البحث عن زوج للدوقة - 104
الفصل 104 : الأميرة المليئة بالجراح ²⁰
صرخ الكونت إليزيوم.
“سيادة القاضي، لا تنخدع بنداء الاستعطاف الكاذب. آمل أنْ تحكم بحكمةٍ لتحفظ مكانة رب الأسرة على هَذا المقام المُخزِ.”
نظر كالفين إلى الزوجين بوجهٍ بلا تعبيرات، ثم تحدث.
“قبل المُحاكمة، أجرينا تحقيقًا لكشف الحقيقة.”
توجّه كالفين بنفسهِ إلى قصر الكونت إليزيوم وتحدّث مع جميع الخدم هُناك. وعندما سألهم عمّا إذا كانوا قد شاهدوا الكونت وهو يمارس العُنف، أنكروا جميعًا علمهم بذَلك.
لكن لَمْ يكُن إنكارهم يبدو كأنهُ جهلٌ حقيقي، بل كان أشبه بمُحاولةٍ لتجنب الإجابة تمامًا.
لابد أنْ هُناك شيئًا ما.
زاد شكّ كالفين، فواصل استجوابهُ لبعض الخدم بإلحاح، وأخيرًا حصل على نتيجة.
“تمكّنتُ مِن الحصول على شهادات خمسةٍ مِن الخدم الذين عملوا في قصر الكونت إليزيوم. قالوا إنهم سمعوا أصوات العُنف التي كان يُمارسها الكونت مِن خلف الباب.”
“مَن الذي تجرّأ على نشر مثل هَذهِ الأكاذيب؟!”
صرخ الكونت إليزيوم بغضبٍ، فردّ عليهِ كالفين بلهجةٍ ثابتة دوّن أيِّ انفعال.
“لا يُمكنني الإفصاح عن ذَلك. لقد حصلتُ على الشهادات تحت وعدٍ مُطلقٍ بالحفاظ على السرية.”
كان هؤلاء الشهود قد تحدثوا لأنهم وثقوا في القاضي الأكثر نزاهة في العاصمة، لذا كان كالفين مُصممًا على حماية هويتهم تمامًا.
‘سأعثرُ عليهم مهما كلّف الأمر، وسأمزّق أفواههم.’
قال الكونت إليزيوم بوجهٍ قاتم.
“لَمْ يُعلنوا عن أسمائهم، ولَمْ يشهدوا الحادثة مُباشرةً، كما أنكَ الوحيد الذي استمعت إلى شهاداتهم. لذا، فإنْ هَذهِ الشهادات تفتقرُ إلى المصداقية الكافية.”
كان كلامُه محاولةً للطعن في سلطة القاضي، لكن كالفين أومأ برأسهِ بهدوء.
“أتفق معكَ. ولهَذا السبب، قمتُ بتحقيقٍ أعمق للكشف عن الحقيقة. وفي النهاية، وجدتُ شخصًا شهد الحادثة مُباشرةً ومُستعدًا للإدلاء بشهادته.”
كلماتٌ صادمة.
“إنها إليزابيث فون إليزيوم، ابنةُ الكونت إليزيوم وزوجته.”
عندما استفسر كالفين عن القضية، زار فريجيا، التي بدأت تروي تفاصيل العُنف الذي تعرضت له. وبينما كانت تتحدث، ذكرت ابنتها أيضًا.
“لقد… ضربني زوجي أمام طفلتي. ولهَذا قررتُ تقديم شكوى.”
لكن بدلًا مِن الشعور بالأسى لأن الطفلة شهدت مشهدًا مروعًا، استنتج كالفين.
“إذن، إليزابيث هي الشاهدة الوحيدة التي رأت الكونت يعتدي عليكِ.”
“……!”
“يُمكننا استدعاؤها كشاهدٍ. رغم صغر سنها، قد تكون شهادتها غيرَ موثوقةٍ بالكامل، لكنها لا تزال شهادةً مُباشرة.”
“لا يُمكن ذَلك!”
صرخت فريجيا بحدة.
ابنتها قد عانت بما يكفي، فَكيف لها أنْ تجعلها تواجه هَذا الأمر مرةً أخرى أمام الحضور؟ لَمْ تستطع تقبُّل الفكرة أبدًا.
نظر كالفين إلى فريجيا، التي كانت عيناها تعكسان الصدمة والغضب.
“لَن أجبرها إذا لَمْ ترغبي بذَلك. لكن هل تسمحين لي فقط بطرح بعض الأسئلة عليها؟”
بعد تفكيرٍ طويل، أومأت فريجيا بالموافقة.
دخل كالفين الغرفة التي كانت إليزابيث تمكُث فيها، وألقى نظرةً مُتفحصة على المكان.
كانت الطفلة تلعبُ بدمية أميرةٍ ببراءة، بينما كانت دمية الأمير موضوعة في صندوقٍ مُغلقٍ بإحكام في زاوية الغرفة.
لاحظ كالفين هَذا المشهد ثم اقترب مِن إليزابيث.
“مرحبًا، ليزي.”
أمضى كالفين ساعاتٍ وهو يلعبُ مع إليزابيث، التي كانت خائفةً منه في البداية، لكنها سرعان ما بدأت تضحكُ بمرحٍ. وعندها، نظر كالفين في عينيها وسألها.
“ليزي، هل رأيتِ والدكِ يضربُ أمكِ؟”
كان السؤال صريحًا وقاسيًا. فريجيا، التي كانت تقفُ عند الباب، شهقت مِن الصدمة، لكن إليزابيث أجابت بهدوءٍ دوّن أيِّ تردد.
“نعم. بابا آذى ماما.”
“هل تتذكرين أين ضربها؟”
“… في ظهرها.”
“وبِماذا ضربها؟”
“بما يستخدمونهُ للخيول.”
كانت الطفلة تفهمُ الأسئلة جيدًا، وتُجيب بدقةٍ، بل وكانت روايتُها مُتطابقةً مع شهادة فريجيا.
لَمْ يكُن هَذا خيالًا، ولا كذبًا.
أيقن كالفين أنْ الطفلة كانت تقول الحقيقة.
***
“بسبب اعتراض الكونتيسة إليزيوم، لَمْ نُحضر إليزابيث إلى المحكمة. ومع ذَلك، أكدت الطفلة أنْ والدها استخدم سوط الخيول لضرب والدتها.”
ثم تابع كالفين حديثه.
“وبناءً على الأدلة المُتوفرة، أرى أنْ الكونت إليزيوم قد اعتدى على زوجتهِ بالفعل.”
الغريب أنهُ لَمْ يُظهر أيٌّ مِن الحاضرين، حتى مَن كانوا يدعمون الكونت إليزيوم، صدمةً كبيرةً مِن هَذا الاستنتاج.
ذَلك لأن الجميع، في أعماقهم، كانوا يعتقدون أنه رُبما فعلها.
لكن جوهر هَذهِ المحاكمة لَمْ يكُن حول ما إذا كان قد اعتدى عليها أم لا.
بل كان حول ما إذا كان سيتلقى العقوبةً على ذَلك أم لا.
كان الكونت إليزيوم مُدركًا تمامًا أنْ صورته كزوجٍ عطوفٍ ومُحب، التي بناها على مدار السنين، قد تحطمت بالكامل.
لذَلك، بدلًا مِن إنكار ما فعله، اختار قول شيءٍ آخر.
“أشعرُ بظلمٍ شديد، لكنني سأحترمُ قرار المحكمة. ومع ذَلك، حتى لو كان صحيحًا أنني ضربتُ زوجتي، فإنْ هَذا شأنٌ عائليٌّ لا علاقة للمحكمة به.”
كانت كلماتهُ تنضح بغطرسة أصحاب السلطة. إلا أنْ كالفين لَمْ يتراجع، بل أومأ برأسهِ بهدوء.
“نعم، لقد فكرتُ في هَذهِ النقطة مليًّا. فَطوال تاريخ الإمبراطورية، لَمْ تُصدر المحكمة أيِّ عقوبةٍ بحق رجُلٍ ضرب زوجته. لكن…”
رفع كالفين مجموعةً مِن الأوراق.
“لقد تلقّت المحكمة عريضةً رسمية.”
كانت الصفحة الأولى تحمل اسم أرتيا فون إيدينبرغ، وكانت العريضة موقعةً مِن أربعٍ وثلاثين امرأةً سبق لهنَ أنْ تعرضن للعُنف الزوجي.
لقد كانت ثمرة جهود أرتيا، التي استغرقت خمسة عشر يومًا في الإقناع والاستعطاف والتوسل.
“اتفقت كاتباتُ العريضة جميعًا على أنْ العنف الأسري ليس شأنًا خاصًّا، بل هو عادةٌ اجتماعيةٌ يجب القضاء عليها. وأنا أتفقُ معهن تمامًا.”
“…..”
للمرة الأولى، حمل صوت كالفين، الذي كان هادئًا طوال الوقت، نبرةً قويةً وحازمة.
“أصدرُ الحكم. لقد ثبت أنْ أوستن فون إليزيوم كان يعتدي على زوجتهِ باستمرار، وهَذا جُرمٌ واضحٌ لا جدال فيه.”
اتسعت أعين جميع الحاضرين في قاعة المحكمة.
“عادةً، حين يُعتدي شخصٌ على آخر، يجبُ أنْ يتلقى العقوبة المًناسبة. ولكن نظرًا لأن الضحية، فريجيا فون إليزيوم، لا ترغبُ في معاقبة زوجها، فإنني أصدرُ الحكم التالي:”
رنّ صوتهُ الصارم في القاعة، خاليًا مِن أيِّ مشاعرٍ شخصية.
“على أوستن فون إليزيوم أنْ يعتذر لزوجتهِ بصدقٍ، وأنْ يكتُب تعهدًا رسميًّا بعدم تكرار هَذا الفعل مُطلقًا. وفي حال أخلّ بهَذا التعُهد، فسيخضعُ لعقوبةٍ مُباشرةٍ تتناسبُ مع جُرمهِ.”
كانت العقوبة في حد ذاتها واهيةً وضعيفة.
ومع ذَلك، فإنْ حكم كالفين كان كفيلًا بتحطيم كُل المفاهيم السائدة.
لقد صُدِم الجميع إلى درجة أنهم لَمْ يجرؤوا على التنفس.
أما الكونت إليزيوم، فقد نسي هيبتهُ تمامًا، وظلّ فاغرًا فمه، قبل أنْ يستعيد وعيّه فجأةً ويصرخ بغضب.
“كيف لقاضٍ أنْ يسمح لنفسهِ بأنْ يُستغلّ مِن قِبل بعض النساء المُتهوّرات، ويصدر مثل هَذا الحُكم المُنحاز؟ لا يُمكنني تقبّله إطلاقًا!”
“بصفتي قاضيًا، لَمْ أُفرّق بين رجُلٍ وامرأة، بل التزمتُ بمبدأ القانون في حماية الشعب. أما كلماتُكَ تلكَ…”
نظر كالفين إلى الكونت إليزيوم مِن علٍ.
“فهي إهانةٌ لهيبة المحكمة، وجريمةٌ جسيمة. سأتجاوزها هَذهِ المرة، لكن إنْ تكررت، فسأطبقُ القانون بحذافيره.”
ارتسمت في عيني القاضي الشاب هيبةٌ باردةٌ ومهيبة.
أدرك الكونت إليزيوم أنْ أيِّ اعتراضٍ آخر لَن يكون في صالحه، فقبض على أسنانهِ غيظًا.
رفع كالفين مطرقتهُ، وضرب بها طاولة المحكمة.
“بهَذا، تُختتم المحاكمة.”
وفي اللحظة التي انتهت فيها الجلسة، اندفعت أرتيا مِن بين الحضور، واحتضنت فريجيا بقوة.
وبينما كانت بين ذراعيها، سالت دموع فريجيا، لكنها كانت تبتسم بسعادة.
على الجانب الآخر، كان الكونت إليزيوم يُحدّق بالمرأتين، بينما قبضتُه مشدودةٌ لدرجة أنْ عروقه برزت وراح جسدُه يرتجف مِن شدة الغضب.
لقد كانت صورةً تعكسُ التناقض التام بين الزوجين.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
《واتباد: cynfti 》 《انستا: fofolata1 》