الفصل 13
كان السبب أن أخي، وكعادته دائمًا، حاول ممازحة إلياس والتقرب منه.
قال مبتسمًا بمكر:
“إذن… إيلـي… لا، أقصد القائد. فلنبدأ التدريب.”
لم يكن في الأمر خطأ عفويًّا، بل كان يقصد استفزاز إلياس عمدًا عبر مناداته بلقب مختلف.
أنا أعرف هذه المزحة منذ زمن طويل.
فالاسم الشائع الذي يُنادى به إلياس هو إيل.
لكن أخي كان أحيانًا يغيّره إلى إيلي، وهو لقب لطيف أشبه بأسماء الفتيات، وكأنّه يوحي بصورة فتاة صغيرة تبتسم ببراءة.
بالطبع، لم يكن هذا اللقب يناسب أبدًا إلياس، ذي الشعر البلاتيني كالضوء في ليالي الشتاء والعيون الزرقاء العميقة كلون البحر المظلم، وصاحب الملامح الجامدة التي نادرًا ما تتغيّر.
لذلك، في معظم الأحيان، كان هذا اللقب يكسر ثبات تعابيره ويُربكه.
ومثل كل مرة، تحطّمت برهةً ملامح وجه إلياس الجامدة أمام مزحة أخي.
قال إلياس ببرود وهو يناديه:
“صاحب السمو.”
لكن أخي تجاهل رسميته وردّ بابتسامة خبيثة:
“نعم، إيلي. ماذا هناك؟”
كرر عمداً مناداته بالاسم ذاته.
فتنهد إلياس بعد أن أعاد ترتيب ملامحه سريعًا، ثم قال:
“هل يمكننا البدء في التدريب الآن؟”
لقد كان يعرف جيدًا أن أي رد فعل آخر سيجعل أخي يمازحه أكثر.
أخي ضحك ضحكة طفل شقي منتصر بلعبته.
«حقًا… لم يتغيّر أبدًا، هذا الأخ.»
تبادلتُ النظرات مع أختي وهززنا رؤوسنا معًا.
«حتى إلياس لم يكن يتوقع أن يقع في هذه المواقف.»
شعرتُ بالحرج من وجود أخٍ لا يعرف الكف عن المزاح، فقررت أن أكون ألطف مع إلياس إن بدا عليه الضيق.
ويبدو أن أختي وصلت إلى الاستنتاج نفسه.
فقالت فجأة بابتسامة مثالية:
“أخي العزيز، أشعر بالدوار قليلًا من الوقوف طويلًا تحت الشمس.”
كان ذلك تلميحًا واضحًا: كفى مزاحًا مع إلياس ودعه يتفرغ للتدريب.
أخي، الذي اعتاد أن يكون عقلانيًا ورصينًا في كل الأوقات باستثناء حين يتعامل مع العائلة أو مع إلياس، تراجع فورًا.
اختفت ابتسامته المشاكسة وحلّت محلها هيبة رسمية، ثم أومأ برأسه نحو إلياس قائلًا:
“أظن أني أخذت الكثير من وقتك.”
فردّ إلياس بجدية:
“لا بأس يا صاحب السمو.”
وبعد أن عادا إلى علاقة القائد والتابع الطبيعية، استعاد الفرسان توازنهم بعدما كانوا مذهولين من مزحة الأمير، وبدأوا يستعدون للتدريب.
وفي هذه الأثناء، مدّ أخي يده نحو أختي قائلاً:
“هيا بنا نجلس هناك.”
بدا صوته دافئًا، كصوت أخ محب.
وضعت أختي يدها فوق يده بسلاسة وأناقة، لكنني، لكوني قريبة منها، لاحظت تعبير الضيق الذي مرّ على وجهها في لحظة خاطفة قبل أن يتلاشى.
ففي الحقيقة، لو كان الموقف في غير العلن لكانت زجرته قائلة: «كيف تجرؤ أن تمسك يدي؟!» — كما تفعل دائمًا.
لكن أمام الآخرين، اضطرّا لتمثيل دور الأشقاء المتحابّين.
«أراهن براتبي هذا الشهر أن أختي الآن تلعن نفسها سرًا لأنها لم ترتدِ قفازات أكثر سُمكًا.»
أنا، كوني الأصغر بينهم، كنت على وفاق مع الاثنين.
أما هما، فلطالما دخلا في مشاحنات طفولية بحكم قرب عمرهما.
جلسا معًا تحت المظلّة الملكية، وبدأ التدريب الجاد.
قال إلياس بصوت عالٍ وهو يتقدّم:
“تُغيَّر الحصة المسائية إلى تدريب تكتيكي.”
وبالطبع، كان من المنطقي أن يتولى هو بنفسه إدارة التدريب بحضور أفراد العائلة الإمبراطورية.
لكن داخلي تمتمت:
«اليوم سيكون شاقًا حقًا…»
فقد تذكرتُ سمعته المرهوبة في شدة التدريب.
ومثلي، رفع بعض الفرسان أعينهم للسماء بالدعاء، بينما تنهد آخرون بثقل استعدادًا لما سيأتي.
لكن إلياس لم يمنحنا وقتًا إضافيًا للاستعداد النفسي، وأعلن على الفور:
“من الآن فصاعدًا، ستنقسمون إلى فريقين لخوض معركة وهمية. …الفرسان جيسون، هيلدا، روين، وكلوي، مع أربعة وعشرين آخرين سيكونون فريق الأبيض. والبقية سيكونون فريق الأسود.”
كان يقسم الفرق بسرعة ودقة، وكأنه قد حضّر الأمر مسبقًا.
توزعنا كما أمر، وأُعطي كل فريق شريطًا: الأبيض لليد اليسرى لفريقنا، والأسود للفريق الآخر.
ثم وُزِّعت علينا أعلام صغيرة، طول الواحدة بقدر ذراع رجل بالغ.
«هذا يبدو ممتعًا.»
كان واضحًا أن معظم الفرسان قد خاضوا مثل هذه التدريبات من قبل، حتى المتدربين الجدد، لكنني أنا شخصيًا كانت هذه أول مرة.
شعرتُ بالحماس يفور بداخلي، أكثر بكثير من شعور الملل وأنا أؤدي آلاف ضربات السيف الروتينية.
ضحكت أختي وأخي تحت المظلّة وهما يتابعان حماسي.
كانا يمثلان أنهما يتحدثان معًا، لكن أنظارهما كانت مثبتة عليّ فقط.
“يبدو أن علاقتهم الأخوية رائعة بالفعل. أما أنا، فأكاد أضرب أخي لمجرد رؤيته.”
تمتم روين، زميلي في الدفعة نفسها، وهو يراقب ابتساماتهم.
«لو عرفوا ما قاله لارتعبوا.»
كتمتُ ضحكة صغيرة.
ومع ذلك، صارت ابتسامات أختي وأخي أكثر دفئًا وهم يلوحون لي بأيديهما، فرددت لهما التحية بابتسامة وغَمزة صغيرة.
«لا أريد أن أخسر أمام أعينهما.»
بدأت أقيّم فريقنا وفريق الخصم.
وبعد تفكير، استنتجت:
«المواجهة متكافئة تمامًا… ستكون معركة متقاربة حقًا.»
كان إلياس قد وازن القوة بين الفريقين بدقة مذهلة.
لا يمكن أن يحدث ذلك إلا بفضل حدسه الحاد ومعرفته العميقة بكل فارس.
«إذن، يبدو أنه رغم بروده، يراقب الجميع باهتمام.»
كان عمره اثنين وعشرين عامًا فقط، أصغر قائد فرقة على الإطلاق، وأغلب الفرسان كانوا يكبرونه سنًا.
لذا، نصف رهبتهم منه تعود إلى صغر سنه كقائد، والنصف الآخر لبرود شخصيته وصعوبة الاقتراب منه.
لكن حتى هم بدوا مصدومين من مدى دقته في الموازنة.
ثم شرح إلياس القوانين، ببرود مطلق كأنه لا يرى نظرات الإعجاب:
“شرطان للفوز: إما أن تجعلوا جميع خصومكم غير قادرين على القتال، أو أن تنتزعوا علم الفريق الآخر. الحكم على العجز عن القتال يكون عند سقوط الشريط من المعصم.”
كان التوضيح موجّهًا أكثر إلى أخي وأختي، اللذين كانا يراقبان، أكثر من كونه للفِرسان الذين يعرفون القواعد مسبقًا.
«إذن لهذا أعطونا الأعلام.»
وجدتُ كلامه مفيدًا جدًا في رسم خطتي.
«التركيز على الاستيلاء على العلم سيكون أفضل من الدخول في مواجهة مباشرة.»
الميدان لم يكن واسعًا، ولا توجد به تضاريس معقدة تساعد على الخطط.
ومع تكافؤ القوتين، ستكون نتيجة القتال المباشر غير محسومة.
«الخيار هو 50٪ فقط… من الأفضل أن أخاطر بالخطة الثانية.»
لكن بدا أنني الوحيدة التي فكرت بهذا الشكل، إذ أن بقية الفرسان انشغلوا بمناقشة كيفية خوض قتال مباشر بأكبر قدر من الكفاءة.
“بما أن الفوز يتطلب بقاء شخص واحد فقط، فلنترك روين لحراسة العلم ونهاجم نحن البقية.”
“لكن ذلك سيضعفنا، فالمعركة متوازنة جدًا.”
“هم أيضًا سيتركون حارسًا للعلم، وبالتالي ستبقى النسبة 24 ضد 24.”
“لا حاجة للتعقيد! سأقود الهجوم وأكتسحهم جميعًا! هاها!”
وقفتُ أستمع من بعيد، أراقب نقاشهم.
«باستثناء غاريك، الذي لا يعرف سوى الهجوم الأعمى، فبقية المقترحات عادية جدًا. ليست سيئة… لكنها لن تغيّر موازين المعركة.»
أما طريقتي، فهي الوحيدة التي قد تمنحنا تفوقًا حقيقيًا.
لكن، بصفتي متدرّبة فقط، كان من الصعب أن يأخذ
الفرسان رأيي على محمل الجد.
«موقف غريب فعلًا… لم أُرفض من قبل حين أبديت رأيًا، بحكم أنني أميرة.»
فكرتُ قليلًا وأنا أراقب ظهورهم.
ثم جاءني القرار سريعًا…
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 13"