البحث عن زوج للدوقة - 107
الفصل 107 : الأميرة المليئة بالجراح ²³
حتى تلكَ اللحظة، لَمْ تكُن تُدرك ذَلك على الإطلاق.
أنْ القبلة مع قط صغير ولطيف تختلفُ تمامًا عن القبلةٍ مع رجُلٍ يفوقها طولًا بثلاث أشبار.
كانت حلوة، آسرة.
‘ما هَذا؟ إنهُ شعورٌ رائع. أريدُ المزيد.’
اقتربت أرتيا منه أكثر، دوّن أنْ تُدرك تمامًا ما الذي تفعله.
وعندها، فقد كيليان كُل ما تبقى مِن رشده.
***
في اليوم التالي، لَمْ تستيقظ أرتيا إلا عند غروب الشمس.
كان تأثير الشراب الذي تذوقتهُ للمرة الأولى شديدًا. رأسها ينبضُ بالألم، ومعدتها تتلوى بالغثيان.
“آه، الخمر شيءٌ مُخيفٌ حقًّا…”
تمتمت أرتيا بوجهٍ شاحب وهي تُحدق بسقف الغرفة بشرود. ثم فجأةً، صرخت بفزعٍ واعتدلت في سريرها.
“لقد… لقد قبلتُ سموّه بالأمس…!”
لَمْ تكُن مُجرد قبلةٍ عابرة، بل كانت طويلةً لدرجة أنها بالكاد استطاعت التنفس.
احمرّ وجهُ أرتيا تمامًا.
“حتى لو كنتُ في حالة سُكر، كيف… كيف يُمكنني أنْ أحلم بمثل هَذا الحلم؟!”
وما زاد الطين بلّة هو أنْ ذَلك الحلم بقي محفورًا في ذاكرتها بوضوحٍ شديد.
إحساسٌ ناعم، رطب، ساخن.
وفي اللحظة التي انقطعت فيها أنفاسها بسبب القبلة الطويلة، حين أبعدت شفتيها قليلًا، نظرت إلى وجه كيليان.
عيناهُ الذهبيتان اللتان كانتا دومًا باردتين وحازمتين، كانتا الآن مُشتعليْن بحرارةٍ جامحة. بنظراتٍ أشبه بنمرٍ أسود جائع، همس بصوتٍ مُنخفض.
“دلليني أكثر.”
مُجرد تذكر ذَلك جعل حرارة وجهها ترتفعُ مُجددًا.
“آآآه!”
استعادت أرتيا بعضًا مِن عقلها بصعوبةٍ، ثم دفنت وجهها في الوسادة وأخذت تتلوّى مِن الإحراج.
“صحيحٌ أنني مؤخرًا صرتُ أراهُ كرجل كُلما نظرتُ إليّه…”
لكن ذَلك مُجرد استجابةٍ غريزية لجاذبيته القاتلة، لا أكثر. لَمْ يكُن إعجابًا، ولا حبًا.
“… هل أنا مُتأكدةٌ حقًّا؟”
هل يُمكنني القول إنني لا أشعر بأيِّ شيءٍ تجاهه؟ رغم أنْ دقات قلبي تتسارع بهَذا الشكل؟
لكنها هزّت رأسها بسرعة، وكأنها تطردُ تلكَ الأفكار بعيدًا.
لا تزال جراحها مِن حُبها الأول عميقة.
لَمْ تكُن تُريد الوثوق بأيِّ رجل.
لَمْ تكُن تُريد الوقوع في الحُب مُجددًا.
باعتبارها نبيلة، وبما أنها يجبُ أنْ تُنجب وريثًا لعائلة الدوق، فقد فكرت في الزواج مرةً أخرى، لكنها لَمْ ترغب أبدًا في التورط عاطفيًا.
خصوصًا ذَلك الشعور الذي قد يُسيطر عليها بشكلٍ لا تستطيع التحكم به.
تمتمت وكأنها تُحاول إقناع نفسها.
“سموّه هو مَن ساعدني.”
إنهُ ليس رجُلًا يجبُ أنْ تراه كإمكانيةٍ رومانسية. إنهُ شخصٌ ثمين للغاية ولا تملكُ تجاهه سوى الامتنان.
“أريدُ أنْ أحافظ على علاقتنا لفترةٍ طويلة. ولكي يحدُث ذَلك، يجبُ ألا تراودني أيُّ أفكارٍ غير لائقة.”
احمرّت أذناها بالكامل، ثم دفنت وجهها في الوسادة مُجددًا.
“لذَلك، لَن أحلم بمثل هَذا الحُلم مرةً أخرى.”
***
في القصر الإمبراطوري، في الوقت نفسه.
وقف نوكتورن أمام كيليان الجالس على كرسيه، وناداه بحذر.
“سموّك، حان وقت العشاء.”
“……”
لكن كيليان لَمْ يُبدِ أيِّ استجابةٍ، وكأنهُ لَمْ يسمع شيئًا على الإطلاق.
كاد نوكتورن أنْ يُجنّ.
‘لماذا هو على هَذهِ الحال؟!’
منذٌ أنْ دخل إلى غرفته صباحًا، لَمْ يتغيّر وضع كيليان أبدًا.
لَمْ يُغيّر ملابسه التي ارتداها الليلة الماضية، ولَمْ يأكل لا الإفطار ولا الغداء، ولَمْ يذهب لتدريب السيف أو يراجع أيِّ وثائق.
فقط ظلّ جالسًا هُناك، يُحدّق بحدةٍ في زهرةٍ وردية موضوعةٌ على الطاولة أمامه.
بقي على هَذهِ الحال دوّن حراك طوال اليوم، مِما جعل نوكتورن يشعرُ بقلقٍ مُتزايد.
‘حتى لو كان سموّه مجنونًا بعض الشيء، فليس مِن المقبول أنْ يفقد عقلهُ تمامًا!’
لَمْ يعُد يستطيع تحمل الأمر. قرر أنْ يستخدم أرتيا كطُعمٍ لإعادته إلى الواقع.
“سموّك، بشأن دوقة إيدينبرغ…”
“!……”
كانت الاستجابة مُذهلة.
استدار كيليان بسرعةٍ لا تُصدّق، وكأنهُ تمثالٌ قد تحرّك فجأة.
“أرتيا فون إيدينبرغ، ماذا عنها؟”
كانت عيناهُ الذهبيتان، التي بدت تائهةً منذُ قليل، حادتيْن بشكلٍ خطير الآن. شعر نوكتورن أنهُ سيواجه عواقب وخيمة إنْ قال أيِّ شيء غيرِ منطقي.
ابتلع ريقهُ بصعوبةٍ.
“ب-بما أنْ الكونتيسة قد فازت في المحاكمة، فلا بد أنها سعيدةٌ للغاية.”
مرّت لحظةٌ طويلة قبل أنْ يُجيب كيليان أخيرًا.
“هَكذا إذًا.”
“……؟!”
تفاجأ نوكتورن بردة فعل كيليان، وكأنهُ كان يرى أرتيا أمامه بالفعل.
لكن كيليان لَمْ يُلقِ له بالًا، واكتفى بالتمتمة لنفسه.
“إذًا لهَذا السبب شربت حتى الثمالة. إذًا، كان ذَلك… مُجرد هذيان سُكر.”
كان عقلهُ يُدرك هَذهِ الحقيقة، ومع ذَلك، لَمْ يستطع تهدئة نفسه. لَمْ يستطع تجاوز الأمر بسهولة.
لأنها كانت قبله الأولى.
على الرغم مِن أنه كان شابًا، جميلًا، وقويًا، ومحاطًا بإعجاب العديد مِن النساء، إلا أنْ كيليان كان يكره النساء. كان يُفضل تناول السُمّ أو خوض معركةٍ مًميتة على أنْ يلمس امرأة.
لذا، كانت القبلة بالنسبة له فعلًا مُريعًا لا يرغبُ فيه على الإطلاق.
لكن…
شفاهٌ صغيرة، لسانٌ طري، يدان صغيرتان تُحيطان بخصرهِ.
تحت ضوء القمر، كانت أرتيا تبتسم.
وعيناها الورديتان، المُتوهجتان مثل أزهار الربيع التي طال انتظارها، كانتا تلمعان بسعادةٍ.
كُل ذَلك كان هجومًا بالنسبة له.
هجومًا ساحقًا لَمْ يختبره في أيِّ ساحة معركة طوال سنوات قتاله.
تحطّم قلبُه، وعجز عقلُه عن العمل، ولَمْ يبقَ سوى غريزته.
أراد أنْ يبقى مُتصلًا بها.
طوال الليل، بل إلى الأبد.
اشتعلت في جسده الأحاسيس التي حاول كبحها، فقبض على يده بقوةٍ وحدّق في نوكتورن بعيونٍ قاتلة.
كان عليهِ أنْ يُحافظ على رشدهِ بأيِّ ثمن.
وإلا، فإنهُ سيركض فورًا إليّها، ويطبعُ على شفتيها الصغيرة الحلوة قبلةً أخرى.
أما نوكتورن، الذي وقع فجأةً تحت وابل نظرات كيليان الحادة دوّن أنْ يعرف السبب، فقد بدأ يتصببُ عرقًا بوجهٍ شاحب وعينين دامعتين.
‘س-سموّك… أرجوكَ، لا تقتلني!’
***
كما كان متوقعًا، كان تأثير المُحاكمة ضخمًا.
انقسم الناس بين مؤيد ومُعارض لنتيجتها.
“كيف يُمكنهم الانحياز لزوجةٍ اشتكت على زوجها؟! لا يُمكن لأيِّ رجُلٍ سوي، سوى بعض النساء الحمقاوات والرجال الذين يسعون لإرضائهنَ، أنْ يقبل بحكمٍ كهَذا!”
“يا لكَ مِن أحمق! العُنف محظورٌ في الإمبراطورية، فكيف يكون مقبولًا بين زوجين يفترض أنْ يحترم أحدُهما الآخر؟! علينا دعم القاضي كالفين على شجاعتهِ في تصحيح هَذا الخطأ الذي تم التغاضي عنه طويلًا!”
قال الرجل ذَلك بنبرةٍ ساخرة، ثم تابع بنظرة ازدراء.
“لا تُخبرني بأنكَ تؤيد العُنف؟”
المُفاجأة الكبرى كانت أنْ المتحدث لَمْ يكُن سوى الكونت غريك، زوج داليا.
لكن القاضي كالفين لَمْ يكُن وحدهُ في مرمى الانتقادات.
“امرأةٌ أجنبية واحدة أشعلت الفوضى في الإمبراطورية! لهَذا السبب لا يجبُ الزواج مِن الأجنبيات، بل الاكتفاء باللهو معهن، وإلا، فَستنتهي الأمور كما الآن!”
لَمْ يكُن الاستهداف موجّهًا إلى فريجيا، التي قدمت الشكوى، فقط…
“إلقاء اللوم على الكونتيسة إليزيوم وحدها ليس دقيقًا. سمعتُ أنْ دوقة إيدينبرغ هي مَن كانت وراء الأمر!”
“دوقة إيدينبرغ؟!”
“نعم، لقد أغرت الكونتيسة إليزيوم للهرب مِن منزلها ورفع بلاغٍ ضد زوجها. بل إنها حشدت السيدات النبيلات لكتابة عريضة احتجاج!”
“هاه! بعد أنْ أثارت الضجةً بطلاقها، لَمْ تكتفِ بذَلك، بل أشعلت قضيةً أخرى؟! إنها امرأةٌ مشبوهةٌ للغاية!”
وفي خضم هَذهِ الأجواء المشحونة، ظهرت أرتيا في إحدى الحفلات.
كونها السيدة الأكثر حديثًا في المُجتمع الأرستقراطي مؤخرًا، سرعان ما تركزت الأنظار عليها.
عندها، اقترب منها أحد الرجال، وقال بنبرةٍ غاضبة.
“هل تُدركين ما فعلتِه، يا دوقة؟ بفضل تلكَ المُحاكمة، تحول المُجتمع الأرستقراطي إلى ساحة حرب!”
لكن أرتيا ردّت بهدوءٍ تام.
“لا أعتقد أنْ ما حدث كان موضوعًا يستحق الخلاف. الكونتيسة إليزيوم لجأت إلى المحكمة فقط لحماية نفسها مِن العُنف.”
تغيّر وجهُ الرجُل، وامتلأ بالغضب حتى احمرّ تمامًا.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
《واتباد: cynfti 》 《انستا: fofolata1 》