البحث عن زوج للدوقة - 106
الفصل 106 : الأميرة المليئة بالجراح ²²
أغلقت فريجيا عينيها وهي تشعرُ بالشبع بعد وقتٍ طويل، حتى أنْ بطنها الرشيق انتفخ قليلاً مِن كثرة الطعام.
أما داليا وأرتيا، اللتان بقيتا وحدهُما، فكانتا تحتسيان الخمر وتتحدثان بلا توقف.
“مشهد احتضان الدوق الشمالي لجسد ماريا المُتجمد وهو عارٍ تمامًا كان بالفعل أروع مشهد! كان مشوقًا لكنهُ غامض، وكان عاطفيًا لكنهُ مؤثر أيضًا… الكاتبة حقًا عبقرية!”
لَمْ تكُن داليا تتحدث أبدًا مع الآخرين عن ريدليب، لكن هَذا اليوم كان استثناءً.
ردّت بوجهٍ احمر مِن تأثير الكحول.
“وأيُّ مشهدٍ آخر أعجبكِ أيضًا؟”
أنْ أتمكن مِن الحديث مع كاتبتي المُفضلة عن عملي المُفضل!
شعرت أرتيا بحماسةٍ غامرة لهَذا الموقف الذي يُشبه المعجزة، فبدأت تتحدث بحماسٍ شديد وهي تُطلق أنفاسها الساخنة بلا توقف، ثم…
“أليس مِن الواضح أنني عبقرية؟”
“لا.”
قبل أنْ تُصاب داليا بخيبة أمل، تابعت أرتيا حديثها.
“لا يُمكن وصفكِ بكلمة عبقرية فقط. أنتِ أعظم عبقريةٍ أنجبتها الإمبراطورية! موهبةٌ لا تتكرر إلا مرةً كُل مئة عام!”
حقًا؟
ضحكت داليا بخبث، ثم أسندت رأسها على الطاولة وسقطت عليها، وهو مشهدٌ لَمْ تكُن لتسمح لأحدٍ برؤيتهِ في حالتها العادية.
في تلكَ اللحظة، فُتح الباب فجأةً، وظهرت إليزابيث، ابنة فريجيا، وهي تُمسك بيد بيبي.
كانت ترتدي ثوب نوم مزينًا بالدانتيل، وتحمل دمية أميرةٍ بين ذراعيها. تسلقت السرير بصعوبةٍ وهمست.
“أوه…”
ثم احتضنت والدتها النائمة بعمق.
بعد ذَلك، التفتت إلى أرتيا، التي كانت لا تزال جالسةً إلى الطاولة.
“الخالتي، يجبُ أنْ تنامي الآن. الأطفال الطيبون ينامون مُبكرًا.”
كان لا يزال الوقت مُبكرًا جدًا بالنسبة للبالغين للنوم، لكن أرتيا أومأت برأسها طواعية.
“نعم، يجبُ أنْ ينام الكبار الطيبون أيضًا.”
مدّت بيبي يدها نحوها.
“يبدو أنكِ تأثرتِ بالكحول، اسمحي لي أنْ أساعدكِ.”
“أنا بخير! لَمْ أسكر على الإطلاق. يُمكنني الذهاب وحدي.”
لَمْ تُجادلها بيبي، فقد كانت تعرفُ أنْ لا أحد يعترف بسُكرهِ أبدًا.
بدلًا مِن ذَلك، قررت أنْ تبقى مُتأهبةً لمساعدتها إنْ سقطت في أيِّ لحظة.
كان مشهد أرتيا وهي تمشي نحو غرفتها مُثيرًا للضحك.
تتمايل هُنا وهُناك، كأنها ترقص. ورغم مشيتها الغريبة، كانت تبتسمُ بفخرٍ شديد.
“أرأيتِ؟ قلت لكِ إنني لَمْ أسكر أبدًا…”
“نعم، هَذا واضحْ تمامًا.”
وأخيرًا، بعد كثيرٍ مِن الصعوبات، وصلت أرتيا إلى غرفتها.
ساعدتها بيبي على الاستلقاء في السرير، ثم غطّتها جيدًا بالبطانية.
“أتمنى لكِ ليلةً هانئة.”
“وأنتِ أيضًا، بيبي، ليلةٌ سعيدة.”
ابتسمت أرتيا بكسلٍ وهي تُغمض عينيها.
لكن حتى بعد مرور وقتٍ طويل على مُغادرة بيبي، لَمْ تستطع النوم. بل على العكس، كان رأسُها يدور ونبضُها يتسارع أكثر مِن المعتاد.
“الكبار الطيبون يجبُ أنْ يناموا مُبكرًا…”
تمتمت بذَلك وهي تعقدُ حاجبيها بتعب.
في تلكَ اللحظة، سمعت صوت خشخشةٍ يأتي مِن نافذتها، ففتحت عينيها على الفور، وركلت الغطاء لتقفز مِن سريرها.
“نوي!”
كان صوتها أعلى بثلاث مراتٍ مِن المُعتاد.
عندما نهضت أرتيا مِن سريرها، توتر القط الأسود.
كان يخشى أنْ تكون ترتدي ملابس نومٍ تكشفُ صدرها كما في الماضي.
لكن، لحُسن الحظ، كانت ترتدي فستانًا منزليًا.
شعر القط الأسود بالارتياح… لكنهُ في الوقت ذاته، فكّر بشيءٍ مُختلفٍ تمامًا.
‘يا للأسف…’
سرعان ما أدرك أنهُ فقد صوابه، فأخذ يهزّ رأسهُ بقوةٍ كأنهُ يُحاول طرد تلكَ الفكرة.
وفي تلكَ الأثناء، اقتربت أرتيا منه.
لكن مظهرُها كان غريبًا بعض الشيء.
شعرُها كان مضفورًا إلى ضفيرتين على غير العادة، خدّاها كانا مُحمرّين كالتفاح، وعيناها وشفتاها مُرتخيتان وهي تبتسم بتكاسل.
والأهم مِن ذَلك، أنْ رائحة النبيذ القوية كانت تفوح منها.
‘لقد شربت الكحول.’
كانت أرتيا امرأةً بالغة، وكان مِن الطبيعي أنْ تشرب.
لكن رغم ذَلك، تسلل القلق إلى قلبه.
‘هل يُمكن لجسدها الضعيف أنْ يتحمل ذَلك؟’
وكأنها قرأت أفكاره، قامت أرتيا برفع القط الأسود بين ذراعيها دفعة واحدة.
“……!”
نظر القط الأسود إلى عينيها بصدمة، فيما كانت هي تبتسم بفرح.
“نوي، هل تعرف كم أحبُكَ؟”
“……!”
“كُلما رحلتَ، أشعرُ بالحزن الشديد. لا تذهب إلى أيِّ مكانٍ آخر، وابقَ معي في هَذهِ الغرفة. طوال حياتي، إلى الأبد.”
“……”
كان في صوتها تلكَ الخفة المُميزة للسكارى، ورغم ذَلك، شعر القط الأسود وكأنْ قلبهُ يُعتصر بقوة.
لقد كانت كلماتُها صادمةً إلى ذَلك الحد.
لكن أرتيا، غير مُدركةٍ لما يجول في خاطر القط الأسود، واصلت حديثها.
“مِن الصعب عليِّ أنْ أمنع نفسي مِن لمسكَ لأنني أخشى ألا يعجبُكَ ذَلك. في الحقيقة، أرغبُ بشدةٍ في لمسك.”
“…….”
“أود مصافحة كفّيكَ المُمتلئتين. أريدُ احتضانكَ كلما رأيتُك. أرغب في مداعبة رأسكَ المستدير. وأيضًا… أود تقبيلكَ كثيرًا.”
“…….”
قبلة.
شفتا أرتيا لامستا زاوية شفتي القط الأسود.
“……!!!!!!!”
بالنسبة إلى كيليان، كان ذَلك أكثر صدمةً مِن صفعة والدته الأولى له، وأكثر وقعا مِن خوفهِ عندما ظن أنْ أخاهُ المريض سيموت، وحتى أكثر تأثيرًا مِن اللحظة التي رأى فيها عيني أرتيا الورديتين للمرة الأولى.
شعر وكأنْ الدماء تفرّ مِن جسده، وتحولت أفكارهُ إلى فراغٍ أبيض، فَلَمْ يستطع التفكير في أيِّ شيء.
أغمض عينيهِ للحظة، وعندما فتحهُما مُجددًا، لَمْ يكُن هُناك أيُّ أثرٍ للقط الأسود—بل وقف هُناك رجلٌ بشعرٍ أسود وعينين ذهبيتين.
“اللعنة…!”
اتسعت عينا كيليان في صدمةٍ غير مسبوقة، لكن قبل أنْ يتمكن مِن استيعاب الموقف، سمع صوت أرتيا العذب يصدحُ بمرح.
“يا للعجب، اختفى القط وظهر سموّك مكانه؟”
لَمْ تكُن مصدومةً على الإطلاق. أو بالأحرى، لَمْ تكُن مدركة تمامًا لما يحدث.
أما كيليان، فَلَمْ يستطع استعادة هدوئه.
فلا تزال أرتيا تحتضنُه بنفس الوضعية التي كانت تُمسك بها القط الأسود.
والآن، بسبب تحولهِ إلى رجُل، أصبح جسدُها يلتصق بهِ عن غير قصد. كانت نعومة جسدها ورائحتُها الحلوة الممزوجة برائحة النبيذ أكثر وضوحًا مِن أيِّ وقتٍ مضى.
عضّ كيليان شفته.
“أنا أعلم كُل شيء. تعيّن القاضي الأعلى، تهيئة الرأي العام لصالح فريجيا، تغيّر المحاكمة إلى جلسةٍ علنية، واختياري كمُراقبة لها—كُل ذَلك كان بفضلكَ، أليس كذلك؟”
اتسعت عينا كيليان وكأنهُ تلقى ضربةً مُباغتة.
كيف…؟
رأت أرتيا نظراتهِ المذهولة، فابتسمت بعينيها المقوستين.
“أنا لستُ شخصًا يُلازمه الحظ، كما تعلم.”
كان والدها البيولوجي عنيفًا، ووالدتها ضعيفةً ومريضة، أما أول حُبٍ وزوجٍ لها، فكان وغدًا مِن الدرجة الأولى.
لكنها نجحت في الطلاق، وتخلصت مِن شايلوك الأفعى، كما انتصرت في محاكمة فريجيا.
بالطبع، لَمْ يكُن ذَلك بلا جهد، فقد بذلت قصارى جهدها، لكن هَذا العالم ليس مكانًا يُمكن فيه تحقيق كُل شيء بالاجتهاد وحده.
هَذا ليس مُجرد حظ، وليس نعمة مِن الحاكم أو معجزة. هَذا…
“لقد كنتَ دائمًا إلى جانبي، تحميني كملاكٍ حارس.”
كان نصف كلامها مبنيًا على التخمين، والنصف الآخر على حدسها. لكنها شعرت بأنْ استنتاجها كان صحيحًا تمامًا.
وما زادها يقينًا هو ملامحُ كيليان التي بدت وكأنها تلقت صفعة مُباغتة.
ثم رسمت أرتيا ابتسامةً مُشرقة كضوء القمر.
“شكرًا لكَ… حقًا.”
“…….”
لَمْ يكُن قد فعل كُل ذَلك طمعًا في شكرها، لكنهُ الآن، في هَذهِ اللحظة، شعر بأنهُ تلقى مُكافأةً تفوق كُل ما فعله بمئات المرات.
اجتاحهُ شعورٌ طاغٍ بالسعادة، حتى بات جسدُه ساخنًا، وقلبُه ينبض بقوة.
“أريدُ أنْ أرد لكَ الجميل، سموّك.”
“لقد فعلتِ أكثر مِن الكفاية.”
بل كان الأمر أكبر مِما يستحق بكثير.
لكن أرتيا هزّت رأسها بإصرار.
“أخبرني بما تُريد، وسأفعله لكَ.”
كانت نبرة أرتيا فون إيدينبرغ واضحة تمامًا، وعيناها مُتقدتان بالذكاء.
ورغم ذَلك، فهي لا تزال تحت تأثير الكحول.
إنها حتى لَمْ تجد أيِّ شيءٍ غريب في كون القط الصغير الذي كانت تحتضنُه قد تحول إلى رجُلٍ ضخم في لحظة.
لذا، لا ينبغي لهُ أنْ ينقاد وراءها. لا يجبُ أنْ ينجرف معها. لكن…
لكن…!
أرتيا، وهي تنظر إليّه بتلكَ العيون الجميلة، بدت فاتنةً للغاية. لَمْ يستطع إلا أنْ يعود بذاكرتهِ إلى قبل لحظات، إلى شفتيها الرقيقتين اللتين لامستا شفتيهِ كالحلم.
في النهاية، تغلّبت غريزتُه على عقله.
“عامِليني بلطف، كما كنتِ تفعلين مع القط.”
ثم تراجع قليلًا عن كلماته وأضاف.
“لا، بل أفضل مِن ذَلك.”
اتسعت عينا أرتيا للحظة، لكنها سرعان ما أرختهما بابتسامةٍ دافئة.
وكأنْ الأمر لَمْ يكُن صعبًا عليها أبدًا.
رفعت نفسها على أطراف قدميها، واقتربت منه أكثر، حتى لامست شفتيها شفتيه.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة