البحث عن زوج للدوقة - 120
الفصل 120 : كسر البيضة والخروج منها ³
دائمًا ما كانت تفوح مِن أرتيا رائحة أزهار الكرز، كانت رقيقةً وضعيفة إلى حدٍ يكاد لا يُلحظ.
ومع ذَلك، كان كيليان يستجيبُ لتلكَ الرائحة بسرعةٍ تفوق أيِ رائحةٍ أخرى.
وأحيانًا، كان يشعرُ كأنه سيسكرُ منها، لدرجة أنْ عقله يغدو ضبابيًا.
نظر كيليان إلى أرتيا، التي كانت تحدّق فيهِ بعينين مليئتين بالفضول في انتظار إجابته.
“رائحة أرتيا فون إيدينبرغ.”
ما هَذا؟
انتفخت وجنتا أرتيا مُجددًا.
بشكلٍ طبيعي، امتدت السبابة الثانية لكيليان لتضغط على وجنتيها المُنتفختين.
بووك-
كيليان، وبسبب عقابهِ على وخز وجنة أرتيا مرةً أخرى دوّن إذنها، قرّر مساعدتها في دراستها.
“ما نوع الشخص الذي يكون عليهِ ديريك فون إيدينبرغ؟”
عند سؤال كيليان، جمعت أرتيا شتات ذاكرتها وأجابت:
“إنهُ الأخ الثاني لوالدي، هو عمي الثاني. جبانٌ جدًا، لذا دائمًا ما يُحيط نفسه بأربعة فرسانٍ على الأقل، كما أنهُ يخضع تمامًا لزوجته. رغم أنهُ ذو شخصيةٍ مُترددة، إلا أنْ لديهِ رغبةً قوية في التفاخر، لذا كلما حصل على المال، ينفقُه على شراء الكماليات…”
استمع كيليان إلى صوت أرتيا الثرثار بينما ارتسمت ابتسامةٌ خفيفة على زاوية شفتيه.
كما لو أنهُ يُشاهد أروع عرضٍ في العالم.
وبشكلٍ غير متوقع، كان مُعلمًا جيدًا.
إذ إنْ وجوده بجانبها فقط كان كفيلًا بجعلها تُركّز بسهولة، فتنطبع الكلمات في ذهنها بسلاسة.
وبفضل ذَلك، تمكنت أرتيا بعد خمسة عشر يومًا مِن حفظ كل ما ورد في الوثائق بطلاقة.
ارتسمت على وجه إيفانجلين ملامح الرضا.
“أحسنتِ. والآن، حاولي الاستفادة مِن هَذهِ المعلومات للتقرّب منهم.”
أشارت إيفانجلين إلى بعض الشخصيات، مِن بينهم كبار عائلة إيدينبرغ الثلاثة، بالإضافة إلى بعض أفراد الفروع الجانبية للعائلة.
جبلٌ بعد آخر، لا نهاية لهُم.
رغم أنْ أرتيا أبدت تعبيرًا مُرتبكًا، إلا أنها، كطالبةٌ مُجتهدة، لَمْ تعترض.
***
بعد بضعة أيام، زارت أرتيا منزل عمّها الثاني، ديريك.
كانت زوجتُه، مونشير، تستقبلُها بترحابٍ بجسدها البدين.
“أهلًا وسهلًا، يا ابنة أخي~”
“أشكركِ على السماح لي بزيارتكم، عمّتي.”
“أوه، لا داعي للشكر. نحنُ عائلة، بعد كُل شيء~”
ضحكت مونشير بمرحٍ، مُعبّرةً عن إعجابها بأرتيا بشكلٍ واضح.
“لَمْ تكُن هَكذا مِن قبل…”
في الماضي، لَمْ تكُن مونشير تهتم بأرتيا على الإطلاق. لَمْ تتعمّد إيذاءها، ولَمْ تكترث لأمرها أيضًا.
لكن هَذا التغيّر المُفاجئ لا بد أنْ يكون بسبب…
‘تحوّلي إلى إيثيريال.’
مثلها مثل أيِّ سيدةٍ أرستقراطية نموذجية، كانت مونشير تمتلكُ شغفًا بالبذخ والاستعراض، لذا لا بد أنْ أرتيا، بصفتها إيثيريال، بدت لها كوجبةٍ شهية مغرية.
لكن أرتيا لَمْ تشعُر بالضيق مِن هَذا التحوّل المُفاجئ في موقف مونشير.
‘بل على العكس، إنهُ أمرٌ جيد. ما دامت رغباتُها واضحة، فَسيكون مِن السهل عليِّ التعامل معها.’
جلست أرتيا إلى الطاولة الفاخرة المُخصصة لشرب الشاي، ثم نظرت إلى المقعد الفارغ بجانب مونشير.
“يبدو أنْ عمي لا يزال غاضبًا مني.”
بعد سجن كرانك، شريك الجريمة، جاء ديريك لمُقابلتها.
صرخ بصوتٍ يكاد يكون مُشبعًا بالدماء.
“بغض النظر عن الذنب الذي اقترفه، فهو يبقى فردًا مِن العائلة! اذهبي إلى القاضي، وارجِه ألا يُصدر عليهِ حكمًا قاسيًا!”
“لو كنتَ مكاني، هل كنتَ ستفعل الشيء نفسه؟”
“بالطبع! حتى لو كان أخي يُهدّد حياتي، لكنتُ غفرتُ له، فهو أخي الذي يتشاركُ معي في نفس الدم.”
“لكن عندما توفي والدي، لَمْ تذرف دمعةً واحدة، أليس كذَلك؟”
“هَذا… هَذا لأنني لَمْ أشعر بأيِّ عاطفةٍ تجاه أخي الأكبر…”
“وأنا كذَلك. لا أملكُ أيِّ مشاعر تجاه عمي كرانك، تمامًا كما أنتم لا تملكون أيِّ مشاعر تجاهي.”
“هَذا…”
“لا داعي للتبرير. لو كنتَ تهتمُ بي ولو قليلًا، لكان أول ما فعلته هو سؤالي إنْ كنتُ بخير، بدلًا مِن التفكير في نفسك فقط. رؤية هَذا أكّدت لي أننا لسنا عائلة، بل مُجرّد غرباء.”
“إذا أردنا أنْ نُصبح عائلةً بحق، فعلينا أنْ نبذل جهدًا مِن الجانبين، أليس كذَلك، عمي؟”
توسّعت عينا ديريك وكأنهُ تلقّى ضربةً على رأسه، ثم قال بصوتٍ مملوء بالحسرة.
“تمامًا مثل أبيكِ بينيديكت… أنتِ باردةُ القلب بشكلٍ لا يُصدّق. لقد خيّبتِ ظنّي، أرتيا.”
***
عندها، سخرت مونشير، وهي تنفث الهواء مِن أنفها بوجهها البدين.
“هل ذهب لرؤية ابنة أخيه فقط ليقول لها مثل هَذا الكلام السخيف؟ إنهُ حتى لَمْ يزر أخاه مرةً واحدة في السجن، مدّعيًا أنهُ قد يُصاب بالمرض هُناك.”
‘هذا بالضبط ما أردتُ قوله.’
أجابت أرتيا في سرّها، ثم تظاهرت بقول شيء لا تعنيه.
“رُبما يخشى أنْ يشعر بحزنٍ أكبر لو رأى عمي كرانك وجهًا لوجه.”
“يا لرحابة صدركِ، يا ابنة أخي.”
علّقت مونشير بلهجة إعجاب، فضحكت أرتيا بخجل.
“لحُسن الحظ، على الأقل عمّتي ترحّب بي.”
“بالطبع! سأرحّب بكِ بكلتا يديّ. لقد تسبّب كرانك في تشويه سمعة العائلة بالكامل، لكن بفضلكِ، بعد أنْ أصبحتِ إيثيريال، استعادت العائلة مكانتها أخيرًا. لولاكِ، لكنتُ أشعرُ بالعار لدرجة أنني ما كنتُ لأجرؤ على الظهور في المجتمع الراقي.”
تمامًا كما قرأت في الوثائق التي قدّمتها لها إيفانجلين.
كانت مونشير امرأةً ذات صوتٍ عالٍ، وطموحٍ كبير، وعقلٍ محدود، شخصًا بسيطًا يسهُل رؤيته على حقيقته.
وكان مِن السهل للغاية كسب أشخاص مثلها إلى صفّها.
قدّمت أرتيا لها مظروفًا أبيض، فما كان مِن مونشير إلا أنْ شهقت بدهشة مفرطة.
“لا يُمكن! هل هَذا…؟!”
“نعم، إنها دعوةٌ لحضور الحفل الذي سيُقام في قصر إيدينبرغ بعد بضعة أيام.”
منذُ أنْ أصبحت أرتيا إيثيريال، ازدادت شعبيتُها بشكلٍ هائل، لكنها لَمْ تُقم الحفلات كثيرًا.
وبالتالي، كان الطلب على حضور حفلاتها مُرتفعًا، بينما كان العرض محدودًا.
ولهَذا السبب، باتت حفلات قصر إيدينبرغ ذات أهميةٍ خاصة بالنسبة إلى سيدات الطبقة الأرستقراطية، حيث يُمكن التباهي بحضورها لعشر مرات على الأقل بعد ذَلك.
نظرت مونشير إلى المظروف بوجهٍ تغمرهُ السعادة العارمة.
“إنهُ حفلٌ يتطلب الحضور برفقة شريك، فَهل يمكنكِ القدوم مع عمي؟”
“بالطبع، لا يُمكنني تفويت ذَلك!”
تلألأت عينا مونشير الصغيرتان، وبدا أنها ستُجبر زوجها على الحضور معها مهما كان الثمن.
ابتسمت أرتيا بخفة.
‘عمي ديريك يخضع تمامًا لزوجته.’
إذًا، لَمْ يكُن مِن الضروري أنْ تُحاول كسب ودّ ذَلك العم، الذي لا يتردّد في إظهار استيائهِ الواضح عند رؤيتها.
كان يكفيها كسب قلب زوجته.
***
بما أنها تقرّبت مِن عمها الثاني، فقد حان الآن دور العم الثالث.
لكن على عكس العم الثاني، الذي بقي مُتحفّظًا حتى عندما زارته أرتيا، جاء العم الثالث بنفسهِ لرؤيتها.
إيان، أصغر أبناء العائلة، والذي لا يزال يحمل ملامح الشباب، صاح بغضب.
“ما الذي تُخططين لهُ بالتقرّب مِن شقيقتي إيفانجلين؟!”
كان صوته قويًا لدرجة أنه جعل أرتيا تشعرُ بألمٍ في أذنيها.
وضعت يديها على أذنيها.
“التقرّب؟ كُل ما في الأمر أنني أكُنّ احترامًا عظيمًا لعمّتي، لذا أزورها. إنها شخصٌ رائع، تملك الحكمة والقوة والشخصية المُتكاملة.”
“هَذا صحيح، لكن…”
أومأ إيان برأسهِ للحظة، لكنه سرعان ما استعاد وعيّه وعاد ليردّ بصوت غاضب.
“كفّي عن إزعاج شقيقتي! إنها مشغولة جدًا بحيث لا تملك وقتًا لتضيّعه مع فتاةٍ مثلكِ!”
كان إيان لا يزال مزعجًا كما كان دائمًا. كان ازدراؤه لها واضحًا في كلماته.
لكن بدلًا مِن الإشارة إلى ذَلك، استرجعت أرتيا المعلومات التي تعرفُها عنه.
مجنونٌ بشقيقته.
فقد إيان والدته عند ولادته، فتولّت إيفانجلين تربيتهُ والاعتناء به.
وبسبب ذَلك، لَمْ تكُن مشاعره تجاهها مُجرد إعجابٍ طبيعي بالأخت الكبرى، بل كانت مشاعر مُفرطة تتجاوز الحدّ المعقول.
‘إذن، ليس الأمر أنهُ يكرهني وحسب، بل إنه يشعرُ بالغيرة.’
كان يخشى أنْ تفقد شقيقته اهتمامها به بسببها، وكان هَذا هو مفتاح التعامل مع إيان فون إيدينبرغ.
“لقد أخبرتني عمّتي الكثير مِن الأمور.”
تغيّرت تعابير وجه إيان فورًا.
كان مِن الواضح أنهُ منزعج للغاية مِن سماعها تنادي شقيقته بـ عمّتي وكأنها مُقرّبةٌ منها.
اقتربت أرتيا منه وهمست كما لو أنها تكشفُ عن سرًّا كبير.
“عمّتي قالت إنْ الشخص الذي تعتمدُ عليه أكثر مِن أيِّ أحد هو عمي إيان.”
وفي لحظة، تحوّل بريقُ عيني إيان مِن نظرة مفترسٍ غاضب إلى نظرة كلبٍ وديع مطيع.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة