البحث عن زوج للدوقة - 108
الفصل 108 : الأميرة المليئة بالجراح ²⁴
“مهما كان الأمر، لا ينبغي أنْ تتفاقم الأمور إلى هَذا الحد!”
“لَمْ يكُن هُناك خيارٌ آخر. لقد توسلت الكونتيسة إلى زوجها مرارًا وتكرارًا، لكنهُ لَمْ يتوقف عن استخدام العُنف. في مثل هَذهِ الحالة، ماذا كان عليها أنٌ تفعل؟”
قالت أرتيا ذِلك وهي تنظرُ إلى الرجل الغاضب أمامها.
“الفيكونت دايكت، سمعتُ أنكْ ابن بارٌّ بأمكَ وتعتني بها كثيرًا.”
“م-ما دخل والدتي في هَذا؟”
“ولديكَ زوجةٌ مًحبة وابنةٌ رائعةُ أيضًا، أليس كذَلك؟”
ابتسمت أرتيا بلطف.
“لَمْ لا تعتبر هَذا الحكم قرارًا مِن أجل هؤلاء النسوة؟”
الحكم الذي يقرّ بأنْ العًنف جريمة، حتى لو صدر عن الزوج، هو الحدّ الأدنى مِن الحماية التي يُمكن أنٌ تحصل عليها المرأة.
اتسعت عينا الرجل، وكأنهُ تلقى ضربةً مُفاجئة، ثم زمجر بغضبٍ وأدار رأسهُ بعيدًا، وكأنهُ لا يُريد التحدث أكثر.
عندها، دوّى صوتُ تصفيقٍ، والتفت الجميع نحو مصدره. كانت ماريغولد، مُتألقةً بمجوهراتها الماسية، تقفُ هناك.
“أحسنتِ! لقد كان ردًّا رائعًا، تيا!”
أما سيسيليا، التي كانت ترتدي شريطًا ذهبيًّا يًطابق مشبك شعر ماريغولد، فقد لمعت عيناها بإعجابٍ.
“كما هو متوقعٌ مِن السيدة أرتيا! لَمْ تخضعي حتى أمام هَذا العجوز الفظّ، لقد كنتِ مذهلةً حقًّا!”
آه، الآنسة سيسيليا…
تمنت أرتيا أنْ يكون الفيكونت دايكت لَمْ يسمع تعليقها، ثم قامت بمداعبة رأس سيسيليا المُستدير، التي اقتربت منها كجروّ صغير.
لطالما أعجبت سيسيليا بأرتيا، ولكن بعد هَذهِ المحاكمة، تحوّلت إلى أكبر مُعجبةٍ بها.
تذكّرت أرتيا حديث ماريغولد.
“لقد شكّلت مجموعةً مِن أصدقائها في نفس عمرها لتشجيعكِ! أسموها ’مجموعة مجد إيدينبرغ ‘. أليس هَذا لطيفًا؟”
في تلكَ اللحظة، اقترب رجُلٌ ضخم ذو ملامحٍ قاسية، أشبه بثورٍ بري. كان الكونت غولدجوس.
“زوجتي وابنتي مُعجبتان بكِ كثيرًا، لذا كنتُ أراقب بصمت، لكني لَمْ أكُن راضيًا عن نتيجة المُحاكمة. إلا أنْ حديثكِ قبل قليل جعلني أغيّر رأيي.”
ثم نظر إلى سيسيليا، التي كانت تبتسمُ بسعادة.
“أنا أؤيدكِ، دوقة.”
كان الكونت غولدجوس نموذجًا للرجل النبيل المُتعجرف والمغرور. لذا، أنْ يُقرّ بدعم قرار المحكمة يعني أنْ المُجتمع الأرستقراطي بدأ يتغيّر.
وكلما علت أصوات داعمي فريجيا، تراجعت أصوات مَن يؤيدون كونت إليزيوم.
بعضهم، مثل غولدجوس، غيّروا رأيّهم، وآخرون اختاروا الصمت خوفًا مِن أنْ يُتهموا بدعم العُنف.
وسط هَذهِ الأجواء، قالت فريجيا بحزم.
“بما أنني فزتُ في المحاكمة، فقد حان وقت عودتي إلى المنزل.”
لقد مضى أكثر مِن شهرٍ منذُ أنْ سكنها أرتيا في قصر إيدينبرغ.
وبفضل كرم أرتيا، أصبحتا مُقربتين كالأخوات، لكن فريجيا شعرت بالعبء بسبب حُسن ضيافتها، وكأنها مدينةٌ لها بالكثير.
لكن أرتيا هزّت رأسها.
“لا، لا يُمكنكِ العودة الآن. لا نعلم ماذا قد يفعل الكونت إليزيوم وهو غاضبٌ إلى هَذهِ الدرجة.”
“لكن البقاء هُنا لفترةٍ أطول…”
“لا بأس، يُمكنكِ البقاء مدى الحياة إنْ شئتِ.”
“…..”
“لكن هَذا مُجرد تمني مني، ومِن الصعب تحقيقُه واقعًا.”
مهما كانت أرتيا لطيفةً، فـ قصر إيدينبرغ ليس منزل فريجيا. كانت بحاجةٍ إلى مكانٍ خاصٍ بها، حيث تستطيع العيش بسلامٍ مع ابنتها الصغيرة، ليزي، دوّن خوفٍ مِن زوجها.
“لَن أدعكِ ترحلي حتى يأتي الكونت إليزيوم بنفسهِ، ويعتذر رسميًّا، ويتعهد أمام المحكمة بتنفيذ الحُكم.”
لكن أرتيا لَمْ تكُن تنوي الاكتفاء بذَلك. لذا، قررت أنْ تُعيّن خادمةً خاصة لـ فريجيا، تكون أولويتها القصوى حمايتها، ومدرّبةً على التوجه فورًا إلى المحكمة في حال حدوث أيِّ طارئ.
كان هَذا أفضل ما يُمكنها فعله لحماية صديقتها.
لكن، مهما انتظرت، لَمْ يأتِ الكونت إليزيوم.
تنهدت فريجيا بوجهٍ مُتجهم.
“يبدو أنْ زوجي لا ينوي تنفيذ حُكم المحكمة.”
“يبدو كذَلك، لكنهُ لَن يستطيع التمادي أكثر.”
القانون قوي. إذا لَمْ يتخذ الكونت أيِّ خطوةٍ، فسوف تتدخل المحكمة بنفسها.
“لننتظر قليلًا بعد.”
“بصراحة، أنا سعيدةٌ لأنني سأقضي وقتًا أطول معكِ ومع ليزي.”
ابتسمت فريجيا بوجهٍ مُحمرّ، ثم ضحكت بمرح، متأثرةً بكلمات أرتيا العفوية.
***
في نفس الوقت.
داخل غرفةٍ مُظلمة تتناثر فيها الزجاجاتٌ الفارغة.
كان الكونت إليزيوم جالسًا على الأرض، مُمسكًا بزجاجة خمرٍ يشرُب منها بنهم.
كانت الهالات السوداء تحت عينيهِ بارزةً، ولحيتهُ غير مهذبة، وجسده تفوح منهُ رائحة الخمر الكريهة.
اختفى تمامًا مظهرُ الرجُل النبيل الذي كان يومًا ما يُثير إعجاب السيدات، ولَمْ يتبقَّ سوى خاسرٍ بائس بمظهرٍ مزرٍ.
الخيانة، الغضب، الاستياء، الكراهية، والعار— مشاعرٌ لَمْ يختبرها قط طوال حياته، لكنها الآن تسحبُه إلى قاعٍ مُظلم.
“كيف تجرؤ على جعلي في هَذهِ الحالة؟ فقط عودي إلى المنزل، وسأقطعُ لسانكِ حتى لا تنطُقي بتلكَ التفاهات مرةً أخرى…”
لَمْ يكُن غضبه موجّهًا نحو زوجتهِ فقط.
بل شمل القاضي الذي أصدر الحُكم، والخادمة التي أدلت بشهادة لصالح فريجيا، والنساء اللاتي هتفنَ ابتهاجًا عندما صدر الحكم، والرجال الذين أبدوا نظرات شفقة وهم يرمقونه.
…ثم أرتيا فون إيدينبرغ.
تذكر إلى مشهد وجهها وهي تقفُ بثقةٍ بجانب فريجيا في المحكمة.
تلكَ البشرة البيضاء المُتوهجة بالفخر… أراد أنْ يُمزقها إربًا.
“كل هَذا بسبب تلكَ العاهرة.”
فريجيا كانت امرأةً مُهذبة، لا تخرج مِن المنزل إلا بإذن زوجها، ولا تأكل حتى يعود.
لكنها الآن رفعت بلاغًا ضده وصرخت في المحكمة.
هَذا لَمْ يكُن تصرفها المُعتاد، بل كان تأثير أرتيا فون إيدينبرغ.
“تلكَ المجنونة التي طلّقت زوجها لأنها كرهته، قامت بتحريض زوجتي البريئة…”
قبضّ على كأس النبيذ في يدهِ بقوة، فَلَمْ يتحمل الزجاج الرقيق وانكسر، مِما أدى إلى نزف الدم مِن يده المليئة بشظايا الزجاج.
في تلكَ اللحظة، تحوّل غضبُه المشتت إلى نقطةٍ واحدة— كراهيةٍ جنونية.
***
في هَذهِ الأثناء، كانت أرتيا في قاعة الحفلات، كما هو الحال كُل يوم.
لَمْ تكُن تحضر هَذهِ التجمعات لمُجرد اللهو، بل لضمان استمرار الدعم لفريجيا.
‘إذا لَمْ أواصل السيطرة على الأوضاع، فقد تتغيّر الأمور فجأةً. يجبُ أنْ أحافظ على التوازن— لا تشتعل كثيرًا، ولا تخمد تمامًا.’
بينما كانت تتحدثُ مع مجموعةٍ مِن السيدات، لفت انتباهها رجلٌ ذو شعرٍ أسود.
اتسعت عيناها فورًا.
صاحب السمو كيليان؟!
لكن عندما نظرت إلى ملامحهِ، امتلأ وجهها بخيبة الأمل.
لَمْ يكُن هو.
وبالطبع، هَذا كان متوقعًا. فكيليان لا يحضرُ مثل هَذهِ الحفلات الصغيرة أساسًا.
‘لقائي بهِ في الحفل الذي أقامهُ الكونت إليزيوم كان مُجرد استثناء…’
مع ذَلك، في كُل مرةٍ ترى شعرًا أسود، يتجهُ نظرها لا إراديًا نحوه، على أمل أنْ يكون هو.
“ما الأمر؟ هل تشعرين بتوعك؟”
سألتها بينيلوب بقلقٍ، لكنها هزّت رأسها.
“لا، فقط أشعرُ بالاختناق قليلًا. سأخرجُ لاستنشاق بعض الهواء.”
غادرت أرتيا قاعة الحفل، ولَمْ يكُن لديها أدنى شكٍ بأنْ شخصًا ما كان يُراقبها ويتبعها.
خرجت إلى الشرفة الخارجية وأخذت نفسًا عميقًا. كان الهواء الليلي البارد يُنعش رئتيها، على عكس حرارة قاعة الحفل الخانقة.
ثم، سمعت صوت الباب يُفتح خلفها.
‘إذن، لقد تبعني بالفعل.’
كانت مُدركةً تمامًا للعيون التي تُراقبها داخل الحفل، لذا قررت الخروج لإجبار المُتابع على الظهور.
‘هل هي سيدةٌ نبيلة تُريد استشارتي؟ رجلٌ ساخط يحمل ضغينةً ضدي؟ أم شخصٌ يدعمُني؟’
‘أم… هل يُمكن أنْ يكون صاحب السمو كيلِيان؟’
لكن كُل توقعاتها كانت خاطئة.
ومع ذَلك، لَمْ يكُن لديها وقت للشعور بخيبة الأمل.
لأن مِن ظهر أمامها تحت ضوء القمر…
كانت إيفانجلين فون غلوستر.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
《واتباد: cynfti 》 《انستا: fofolata1 》