البحث عن زوج للدوقة - 111
الفصل 111 : الأميرة المليئة بالجراح ²⁷
“تتجرئين على الكلام مُجددًا دوّن خوف.”
“بما أنه لَمْ يُوضع أيُّ شيءٍ على فمي، لا يبدو أنْ الأمر يعني أنهُ لا ينبغي لي التحدُث… هل ارتكبتُ خطأً؟”
لَمْ يبتسم الكونت إليزيوم رغم كلام أرتيا المازح. بل نظر إليّها بنظرةٍ حادةٍ كالنصل.
“لَمْ أضع شيئًا في فمكِ لأتمكن مِن سماع صراخكِ بوضوح.”
ثم أخرج الكونت إليزيوم سوطًا قديمًا مُخصصًا لركوب الخيل كما لو كان يفتخرُ به. وعندما رأت أرتيا ذَلك، فتحت عينيها على اتساعهما.
“كما توقعت، لقد تعرفتِ عليه. نعم، إنهُ السوط الذي ضربتُ بهِ فريجيا.”
“……!”
“في كُل مرةٍ كنتُ أضربها بالسوط، كانت تتلوى مِن الألم، وكان مظهرها مُثيرًا للشفقة وجميلًا في آنٍ واحد…”
كان ينظرُ إلى الماضي بعينين مُفعمتين بالحنين، لكن هَذا التعبير الحنون سرعان ما تحول إلى نظرةٍ مرعبة.
“اليوم، سأستخدمُ هَذا على جسدكِ. سأجلدُكِ حتى تصرخي بأعلى صوتكِ وتتوسلي لي أنْ أتوقف، حتى لا تجرئي على النظر إليّ بتلكَ العيون مُجددًا، وحتى أشعر بالسلام الداخلي.”
رفع الكونت إليزيوم زاوية شفتيهِ بابتسامةٍ مُلتوية.
“عندما ترى فريجيا حالتكِ، ستُدرك أخيرًا الأمر وتعود إليّ، أليس كذَلك؟”
في تلكَ اللحظة، أدركت أرتيا أنْ الرجُل الذي أمامها ليس في كامل قواهُ العقلية!
حاولت الوقوف والهرب، لكن ساقيها ارتعشتا وسرعان ما انهارت. كان تأثير الدواء الذي استخدمهُ الكونت إليزيوم لإفقادها وعيّها لا يزال ساريًا.
وبينما كانت مُلقاةً على الأرض، اقترب الكونت إليزيوم منها وهو يرفعُ السوط.
بدأ جسد أرتيا يرتجفُ بشدة.
في هيئة الكونت إليزيوم، تداخلت صورة والدها، بينديكت.
كان بينديكت في كُل مرةٍ تعجزُ فيها ابنتُه عن التحدث بطلاقة، يضربُها بالعصا بحجة تعليمها.
لقد كان الأمر مُخيفًا ومؤلمًا للغاية.
ومع ذَلك، لَمْ يكُن أمام أرتيا خيارٌ سوى عضّ شفتيها وتحمل ذَلك بصمت.
أبٌ قاسٍ يضربُ ابنته الصغيرة، وأمٌ مريضة لا تجرؤ على منعه، بل تكتفي بذرف الدموع.
لَمْ يُساعدها أحد.
لكن في هَذهِ اللحظة الحرجة، خطرت ببالها صورة شخصٍ ما.
ذَلك الشخص الذي كان يظهرُ دائمًا عندما تكون في أمسّ الحاجة إليّه…
“كيليان…”
لَمْ يكُن نطقها لاسمه تفكيرًا واعيًا، بل خرج كتعويذةٍ تُحاول بها تبديد خوفها.
“صاحب السمو كيليان…!”
وما إنْ نطقت باسمهِ مُجددًا، حتى تحطم زُجاج النافذة إلى شظايا، وظهر نمرٌ أسود ضخم.
كانت عيناهُ الذهبيتان تشعّان بوميضٍ شرس وهو ينقضّ على الكونت إليزيوم. وفي اللحظة التي همّ فيها النمر الأسود بغرس أنيابهِ الحادة في عُنق الكونت إليزيوم، صرخت أرتيا.
“توقف!”
رغم أنهُ بدا وكأنه لَن يستجيب لأوامر أحد، إلا أنٌ النمر الأسود توقف في الحال.
“لماذا؟”
كانت عيناهُ الذهبيتان تتوهجان بشكلٍ مُخيفٍ وهو يطرح ذَلك السؤال الصامت.
بصوتٍ مُرتجف ودموع تملأ عينيها.
“لأنني… لا أريدُ أنْ تتلطخ يديك بدماء شخصٍ كهَذا…”
لَمْ يكُن السبب أنها لا تُريد قتله لأنه أمرٌ خاطئ أو قاسٍ.
لقد كان شيئًا لَمْ يسمعهُ في حياته مِن قبل.
حدّق النمر الأسود في أرتيا وكأنهُ لا يستطيع فهم كلماتها، ثم نظر إلى الكونت إليزيوم المُلقى تحت مخالبه.
كان الكونت إليزيوم، الذي وُجد فجأةً أسفل هَذا الوحش الضخم، في حالةٍ مِن الصدمة والخوف لدرجة أنه بدا شبه فاقد للوعيّ.
“أ-أرجوك، لا تقتلني، لا تقتلني…”
ارتجف الكونت إليزيوم بعينين شاردتين، وعندما همّ النمر الأسود بفتح فمهِ مُجددًا ليغرس أنيابهُ فيه…
“آااااه!!”
أطلق الكونت إليزيوم صرخةً وسقط مغشيًا عليه.
في تلكَ اللحظة، عاد النمر الأسود إلى هيئة كيليان، الذي اقترب مِن أرتيا.
“أنا آسفٌ لأنني تأخرت.”
كان الرجُل الذي بدا دومًا مُتغطرسًا وقويًا، يعتذر الآن بوجهٍ يملؤه الألم، وكأنه يُحمّل نفسه الذنب.
أرتيا، التي كانت تُحدق فيهِ بذهول بسبب هَذا المشهد غير الواقعي، فقدت توازنها. وسرعان ما أمسك بها كيليان ودعمها.
ظنت دائمًا أنْ جسدهُ صلبٌ وقاسٍ، لكنهُ كان…
‘دافئ…’
مع هَذا الدفء، سمعت بوضوحٍ دقات قلبهِ في أذنها.
دق… دق… دق… دق…
كان هَذا الإيقاع المُنتظم يبدو وكأنهُ تهويدةٌ تهدئها، قبل أنْ تُغلق عينيها ببطء.
* * *
حمل كيليان أرتيا وعاد بها إلى قصر إيدنبرغ، حيث كانت بيبي بانتظارهما. ما إنْ رأته حتى ركضت نحوه بسرعة.
“سيدتي!”
“لقد نامت بسبب الارتخاء الشديد بعد التوتر، لكنها لَمْ تُصب بأيِّ أذى خطير.”
لَمْ يكُن مِن طبعه أنْ يشرح الأمور بتفصيلٍ ممل.
والسبب الوحيد الذي جعلهُ يقول هَذا لَمْ يكُن لطمأنة الخادمة المُخلصة التي احمرّت عيناها مِن شدة القلق على سيدتها، بل ليجعلها تتوقف عن إزعاجه.
“سأعتني بها حتى تستيقظ.”
“أعتذر، ولكن رعاية سيدتي هي مُهمتي.”
“أعلم. ولكنني أريدُ القيام بذَلك.”
أميرٌ وخادمة.
كان الفرق في المكانة بينهُما شاسعًا لدرجة أنْ مُجرد وضعهما معًا في جملةٍ واحدة يعد أمرًا غير منطقي. ومع ذَلك، لَمْ تبدُ بيبي خائفةً على الإطلاق وهي تنظر مُباشرةً إلى كيليان.
العاطفة التي كانت تملأ عينيه الذهبيتين، التي كانت تتلألأ كما لو سُكِب فيها الذهب، لَمْ تكُن سوى رغبةٍ عارمة. كانت النظرة الشرسة التي يُلقيها الذكر عندما يُحاول حماية أنثاه مِن أنْ تؤخذ منه.
أدركت بيبي بغريزتها أنها، مهما فعلت، لَن تتمكن مِن إبعاده عن سيدتها.
‘هَذهِ ليست اللحظة المُناسبة لخوض صراعٍ معه بينما سيدتي فاقدةٌ للوعي.’
وبما أنها كانت تُدرك أنْ مشاعر كيليان تجاه أرتيا صادقة، قررت التراجع خطوةً إلى الوراء.
“حسنًا، إذن سأتركُها لكَ.”
أتركُها لكَ.
لماذا بدت لهُ هَذهِ الكلمات القصيرة مزعجةً هَكذا؟
شعر كيليان بالغرابةٍ وهو يمر بجانب بيبي ويدخل الغرفة.
دخل كيليان إلى الغرفة ووضع أرتيا على السرير. كانت حركاتُه أكثر حذرًا حتى مِن التعامل مع طفلٍ نائم.
ظلّ يُحدق في أرتيا بعينيهِ المُغمضتين.
عندما سمع خبر اختفائها، شعر وكأنْ دمهُ قد استُنزف بالكامل. كانت تلكَ المشاعر المُرعبة التي لَمْ يشعر بها حتى في ساحة المعركة… خوفًا.
كان خائفًا مِن أنْ تتأذى.
بشدة، وبشدةٍ كبيرة.
مرر كيليان يدهُ على خصلات شعرها الفضي وهو يُتمتم بصوتٍ خافت.
“ماذا فعلتِ بي، أرتيا فون إيدينبرغ…؟”
رغم كلماته التي بدت وكأنها تحملُ لومًا، إلا أنْ عيناه الذهبيتين كانتا ممتلئتين بعاطفةٍ تكاد تفيض بالبكاء.
***
مع بزوغ الفجر، فتحت أرتيا عينيها. فرأت كيليان جالسًا في الظلام.
“صاحب السمو…”
اتسعت عينا كيليان قليلًا عندما سمع صوتها الضعيف الخارجًا مِن شفتيها الجافتين.
“أنا… عطشة…”
رفعها كيليان برفق وساعدها على الجلوس، ثم وضع الكوب على شفتيها.
شعرت أرتيا ببعض الارتباك، لكنها لَمْ ترفُض مساعدته وشربت الماء بهدوء.
ثم، بينما كانت تنظرُ إليّه وهو يشعرُ بالراحة لرؤيتها تستعيدُ وعيّها، فتحت شفتيها ببطء وقالت.
“صاحب السمو… أنتَ نوي، أليس كذَلك؟”
رغم أنهُ كان سؤالًا قد توقعه، إلا أنْ قلب كيليان سقط مِن صدره للحظة.
ولكنهُ كان يعلم أنْ هَذا الحوار لا مفر منه، لذا تظاهر بالهدوء وأومأ برأسه.
“نعم.”
كان قد تخيل هَذا الموقف مِن قبل.
ماذا سيكون رد فعل أرتيا فون إيدينبرغ عندما تكتشف أنْ القط الأسود هو كيليان نفسه؟
هل ستندهش؟ هل ستشعرُ بالخوف؟ أم ستُصاب بخيبة أمل؟
كل تلكَ الاحتمالات كانت سيئة، لكن الأسوأ بينها جميعًا كان أنْ تقطع علاقتها بهِ تمامًا.
‘صاحب السمو كيليان، أنتَ نوي؟ هَذا مُقزز. لا تقترب مني مُجددًا.’
مُجرد تخيل ملامحها الباردة وهي تنبذُه جعله يشعرُ بوخزٍ مؤلم في صدره، مِما دفعهُ إلى استنتاجٍ جبان.
‘أتمنى ألا يُكشف هَذا الأمر أبدًا.’
ولكن، كما هو متوقع مِن ذكائها الحاد، اكتشفت الحقيقة في النهاية.
‘هل انتهى كُل شيءٍ الآن؟’
يا لسخرية القدر، فَفي تلكَ اللحظة، تذكّر الأيام التي قضاها مع أرتيا في هيئة القط الأسود.
تذكّر ابتسامتها المُشرقة وهي تناديه. نوي!
لَمْ يكُن يُريد أنْ يفقد ذَلك المشهد أبدًا.
ولكنهُ لَمْ يستطع التفكير في طريقةٍ لابقائه به.
آلاف الكتب التي قرأها منذُ صغره، دروس أعظم العلماء في الإمبراطورية، لَمْ يكُن أيُّ منها مفيدًا له الآن.
لو توسلت لها…
‘لو ركعتُ لها وتوسلت بإخلاص، هل ستقبلُني مُجددًا؟ هل ستبتسمُ لي كما كانت تفعل؟’
عندما كاد أنْ يتحرك دوّن وعيّ، قاطعتهُ أرتيا بصوتها العذب.
“كما توقعت.”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
《واتباد: cynfti 》 《انستا: fofolata1 》