استمتعوا
تحوّلت كلّ الأنظار إليّ حين نطقتُ باقتراحي،
وكانت نظراتهم مزيجًا من الشكّ والاستغراب.
بلعتُ ريقي بصعوبة، ثم استجمعت شجاعتي وتحدثت مجددًا.
“هل نحن مجبرون فعلًا على اتّباع تعليمات الكونت إسمير للعودة إلى العالم البشري؟ ماذا لو… قتلناه عندما يظهر مجددًا؟“
قال روبين، بوجه متجهم، ما كان متوقّعًا منه.
“لكن كيف لنا أن نعلم متى سيظهر مجددًا؟“
بدت علامات التوتر على فرسان النور، إذ إن القضاء على الوحوش في هذا المكان أمرٌ عسير، فما بالك بقتل الكونت إسمير نفسه.
ومع ذلك، فإنّ إحدى طرق الهرب من الزنزانة، إلى جانب الالتزام بقواعدها، هي هزيمة سيد الزنزانة، أي الشيطان الحاكم لها.
تابعتُ شرح فكرتي قائلًا.
“قرأتُ في موسوعة عالم الشياطين أنّ الكونت إسمير يُبدي إعجابًا بالغًا بمن يستطيع التحكم في الوحوش أفضل منه. فإن لم نكتفِ بإطعامها فقط، بل قمنا بترويضها، فسيظهر حتمًا من تلقاء نفسه.”
“…ماذا قلتِ؟“
بدت ملامح روبين غير مصدّقة،
وكانت وجوه بقية الفرسان لا تقلّ اندهاشًا.
لقد كانت ردة الفعل تلك متوقعة تمامًا؛ فكرة ترويض وحوش كهذه تبدو ضربًا من الجنون.
ضحك أحد الفرسان ساخرًا وقال.
“هذا جنون! هذه المخلوقات ليست كالحيوانات البرية في عالم البشر، بل إنها مخلوقات جحيمية! أتظنّ أننا قادرون على ترويضها؟“
وأضاف آخر.
“قتلها جميعًا سيكون أسهل بكثير.”
هزّوا رؤوسهم باستياء، لكنني أكملت بسرعة.
“رغم ذلك، فإن المحاولة تستحقّ. إن تمكّنا من ترويضها، فقد نستطيع حتى استخدامها في قتال الكونت إسمير. أو على الأقل، ربما تتوقف عن مهاجمتنا.”
“همف.”
“…آه.”
ظلّت ردودهم مشبعة بالريبة.
تنهد روبين عميقًا، ثم قال.
“اقتراح هذه الطفلة… ليس بعيدًا عن المنطق.”
“صاحب السمو!”
قال بجدية.
“هل بينكم من يملك خبرة في تربية الحيوانات؟“
تبادل الفرسان النظرات، ثم هزّوا رؤوسهم نفيًا.
“عدا الخيول، لم أربي حتى كتكوتًا.”
“أنا كذلك… فقط خيول.”
أومأ روبين بتأنٍّ وكأنه وجد عزاءً في ذلك.
“لا بأس. على الأقل أنتم معتادون على العناية بالخيول، وهذا يكفينا كبداية.”
ثم أردف.
“فلنبدأ بإطعام الوحوش، بلطفٍ قدر المستطاع… عاملوها كما تعاملون خيولكم. بما أننا مضطرون لإطعامها على كل حال، فلنقم بذلك برفق.”
“…أمرك.”
وافق الفرسان على مضض.
رائع!
فتحتُ نافذة النظام فورًا.
في الحقيقة، كانت لديّ فكرة تراودني منذ أن وطئت قدمي هذه الزنزانة، فكرة مستمدة من إحدى المكافآت التي حصلت عليها بعد إنهاء المرحلة التدريبية.
تم منح مكافأة إتمام المرحلة التدريبية!
قائمة الوظائف: تم فتح 300 مهنة إضافية!
عند إتمام مهمة مهنية، ستحصل على ترقية بمقدار 10 مستويات دفعة واحدة!
كنت أملك أكثر من 500 مهنة محتملة للاختيار، وكانت إحداها مثالية تمامًا لهذه الظروف. لا بل إنها تمنحني ترقية فورية بمقدار 10 مستويات عند التحوّل إليها.
استدعيت القائمة في ذهني، وبحثت عن الأنسب لهذه اللحظة.
كما توقعت… لم أجد أنسب من هذه الوظيفة.
‘هيهي، ستصبحون حيواناتي الأليفه الآن أيها الوحوش.’
<تهانينا!>
<لقد قمت بتغيير مهنتك بنجاح إلى
‘اختصاصي رعاية الحيوانات‘!>
***
“آه…”
“تبًا…”
بدأ الفرسان بنبش بقايا الوحوش الممزقة التي قضوا عليها، مستخدمين أطراف سيوفهم.
فلم يكن هناك طعام آخر متاح لإطعام الوحوش الحيّة سوى جثث إخوانهم الموتى. بحثوا في المكان بجهد، لكن دون جدوى.
الرائحة النتنة، والمظهر المقزّز لتلك اللحم، جعلا بعضهم يتقيأ لا إراديًّا.
“أغغ…”
لكن البقاء لا يترك مجالًا للاختيار.
وبتردّدٍ مقزّز، أخذوا يطعنون قطعًا من اللحم بسيوفهم،
في لحظة شعروا فيها بأنهم يدنسون قدسية أسلحتهم.
“لو كان لسيفي روح، لما غفر لي هذه الإهانة.”
قلتُ لهم بنبرة جادة.
“أيها الفرسان، رجاءً… انتقوا كلماتكم.
صغار الوحوش يسمعون كلّ شيء.”
“…؟!”
لم يصدقوا آذانهم، غير أن ملامحي ظلّت على جديّتها القاتمة.
لماذا نستمع إلى طفلة أصلاً؟
رغم رفضهم الداخلي،
قرّروا اتباع تعليماتي وتوخّي الحذر في ألفاظهم.
“لو… لو كان لسيفي روح، لفرح غبطةً،
لأنه يقدم طعامًا شهيًا لصغارنا الأعزاء… ها… ها.”
ضحكة باهتة رافقت محاولاتهم الضعيفة وهم يدفعون اللحم المشوي – أو بالأحرى، سيوفهم – عبر قضبان القفص الحديدي.
“هيا يا صغاري، استمتعوا بوجبتكم.”
وفجأة، اندفعت أفواهٌ مشوّهة نحو القضبان،
أظهرت أنيابًا قادرة على قضم رأس فارس في لحظة واحدة.
“واه!”
“آآآه!”
صوت سقوط السيوف ارتطم بالحجر الصلب.
“كرييييك!”
“كووويييك!”
انقضّت مجموعة من الوحوش على قطعة اللحم،
وتصارعت فوقها بعنفٍ دمويّ لا يُحتمل.
“تبا…”
“كدتُ أفقد ذراعي…”
“كادت القضبان تُقتلع أيضًا…”
وقف الفرسان مذهولين في أماكنهم،
وعاد إليهم شبح الرعب الذي خاضوه خلال المعركة.
أما فكرة إطعام هذه الوحوش برفق،
فكانت بالنسبة لهم لا تقلّ رعبًا عن قتالها.
كم من الوقت علينا أن نتحمّل هذا؟
بدت الأيام القادمة مظلمة.
لكنّ أعينهم سرعان ما تحولت إلى كريسنت… ولم يصدقوا ما رأت أعينهم.
“أحسنتم! أنتم أولاد طيّبون. لا تنظروا إليّ بغضب، فأنا حارستكم المُحبّة، جئت لأرعاكم. ولكن إن نظرتم إليّ هكذا، كيف سأقدّم لكم طعامكم اللذيذ؟“
“كوووييك!”
“كلاك! كلاك!”
“أها، تريدون افتراسي إن لم أعطكم اللحم؟ كم أنتم قساة!
أنا من يُحضّر لكم ألذّ الطعام، وكل ما تفكرون به هو التهامي؟“
“كياااا!”
“طخ!”
“حسنًا، هذه المرة عليكم أن تأكلوا بهدوء. اتفقنا؟“
مدّت كريسنت سيفها المغروس بقطعة لحم نحو القفص.
انقضّت الوحوش عليه كالعاصفة،
لكنها سحبت السيف في اللحظة الأخيرة.
“!”
ذهل الفرسان.
أهي استراتيجية ‘خذ وهات‘؟!
صرخت بهم.
“قلت لكم… كلوا بأدب!”
“كوويييك!”
“إن استمريتم على هذا النحو، كيف سأرعاكم جميعًا؟
يجب أن تنتظروا دوركم، واحدًا تلو الآخر!”
“كييييينغ…”
“هدّأوا أنفسكم. هذه المرة أعدكم بطعامٍ لذيذ.
سأتأكد أنكم جميعًا تحصلون على كفايتكم.”
ثم ابتسمتُ برقة، وأدخلت قطعة أخرى إلى القفص.
ترددت الوحوش للحظة.
هل ستُسحب مجددًا؟
اقترب بعضها بحذر… وما إن أوشكت على التهامها،
حتى سحبتُ السيف مجددًا.
“كووييك!”
“كياااك!”
“كياااااااه!”
جنّ جنونهم، حتى بدا أنهم سيهدمون المغارة من شدة الاضطراب.
راقبتهم بهدوء، ثم نطقت بتهكم.
“ما أنتم؟ ضفادع؟ تقولون إنكم ستأكلونني؟ افعلوا ذلك الآن؟ هه… لستم قادرين على فهم مدى حبّي لكم.”
“أخبرتكم، إن استمريتم على هذا السلوك، فلن تحصلوا على طعام. لذا اهدؤوا، وخذوا طعامكم بأدب. مفهوم؟“
“كيييك!”
“ولا تبصقوا! هذه فرصتكم الأخيرة.
إن خالفتم الأوامر مجددًا، فلن أطعم أيًّا منكم بعد الآن. اتفقنا؟“
“والآن، من منكم الأكبر سنًا والألطف؟“
“…”
للمرة الأولى… عمّ الصمت.
الفرسان ابتلعوا ريقهم، وقد جفّت حلوقهم من الدهشة.
ثم… وضعت كريسنت قطعة اللحم داخل القفص.
وتوقع الجميع أن تنفجر الوحوش بالوحشية من جديد،
وتنهش كلّ من أمامها.
لكن ما حدث خالف كلّ التوقعات…
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 32"