البحث عن زوج للدوقة - 103
الفصل 103 : الأميرة المليئة بالجراح ¹⁹
“كلامُكما مُختلف. ولكي نُصدر حكمًا واضحًا، نحتاج إلى شهودٍ أو أدلةٍ تُثبت صحة أقوالكما. هل هَذا مُمكن؟”
أومأ الكونت إليزيوم برأسهِ وكأنهُ كان ينتظرُ هَذهِ الفرصة.
“نعم، هُناك شخصٌ يمكنه إثبات براءتي والكشف عن كذب زوجتي.”
بعد لحظات، وقف رجلٌ ذو شعرٍ أبيض في مكان الشهود.
“أنا الطبيب الشخصي لعائلة الكونت إليزيوم.”
“لا بُد أنكَ قد فحصت زوجة الكونت إليزيوم أيضًا خلال هَذهِ الفترة.”
“نعم، كنتُ أشرف على فحصها بانتظام. كانت ضعيفة البُنية وتُعاني أحيانًا مِن المرض لعدة أيام، لكني لَمْ أرَ أيِّ أثرٍ للضرب عليها قط.”
عقدت فريجيا حاجبيها الجميلين.
لَمْ يسبق لها أنْ تلقت علاجًا حقيقيًا بعد تعرُضها للضرب مِن قبل الكونت إليزيوم. لَمْ تكُن ترغب في أنْ يكتشف أحدٌ ذَلك.
ومع ذَلك، كانت بشرتُها البيضاء الهشة تحمل بين الحين والآخر كدماتٍ ظاهرة، وكان طبيبُها الشخصي قد رآها بالفعل. لكنهُ تظاهر بأنه لَمْ يرَ شيئًا.
“كيف يُمكنكَ أنْ تكذب بهَذهِ الوقاحة؟!”
صرخت فريجيا، وهي ترتجف مِن الغضب. بدا الطبيب مرعوبًا، لكنهُ لَمْ يسحب شهادته.
رفع الكونت إليزيوم زاوية فمه بابتسامة.
كان الكونت يضرب فريجيا دائمًا بعد إغلاق الباب. حتى عندما كان ثملاً، لَمْ يمد يده على وجهِها أبدًا.
لذَلك، لَمْ يكُن هُناك أحدٌ قد رأى مشهده وهو يضربها، ولا أحدٌ قد رأى آثار العُنف التي تركها عليها.
ومع ذَلك، كان هُناك مَن أدرك الحقيقة.
طبيبُها الشخصي الذي كان يُشرف على فحصها… والخادمات اللاتي كُن يخدمنها.
كان الكونت إليزيوم على درايةٍ جيدةٍ بذَلك، ولذَلك جمع الخادمات مُسبقًا و حذرهنَ.
“سمعتُ أنْ فريجيا تبحثُ عن خادمةٍ تقفُ إلى جانبها، وقد عرضت مبلغًا كبيرًا مُقابل ذَلك.”
عند سماع ذَلك، انكمشت بعض الخادمات وبدت وجوههنَ شاحبة. راقب الكونت إليزيوم تعابيرهن بعينيه الثعبانيتين وأكمل حديثه.
“لا تنسين أبدًا. أنا سيدكنّ، ولستُ غبيًا إلى درجة أنْ أترك خادمةً تتجرأ على معارضتي.”
كان تهديدًا مُرعبًا.
نظر الكونت إليزيوم إلى فريجيا ببرودٍ وقال بلهجة هادئة.
“فريجيا، نحنُ في قاعة المحكمة. إذا كان لديكِ ما تقولينه، فلا تصرخي. بل أحضري شاهدًا يؤيد أقوالكِ.”
هل سيخيُم اليأس على هَذا الوجه الجميل الآن؟
إنْ كان يعتقدُ ذَلك، فَهو مخطئٌ تمامًا.
في المقاعد المُخصصة للحضور، جلست أرتيا تُحدق في فريجيا. وعندما التقت عينا فريجيا بعيني أرتيا، استعادت هدوءها وتحدثت بصوتٍ ثابت.
“سيادة القاضي، لدي أيضًا شاهد.”
ظهرت امرأةٌ ترتدي ملابس بسيطة.
“مَن تكون هَذهِ المرأة؟”
كان الكونت إليزيوم مذهولاً، وفجأة صدح صوتُ المرأة في أذنه.
“ا-اسمي آنا. كنتُ أعمل خادمةً في قصر الكونت إليزيوم. لكنني استقلتُ قبل عام.”
خادمةٌ سابقة؟!
تجعد وجه الكونت إليزيوم الوسيم بسبب هَذا المُتغير غير المتوقع.
عند رؤية ذَلك، تذكرت أرتيا ما حدث منذُ وقتٍ قريب.
***
حاولت رئيسة الخدم، سوزان، إقناع خادمات قصر الكونت إليزيوم بالتحدث، لكنهنَ رفضن الشهادة بوجوهٍ مرعوبة.
اعتذرت سوزان لأنها لَمْ تتمكن مِن أداء مُهمتها كما ينبغي.
“ماذا لو حاولنا التواصل مع خادمةٍ سابقة؟ رُبما تأثير الكونت إليزيوم عليها سيكون أقل بعد مُغادرتها القصر.”
أومأت سوزان برأسها، ثم بدأت في البحث عن الخادمات اللاتي تركنَ القصر خلال السنوات الأخيرة، حتى وجدت أخيرًا امرأةً كانت على استعدادٍ للإدلاء بشهادتها.
وكانت هَذهِ المرأة هي آنا، التي وقفت اليوم أمام الجميع.
تحدثت آنا بصوتٍ مُرتجف، وقد ارتسم الخوف على وجهها.
“ك-كان باب سيدتي يُغلق بإحكامٍ كلما عاد السيد مخمورًا، وكنتُ أسمع صراخها يتسرب مِن بين شقوق الباب. وفي صباح اليوم التالي، كانت دائمًا طريحة الفراش. كانت تُحاول جاهدةً إخفاء إصاباتها، لكنني رأيتُ ذَلك. رأيتُ العلامات الحمراء على جسدها.”
تحدثت فريجيا قبل أنْ يتمكن الكونت إليزيوم مِن الرد.
“سيادة القاضي، ليس لديّ شهودٌ فقط. بل لديّ أيضًا دليلٌ يُثبت صحة كلامي.”
لأول مرة، بد بريقٌ خافت في عيني كالفين الرماديتين.
“أرني الدليل.”
عضّ الكونت إليزيوم على أسنانهِ بشدةٍ بسبب هَذا التطور غير المتوقع.
“هَذا كُله كذبٌ وافتراء!”
كيف يُمكن أنْ يكون هُناك دليل على اعتداءٍ وقع منذُ زمنٍ بعيد؟ هَذا مستحيل!
في تلكَ اللحظة، وقفت أرتيا مِن بين الحضور.
بدا على الكونت إليزيوم الغضب، وسقط قناعُه ليكشف عن وجههِ القبيح الحقيقي.
‘تلكَ العاهرة التي أغوت فريجيا…!’
تقدمت أرتيا نحو فريجيا، مُتجاهلةً نظرات الكونت الحادة كالسكاكين.
لَمْ تكُن أرتيا قد شهدت اعتداء الكونت إليزيوم على فريجيا بشكلٍ مُباشر، لذا لَمْ يكُن بإمكانها أنْ تكون شاهدة.
لكن كان هُناك شيءٌ يُمكنها فعله.
أنْ تقف إلى جانبها في هَذهِ المعركة.
نظرت أرتيا إلى فريجيا بعينيها الدافئتين. ترددت فريجيا للحظة، ثم أومأت برأسها بحزم، وقد عقدت العزم أخيرًا.
بعد لحظات، بدأت أرتيا بفكّ أزرار الفستان الواحد تلو الآخر عن ظهر فريجيا.
أنْ تقوم سيدةٌ نبيلة بخلع ملابسها أمام هَذا الحشد الكبير!
كان تصرُّفًا صادمًا جعل الجميع يُحدّقون بذهول. حتى كالفين لَمْ يكُن استثناءً، لكنهُ تحلّى بالصبر وقرر التمهُّل قليلًا.
وبعد فترةٍ وجيزة، عمّت المحكمة صدمةٌ مروّعة.
ظهرُها الهزيل كان مُغطّى بعشرات الندوب.
كانت أرتيا، التي رأت الندوب عن قرُب، قد احمرّت عيناها تأثّرًا.
‘منذُ أنْ مكثَت في قصر إيدينبرغ، طلبتُ مِن فريجيا ألّا تضع أيّ دواءٍ على جراحها.’
لقد كان ذَلك كُله مِن أجل هَذا اليوم.
رغم مرور الوقت وبُهتان بعض الآثار، إلا أنّ ظهرها الأبيض لا يزال يحمل ندوبًا لَمْ تلتئم بالكامل. والأسوأ مِن ذَلك، أنّ الندوب القديمة تراكمت فوقها جروحُ أحدث، قد تكوّنت على مدار سنوات.
فتحت فريجيا شفتيها، وعيناها توشكان على البكاء.
“في يوم زفافنا، أقسمتُ أنا وزوجي أمام الحاكم أنْ نُحبّ بعضنا البعض ونعتني ببعضنا في كُلّ الظروف. ولكن… ولكن في كُلّ مرةٍ كان يعود فيها مخمورًا، كان يضربُني. كأنني مُجرّد حيوان، مُجرّد عبدة، كان يجلدني بسوط الخيول. لقد تألّمتُ كثيرًا… كثيرًا جدًّا.”
كان اعترافُها الحزين والمُفجع صادمًا لدرجة أنّ أحدًا لَمْ يستطع فتح فمه.
لكن الشخص الذي كسر ذَلك الصمت كان الكونت إليزيوم.
“هَذا كُله كذب! لَمْ أضرب زوجتي أبدًا!”
كلماتُه أعادت المُحاكمة إلى نقطة الصفر، مِما جعل كالفين يُقطّب حاجبيه.
“هل تعني أنّ الكونتيسة قامت بإيذاء نفسها؟ وفوق ذَلك، في أماكنٍ مِن جسدها لا تستطيعُ حتى الوصول إليّها؟”
“كما يعلم سيادة القاضي، زوجتي لَمْ تفعل كُلّ هَذا بِمُفردها. هُناك شخصٌ يدعمها… لا، بل يُحرّكها مِن وراء الستار.”
ثم وجّه الكونت إليزيوم بصرهُ نحو أرتيا، التي كانت تقفُ إلى جانب فريجيا.
“لابد أنّ السيدة إيدينبرغ هي مَن حرّضتها! لا شكّ أنّها أوعزت إليّها بأنّ المحاكمة لَن تكون في صالحها إلا إذا كانت هُناك جروحٌ تدعم كذبتها. كانت تبتسمُ مثل ساحرةٍ بينما تحفرُ الجرُاح على جسدها. هَذهِ المُطلّقة، التي فشلت في زواجها، تحترقُ غيظًا لرؤية زواجنا مُستمرًّا، ولذَلك تُحاول تمزيقه!”
“كفّ عن هَذا الهراء!”
للمرة الأولى، رفعت فريجيا عينيها ونظرت إلى الكونت إليزيوم بنظرةٍ حادّة.
“السيدة أرتيا لَمْ تفعل شيئًا سوى مُساعدتي بنيّةٍ صادقة. لا علاقة لها بهَذهِ القضية. أنا وحدي مَن قدّمتُ الشكوى ضدّك، وأنا وحدي مَن قرّرتُ المثول أمام المحكمة!”
“…..”
كان الكونت إليزيوم يُحدّق فيها كما لو أنّ كلبًا ضالًّا قد عضّه، غير قادرٍ على استيعاب ما سمعه.
ثمّ أبعدت فريجيا نظرها عنه، والتفتت إلى كالفين وقالت.
“سيادة القاضي المُحترم، لقد فقدتُ الكثير بسبب هَذهِ المُحاكمة. تمّ الكشف عن أمورٍ كنتُ أرغبُ في إخفائها عن العالم، وانهار شرفي كامرأةٍ نبيلة، وانهارت علاقتي بزوجي إلى حدٍّ لَن يُصلَح أبدًا. ومع ذَلك، السبب الذي جعلني أقف هُنا اليوم هو…”
أخذت نفسًا عميقًا قبل أنْ تُتابع.
“ابنتي الصغيرة، إليزابيث، التي هي أثمنُ مِن حياتي نفسها. أريدُ أنْ أخبرها أنّ إيذاء الإنسان لإنسانٍ آخر، وأنّ ضرب الزوج لزوجته، أمرٌ لا يُمكن تبريرهُ تحت أيِّ ظرف. أريدُها أنْ تعرف أنّ المرأة، مهما كانت ضعيفة، تستحقُّ أنْ تعيش بكرامة، وأنْ تُعامَل باحترام.”
شبكت فريجيا يديها معًا.
“أنا لا أطلبُ معاقبة زوجي، ولا أريدُ حتى اعتذارًا منه. كلّ ما أطلبُه مِن المحكمة هو منعهُ مِن ضربي مُجدّدًا. هِذا فقط… أرجوكم.”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة