البحث عن زوج للدوقة - 116
الفصل 116 : الأميرة المليئة بالجراح ³²
أصبحت أرتيا صديقةً له، لكنها لَمْ تكُن تنوي التظاهر بمعرفتهِ في مثل هَذا المكان. لا أحد يعلم ما قد يُقال عنها.
كيليان، الذي كان يُدرك مشاعرها، لَمْ يقترب منها عمدًا.
بدلًا مِن ذَلك، ارتسمت على شفتيهِ ابتسامةٌ خفيفة بينما انحنت عيناه الحادتان بلطف، وكأنهُ وحشٌ مفترس يُخفف مِن شراسته للحظةٍ وجيزة.
ابتسامةٌ خاطفةٌ للأنفاس، لكنها ذات تأثيرٍ هائل.
“هآه!”
تعالت شهقاتٌ متفرقة مِن هُنا وهُناك، حتى أنْ بعض السيدات كدنَ يتعثرن وكأنْ قواهنَّ قد خارت.
بذَلك التصرف البسيط، أحكم الأمير المُتعجرف قبضته على أجواء الحفل بالكامل، قبل أنْ يجلس بهدوء على المقعد المُعدّ له على المنصة.
ومع دخول أفراد العائلة الإمبراطورية الآخرين، بلغ الحفل ذروته.
عندها، صدح صوت حجب القصر كُله.
“جلالة الإمبراطورة تصل!”
على الفور، خيَّم الصمت التام على القاعة التي كانت تعجُّ بالهمسات.
ظهرت الإمبراطورة على المنصة.
فيليسيتي فون أورفيوس، زوجة الإمبراطور، والدة الأمير الأول أرسين والأمير الثاني كيليان.
لكن، على عكس الاسم القوي الذي تحمله، بدت وكأنها زهرةٌ وردٍ لَمْ يبقَ منها سوى الأشواك—جسدُها هزيل، وهالةٌ مِن البؤس تُحيط بها.
دوَّى صوتها الكئيب في القاعة.
“يبدو أنْ هَذا العام كان حافلًا بالأحداث الصاخبة في المُجتمع الأرستقراطي.”
توجهت نظراتها نحو شخصين…
أرتيا و فريجيا.
امرأةٌ طلَّقت زوجها.
وامرأةٌ أرسلت زوجها إلى السجن.
لَمْ تكُن الإمبراطورة مِن مُحبي الفوضى، لذا كانت تصرفاتُهما في غاية الإزعاج بالنسبة لها.
شعرت فريجيا بتلكَ المشاعر، فانكمشت بخوف، لكن أرتيا أمسكت بيدها وهمست مُطمئنةً.
“لا داعي للخوف. جلالتُها ليست مِن النوع الذي يلوح بالسوط لمُجرد أنها لا تُعجَب بأحد.”
رغم حدَّتها، لَمْ تكُن الإمبراطورة قاسيةً لدرجة اضطهاد الأبرياء… على الأقل، هَذا ما كانت تعرفُه أرتيا عنها.
وكما توقعت، لَمْ تواصل الإمبراطورة التحديق بهُما، بل تابعت كلامها.
“حتى في خضم الفوضى، لا بد أنْ تتفتح الأزهار. والآن، حان الوقت للإعلان عن الإيثيريال، تلكَ التي نالت احترام الكثير مِن السيدات هَذا العام.”
في تلكَ اللحظة، تألقت أعين السيدات الجميلات بطموحٍ مُتقد.
إيثيريال.
لقبٌ مرموق لا يُمنَح إلا للسيدة الأروع والأكثر أناقة وجمالًا في العام، والتي تحظى بإجماع النبلاء.
وسط الترقب المشحون، نظرت أرتيا إلى فريجيا بوجهٍ هادئ.
رغم أنْ زوجها، كونت إليزيوم، قد ارتكب الجرائم، إلا أنْ سمعة فريجيا لَمْ تتأثر كثيرًا.
ذَلك لأنها لَمْ تتستر على أفعاله، بل اعترفت بجرائمهِ علنًا، كما قدَّمت تعويضًا ماليًا ضخمًا لأرتيا.
لذَلك، لَمْ يُنظر إليّها على أنها مُجرد امرأةٍ واجهت عُنف زوجها بشجاعةٍ فحسب، بل أيضًا كسيِّدةٍ تتحلى بالمسؤولية.
كان لا يزال هُناك الكثير مِمَن يكنُّون لها الاحترام.
‘كما قالت عمتي… هَذا العام، ستنال فريجيا لقب الإيثيريال.’
لَمْ تشعر أرتيا بأيِّ خيبة أملٍ حيال ذَلك.
كُل ما كانت تأمله هو أنْ تفوز فريجيا باللقب، حتى تتخلص تمامًا مِن أيِّ وصمة بأنها المرأةٌ التي جعلت زوجها مُجرمًا، وتتمكن مِن التألق بثقةٍ وجمال.
لأنها صديقتُها.
عندها، تلاقت عيناها بعيني فريجيا.
وفي اللحظة التي انحنت فيها عينا فريجيا بلطفٍ، دوَّى صوت الإمبراطورة في القاعة.
“أرتيا فون إيدينبرغ.”
…عفوًا؟
“أنا؟”
حدَّقت أرتيا بعينين واسعتين في ذهول، بينما ابتسمت فريجيا لها بإشراقةٍ ساحرة.
وفي تلكَ اللحظة، أدركت أرتيا أنْ فريجيا قد دبرت أمرًا ما.
وكما توقعت، خلال الشهر الماضي، لَمْ تحضُر فريجيا الحفلات العامة، لكنها قامت بزيارة العديد مِن السيدات الأرستقراطيات المُقربات منها.
“الشخص الذي منحني الشجاعة لأخطو خطوةً إلى الأمام، والذي أمسك بيدي ودعمني… هي أرتيا فون إيدينبرغ. أرجوكنَ، لا تنسين ذَلك.”
استوعبت السيدات رسالتها، مِما أدى إلى هَذهِ النتيجة اليوم.
وقبل أنْ يتسنَّى لأرتيا حتى أنْ تسأل ما الذي يجري؟ أشرقت ابتسامة فريجيا مُجددًا.
“مبروك، أرتيا!”
لَمْ تكُن مُجرد مجاملة، بل تهنئةً خالصة، نابضةً بالفرح.
نظرت أرتيا حولها، فرأت ماريغولد، داليا، بينيلوب، كلارا، والعديد مِن السيدات يبتسمنَ لها.
حتى السيدة كلوي، والدة كالفين، التي كانت ترتدي ثوبًا مُزينًا بزخارف الأزهار وتُظهر بعض خصلات الشعر الرمادية، كانت تبتسمُ بلطف.
قالت كلوي برقة.
“اصعدي بسرعة. لا ينبغي أنْ تتركي جلالة الإمبراطورة تنتظر—فَهَذا يًخالف قواعد اللياقة.”
“آه، نعم!”
أفاقت أرتيا بالكاد مِن صدمتها، ثم رفعت طرف تنورتها وصعدت إلى المنصة.
عندما وقفت أمام الإمبراطورة، ابتلعت ريقها بصعوبة.
هَذهِ أول مرةٍ تراها عن قرب.
بدت أكثر مرضًا وحدةً مِما كانت تبدو عليهِ مِن بعيد…
‘عيناها تُشبه عينا سموّ الأمير كيليان…’
دوّن أنْ تشعر، وجدت أرتيا نفسها تبحثُ عن ملامح كيليان في الإمبراطورة، لكن صوتها أعادها إلى وعيّها.
“أهنئكِ على حصولكِ على أعلى عددٍ مِن الأصوات بين سيدات المُجتمع هَذا العام.”
رغم كلمات التهنئة، بقيت عينا الإمبراطورة البنفسجيتان باردتين تمامًا.
“لقب الإيثيريال يُمنح للسيدة الأكثر جمالًا ورُقيًّا. آمل أنْ تتذكري وزن هَذا الاسم في تصرفاتكِ المُستقبلية.”
بمعنى آخر، كُفي عن إثارة الضجيج والتزمي الهدوء، أليس كذَلك؟
ابتسمت أرتيا ابتسامةً مُشرقة، دوّن أنْ تُظهر أيِّ إزعاج مِن توبيخ الإمبراطورة.
“نعم، سأحفظُ نصيحة جلالتكِ الحكيمة في أعماق قلبي.”
“…….”
لَمْ تبدُ الإمبراطورة راضية حتى عن هَذا الرد، لكنها قدَّمت باقة الزهور التي كانت تحملُها الوصيفة.
كانت تلكَ زهور الورود الذهبية، التي لا تنمو إلا في القصر الإمبراطوري.
تلقَّت أرتيا الزهور بأدبٍ بالغ ورُقيٍّ لا تشوبه شائبة.
“كـ إيثيريال، ألقي كلمة.”
بناءً على أمر الإمبراطورة، تقدمت أرتيا إلى وسط المنصة وهي تحمل باقة الزهور.
رغم حضورها العديد مِن الحفلات في القصر الإمبراطوري، إلا أنْ هَذهِ كانت أول مرةٍ تقفُ على المنصة.
‘هَكذا يبدو المشهد مِن هُنا…’
تمكنت مِن رؤية وجوه الحضور بوضوح.
بعضهم كان يبتسم بسعادة، والبعض الآخر لَمْ ينجح في إخفاء خيبة أمله، بينما كان هُناك قلةٌ تنظر إليّها بعيونٍ يغمرها الحسد.
ثم… وقع نظرها على كيليان.
رغم المسافة بينهما، شعرت كما لو أنه يقفُ أمامها مُباشرةً، رُبما بسبب ذَلك التوهج الواضح في عينيه الذهبية.
بشكلٍ غريب، في اللحظة التي التقت بها عيناه، تبددت كُل توتراتها تمامًا.
شعرت وكأنها قد كسبت أقوى داعمٍ لها في العالم، مِما منحها شجاعةً لا مُتناهية.
احمرَّ وجهُها قليلًا وهي تفتحُ شفتيها لتتحدث.
“كما تعلمون جميعًا، حتى وقتٍ قريب، بالكاد كنتُ أشارك في أيِّ أنشطةٍ اجتماعية. لطالما قلتُ بإنني مريضة، لكن الحقيقة هي أنني كنتُ خائفةً مِن حضور مثل هَذهِ التجمعات، حيث تجتمع السيدات الراقيات الأنيقات والذكيات. كنتُ أعتقد أنني لا أرقى إلى مستواهنَّ.”
في الحقيقة، كانت أرتيا الحقيقية مُجرد فتاةٍ مذعورة تختبئُ في غرفتها وتنكفئ على ذاتها.
لكن في أعماقها، كانت ترغبُ في التحلي بالشجاعة، في مُغادرة غرفتها، والوقوف أمام الناس بفخرٍ كابنة دوق إيدينبرغ.
تمامًا كما تفعل الآن.
“ثم حدث شيءٌ غيرني. قررت أنْ أتحلى بالشجاعة.”
انفصلت عن زوجها الذي لَمْ يُسبب لها سوى الألم، وبدأت في المشاركة في المُجتمع.
وحينها فقط، أدركت كم كانت مُخطئة.
“لطالما بدت السيدات الأخريات كاملاتٍ بلا أيِّ نقص، لكن الواقع كان مُختلفًا تمامًا.”
ماريغولد، رغم قوتكِ الظاهرة، كنتِ تشعرين بالحزن بسبب طفلةٍ صغيرة.
داليا، رغم هدوئكِ، كنتِ تحملين شغفًا مُتقدًا وقلمًا ساحرًا.
فريجيا، رغم رقتكِ وكأنكِ أميرةٌ مِن قصةٍ خيالية، كنتِ تخوضين معركةً ضارية ضد العذاب الذي سببهُ لكِ زوجكِ.
ولَمْ يكُن الأمر يقتصر على هؤلاء الثلاث فقط.
“كُل واحدةٍ كانت تُخفي شيئًا—كنَّ يقلقن، يتألمن،
يبكين، يكرهن، يغرن، يخشين، ويندمن… ورغم ذَلك، كنَّ يبتسمن أمام الجميع.”
“…….”
تحت أنظار السيدات المُتقدة، تابعت أرتيا حديثها.
“يطلقون لقب إيثيريال على السيدة التي يعتبرونها الأروع بينهنَّ. ولكنني، مِن هَذا المكان، أرغب في مشاركة هَذا الشرف مع الجميع هُنا، لأننا جميعًا خضنا عامًا حافلًا بالصراعات والتألق.”
نظرت أرتيا إلى الإمبراطورة.
“جلالة الإمبراطورة، هل لي أنْ أشارك هَذهِ الزهور مع الآخرين؟”
‘بدلًا مِن أنْ تُنهي حديثها بكلمة مُجاملة وتنزل، تقول كلامًا غريبًا…!’
شعرت الإمبراطورة بالضيق، لكنها لَمْ تًمنعها.
لَمْ تكُن شخصًا لطيفًا، لكنها لَمْ تكُن بليدةً لدرجة أنْ تتجاهل الجو العام.
“هي لكِ، افعلي بها ما تشائين.”
“أشكركِ.”
انحنت أرتيا باحترام، ثم قامت بفك الشريط الذي يربط الباقة.
أخذت وردةً ذهبية واحدة وقدَّمتها للإمبراطورة.
“أهديها لجلالتكِ، التي ترعين هَذهِ الإمبراطورية كأمٍّ لها، وتبذلين جهدكِ في الاعتناء بها.”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة