البحث عن زوج للدوقة - 109
الفصل 109 : الأميرة المليئة بالجراح ²⁵
“عمّتي…”
عندما طلبت منها أن تلتقي بكالفين سابقًا، لَمْ يتبادلا سوى الرسائل، وحتى حين التقيا في الحفلات، كانت تحياتُهما مقتضبة. لذا، كانت هَذهِ أول مرةٍ يواجهان بعضهما عن قرب منذُ نصف عام.
وقفت إيفانجلين بوجهٍ بارد، وما زالت تشعُ بهيبةٍ هائلة.
“لقد افتعلتِ ضجةً لا بأس بها.”
فهمت أرتيا على الفور المغزى مِن كلمات إيفانجلين المًختصرة.
لابد أنها تُشير إلى محاكمة فريجيا.
“المُجتمع لا يتحدث إلا عن كونتيسة إليزيوم. لقد أجدتِ تضخيم القضية، ونجحتِ في خلق رأيٍّ عام إيجابي لصالحها. لقد هززتِ مشاعر النساء اللاتي مررن بمعاناةٍ مُماثلةٍ ببراعة. ولكن…”
أستمر صوتها الأنيق والحازم.
“بغض النظر عن مدى اجتهادكِ، فإنْ بطلة هَذهِ القضية تبقى فريجيا فون إليزيوم. ستكون هي إيثيريال هَذا العام.”
اتسعت عينا أرتيا بدهشةٍ غير متوقعة.
بينما كانت إيفانجلين تُحدق في وجهها، تساءلت في سرها.
‘هل كانت تتوقع هَذا الأمر بثقة؟ أم أنها لَمْ تُفكر فيه إطلاقًا وتشعر الآن بالخذلان؟’
لكن رد فعل أرتيا خالف تمامًا توقعاتها.
فقد ابتسمت أرتيا بهدوء.
“لا بأس بذَلك. لَمْ أفعل ما فعلتُه لأصبح الإيثيريال.”
قبل بضعة أشهر، عندما لفتت انتباه ماريغولد في الشارع، لَمْ يكُن الأمر كذَلك.
آنذاك، كانت أرتيا تطمحُ إلى لقب إيثيريال.
أرادت التقرُب مِن سيدات الزهور اللاتي يتحكمنَ بالمجتمع الراقي، واستغلال ذَلك لجذب اهتمام وإعجاب العديد مِن النساء.
لكن… متى تغيّر كُل شيء؟
متى تلاشى ذَلك الطموح مِن عقلها؟
ومتى أصبحت مشاعرُها تجاه هؤلاء النساء صادقة؟
لَمْ يعُد يهمها مَن سيحصل على اللقب، فقد كسبت شيئًا أثمن بكثير.
“لقد وجدتُ صديقاتٍ رائعات. وهَذا يكفيني.”
“…..”
اتسعت عينا إيفانجلين بدهشةٍ، ثم سألت بصوتٍ جاد.
“ألَمْ تقولي بإنكِ ستُصبحين إيثيريال إذا أردتِ اعترافي بكِ؟ كنتِ واثقةً تمامًا أنكِ ستُحققين ذَلك. فهل كانت مُجرد كلماتٍ جوفاء؟ أم أنكِ تخليتِ عن الأمر مِن تلقاء نفسكِ؟”
كان هُناك غضبٌ خفي في صوتها، لكن أرتيا لَمْ تنكمش، بل أجابت بكُل ثقة.
“لا، ما زلتُ بحاجةٍ إلى قوتكِ، وبشدة.”
“…..”
“لكن الإيثيريال ليس لقبًا يُمنح لمرةٍ واحدةٍ فقط.”
لَمْ تكُن الفرصة محصورةً في هَذا العام وحده. والأهم مِن ذَلك…
“إذا كان ما ترغبين بهِ ليس مُجرد لقب، بل إنجازًا يعترفُ بهِ الجميع، فأعتقد بأنني قد أثبتُ نفسي بالفعل.”
رغم أنْ فريجيا كانت البطلة، فإنْ مَن صنع الرأي العام، وجمع الشهادات، وقلب مسار المحاكمة لصالحها كان بلا شك أرتيا.
كُل مَن تابع القضية عن كثب، كان يعلم ذَلك جيدًا.
حدّقت إيفانجلين فيها بذهولٍ، قبل أنْ تُتمتم كما لو كانت تتحدث مع نفسها.
“لا تُشبهين والدكِ اللعين أبدًا… لقد كبرتِ بشكلٍ رائع.”
ضاقت عينا أرتيا بلطف.
“أنا أيضًا ابنةُ عمّتي.”
لَمْ تستطع إيفانجلين كبح ضحكتها عند سماع تلكَ الجملة الجريئة.
وهَكذا، انتهى الحديث.
لَمْ تتوسل أرتيا إليّها لتنال رضاها. ولَمْ تُحاول التصنُع أو التملق.
وحتى هَذا الأمر راق لها—يا للغرابة.
لكن، لكُل شيء وقته.
عادت إيفانجلين إلى جديتها.
“ثقتكِ بنفسكِ مثيرةٌ للإعجاب، لكنها مُجرد رأيكِ الشخصي. لَن أدعمكِ ما لَمْ تُكملِي المهمة التي أوكلتها إليّكِ بشكلٍ مثالي.”
لَمْ تُظهر أرتيا أيِّ خيبة أمل، بل أومأت برأسها بهدوء.
“سأصبحُ الإيثيريال في أقرب وقتٍ مُمكن، وسأعود إليّكِ مُجددًا.”
إنْ لَمْ يكُن هَذا العام، فسيكون في المُستقبل، بلا شك.
رأت إيفانجلين ذَلك العزم الواضح في عيني أرتيا الوردية، فبدأت نظراتُها تلين.
وقبل أنْ تغادر، قالت جملةً لَمْ تكُن مِن عادتها.
“أحترم ما حققتِه كامرأةٍ نبيلة. لكنكِ كنتِ متهورةً للغاية.”
رغم أنْ المحكمة والرأي العام كانا إلى جانب فريجيا، فإنْ السلطة لا تزال في يد الرجال.
وكشخصٍ يعرفُ هَذهِ الحقيقة جيدًا، لَمْ تستطع إلا أنْ تحذرها.
“كوني حذرة.”
“…..”
كانت أرتيا تتظاهرُ بالهدوء، لكنها في الحقيقة كانت متوترةً طوال الوقت.
كانت تتوقع أنْ تُوبَّخ بشدةٍ بسبب الضجة التي أثارتها، لكن بدلاً مِن ذَلك، تلقت ثناءً وتحذيرًا.
ارتفعت وجنتاها بسعادةٍ، وارتسمت على شفتيها ابتسامةٌ بريئة—تُشبه الابتسامة التي ترتسمُ على وجه طفلٍ عندما تمسحُ أمه على رأسه.
“سآخذ ذَلك بعين الاعتبار.”
قالتها أرتيا بصوتٍ هادئ، محمرّة الوجه قليلاً، وأومأت برأسها.
* * *
لَمْ تكُن مخاوف إيفانجلين مُجرد قلقٍ عابر.
لقد ازداد أعداء أرتيا، خاصةً بين بعض النبلاء الرجال الذين أظهروا غضبًا شديدًا.
بدأت تتلقى رسائل مجهولةً مليئةً بالشتائم، ولَمْ يتردد البعض في انتقادها علانيةً.
لكن، لَمْ يكُن ذَلك أمرًا كبيرًا.
فالرسائل كانت تحترق في المدفأة، وأما مَن يُحاول افتعال شجارٍ معها…
“يبدو أنْ لديكِ مشكلةً مع أرتيا، إذن تفضل وحدثنا عنها. نحنُ جميعًا مُستعدون للاستماع.”
كانت بينيلوب، ماريغولد، وداليا يتدخلن دائمًا لحل ذَلك قبل أنْ يتطور.
ثم، في أحد الأيام، وصلت رسالةٌ جديدة.
وفور أنْ قرأت الاسم على الظرف، شحُب وجه أرتيا كما لو أنها رأت بيضةً فاسدة.
“كرانك فون إيدينبرغ”
إنهُ عمها الأكبر.
بخطهِ العصبي والمليء بالتوتر، كتب أنهُ يريد التحدث معها ويطلبُ منها الحضور.
“هل أتجاهلُه؟”
لكن، لَمْ يكُن الأمر بتلكَ السهولة.
فهو شيخ عائلة إيدينبرغ، وإنْ تجاهلته بوضوحٍ، فقد يجدُ طريقةً للانتقام منها.
والأهم مِن ذَلك، لَمْ تُرد أنْ تًصيب إيفانجلين بخيبة أمل بسبب تصرفٍ طائش.
وفي النهاية، قررت أرتيا الذهاب إلى قصر كرانك.
حين وصلت إلى الغرفة الداخلية حيث كان ينتظرُها، قال الخادم بوجهٍ بارد.
“سيدي لا يسمحُ بوجود الخدم أثناء حديثهِ مع مَن هو أعلى مقامًا منهم.”
كان يقصد بذَلك بيبي، الخادمة التي رافقتها.
لَمْ يكُن مِن الغريب أنْ يُطلب مِن الخدم الانتظار في مكانٍ آخر، لذا لَمْ تعترض أرتيا، بل أومأت برأسها.
“انتظريني في قاعة الاستراحة، بيبي. خذي راحتكِ هُناك.”
ثم أضافت جملةً أخرى، لأن هَذا لَمْ يكُن مكانًا ودودًا لهما.
“إذا أزعجكِ أحد، فلا تترددي في لكمهِ. سأتحملُ المسؤولية بالكامل.”
عندها، ظهرت ابتسامةٌ خفيفة على وجه بيبي الذي نادرًا ما يظهر عليهِ أيُّ تعبيّر.
“حسنًا، سأفعلُ ذَلك.”
دخلت أرتيا إلى الغرفة.
كان المكان واسعًا، وفي وسطهِ رجلٌ ذو شعرٍ فضي وعينين حمراوين يُشبه تمامًا والدها.
كان كرانك يجلسُ بغرورٍ، ونظر إليّها بوجهٍ مُتجهم وازدراء.
“هل نسيتِ كيفية إلقاء التحية، بعد أنْ أصبحتِ تُثيرين الفوضى دوّن خوف؟”
حتى إنْ لَمْ يُعجبها، عليها أنْ تُحافظ على الحد الأدنى مِن اللباقة—مِن أجل كبريائها على الأقل.
لذَلك، دوّن إخفاء استيائها، أومأت برأسها بخفة.
“مرحبًا، عمي. لَمْ أركَ منذُ فترة.”
“تشه! هل تُسمين هَذا تحية؟ انحني واحترمي كبار العائلة كما يجب!”
لقد كان هَكذا دائمًا.
حين كانت طفلة، كان يستغلُ غياب والدها بينديكت ليكيل لها الإهانات ويجبرها على الانحناء لهُ عشرات المرات.
كان يُفرّغ غضبهُ مِن شقيقهِ الأكبر على ابنتهِ الصغيرة.
‘يا لهُ مِن رجُلٍ مُثيرٍ للشفقة…’
لكن أرتيا لَمْ تكُن تلكَ الطفلة بعد الآن.
بدلًا مِن الانحناء مرةً أخرى، رسمت على شفتيها ابتسامةً أنيقة.
“قد لا يكون لدي زوج، لكنني دوقة إيدينبرغ. داخل العائلة وخارجها، أنا أتفوقُ عليكَ في المرتبة. وبما أنني بادرتُ بالتحية، أعتقد أنني أظهرتُ لكَ الاحترام الكافي ككبيرٍ في العائلة، أليس كذَلك؟”
“مـ… ماذا؟!”
التوى وجهُ كرانك بغضبٍ، كأنهُ رأى شبحًا.
بصفتهِ الابن الثاني، لَمْ يتمكن مِن وراثة اللقب، مِما جعلهُ يحمل عقدة نقصٍ تجاه منصب دوق إيدينبرغ.
لذا، لَمْ يستطع كبح انفجاره الغاضب.
“كنتُ أعلم أنكِ مجنونة، لكن يبدو أنْ حالتكِ أسوأ مِما توقعت!”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة