البحث عن زوج للدوقة - 117
الفصل 117 : الأميرة المليئة بالجراح ³³
“……!”
اتسعت عينا الإمبراطورة، التي كانت هادئةً طوال الوقت، للمرة الأولى، وكأنها لَمْ تتوقع ذَلك مُطلقًا.
أخذت الإمبراطورة الوردة بوجهٍ متوتر.
نزلت أرتيا الدرج ووزعت الورود على النساء، واحدةً لكل واحدةٍ منهن. أخذت النساء الزهور وقمنَ بتفكيك البتلات بعناية، ليتشاركنها مع مَن بجانبهن، وابتسمن مثل الفتياتٍ الصغيرات.
كان هَذا مشهدًا لَمْ يُرَ طوال عقودٍ مِن حفلات اختيار الإيثيريال.
لَمْ يكُن هُناك حزن، ولَمْ يكُن هُناك غيرة.
بل فقط ضحكاتٌ رقيقة، بعضها كان أنيقًا، وبعضها كان مُتعاليًا، وبعضها كان فخورًا أو خجولًا.
كان كيليان، الذي يجلس على المنصة، يُراقب أرتيا المُحاطة بالناس، وقد ارتسمت على شفتيهِ ابتسامة.
كانت ابتسامةً حلوة لدرجة أنْ أيِّ شخصٍ رآها في تلكَ اللحظة كان ليُغمى عليهِ مِن الدهشة.
كان الحفل مُمتعًا للغاية.
وبحلول نهاية الحفل، صاحت ماريغولد، التي احمرّ وجهُها بفعل الكحول.
“هَذا يومٌ مميز أصبحت فيهِ تيّا إيثيريال، مٍن المؤسف أنْ ينتهي بهَذهِ البساطة! تعالوا إلى منزلي لنمرح طوال الليل!”
كانت تبدو مُستعدةً لإنفاق كُل ما في منزلها مِن مشروبات وطعام لإقامة حفلة.
لكن أرتيا رفضت عرضها، رغم امتنانها.
“الوقت متأخر اليوم، والجميع لا بد أنهم مُتعبون، لذا سأدعوكم رسميًا في وقتٍ لاحق.”
عبُست ماريغولد، لكنها لَمْ تستطع الإلحاح أكثر، لأن زوجها، الكونت غولدجوس، حملها بين ذراعيهِ ووضعها في العربة.
هزّت داليا رأسها بيأس، واحمرّ وجه فريجيا خجلًا، بينما صفّقت أرتيا بعينيها المُتألقتين.
وبعد أنْ ودّعت صديقاتها وعادت إلى المنزل، وجدت أنْ الخدم، الذين سمعوا بالأمر، قد زينوا القصر بالكامل بالزهور وهم بانتظارها.
“تهانينا، سيدتي!”
ابتسمت أرتيا بفرحٍ، وهي تُمسك باقة زهورٍ أكبر مِن جسدها.
“شكرًا لكم جميعًا.”
ولَمْ يكُن شكرها مًجرد كلمات.
“بِمُناسبة هَذا الحدث السعيد، أمنح جميع الخدم إجازة، استمتعوا بوقتكم!”
هتف الخدم بحماسٍ شديد لدرجة أنْ القصر كُله اهتزّ بصوتهم المدوي.
باستثناء شخصٍ واحد فقط— بيبي، التي ظل وجهُها خاليًا مِن التعبير.
“أنا أفضل البقاء بجانب سيدتي…….”
دخلت بيبي إلى غرفة أرتيا وسألتها.
“هل أجهّز لكِ ماء الاستحمام؟”
“لا، سأفعل ذَلك بعد قليل.”
هل هي مُتعبة؟ فهي دائمًا تستحم مُباشرةً بعد عودتها مِن الخارج……؟
“حسنًا، أخبريني عندما تحتاجين إلى شيء.”
بعد مُغادرة بيبي، جلست أرتيا أمام مرآتها ونظرت إلى انعكاسها.
رغم أنها أمضت ساعاتٍ في الحفل، إلا أنْ مظهرها ظل جيدًا بفضل اللمسات التجميلية المُتكررة. لكنها مع ذَلك رتّبت شعرها مرةً أخرى وأعادت وضع أحمر الشفاه.
وبينما كانت تُحدق في المرآة تبحثُ عن أيِّ شيءٍ آخر تحتاج لتعديله، سمعت صوتًا خلفها، فاستدارت بسرعة.
كان كيلّيان واقفًا عند النافذة.
ابتسمت أرتيا ابتسامةً مُشرقة.
“مرحبًا بك، جلالتُك.”
“هل تبتسم لي رغم أني لستُ في هيئة نوي؟”
حاول كيليان، الذي شعر بحماسٍ كالطفل، أنْ يُخفي مشاعره.
“كنتِ تتصرفين دائمًا مثل أرنبٍ مذعور، لكن اليوم تبدين وكأنكِ كنتِ تتوقعين مجيئي.”
“نعم، كنتُ أعلم بأنكَ ستأتي.”
“……!”
“لطالما أتيت إليّ في الأوقات المُهمة، جلالتك.”
حدّق كيليان في أرتيا، التي كانت تبتسمُ ببراءة.
رغم أنهما كانا في نفس المكان طوال الحفل، إلا أنهما لَمْ يتبادلا أيِّ حديثٍ حقيقي. لأن أرتيا لَمْ تكُن ترغب بذَلك.
والآن، حيث أصبحا وحدهُما، استطاع كيليان أخيرًا قول ما كان يرغبُ في قوله طوال الوقت.
“مُبارك.”
تلقت أرتيا اليوم تهاني أكثر مِن أيِّ يومٍ آخر في حياتها.
لكن كلماتُه لَمْ تكُن مصحوبةً بأيِّ ابتسامةٍ مشرقة أو حماسٍ ظاهر، بل كانت مُجرد تهنئةٍ جافة.
ومع ذَلك……
‘لماذا ينبضُ قلبي بهَذهِ السرعة؟’
احمرّ وجهُ أرتيا، ثم التقطت شيئًا مِن على الطاولة.
كانت وردةً ذهبيةً لامعة.
“لقد قدمتُ وردةً واحدة كهدية لأصدقائي المُقربين، وجلالتُك مِن أعز أصدقائي أيضًا…….”
أرتيا ابتلعت ريقها وهي تنظرُ إلى وجه كليان الغامض، غير القابل للقراءة.
كانت الوردة الذهبية زهرة ترمز إلى المرأة الجميلة.
هل سيتفاجأ بمنحها له؟ أم سيشعرُ بالحرج؟
بما أنه يراها كُل يوم في القصر الإمبراطوري، رُبما لَن يكون للأمر أيُّ تأثيرٍ عليه؟
لكن كل توقعات أرتيا كانت خاطئة. نظر كيليان إليّها بعينين اتسعتا قليلًا، وكأنه تلقى هديةً لَمْ يكُن يتوقعها أبدًا.
“…….”
لمست يد كيليان يد أرتيا للحظةٍ قبل أنْ تنسحب. ثم، دوّن أنْ تدري، وجدته يحمل الوردة الذهبية بالقرب مِن شفتيه، وعيناه تلمعان بانحناءة جميلة.
“يا لهو مِن شرف.”
كانت عيناه القاتمتان، التي لطالما بدت كمخالب وحشٍ مُفترس يُراقب فريسته، تتألق الآن بسطوعٍ يفوق نور الوردة الذهبية.
راقبت أرتيا المشهد بذهولٍ قبل أنْ ترفع يدها على عجل إلى صدرها، خوفًا مِن أنْ يسمع دقات قلبها المُتسارعة.
وفي تلكَ اللحظة، وصل إلى مسامعها صوت كيليان العميق.
“أريدُ أنْ أقدم لكِ هدية تهنئةٍ أيضًا. ماذا تريدين؟”
لَمْ تُصدم أرتيا، ولَمْ ترفض بلطف.
بل أمالت رأسها قليلًا، وكأنها كانت تتوقع هَذا السؤال، وبدأت تُحرك عينيها قبل أنْ تُجيب بثبات.
“أنا…….”
***
بعد لحظات، كانت أرتيا مُمتطية ظهر فهد أسود ضخم.
لَمْ تكُن الهدية التي طلبتها شيئًا جامحًا مثل ‘أريدُ أنْ أركب فهدًا أسود!’
ورغم ذَلك، حدث هَذا الأمر المذهل لأن كيليان قرر أنْ هَذا كان أسهل طريقةٍ لمنحها هدية.
“ماذا لو سقطت؟!”
عند سؤالها المُرتعب، أجاب الفهد الأسود.
“لَن تسقطي.”
“ماذا لو رآنا أحد؟”
“لَن يرانا أحد.”
“لكن، بغض النظر عن كُل شيء، أنا…….”
“لننطلق.”
تحرك الفهد الأسود.
كانت سرعتُه مبهرةً لدرجة أنْ شعر أرتيا تطاير بقوة.
ومع ذَلك، وعلى عكس مخاوفها، لَمْ يكُن هُناك اهتزاز، وكان أكثر راحةً حتى مِن عربة فاخرة.
‘كيف يُمكن أنْ يكون هَذا مُمكنًا مع هَذهِ السرعة؟ هل هو تأثير السحر؟’
لَمْ يكُن لديها حتى وقتٌ للتفكير في ذَلك، فَقبل أنْ تُدرك، كانا قد وصلا إلى القصر الإمبراطوري. وعند رؤية الأسوار العالية، شعرت مُجددًا بالذعر.
“جلالتُك، أعتقد أنه سيكون مِن الأكثر أمانًا أنْ تعود إلى شكلكَ الطبيعي وندخل عبر البوابة الرسمـ …….”
بووووم—
مع صوت الرياح، قفز الفهد الأسود في الهواء.
كما لو أنْ الجاذبية اختفت، ارتفع عاليًا وقفز فوق أسوار القصر الإمبراطوري الشاهقة.
عندما هبط بهدوءٍ شبه مُطلق، نظرت إليّه أرتيا بصدمةٍ.
“كيف فعلتَ ذَلك؟ هل طِرنا للتو؟!”
“شيءٌ مُشابه.”
ردّ الفهد الأسود بلامُبالاة، رغم أنْ ما حدث كان أشبه بمعجزة. ثم واصل الركض عبر الظلام إلى أنْ وصلا إلى أعماق القصر الإمبراطوري، حيث ظهرت أمامهما حديقةٌ صغيرة.
على الرغم مِن أنْ الليل كان هادئًا لدرجة أنْ حتى زقزقة الطيور لَمْ تُسمع، إلا أنْ هَذا المكان كان مُشرقًا كما لو أنه أُضيء بعشرات المصابيح.
كان ذَلك بفضل الأزهار الذهبية التي تفتحت بالكامل—كنز القصر الإمبراطوري، حديقة الورود الذهبية.
غطّت أرتيا فمها بيدها، وكأنها لا تُصدق ما تراه.
قبل ساعاتٍ قليلة فقط، كانت الهدية التي طلبتها هي
‘أريدُ رؤية حديقة الورود الذهبية.’
في ذَلك الوقت، وبعد أنْ طلبت ذَلك مُباشرةً، شعرت بالحرج وبدأت تتراجع.
“…… هل هَذا طلبُ مُبالغٌ فيه؟”
“بإمكانكِ حتى أنْ تطلبي الحديقة بأكملها.”
عندها، أضاءت عينا أرتيا للحظة برغبةٍ خفية، لكنها سرعان ما استعادت رباطة جأشها وهزّت رأسها.
“مُجرد رؤيتها مرةً واحدة يكفيني.”
كانت حديقة الورود الذهبية مشهورةً بجمالها الساحر، لكن قلةُ قليلة فقط تمكنوا مِن رؤيتها بأعينهم، إذ كان دخولها مقصورًا على العائلة الإمبراطورية.
ولهَذا السبب تحديدًا، كانت تُثير فضول الجميع.
وكان المشهد أمامها الآن……
“رائع…….”
تمتمت أرتيا وهي تتجول بين الأزهار بعينين مبهورتين.
أما كيليان، الذي عاد إلى هيئتهِ البشرية، فقد مشى بجانبها، بخطواتٍ هادئة تتماشى مع خطواتها المتأنية.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة