الفصل 41 : تّحيّةٌ شَّرِسة ⁸
أيلان حدق بي بثباتٍ بينما كنت أشحب في لحظة.
نظراته كانت عميقةً مثل البحر لكنها هادئةٌ للغاية لدرجة أنه لم يكن بالإمكان قراءة أي مشاعر منها.
“لن يكون هناك تأجيلٌ للمرة الثانية. إذا رفضتِ التفتيش، يمكننا تنفيذه بالقوة، وقد يُتخذ قرارٌ فوري بحقكِ.”
بلعت ريقي وهززت رأسي.
“ليس لدي نيةٌ لرفض ذلك. سأفتح لك الباب، فتفقد بنفسك.”
نظرت إلى ألتر بطرف عيني، فكان يقطب حاجبيه.
أشرت له بخفة وكأنني أقول إن الأمر لا يزال تحت السيطرة، ثم أخرجت مفتاح الطابق الثاني وأنا أفكر:
‘في البداية قرأت الخبر بسبب اسم ‘هيوغو’. لكن حتى بعد أن اكتشفت أنه مجرد تشابه أسماء، واصلت القراءة لأن…’
[…المجزرة الغامضة التي وقعت في المكتب…]
‘لأن الظروف كانت مريبة جدًا!’
بعد عدة أشهر من الآن…
سيُعثر على أيلان هيوغو راديان في وقتٍ متأخر من الليل، جثةً ممزقة في مكتبه.
قالوا إن جسده كان مشوّهًا كما لو أن وحشًا هاجمه.
‘لكن لا يمكن أن يوجد وحش أو شيطان يتجول في القصر الإمبراطوري، وحتى إن وُجد، هل يُعقل أن يُقتل به قائد ابفرسان المقدسين؟’
علاوة على ذلك، قيل إن مسرح الحادث كان نظيفًا للغاية.
باستثناء بعض الرمال السوداء وقطع زجاج رقيقة متناثرة هنا وهناك.
يبدو أن الآخرين أيضًا لم يقتنعوا بأن ذلك من فعل وحش.
وبناءً على شهادة بعض الفرسان الذين قالوا إنهم سمعوا دوي انفجار، بدأ الناس يرجحون أن ما حدث كان هجومًا سحريًا إرهابيًا.
لكن، نتائج التحقيق غيرت مجرى الأمور تمامًا.
‘…قيل إنه لم تكن هناك أي تعاويذ. لم يُستخدم السحر إطلاقًا.’
وفي خضم ذلك، وُجد في منزله شيءٌ غير متوقع، وهو كتابٌ عن السحر الأسود.
“قالوا إن أدواتٍ سحرية غير قانونية وكتبًا محظورة كانت مكدسةً في مكان سري.”
[…قائد الفرسان المقدسين في القصر الإمبراطوري، أيلان هيوغو راديان، يتبين أنه مات أثناء محاولته استخدام السحر الأسود، مِما سبب صدمة…]
وهكذا، الرجل الذي كان أكثر من سطع نجمه، دُفن في العار.
كل إنجازاته اعتُبرت نتيجة السحر الأسود، وحتى سجلاته تم محوها.
أن يكون هناك أفعى سامة مختبئةٌ في قلب القصر الإمبراطوري؟!
العائلة الإمبراطورية الغاضبة قامت بحل الفرسان المقدسين فورًا، ومن حل محلهم كان…
‘الفرسان الذين اختارهم الوصي الملكي كروديل بنفسه.’
كليك.
فتحت باب الطابق الثاني وتراجعت خطوةً إلى الوراء.
بينما كان أيلان يتفقد الرهونات من الخلف، عضضت على شفتي.
‘الأمر لا يُعقل مهما فكرت فيه.’
سمعت سابقًا أن لقائد الفرسان قوةً سحرية، فبعض الأمور تنطبق عليه.
لكنني لم أستطع تصديق تلك المقالات الصحفية.
ليس فقط لأنني أرفض تصديق أنه ارتكب مثل هذا الأمر.
‘لو كان مجنونًا فعلاً، هل كان سيستخدم السحر الأسود في مكتبه؟ كان سيفعله في مخبأ سري أو منزله على الأقل!’
لقد فكرت بعقلانية.
لا أحد يمكن أن يرتكب أمرًا يُعرّض رقبته للخطر بهذا الشكل في مكانٍ مكشوف.
وفوق كل ذلك…
‘الأمور بعد ذلك سارت بسلاسةٍ تامة، كأنَّ كل شيءٍ كان مخططًا له.’
ماركيز كروديل.
هو قد ملأ فراغ الفرسان المقدسين بسرعة وكأنه كان بانتظار اللحظة.
مع أن المنطق يقول إنه كان يجب التحقق من ذلك على مدى طويل، لكنه كان مستعدًا مُسبقًا.
الاستنتاج الوحيد الممكن كان:
‘كروديل كان يعلم. كان يعلم أن أيلان سيموت بعار. إذًا…’
كروديل هو المجرم.
هو من دبر موت أيلان وزور الأدلة بعد ذلك.
الكتب المحظورة والأدوات السحرية تم وضعها في منزله بعد وفاته.
بينما كنت أعض على شفتي، استدار أيلان الذي كان يتفقد الرهونات وهو يحمل بروشًا.
“هذه الأداة المقدسة.”
وأشار من بعيد إلى خاتم في صندوق التخزين.
الخاتم الذي استعرته من المعبد.
“كيف حصلتِ عليه؟”
رغم أنني كنت أفكر بسرعة، أجبت ببرود:
“آه، هذا الخاتم؟ استعرته من المعبد.”
“أداةٌ مقدسة مستعارة من المعبد، إذًا… لأيِّ سبب؟”
“مثل معظم الناس، للحصول على بركة. وهناك شهادة إعارة بجانبه، هل تريد التحقق منها؟”
“تحققت منها. ولكن…”
عيناه أضاءتا بحدة.
“أنتِ لا تبدين كواحدةٍ من أتباع معبد شجرة العالم. ولا يوجد في هذا المتجر رمز أو منحوتة للمعبد.”
“هل الرموز مهمة؟ ما يهم حقًا هو الإيمان الذي نحمله في قلوبنا.”
“إن كان مجرد استعارة بسيطة، فلماذا لم تذكريه أثناء التفتيش السابق؟”
“لأنك لم تخبرني تحديدًا عما تبحث عنه. وبما أنني استعرت الخاتم بطريقةٍ قانونية، لم أتوقع أن يُعتبر مشكلة. هل انتهينا الآن؟”
صوته كان حازمًا وهجومه مستمرًا، مِما زاد من توتري.
ورغم ذلك، حدّق بي أيلان بلا تراجع.
‘لقد خبأتُ قلادة لينا بالفعل. في مكان لا يمكن لأيلان العثور عليه أبدًا.’
بروش تتبع الأدوات المقدسة لا يستطيع تتبع أداةٍ معينة تحديدًا.
رغم أن أيلان كان واثقًا من قدرته على التتبع، لكن تلك مسألةٌ مستقبلية.
الآن، كان علي فقط تجاوز هذا التحقيق.
لكن…
“لا. لم ينتهِ بعد.”
“…ماذا؟”
“كل ما قلتهِ للتو، كان كذبًا.”
تجمدت للحظة، ثم ابتسمت وسألت:
“هل لديك دليلٌّ يدعم هذا الحكم؟”
“هناك تناقض. قلتِ إن ما يهم هو الإيمان في القلب، ومع ذلك استعرتِ أداةً مقدسة، وهذا تناقض.”
بصوت هادئ لكن حاد، بدأ أيلان بتعداد الأدلة.
“الشهادة التي لا تحتوي على تاريخ، والتي وُضعت بجانب الخاتم وكأنكِ أردتِ أن يُنظر إليها.”
“عذرًا، لكن ما زلت أرى أن هذا لا يعد دليلًا كافيًا.”
“حقًا؟ إذًا، كيف تفسرين ارتجاف عينيك؟ افتحي باب الطابق الثالث.”
‘تبا.’
لا عجب أنه قائد الفرسان المقدسين.
‘هذا الرجل يملك حدسًا خارقًا، أليس كذلك؟’
لكنني لم أكن في قمة هدوئي كما المعتاد، لأنني…
‘أعرف مصيره! أعرف أنه سيموت!’
أنا لا أريد لأيلان أن يموت. لأنه…
‘لو كان أيلان على وفاقٍ مع كروديل، لما حاول كروديل التخلص منه!’
أيلان يقف في الجهة المقابلة لكروديل، ولهذا أراد الأخر إبعاده.
مثلما فعلت روزان مع هانا.
‘بمعنى آخر، وجود أيلان وحده يُشكل تهديدًا لكروديل. لذلك يجب أن يظل حيًا.’
العدو المشترك هو الحليف.
حتى لو لم يكن الأمر يتعلق بـ لينا، فإنَّ كروديل كان عدوي.
‘في فجر اليوم، أرسل لي ويليام رسالة سريعة.’
عرفت من المسؤول عن تعديل نماذج التصاريح. إنه الوصي كروديل.
يبدو أنه تصرف بعد أن سمع شيئًا في وقت الشاي. أتحقق الآن من الحضور في ذلك اللقاء.
حتى دون أن أسمع النتيجة، كنت أعرف.
روزان كانت هناك. روزان وكروديل في صفٍ واحد.
لكن، كيف يمكنني إيقاف مؤامرة كروديل؟
تذكرت حديثي مع إيما.
***
في صباح هذا اليوم.
قالت إيما إنه من الأفضل ألا أتورط، لكنني أقنعتها بأنني بحاجةٍ لمعرفة الحقيقة كي أتصرف.
فتحدثت بتردد:
“ببساطة، الرجل مدمنٌ على المانا. كأنه بحيرةٌ في فبراير، مغطاة بالجليد، ولا أحد يعرف متى سينكسر الجليد.”
مررت إيما يدها في شعرها وشبكت ذراعيها.
“لكن لا يوجد ساحرٌ مجنون بما فيه الكفاية ليلقي سحرًا مباشرًا على قائد الفرسان. لذا لابد أنه تعرّض للمانا من خلال أحجار المانا.”
“تم حقنه بالمانا باستمرار باستخدام أحجار مانا عالية النقاء، صحيح؟”
“بالضبط. ربما جعلوها تبدو كأحجارٍ عادية باستخدام سحر الإخفاء. من فعل هذا ساحرٌ بارع بلا شك.”
الآن أفهم لماذا لم تكن هناك آثارٌ سحرية.
لأنه لم يُستخدم السحر بل تم تسميمه بالمانا عبر الأحجار.
بالنسبة للفرسان، هذا بمثابة لعنةٍ قاتلة.
“لكن من الغريب أنه احتفظ بالحجارة. حتى وإن كانت تبدو عادية.”
“ربما تم إخفاؤها في غرضٍ يومي. لكن هل يوجد غرضٌ يومي يمكن أن يحتوي على الكثير من الأحجار؟”
إيما تنهدت وقالت:
“قطعةٌ واحدة لا تؤثر على فارس. حتى لو تم ضغط الحجم، يجب أن تكون الكميةٍ هائلة. هل يوجد شيءٌ كهذا؟”
كنت أفكر بعمق، ثم قالت إيما بخفة:
“على أي حال، لا يمكنه أداء مهامه كفارس الآن.”
“حقًا؟ لماذا؟”
“لأن المانا تجعله يتألم عند التعرض للطاقة المقدسة. لذا سيتجنبها لا إراديًا.”
ثم أضافت:
“ومع ذلك، تقولين إنه لا يزال يتصرف بأدب؟ يا إلهي…”
“وهل هذا مشكلة؟”
“بالطبع. هل تتخيلين مقدار السيطرة التي يفرضها على نفسه؟ هذا ليس طبيعيًا.”
***
كانت إيما تحذرني، لكنها جعلتني أفكر بطريقةٍ مختلفة.
نعم، أيلان ليس طبيعيًا.
‘لأنه مريض. مريضٌ بمرضٍ لا علاج له.’
ولم يسعني إلا أن أفكر في جدي عندما سمعت قصته.
‘لكنه لن يصدقني بسهولة. ولن يصدق ما أقوله.’
لذا ما هي الاستراتيجية التي يمكنني اتباعها؟
العين بالعين.
والحدس… يُقابل بالحدس.
وبعد أن أنهيت تفكيري، ابتسمتُ لأيلان ابتسامةً مشرقة.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 41"