الفصل 15
اصطف فريق الأسود في المقدمة وهم يحملون الدروع الخشبية، وخلفهم مباشرةً وقف الفرسان ممسكين بالرماح الخشبية.
كانت الخطة واضحة: المدافعون يصدّون الضربات، بينما المهاجمون ينفذون من بين فراغات الدروع ليصيبوا الخصوم.
«سيحاولون إنهاكنا أولًا ثم يقلبون المعركة لمصلحتهم…»
بما أنّ فريقهم يملك قدرة تحمّل أفضل بقليل من فريقنا، فلو جرّبنا نحن أيضًا القتال القريب لكان أسلوبًا فعّالًا للغاية.
أما نحن، فقد اصطففنا كما اتفقنا: نصف الجنود حولي، والنصف الآخر حول الفارس رووين، بشكل يحاكي تشكيلتين متوازيتين. تعمّدنا أن تكون القوة موزونة أكثر إلى جانبي.
رفعتُ الراية المزيفة عالياً، وكذلك فعل رووين.
كانت مكوّنة من عصا تشبه تمامًا عصا الراية الحقيقية، مُثبتة عليها قطعة قماش. مظهرها بسيط، لكنه لا ينكشف إلا إذا دقّق أحد فيها.
بدا الارتباك واضحًا على فريق الأسود حين وجدنا نواجههم بخطة لم يتوقعوها.
وفجأة صاح قائدهم السير روبرت:
“تقدّموا أولًا!”
تحرّكوا ببطء، محافظين على التشكيل.
لكننا كنا مستعدّين لهذا أيضًا.
انقسمت جبهتنا إلى جناحين، فتوجّه كل جناح نحو طرف من أطراف تشكيل العدو.
ارتبك خط الدروع الأمامي لفريق الأسود، وتشتّت.
صرختُ مستغلّة الفوضى:
“هاجموا من بين الدروع!”
اندفع فرساننا، يدفعون الرماح بأجسادهم، ويمدّون أيديهم نحو أساور المعصم ليحلّوها.
وخلال لحظات، خسر فريق الأسود ستة فرسان بحكم “خارج المعركة”.
“تراجعوا أولًا!” صاح أحدهم في ذعر.
ارتبك العدو، لكنني منعت فرساننا من ملاحقتهم:
“لا تطاردوهم!”
تراجعوا لمسافة قصيرة، ثم غيّروا أسلحتهم: رموا الدروع والرماح جانبًا، وأمسكوا بالسيوف الخشبية.
فلمّا باءت خطتهم الأولى بالفشل، صارت أدواتهم عبئًا عليهم.
وبعد نظرات متبادلة، قرروا خطوتهم التالية:
“عددنا صار أقل! فلنخطف الراية!”
«تمامًا كما توقعت…»
هتف روبرت بأقصى صوته:
“ركّزوا على الاثنين فقط، من يحملان الراية! إن سقطا فالنصر لنا!”
تخلّوا عن الدفاع، وانقضّوا بجنون رغم قلة عددهم.
ومع شدّة هجومهم، بدأ صفّنا يتراجع قليلًا قليلًا.
«الآن جاء دور خطتنا…»
بعيني بحثت عن حامل رايتهم: إنه السير روبرت نفسه، بخلافنا نحن حيث تركنا الراية بيد متدرّبين.
لمّا تأكدتُ من موقعه، أعطيت إشارة لرووين.
فتظاهر بالسقوط متعمّدًا، مطلقًا صرخة مبالغ فيها. وفي تلك اللحظة انزلقت الراية من بين ذراعيه.
توجّهت كل الأنظار نحوه في الحال.
“هناك! الراية الحقيقية عنده!” صاح فرسان الأسود.
تدافع فرساننا لحماية رووين، بينما هرع العدو بأكمله تقريبًا نحوه.
فأصبح جانبي شبه خالٍ من المهاجمين.
«الآن صار وجهاً لوجه بيني وبينه…»
ابتسمت بخبث، ولمحت على حافة بصري وجهي أخي وأختي يراقبان بشغف، بل حتى نظرة إلياس قائد الكتيبة انشدّت كلّها إليّ.
«هذه فرصتي لأثبت نفسي…»
ركلت سيفًا خشبيًا كان مطروحًا على الأرض، وأمسكته بيدي، ثم اندفعت مباشرةً نحو السير روبرت.
ـ هوووش!
ـ طاخ!
تفاجأ لكنه صدّ الضربة في اللحظة الأخيرة.
“ك… كلوي؟!” ناداني بذهول.
ابتسمت بمرح:
“لم تتوقعني، أليس كذلك؟”
ثم هاجمته بسرعة، وضربة خاطفة أصابت جانبه.
انحنى متألمًا، لكنه تمسّك برايته ولم يتركها.
“كنتِ الأولى في اختبار القتال… صدقًا تستحقين ذلك.” تمتم وهو يكتم أنينه.
شدّد قبضته على سيفه، وانقضّ بهجمات أقوى وأسرع.
بادلته الضربات، أصدّ تارة وأتفادى تارة، وأمدّ يدي أحيانًا نحو سوار معصمه محاوِلةً انتزاعه.
“لن أدعك!” صاح وهو يصفع يدي جانبًا.
قهقهت وأنا أتراجع بخفة:
“لمَ
لا نقاتل بجدية إذن؟”
“هيا إذن!”
“لا… أفضل ألا!” أجبت بمرح، وأنا أتهيأ للمراوغة التالية.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 15"