الفصل 50 : مختلفٌ عن أيِّ شخصٍ آخر ⁴
أدرت رأسي بعيدًا عن كريسينت، لكن لأسبابٍ مختلفة.
“آه، ساطعٌ جدًا…”
كان ضوء الشمس ينعكس على شعر أيلان الأشقر، فيسطع بطريقةٍ تؤذي العين.
عندما سمع كريسينت كلامي، رفع رأسه مستغربًا، أما أنا فغمضت عيني جزئيًا وقلت:
“هل ما زال هناك ما تحتاج إلى فحصه؟”
“لا، لدي أمرٌ مختلف اليوم. نادني عندما تنتهين من استقبال الزبائن، سأنتظر.”
لو بقي واقفًا هناك، فسيشعر جميع سكان الحي بالانبهار من سطوعه.
لم أفكر طويلًا.
“لا داعي لذلك، ادخل فقط. هل تود الجلوس على الطاولة هناك لبعض الوقت؟”
“نعم، سأفعل ذلك.”
دخل أيلان وجلس إلى الطاولة بجانب واجهة العرض.
عندما رأيتُ أنه جلس، عدت بدوري إلى مكاني، لكن ملامح كريسينت كانت غريبة.
“ذَلك الشخص…”
“آه، إنه فارسٌ مقدس.”
“فارسٌ مقدس؟ ولماذا جاء إلى هنا؟”
“كان هناك بعض الأمور بسبب تراخيص العمل.”
“هكذا إذًا…؟”
نظر كريسينت إليّ مرة، ثم إلى أيلان الجالس بظهره لنا، وهمس:
“أنتِ تعرفين أن هذا الفارس المقدس ذو رتبةٍ عاليةٍ جدًا، أليس كذلك؟”
“وكيف عرفتَ ذلك يا كريسينت؟”
حدقتُ فيه بضيق، وقلت بقلق:
“لا تقل لي أننا سنقع في ورطة إذا كشفنا.”
“لـ-لا، لا. هو لا يعرف وجهي على الأرجح.”
“فلِمَ بدوت مصدومًا إذًا عندما رأيته؟”
“آه، لم أتوقع رؤيته هنا… تفاجأتُ فقط لأنني لم أكن أتخيله في هذا المكان.”
صحيح، أيلان كان قد ظهر في الصحف، لذا لا بد أنه معروف.
وكريسينت، الذي يهتم بمثل هذه الأمور، لا شك أنه كان يراقب أخباره باهتمام.
بعد أن اكتفيت بهذا القدر من التحليل، قلت بنبرةٍ عملية:
“أنتَ تعرف كم رسوم التقييم، أليس كذلك؟”
بدا الارتياح واضحًا على كريسينت لأنه أدرك أنني لن ألاحقه بالأسئلة.
ردود فعله دائمًا شفافة جدًا.
“السيد ميكيلي كان يتقاضى حوالي مئة ألف قطعة لتقييم الأدوات المقدسة، أليس كذلك؟”
“نعم، هذا صحيح. لكنني كنت أتساءل إن كان يمكنني الدفع بشيءٍ يعادل هذا المبلغ بدلًا من المال.”
“بشيءٍ آخر؟ مثل ماذا؟”
“الماء المقدس.”
بسبب أيلان الذي كسر الزجاجة، لم يتبق لدي ماء مقدس.
ومن الجيد أن يكون لدي بعضٌ منه، فقد أحتاجه في أيِّ وقت، لكن إيما قالت إن توريده غير مستقرٍ مؤخرًا.
ومن السخيف أن أطلب من ساحرةٍ أن تؤمن لي ماءً مقدسًا، لذا قررت أن أطلبه من كريسينت بدلًا من ذلك.
“آه، الماء المقدس. حسنًا، هل يمكنني إرساله بالبريد؟”
“أوه، ألستَ بحاجةٍ إلى أخذ إذن من الكاردينال أولًا؟”
سألت بصدق، لكن كريسينت وضع يده على جبينه.
“لا، لقد أوكل إليّ كل الصلاحيات، هممم.”
“لكن من الأفضل أن تسأله، فقد تتعرض للتوبيخ إذا قررت من تلقاء نفسك.”
“…نعم، معكِ حق. سأفعل ذلك.”
‘هل لدى الكاردينال حسٌ جيد في اختيار الناس…؟’
كنت أفكر في ذلك عندما هممت بتوديعه.
“بالمناسبة، عندما قلتِ قبل قليل إنكِ انبهرتِ من الفارس المقدس… لماذا قلتِ ذلك؟”
نظر إليّ كريسينت بتركيز.
لقد كنتُ صادقةً، شعرتُ حقًا بالانبهار من إشراقه، لكن سواء ألتر أو كريسينت، كلاهما يسألني عن الأمر، لماذا؟
‘ربما لأن نظرهم ما زال جيدًا، محظوظين. أنا عيوني متعبة من التحديق طوال اليوم من خلال العدسات المكبرة والمرشحات.’
“…هل يعني أن هذا النوع من المظهر هو ذوقكِ؟ هل كنت تقصدين أنه وسيمٌ لدرجةٍ تعمي العين؟”
“لا.”
“آه؟ إذًا، هل هو قبيح؟ مع هذا الوجه الوسيم؟ لديكِ معايير جمالية غريبة. هل يمكنني حتى أن أثق بكِ في التقييم؟”
“لا، لا. لا أريد تقييم مظهر الآخرين. فقط، قلت إنه مشرقٌ لأنه كان فعلاً كذلك. عندما تنعكس الشمس على شعره الأشقر، يبدو وكأنَّ هالةً تُحيط به.”
خفضت صوتي وجلست قليلًا كي لا يسمع أيلان.
اقترب وجه كريسينت مني عندما انحنى معي دون وعيّ.
‘رائحة الليلك.’
قال كريسينت وكأنه يفكر بعمق.
“أنا لم أرَ أيَّ هالة…”
“ربما لأن عيناي مرهقة. أنا أعمل بالنظر إلى العدسات والمرايا والفلاتر طوال اليوم.”
“آه، هكذا؟”
مرر لسانه على وجنته فجأة، واحمرت وجنتاه بشكلٍ ملحوظ.
“أشعر أننا قريبون جدًا الآن. لم أكُن أقصد ذلك!”
ما هذا؟ وكأنكَ لم تتحدث إلى فتاةٍ عن قرب من قبل، لماذا تتصرف هكذا فجأة؟
بينما كنت مذهولةً من تصرفه، ابتعد عني فجأةً وبدأ يتصرف بشكلٍ غريب.
“أنا لم أقل شيئًا.”
“لكنكِ قلتِ هذا، وهذا أيضًا يُعد كلامًا!”
‘ما هذا بحق السماء…؟’
بينما كنتُ أحدق فيه بذهول، وقف كريسينت فجأة.
“على أيّ حال، سأرحل الآن!”
“نعم، تفضل.”
“لكن قبل أن أذهب!”
ماذا الآن؟
نظر إليّ وهو يكتب شيئًا خلف بطاقة الكاردينال.
“هذا رقم الاتصال المباشر بالكاردينال.”
“…هل من المقبول أن تعطيني شيئًا كهذا؟”
“أقصى ما قد يحدث هو أن أتلقى توبيخًا. على أيّ حال، إن احتجتِ إلى شيء، اتصلي بهذا الرقم. الكاردينال يفضل التراسل المباشر.”
صحيح، بما أنه لا يستطيع التحدث.
كان سببًا مقنعًا بالنسبة لي.
“وإن كان لديكِ أي أسئلة عن الأدوات المقدسة أو القوة المقدسة، فلا تترددي بالسؤال.”
توقف لوهلة ثم أضاف بصوتٍ منخفض.
“وحتى إن كانت لديكِ أسئلةٌ عن القوة السحرية، يمكنكِ أن تسألي.”
“القوة المقدسة مفهوم، لكن القوة السحرية أيضًا؟”
“نعم، لأنها تتضاد مع القوة المقدسة…”
نظر كريسينت خلسة إلى أيلان.
ربما كان مترددًا في الحديث عن السحر أمام الفارس المقدس؟
خفض صوته إلى أقصى حد.
“حتى في المعبد، أجرينا الكثير من الأبحاث. إن كان السحرة يدرسون كيفية تقوية القوة السحرية، فنحن ندرس كيفية محوها. يمكن القول إننا خبراء في هذا المجال.”
“نحن”، يقول؟
‘أوه، لقد أصبح يعتبر نفسه من رجال المعبد، يبدو أنه تم “إصلاحه” بالكامل.’
ضحكت قليلًا وقلت:
“أفهم. سأحرص على التواصل عند الحاجة.”
“حسنًا، الآن حان وقت قيلولتي، لذا سأذهب حقًا.”
هل كان من الضروري قول ذلك…؟
هززت رأسي مودعة كريسينت.
“نعم. والآن بعد أن تغيرت حياتكَ، حاول أن تعيش بشكلٍ جيد. حسنًا؟”
‘على الأقل، من الجيد أن المعبد سامحه.’
توقف كريسينت لبرهة، ثم أومأ برأسه ومضى بعيدًا.
‘آه، استنزفتُ طاقتي.’
هل السبب كريسينت الصاخب؟ أم أيلان الغامض؟
نظرت إلى أيلان، الذي كان ما يزال جالسًا بنفس الوضعية.
هذا الثبات يثير إعجابي.
‘رائع، حتى لو عُرض عليَّ، لا أستطيع أن أكون مثله.’
لا يمكن أن يكون كل الفرسان المقدسين بهذه الطريقة، صحيح؟
‘لكن، لماذا أتى اليوم؟’
مسألة الترخيص حُلت، وقصة القلادة انتهت كما قالت لينا.
“عذرًا، سيدي الفارس.”
ناديتُ بحذر، لكنه لم يجب. ربما لم يسمعني؟
“لقد انتهيت من عملي الآن. يمكنك الاقتراب.”
ولا يزال لا يجيب.
هل لديه قاعدةٌ تقول إنه لا يرد إلا عند النظر المباشر؟
اقتربت منه وأنا في حيرة، وفوجئت قليلًا.
‘أوه…’
كانت عيناه مغمضتين.
‘هل هو نائم؟’
“هاه…”
هل هو نائم؟ أم يتأمل؟ أم أنها إحدى تقنيات التدريب؟
جسده لم يتحرك إطلاقًا، فقط عيناه مغمضتان.
‘لا يمكن أن يكون نائمًا، صح؟’
لكني ترددتُ في لمسه أو التحدث بقربه.
‘ماذا لو طرتُ مجددًا؟’
تذكرت الصدمة التي طيرتني في أول لقاءٍ معه.
‘صحيح أنني لم أطِر أول مرةٍ لمسته، لكن من يدري.’
ولو طرت من هذا الزاوية، فلا بد أنني سأكسر أحد رفوف الدور الأرضي.
ماذا أفعل؟
حككت مؤخرة رقبتي.
‘حسنًا، ربما سيستيقظ بعد قليل مِن تلقاء نفسه. لا خيار سوى الانتظار.’
***
فتح أيلان عينيه.
كان يعاني من صداعهِ المعتاد، فأغمض عينيه لبعض الوقت.
لكنه عندما فتحهما…
‘غريب.’
شعر وكأنَّ مياهًا باردة سُكبت على رأسه، انتعاشٌ غير مألوف.
بعد شهورٍ من المعاناة، كان ذلك شعورًا محررًا للغاية.
رمش بعينيه ونظر حوله، ولاحظ أمرًا آخر غريبًا.
‘لماذا… تغير موقع الشمس؟’
كان قد وصل إلى متجر الرهونات الساعة الواحدة ظهرًا.
لكن بحسب موقع الشمس الآن، فلا بد أن الساعة الثالثة بعد الظهر.
يعني… هل من الممكن…؟
“استيقظتَ؟”
جاءه صوت من خلفه، فانتفض واقفًا.
عندما التفت، رأى:
“في البداية شككت، لكن بعد مرور ساعتين عرفت أنكَ نائم. لابد أنكَ كنتَ متعبًا. آه، لم يأتِ أحدٌ خلال هذه الفترة. خبرٌ سار لكً، وسوء حظٍ لي.”
ابتسمت صاحبة متجر الرهونات، ببعض الإرهاق.
“إذن، هل يمكنكَ أن تخبرني الآن لماذا أتيت؟”
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 50"