البحث عن زوج للدوقة - 102
الفصل 102 : الأميرة المليئة بالجراح ¹⁸
أجاب كالفين بصوتٍ هادئ بعدما وجد نفسهُ واقفًا فجأة دوّن كرسيه.
“ذَلك مِن صلاحيات القاضي.”
“أعلم. لذا جئتُ إلى هُنا لأصدر الأمر بنفسي.”
لَمْ يكُن كيليان غاضبًا. ولَمْ يهدد بلهجةٍ قاسية.
كان وجههُ هادئًا ونبرته حتى متراخية.
ومع ذَلك، كانت هالتُه تنبعث منه بضغطٍ كافٍ لتخنق مَن حوله.
لقد رأى كالفين الكثير مِن المُجرمين، وكان بينهم حتى فرسانٌ أزهقوا أرواح المئات، لكنهُ مع ذَلك شعر بالاختناق.
كان كالفين قاضيًا عادلًا مع الجميع، ومُتمسكًا بالمبادئ بدقة، لكنهُ كان أيضًا يُدرك قيمة حياته.
لذا، كان شخصًا يُمكنه إبداء بعض المُرونة، كتغيّر المحاكمة إلى علنية.
أومأ كالفين برأسهِ بسهولة.
“سأفعل ذَلك.”
عندما تذكر تلكَ اللحظة، فكر كالفين.
هل يُدرك الناس؟
أنْ الأمير كيليان، الذي يقفُ على قمة السلطة، مُهتمٌ بشدة بمحاكمةٍ شخصيةٍ تمامًا تخُص زوجين.
***
صدر الإعلان الرسمي الذي كتبهُ كالفين.
“نظرًا لأن إجراء المُحاكمة بشكلٍ سري قد يؤدي إلى تشكل آراءٍ مُشككة في سير عملية الحُكم، فقد تقرر عقدُها بشكلٍ علني.”
وعلى إثر ذَلك، انهالت الطلبات لحضور المحاكمة. ومِن خلال معايّر صارمة، تم اختيار خمسين مُراقبًا.
وكانت أرتيا مِن بينهم.
أما ماريغولد وداليا، فَلَمْ يتم اختيارُهما للأسف.
‘كوني قوة للأميرة بالنيابة عنا.’
وبينما تتذكر كلماتهما، جلست أرتيا في الصف الأمامي مِن مقاعد المُراقبين.
كان أقرب مكانٍ إلى فريجيا.
امتلأت القاعة الواسعة عن آخرها بالحضور الذين راحوا يتحدثون عن مُحاكمة اليوم.
كان البعض يُدافع عن فريجيا، بينما انحاز آخرون إلى جانب الكونت إليزيوم.
انقسمت الآراء بوضوحٍ، وتصاعد التوتر، وارتفعت الأصوات.
“بغض النظر عن الظروف، لا يُمكن للرجُل أنْ يمًد يده على زوجته. على الكونت إليزيوم أنْ يعتذر عن استخدام العُنف، وألا يُكرره أبدًا!”
“هاه، بل الكونتيسة إليزيوم هي المُخطئة. أيُّ زوجةٍ تُبلغ عن زوجها، وهو سيد العائلة، إلى السلطات؟!”
كانت القاعة تضج بالحديث لدرجة يصعُب التميّز بين ما إذا كان هَذا مكانًا للمُحاكمة أو زقاقًا خلفيًا.
ثم فجأةً، ساد الصمت.
فقد دخل كيليان، وقد انعكست الأضواء الساطعة خلفه.
شعر الجميع بالارتباك عند رؤية الأمير، الذي كانت عيناهُ الذهبية المُتغطرسة باردةً كالثلج.
رغم أنْ مُحاكمة الكونت إليزيوم وزوجته كانت محط اهتمامٍ غيرِ مسبوق، إلا أنْ القضية نفسها كانت شخصية وصغيرة، بل فضائحية إلى حدٍ ما، ولا تليقُ بالمقامهِ الرفيع.
لهَذا، تجنب أفراد العائلة المالكة والنبلاء الكبار التطرُق إليّها.
لكن كيليان حضر بنفسه…
وسط نظرات الناس التي امتزجت بالدهشة والخوف، خطا كيليان بجرأةٍ حتى وصل إلى مقعده.
كان المقعد بجانب أرتيا مُباشرةً.
وقفت أرتيا بسرعةٍ مِن مقعدها، رفعت حاشية ثوبها، وانحنت له.
“أحيي وريث الدم المقدس لأورفيوس.”
التقت عينا كيليان بعينيها.
“اجلسي. ركزيّ على المُحاكمة.”
“نعم.”
جلست أرتيا بسرعةٍ كما وقفت.
عندها، نطق نوكتورن مِن الجهة المُقابلة بلهجتهِ الودودة المُعتادة.
“سموه يرغبُ في أنْ نُركز على المُحاكمة!”
في تلكَ اللحظة، تحولت كُل النظرات التي كانت مركزةً على كيليان إلى اتجاهٍ آخر.
ظلّ الصمت الثقيل يُخيم على المكان.
كان كيليان يُراقب أرتيا، التي جلست منتصبةً، تنظرُ إلى الأمام فقط.
“يبدو أنْ لديكِ الكثير مِن الأسئلة، أليس كذَلك؟”
التفتت أرتيا نحوه ببطء.
“عادةً، عند حضور أفراد العائلة المالكة إلى المُحكمة، يجلسون في المقاعد المُخصصة لهم. لذا، كنتُ أتساءل لماذا جلست هُنا، يا سمو الأمير.”
أجاب كيليان وكأنْ السؤال لَمْ يكُن مُعقدًا أبدًا.
“هَذهِ قاعة محكمة. يجبُ أنْ تكون عادلةً ومتساوية، بغض النظر عن السلطة.”
ومِن بين كُل المقاعد، لماذا جلست بجواري تحديدًا؟
أرتيا أرادت أنْ تسأل عن ذَلك أيضًا، لكنها امتنعت. شعرت بطريقةٍ ما أنه يجب عليها ذَلك.
كان أمرًا غريبًا. كيف يُمكن أنْ تكون نظرة كيليان وحده أكثر حدةً مِن عشرات النظرات التي كانت موجهةً إلى هَذا المكان منذُ لحظات؟
استدارت أرتيا بسرعة، وقد احمرّ وجهُها قليلًا.
‘تماسكي. ليس هَذا وقت الالتفات إلى سموه.’
حاولت أرتيا أنْ تستجمع تركيزها بقوة، ثم بدأت في مُراقبة الحاضرين في قاعة المحكمة.
‘ثلث الحاضرين مع فريجيا، والثلثان الآخران مع الكونت إليزيوم.’
كان ذَلك قريبًا مِن الرأي العام الفعلي.
على الرغم مِن أنها بذلت جهودًا هائلة وحققت نتائج أكبر مِن المتوقع، إلا أنْ هُناك حدودًا لما يُمكن تغييره.
كان لا يزال هُناك الكثيرون مِمَن يرون أنْ الإبلاغ عن الزوج كان أكثر استحقاقًا للإدانة مِن كونه قد ضرب زوجته.
‘لكن الرأي العام يظلّ رأيًا فقط. لا أحد يعلم كيف سيكون حُكم المحكمة.’
قبضت أرتيا على حاشية فستانها بقوة، بينما شددت نظراتها.
على الجانب الآخر، كان كيليان جالسًا بزاويةٍ مائلة، يُحدق في أرتيا بتركيزٍ شديد.
‘أرتيا فون إيدينبرغ تخوض حربًا أخرى.’
لكن هَذهِ المرة، لَمْ تكُن تُقاتل بسيفها، بل تقف خلف كونتيسة إليزيوم كمُخططةٍ بارعة.
كانت تبدو مُتماسكةً، لكن مِن المُستحيل أنْ تكون واثقةً تمامًا مِن النتيجة، وكان لا بد أنها تشعرُ بالقلق.
ومع ذَلك، لَمْ تكُن تخشى، بل كانت تنظرُ إلى الأمام بثبات.
‘جميلة.’
اهتزّ قلبُه. شعر بالحرارة تملأ جسده، وقشعريرةٍ تسري في أطرافه.
كان كيليان يشعرُ بشيءٍ غريب تمامًا، لدرجة أنه بدا له مُخيفًا.
بدأت المحاكمة.
كان الكونت إليزيوم أول مَن ظهر.
كان يرتدي زيًّا رسميًا أبيض، مزينًا بعددٍ مِن الأوسمة اللامعة التي منحها لهُ البلاط الملكي.
بدا كقائدٍ نبيل، يحملُ الشرف والهيبة التي تليقً برئيس عائلة إليزيوم.
رأت إحدى النساء ذَلك المشهد، فاحمرّ وجهُها وهمست لنفسها.
‘لا يُمكن لرجلٍ كهَذا أنْ يضرب زوجته.’
هي، ومعها آخرون مفتونون بمظهره، لَمْ يستطيعوا حتى تخيل الأفكار القاسية التي تدور في ذهنه.
‘كيف تجرؤين على إهانتي بهذا الشكل، فريجيا؟ أنْ تجعلي زوجكِ يقفُ أمام المحكمة بعد أنْ بلغتي عنه؟ لَن أسامحكِ أبدًا.’
بِمُجرد انتهاء المحاكمة، سيأخذها إلى القصر، وسيحبسُها في غرفتها.
لَن يعطيها ولو قطرة ماء، وسينزل بها سياط العقاب.
حتى لو جف جسدُها تمامًا ولَمْ تستطع تحمل الجوع والعطش، حتى لو ركعت تتوسل باكيةً وتطلبُ منه أنْ يُسامحها، لَن يوقف العقاب أبدًا.
‘لكن لا تقلقي كثيرًا، فريجيا. حتى لو توسلتِ لي أنْ أقتلكِ، فَلَن أفعل ذَلك أبدًا.’
لأنه مِن الصعب العثور على امرأةٍ جميلةٍ مثلكِ.
بعد عامٍ مِن العقاب، سيُعيد إليّها الطعام، وسيُمشط شعرها، وسيضعُ لها مساحيق التجميل، وسيلبسُها أجمل الفساتين البراقة، ثم سيجعلُها تقف بجانبهِ مِن جديد.
يا له مِن زوجٍ كريمٍ ومتسامح!
لكن فجأةً، اتسعت عينا الكونت إليزيوم المُتغطرسة.
كان ذَلك بسبب ظهور فريجيا مِن الجهة المقابلة.
ارتسمت علاماتُ الدهشة على وجوه الآخرين أيضًا.
فالمرأة التي لطالما أبهرت مُجتمع بمظهرها الراقي، بدت اليوم مُختلفةً تمامًا.
كانت بوجهٍ شاحب خالٍ مِن أيِّ مساحيق تجميل، ترتدي فستانًا أبيض بسيطًا بلا أيِّ زينة، وجسدُها الهزيل بدا كأنهُ سيسقط في أيِّ لحظة.
كان مشهدها مؤلمًا لدرجة أنهُ أحزن كُل مَن نظر إليّها.
الشخص الذي قرر أنْ تظهر بهَذا الشكل كان أرتيا.
‘الناس يتأثرون بشدةٍ بالمظاهر. عندما يرون امرأةً جميلةً وضعيفة، ستلينُ قلوبهم.’
تمامًا كما توقعت أرتيا، حتى الأشخاص الذين كانوا ضد فريجيا بدت عليهم علامات التعاطُف.
‘الانطباع الأول كان ناجحًا.’
قبضت أرتيا على ثوبها بقوةٍ وابتلعت ريقها بصعوبة.
في وسط قاعة المُحكمة، جلس كالفين مرتديًا رداء القضاة الأسود. ثم فتح فمهُ ليتحدث.
“سنبدأ الآن المحاكمة.”
بصوتٍ هادئ، بلا أيِّ انفعال، بدأ في قراءة الوثائق أمامه.
“خلال فترة زواجها، تعرضت الكونتيسة إليزيوم للعُنف الجسدي المُتكرر مِن قبل زوجها الكونت إليزيوم، مِما جعل حياتها مليئةً بالمُعاناة. وعندما شعرت أنها لَمْ تعُد قادرةً على تحمل المزيد، طلبت مِن المحكمة التدخل لوقف العُنف مِن خلال هَذهِ المحاكمة.”
نظر كالفين إلى فريزيا وسألها.
“هل هَذا صحيح؟”
أومأت فريجيا برأسها، ووجهُها الباهت يدل على ضُعفها.
“نعم، هَذا صحيح.”
ما إنْ قالت ذَلك، حتى ضرب الكونت إليزيوم صدره وكأنهُ مصدومٌ، ثم قال بنبرةٍ يغمرُها الظلم.
“أنا أحبُ زوجتي وأعزُها. الجميع في المُجتمع الأرستقراطي يعرفون ذَلك! أقسم أنني لَمْ أفعل شيئًا مِن هَذا القبيل أبدًا!”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة