البحث عن زوج للدوقة - 105
الفصل 105 : الأميرة المليئة بالجراح ²¹
***
بعض النساء هتفنَ كما لو كنّ قد انتصرن في حرب، بينما آخرون وصفوا الحكم بأنه ُالأسوأ على الإطلاق وانتقدوه بشدةٍ.
وسط قاعة المُحكمة الصاخبة التي تحولت إلى ما يُشبه السوق، كان هُناك شخصٌ وحيد يجلسُ بهدوءٍ، وهو كيليان، الذي وجه نظرهُ إلى أرتيا، التي كانت تُعانق فريجيا وتبتسم.
لقد كانت مُحاكمة مُثيرةً وصادمة، لكن طوال الوقت، لَمْ يكُن كيليان يرى سوى أرتيا، الجالسة إلى جانبه.
على مدى أكثر مِن ثلاث ساعات، كانت أرتيا متوترة، غاضبة، مطمئنة، وقلقة.
عندما عضّت شفتيها بشدةٍ حتى بدا أنها قد تنزُف، شعر كيليان برغبةٍ جامحة في الاندفاع إلى منصة القاضي والصراخ. بأنْ هَذهِ القضية واضحة تمامًا، كونتيسة إليزيوم هي الضحية هُنا، ضعوا الكونت في السجن فورًا!
لكنهُ تمالك نفسه. لأنه يعلم أنْ أرتيا لا تُريد ذَلك.
على الرغم مِن أنها تبدو هشة، كما لو أنها قد تتحطم عند أول لمسة، إلا أنها لا ترغبُ في الاعتماد على الآخرين بسهولة. إنها تبذل جهدها بنفسها وتُكافح مِن أجل تحقيق ما تُريده. وهَذا…
“لطيفةٌ… حقًا.”
كان صوته المُنخفض مسموعًا فقط لشخصٍ واحد، نوكتورن، الذي جلس بجانبه.
تجمد وجهُ نوكتورن، وظهرت عليهِ علامات الصدمة الشديدة. لكن كيليان ظلّ مُحافظًا على هدوئهِ التام، كما لو أنهُ لَمْ يُدرك حتى ما تفوّه به.
ظلّ كيليان يُحدّق في أرتيا لفترةٍ طويلة، ثم نهض مِن مكانه.
اتجه نحو المكتب الذي يُسمح للقضاة فقط بدخوله.
عندما دخل دوّن أنْ يطرق الباب، لَمْ يصرُخ كالفين مُطالبًا بطردهِ فورًا، بل قال بهدوء.
“جلالتُكَ، أعتذر، لكن هُناك كرسيٌ واحدٌ فقط هُنا، وأنا مرهقٌ جدًا بعد إنهاء المحاكمة للتو.”
“وماذا في ذَلك؟”
هل تقصد أنكَ لا تستطيع التنازل عن مقعدكَ لصاحب الجلالة، وبالتالي تطلب الإذن بالجلوس معه؟
كالفين تخيّل هَذا المشهد للحظة، حيث يضع كيليان على سيفه.
لكن لحُسن الحظ، كان كالفين يُدرك أنه يجب اختيار الوقت والمكان المُناسبين لمثل هَذهِ التصرفات الغريبة، لذا وقف بصمتٍ وتخلى عن مقعده.
جلس كيليان على الكرسي دوّن أيِّ إشارة امتنان.
“ماذا تُريد؟”
كان سؤاله يحمل نبرةً خفيفة كما لو أنه يسأل طفلًا عن نوع الحلوى التي يُريدها، لكنهُ لَمْ يكُن سؤالًا بسيطًا على الإطلاق.
كيليان لديهِ القدرةٌ على منح كالفين أيِّ شيء، حتى كنوز القصر الإمبراطوري لو أراد. لكن كالفين هزّ رأسهُ نافيًا.
“إذا كنتَ تعني أنكَ راضٍ عن نتيجة المحاكمة، فَلَن أطلب شيئًا. لَمْ أصدر الحكم مِن أجلكَ، جلالتُكَ.”
على الرغم مِن أنهُ كان يشعرُ بتهديدٍ مُباشر مِن قِبل كيليان، إلا أنْ ذَلك لَمْ يؤثر على قرارهِ في المحكمة.
“بالنسبة لي، الرجُل الذي يضرب زوجته بناءً على مشاعرهِ مُجرد كلبٍ مسعور. ومِن الطبيعي اتخاذ إجراءاتٍ لمنعهِ مِن التعدي على الآخرين مُجددًا.”
خرجت هَذهِ الكلمات القاسية مِن وجه كالفين الصارم، وكأنهُ أحد رجال العصابات في الشوارع.
نظر إليّه كيليان بعيونٌ لامعة.
“مع ذَلك، يبدو أنْ العقوبة كانت خفيفةً جدًا.”
“أتفق معك، لكن هَذا أقصى حكمٍ يُمكنني إصداره في ظلّ الظروف الحالية.”
إصدار حُكم يُدين رجلاً بضرب زوجتهِ كان خطوةً غير مسبوقة في تاريخ الإمبراطورية.
“بعد اليوم، سأصبحُ الشخص الأكثر كرهًا لدى بعض الرجال المُتطرفين في الإمبراطورية. لأنني ازعجتُ سلطتهم. في أسوأ الحالات، قد يُحاول أحدُهم اغتيالي.”
“سأتأكدُ مِن أنكَ لَن تموت.”
قال كيليان ذَلك بنبرةٍ وكأنهُ يَمنُّ عليهِ بلطف، فَما كان مِن كالفين إلا أنْ أجابه مُباشرةً.
“أرجو أنْ تفعل ذَلك، فأنا لا أريدُ الموت الآن.”
على الرغم مِن أنهُ واجه انتقاداتٍ هائلة وتهديداتٍ لحياته، إلا أنْ وجه كالفين كان يحمل تعبيرًا راضيًا للغاية.
فالقاضي الذي هزّ أركان الإمبراطورية بحكمهِ أصبح الآن يُشاد بهٍ على أنهُ الرجُل الذي تقدم بحقوق المرأة مئة عام إلى الأمام.
لكن لَمْ يكُن أحدٌ يعلم أنهُ في طفولتهِ، شاهد والدتهُ تتعرض للضرب على يد والده.
حتى والدتُه، كلوي، كانت تعتقدُ أنها أخفت الأمر عنه تمامًا.
***
قصر إيدنبرغ.
اجتمعت أرتيا، فريجيا، ماريغولد، وداليا معًا.
لَمْ تستطع ماريغولد إخفاء حماسها فصرخت.
“أثناء انعقاد المحاكمة، كنت أمسكُ بيد داليا ونحنُ ننتظر في الخارج. وعندما سمعنا الحكم، نسيت تمامًا وقار السيدات النبيلات وصرختُ بأعلى صوتي!”
حتى في عيني داليا الهادئتين، كان يُمكن رؤية لمحةٍ مِن السعادة.
“كالفين هَذا شُجاعٌ فعلًا. لَمْ يخشَ سيل الانتقادات واتخذ حُكمًا شجاعًا.”
بينما كانت تنظر إلى السيدتين اللتين تبتهجان وكأنْ الأمر يخصُهما شخصيًا، امتلأت عينا فريجيا بالدموع.
لو كانت وحدها، لما استطاعت الوصول إلى هَذهِ اللحظة أبدًا.
ماريغولد، داليا، و… أرتيا.
كانت أرتيا ترتدي فستانًا مُنزليًا مريحًا دوّن أيِّ زينةٍ على وجهها، بدت وكأنها فتاةٌ بريئة لا تعرفُ شيئًا. لكنها كانت بطلة فريجيا.
الشخص الذي أمسك بيدها وقادها لتحقيق شيءٍ كانت تعتقدُ أنهُ مستحيل.
أمسكت فريجيا بيد أرتيا وقالت كما لو كانت تلقي تعويذة:
“Eres mi salvador. Te ofrezco mi alma.”
كانت هَذهِ كلمات بلغة بلدها الأم، “فالنتيا”.
فتحت أرتيا عينيها بدهشة.
“ماذا تعني؟”
‘أنتِ مُنقذتي. لَن أنسى أبدًا لطفكِ نحوي، وفي اللحظة التي تحتاجين فيها مُساعدتي، سأمنحُكِ كُل ما لدي بسعادة.’
لكن بدلًا مِن قول كُل ذَلك، اكتفت فريجيا بتفسير مُختصر.
“إنها تعني شكرًا لكِ.”
ابتسمت أرتيا بصفاءِ.
“بل أنا مَن يجبُ أنْ أشكركِ. لولا شجاعتكِ، لما صدر هَذا الحُكم.”
لأول مرةٍ، وقفت المحكمة الإمبراطورية رسميًا إلى جانب امرأةٍ تعرضت للعُنف. كان هَذا الحكم عزاءً كبيرًا ليس فقط لأرتيا التي مرت بتجربةٍ مماثلة، ولكن أيضًا للعديد مِن النساء اللواتي يًعانين بصمت.
بينما كانت فريجيا وأرتيا تُمسكان بيدي بعضهما البعض وتنظران إلى بعضهما بحرارة، أطلقت ماريغولد شهقةً متأثرة.
“يا لهُ مِن مشهدٍ مؤثر، أميرتاي العزيزتان أصبحتا مُقربتين!”
كانت تبكي بحرقةٍ وهي تُرفع زجاجة النبيذ التي أحضرتها عاليًا.
نبيذ كويلامشان المُعتّق منذُ 18 عامًا!
حتى أرتيا، التي لا تستمتع عادةً بالشرب، كانت تعرفُ هَذا الاسم. كان نبيذًا مشهورًا للغاية، وباهظ الثمن إلى حدٍ لا يُصدق.
سكبت ماريغولد النبيذ في كؤوس الجميع بجرأةٍ، رغم أنْ مُعظم النبلاء العاديين لا يحظون بفرصة تذوقه طوال حياتهم.
“في يومٍ سعيدٍ كهَذا، يجبُ أنْ نحتفل بجنون! لنضع وقار السيدات جانبًا لبعض الوقت!”
وافقت السيدات الثلاث على الفور.
“تنينغ!”
تلاقت أربع كؤوس مليئةٍ بالنبيذ الأحمر القاتم، محدثةً رنينًا صافيًا.
في تلكَ الليلة، أكلت النساء الأربع وشربن وتحدثن بلا توقف.
راحت ماريغولد تُسرح شعرهن وتربطهُ كيفما يحلو لها وهي تضحك بسعادةٍ.
“كنتُ أعلم دائمًا أنني أعشقُ اللعب بالدمى!”
أما داليا، فقد احمر وجهُها بالكامل مِن كثرة الشراب.
“هل تعلمن شيئًا؟ في الواقع، أنا أشهرُ كاتبة رواياتٍ رومانسية في هَذهِ الإمبراطورية…”
لكن قبل أنْ تُكمل وتقول ريدليب، سارعت أرتيا، التي كانت قد ضفرت شعرها إلى جديلتين بفضل ماريغولد، إلى حشر حبة ماكرون ضخمة في فمها.
راحت داليا تمضغُ الماكرون المحشو بفمها، وقالت بلكنةٍ مُتلعثمة.
“أنا شخصٌ رائعٌ للغاية، حقًا…”
أما فريجيا، فكانت تلتهمُ الطعام الموجود على الطاولة وكأنها تخوض معركة.
دجاجٌ مقلي ضخم، كعكة كريمة مزينةٌ بالفراولة الحمراء، باستا مليئة بالمأكولات البحرية، وحتى شوكولاتة فائقة الحلاوة.
لطالما قيدت نفسها باتباع نظامٍ صارم للحفاظ على مظهرها، لكنها في الحقيقة كانت تًحب الطعام كثيرًا.
في وسط كُل ذَلك، جلست أرتيا تحتسي النبيذ بابتسامةٍ راضية.
“هَذا لذيذٌ جدًا…”
وببطء، أصبحت وجنتاها أكثر احمرارًا مِن لون النبيذ نفسه.
لكن، وعلى الرغم مِن صرختها الحماسية.
“سنقضي الليلة بأكملها في الاحتفال!”
كانت ماريغولد أول مَن استسلم وسقط نائمة.
على الرغم مِن أنها كانت الأكثر حيويةً بينهن، إلا أنها في الواقع كانت تنامُ كثيرًا، لدرجة أنها لَمْ تستيقظ يومًا قبل ابنتها بالتبني، سيسيليا.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة