على جزءٍ مِن السجلات التي كانت موجودةً في سجل عائلة دوق إيدينبرغ.
“هل تعتقد أنهُ يُمكن إنعاش هَذا العمل؟”
تفحص كونت غولدجرس السجلات بوجهٍ عابس.
“إذا كانت القدم قد تسممت، مِن الأفضل قطعها بسرعةٍ قبل أنْ ينتشر السم في الجسد كُله.”
“إذن تقصد أنه مِن الأفضل تصفيتُه؟”
أومأ كونت غولدجرس برأسه.
“إذا كان لديكِ فكرةٌ تجارية جيدة، قد تجدين طريقةً لإنعاشها، لكن هَذهِ الأعمال لا تحتوي على أيِّ قيمةٍ مُستقبلية. حتى لو نجحتِ بمعجزةٍ في ذَلك، فَلَن تصمد طويلاً.”
“كما توقعت…”
تنهدت أرتيا لأن ما قالهُ كان يتطابقُ تمامًا مع استنتاجاتها.
أخذت أرتيا نفسًا عميقًا وسألت السؤال التالي.
“إذا بدأتُ في عملٍ جديد، كيف يُمكنني أنْ أنجح؟”
بدأت حاجبا كونت غولدجرس يُعبران عن استغرابٍ بسبب السؤال الغامض.
“يجب أنْ تبيعي شيئًا تعرفينهُ جيدًا. منذُ كنتُ رضيعًا، كنتُ أعيش وسط الألماس لدرجة أنني كنتُ أمصُّ دميّةً مرصعةً بالألماس. الآن، أصبح بإمكاني معرفة قيمة كُل قطعةٍ مِن الألماس وكيفية معالجتها بشكلٍ جميل بمُجرد النظر إلى قطعةٍ مِن الصخور الموجودة في منجم الألماس.”
أضافت ماريغولد، التي كانت جالسةً بجانب كونت غولدجرس.
“عندما يصنع الألماس، سأرتديهِ كُله وأذهب إلى الحفل. ثم، سيتجمعُ النساء حولي ويبدأن في شراءهِ بشغف.”
باعت عائلة غولدجرس الألماس لأعلى مُشترٍ يدفع الثمن.
“إذن مِن أجل النجاح في العمل، يجبُ أنْ يكون لديكَ القدرةٌ على اختيار الأشياء الجيدة ومعرفة كيفية بيعها بأسعارٍ مُرتفعة.”
“أنتِ ذكيةٌ جدًا يا تيا.”
قالت ماريغولد وأومأ كونت غولدجرس أيضًا برأسه.
“هَذهِ هي أساسيات التجارة.”
بعد ذَلك، استمعت أرتيا لبضع ساعات إلى نصائح كونت غولدجرس في مجال الأعمال.
وبينما كان يتحدثُ بفرح، بدأت أرتيا تدوّن الملاحظات، وأخيرًا قال كونت غولدجرس فلسفتهُ في العمل.
“المهم هو ألا تستسلمي.”
نظر كونت غولدجرس إلى السجلات التي جلبتها أرتيا وأضاف.
“إذا كان العمل لا قيمة لهُ أكثر مِن البراز، فَمِن الأفضل قطعهُ أسرع مِن ذيل السحلية. ولكن إذا كان العمل قد بدأ بعد دراسةٍ دقيقة، فاستمري فيهِ بعزمٍ وثقة، كما لو أنكِ محاربٌ يحمل معولًا في منجم الألماس.”
“سأتذكر ذَلك، سيدي!”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة