الفصل 43 : تّحيّةٌ شَّرِسة ¹⁰
كانت المرأة التي كانت تراقب أيلان المتجمد تتلفت بعينيها.
“لكن كيف يمكن أن يحدث شيءٌ كهذا…؟”
تحرك حنجر أيلان صعودًا وهبوطًا.
أخرج دبوس التتبع بيد مرتجفة.
وعندما قرّبه من السائل الغامض…
“قائد فرقة الفرسان المقدسة، الذي يستخدم القوة المقدسة، يتألم من الماء المقدس… لا يمكن!”
أضاء الدبوس.
إنه حقًا ماءٌ مقدس.
شعر أيلان بأنَّ ذلك الضوء كان بمثابة حكم.
إنه ليس مجرد ضعفٍ شخصي. بل هو نقطة ضعفٍ لشخص عليه أن يحميه، وهو فيلوسوفي.
يجب القضاء على مصدر الخطر. يجب محوه. دفنه. لا مجال للتردد.
هكذا تعلم أيلان.
ولكن…
‘لا أستطيع فعل ذلك.’
كان يعلم جيدًا، أيُّهما أهم: سره أم حياة المواطنين.
لأنه فارس.
لأن الفارس ليس من يضرب، بل من يحمي، لم يستطع أيلان أن يُسكت المرأة التي أمامه بالقوة.
أغمض عينيه بشدة، منتظرًا أن يُصدر الحكم.
لكن…
“هل أنتَ مدمنٌ على المانا؟”
مدمن مانا؟
شيءٌ عارض لم يفكر فيه من قبل، أو لم يستطع حتى التفكير به.
فتح أيلان عينيه.
وكانت المرأة تنظر إليه بوجهٍ مليء بالقلق.
***
“قلتِ إدمان المانا؟”
“نعم.”
“ولماذا تظنين ذلك؟”
“رأيتُ حالةً مشابهة في وثيقةٍ قديمة جرى تحليلها بناءً على طلب.”
في الحقيقة، كانت تلك معلومة سمعتها من إيما، لكنني قلت ذلك لحماية المصدر.
وكانت تلك إجابةً توحي أيضًا بأنَّ الوثيقة لم تعد بحوزتي.
‘لأني سأكون في مأزق لو طلب مني أحد أن أُريه الوثيقة. على كل، يبدو أن إدمان المانا كان سرًا بالفعل، بالنظر إلى رد فعله.’
وقد شعرت أنه ربما حتى أيلان نفسه لم يكن يعرف السبب.
أنا عرفتُ من خلال إيما، وهي ساحرة، لكن أيلان، كفارسٍ مقدس، من الطبيعي أن يكون في تعارض مع السحرة.
وكان من الصعب عليه أن يستشير أحدًا، خشية تسرب المعلومات.
“هل هناك ما يجعلك تشك؟ هل قابلت وحشًا؟ أو لامست حجر مانا؟ أو هل تعرف ساحرًا على خلافٍ معك؟”
“… لا يمكنني البوح بذلك.”
نعم، بالطبع.
من السخافة أن يتحدث بسهولةٍ لمجرد أني سألته.
لكن كان لدي بعض الشكوك.
‘ولهذا أحضرتُ عبوتين من البخاخ.’
فتحت الجريدة التي كنت أمسك بها، متظاهرةً بعدم المعرفة.
“الكاهن الذي ورد ذكره في الوثيقة، قيل إن أحدهم أخفى حجر مانا داخل وسادته. وهكذا أصيب بإدمان المانا.”
وكانت الجريدة تحتوي على مقالٍ ضخم عن أيلان نُشر قبل شهرين.
“يقال إن حالته تحسنت بعدما غيّر الوسادة. ربما يجدر بك أن تجرب شيئًا مماثلًا؟”
وكانت صورةً دعائية التقطت في مكتبه مرفقةً بالمقال.
‘جيد أنني أحضرت الجرائد التي كان جدي يقرأها في المنزل.’
في الأصل كنت سأستخدمها لتنظيف النوافذ.
‘لكنني كنت أظن أنني رأيت شيئًا عن أيلان، فبحثت فيها ووجدت المقال.’
وكانت حركة تفتيشي في الصحف، متظاهرةً بأنها لتغليف زهور مجففة، هدفها الحقيقي هو إيجاد المقال.
وعندما رأيت الصورة بتمعّن، أومأت برأسي.
‘نعم، هذا هو! لقد وجدته، حجر المانا!’
وفيما كنت أبرق بعيني من الحماس، سُمع صوت أيلان الغارق في التفكير.
“… لكنني قائد فرقة الفرسان المقدسين. لا يمكن أن أتأثر ببعض أحجار المانا.”
“وماذا لو كانت كثيرة جدًا؟”
“لو كانت كثيرة جدًا، فربما. لكن، كيف يمكن أن لا ألاحظ كل تلكَ الأحجار؟ إن حدث ذلك، فالمشكلة ليست في الإدمان، بل في التقصير الوظيفي.”
وكانت ملامحه المتجهمة تكشف عن تعقيدٍ كبير، مِما جعله يبدو أكثر إنسانية.
رأيتُ في عينيه الزرقاوين المشوشة قليلًا، تساؤل، ارتياب، قلق، وربما لمحةً من الأمل.
ففتحت فمي وقلت:
“لا بأس في الجهل.”
نظر إليّ أيلان.
“التغاضي مع العلم، هذا هو التقصير الحقيقي.”
كنت أعلم أن ما قمت به نوعٌ من المقامرة، لكنني وثقت في شخصية أيلان التي يحترمها الجميع.
ورؤية تأنيبه لنفسه على أمرٍ ليس خطأه، أكدت أن حدسي لم يخذلني.
“عندما يُخدع الشخص عمدًا، لا يمكننا لومه لعدم معرفته. اللوم يجب أن يُوجّه إلى من خدع.”
حين تذكرت هيوغو وروزان، خرجت كلماتي بلهجةٍ حادة دون قصد.
سعلتُ قليلًا وعدت للكلام:
“على أيِّ حال… أعتقد أنني أستطيع اكتشاف حجر المانا. إذا ظهر في هذه الصورة.”
كلام أيلان أعطاني مفتاح الحل.
فهو، رغم شخصيته، لا يعرف حياة عامة الناس جيدًا.
لم يزر متجر رهن من قبل. ويبدو أنه يظنه متجرًا للاحتيال.
‘ولهذا عندما جاء أول مرة، اتهمني باستخدام أدواتٍ سحرية وسأل عن أشياء مشبوهة.’
إذن، هو لا يعرف ما الذي يُستخدم في متجر الرهن.
وهذا يعني…
‘يجب أن أُضفي بعض التمثيل.’
سأجعله يظن أن لدي أداةً سحرية تقرأ المانا من الصور.
وهكذا أستطيع منعه من الموت دون أن أكشف أنني أعرف المستقبل.
لكن عندما هممت باستخدام البخاخ الثاني…
“لا حاجة لذلك.”
هل سمعت خطأ؟
لكن نبرة أيلان كانت حازمة.
فرددت كمن لا يفهم.
“لماذا…؟”
هل خاف أن أطلب منه مالًا لأنني تحدثتُ عن رسوم التنظيف؟
‘لا، أكثر من ذلك.’
رأيت على وجهه تعبير ألم.
وكذلك لمحة من الأمل.
لابد أنه كان يائسًا. حتى إن لم أعرف نهايته المأساوية، فحالته الجسدية لا بد أنها ليست جيدة.
فلماذا قال إنه لا حاجة لذلك؟
“… ما اكتشفتِه هو نقطة ضعفي. ولكن…”
“ولكن؟”
“لكني لا أنوي إغلاق القضية لمجرد أن أحدهم عرف نقطة ضعفي.”
آه، إذن…
“هل تخشى أن أساومك على التستر مقابل صمتي حول إدمانك للمانا؟”
ضحكتُ بسخرية.
وبقي أيلان ينظر إليّ بصمت.
“لا أنوي فعل ذلك. ولن أخبر أحدًا.”
“… ولماذا؟”
“لأنني بريئة. ولأني لا أظن أن مرضك هو نقطة ضعفكَ أصلاً.”
قلت بثقة:
“أنتَ مريض، وهذا لا يُعد ضعفًا.”
كان أيلان على وشك أن يقول شيئًا، لكنه توقف.
“عندما ترى أحدهم يتلوى من الألم، لا يصعب عليك أن تُعطيه كوب ماء. ما أفعله الآن هو تقديم كوب ماء. قد لا ينفع… لكن لا يمكنني تجاهله.”
تذكرت اعتذاري الغريب في السابق، الذي كان بمثابة تنبيه بأنني سأقوم بأمورٍ مزعجة.
ابتسمتُ بلطف أيلان الذي كان يحدق بي مذهولًا.
“أنتَ تُدرك أن عليكِ أن تعتذر لي كثيرًا، أليس كذلك؟ على كل حال، سأبدأ الآن.”
تظاهرتُ بفرد الجريدة، ووضعت خنصري على الصورة.
وكان عليه حبرٌ خاص يُستخدم في الأجهزة البرقية.
والمكان الذي أشرت إليه كان:
“الساعة الرملية.”
التي وُضعت على مكتبه، والمليئة برمال سوداء.
“كل شيء يتطابق. القطع الزجاجية والرمال السوداء في موقع الحادث، والكلام الذي قالته إيما عن كثرة الأحجار.”
في المقال الذي قرأته في حياتي السابقة، وردت معلومات عن الزجاج والرمال.
وقد قالت إيما إن بعض الأشياء اليومية قد تحتوي على كثير من الأحجار.
ماذا لو كانت تلك الرمال السوداء في الساعة الرملية عبارة عن أحجار مانا مصغرة؟
بانزعاجٍ من هذا الشر، أخذت البخاخ الخاص ورشيته.
“إذا كان هناك جسمٌ مشبوه، سيتغير لونه.”
نجح الأمر!
بدأت الساعة الرملية يتغير لونها تدريجيًا.
“أظن أن هذا هو السبب. عليك التخلص منها بسرعة. أو أن تطلب من شخصٍ تثق به أن يفحصها.”
رفعتُ رأسي بفخر، فرأيت أن أيلان لا يزال يحدق بي.
هل صُدم؟ لماذا ينظر إلي هكذا؟
“أيها السيد؟”
وعندما هممت بهزّ ذراعه بخفة، تغيرت ملامحه فجأة.
“انتظري…!”
لم يكمل جملته.
أمسك رأسه فجأة، ثم اندفعت أنا لتصطدم بالباب بقوة.
‘آه… لماذا أشعر بالدوار…؟’
الباب اندفع، وفقدت توازني، وبدأت أسقط على الدرج.
لكن جسدًا دافئًا وصلبًا أمسك بي.
“أنت…!”
كان ألتر.
أمسكني ألتر وهو يصرخ في وجه أيلان.
“ما الذي تفعله بحق الجحيم الآن!”
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 43"