الفصل 39 : تّحيّةٌ شَّرِسة ⁶
لو كانت إيما، التي خاضت في حياتها كل أنواع المحن، تقول هذا الكلام…
فما الذي يمكن أن يكون؟ كم يجب أن يكون غريبًا؟
“هذا الوغد يملك قوى سحرية، أليس كذلك؟”
هاه؟
شعرتُ بارتخاء في جسدي. سألتها مبتسمة:
“أليس هذا ممكنًا؟ سمعتُ أن هناك أشخاصًا يملكون قوى سحرية رغم أنهم ليسوا سحرة.”
يُقال إن في هذا العالم من وُلدوا بقوى سحرية.
لكن، هذا لا يعني أنّهم يستطيعون استخدام السحر مثل إيما.
‘ليس كل من يملك ذوقًا رفيعًا يصبح طباخًا، أليس كذلك؟’
فلاستخدام السحر، لا بدّ من التعلّم، والممارسة، وتجاوز نقطةً حرجة تؤدي إلى الاستيقاظ.
ومع ذلك، حتى لو لم يتمكّنوا من استخدام السحر، فإنَّ من يملكون طاقةً سحرية غالبًا ما يبرعون في مجالاتٍ أخرى.
‘حتى لو لم يصبح طباخًا، فقد يصبح ناقد طعام، أو ساقيًا، أو خبير نبيذ.’
بمعنى آخر، هم أشخاصٌ موهوبون.
لكن الفارس الفظّ كان يملك، لسوء الحظ، موهبة التمثيل على أنه ضحية.
“كما قلتِ، يمكن للمرء أن يملك قوى سحرية حتى لو لم يكن ساحرًا.”
لكن، بخلاف استهانتي بالمسألة، بدت تعابير إيما جادّة للغاية.
“لكن، ألا يُعدّ أمرًا خطيرًا إن كان الفارس المقدّس يملك قوى سحرية؟”
“ماذا؟ فارسٌ مقدّس؟”
“ذاك الوغد فارسٌ مقدّس. أشعر بقوّة مقدّسة تنبعث منه، بل وقويّة. لهذا لم تؤثّر فيه الأداة السحرية.”
صحيح أن الأشخاص ذوي القوى السحرية موهوبون.
لكن هناك وظائف لا يُمكن لهم امتلاكها إطلاقًا.
‘الكهنة، والفرسان المقدّسون.’
أي أولئكَ الذين يستمدّون قوّتهم من الطاقة المقدّسة.
بلعتُ ريقي وسألتُها.
“هل هذا ممكن؟ أليست القوّة السحرية والطاقة المقدّسة تتنافران؟”
“بالضبط. لا أعرف ما الذي يحدث، لكن هناك شيءٌ واحد مؤكد.”
قالت إيما بحزم.
“ذاك الوغد… حقيرٌ للغاية. لا تتورّطي معه.”
***
بعد أن غادرت إليشيا.
توقّفت إيما عن التنظيف ووضعَت يدها على جبينها.
“ظننتُ أنّي رأيتُ كل أنواع البشر، لكن فارسٌ مقدّس يملك قوى سحرية؟”
هزّت رأسها بضيق.
“وفوق ذلك، ذلك الشخص الغامض الذي لا أستطيع قراءة أي شيء منه يتجوّل في الشوارع… ما الذي يحدث في هذا البلد؟”
وهي تتذكّر ذاك الرجل الضخم شديد السواد، نظرت إيما من النافذة.
دينغ ديـنغ ديـنغ.
ما هذا الصوت؟
“أخيرًا، وصل الاتصال؟!”
اقتربت إيما من المكتب بحماس وجلست.
ارتفعت دائرة سحرية متوهّجة أمامها. وبالنظر إلى التعويذة، بدا أنّها من أحد أصدقائها الثلاثة.
وتحت الدائرة المتلألئة، سقطت رسالة.
“أخيرًا، أخبار عن ذلك الساحر الذي كانت إليشيا تبحث عنه بشغف!”
مزّقت الرسالة بحماس وبدأت تقرأ محتواها.
الرسالة تحتوي على معلوماتٍ عن المنطقة التي مكث فيها الساحر الذي استخدم تلك التعويذة.
والآن بعد أن عرفت إيما المنطقة، فإن العثور عليه بات مسألة وقت فقط.
“من يكون؟ ذلك الساحر المحظوظ الذي خطف قلب إليشيا!”
أو ربّما… كان ذلك سوء حظ؟
فقد ينتهي به الأمر بأن يشدّ ميكيلّي شعره.
ضحكت إيما بصوتٍ خافت، ثم فجأةً فتحت فمها بدهشة وهي تتابع قراءة الرسالة.
لكن، إيما، الساحر الذي كنتِ تبحثين عنه…
“إليشيا خاصّتنا…”
وضعت إيما يدها على صدرها.
فتاة؟
“هكذا إذًا… أختكِ آسفة. أختكِ ستدعم حبّكِ من القلب.”
أغمضت عينيها بقوة، وبدأت تعيد التفكير في أحكامها المسبقة.
***
غرفة كاترينا.
كان كروديل يلهث من شدّة الغضب وهو يحطّم الأثاث.
“أتظنين أنني لَن أجد القلادة؟”
كاترينا كانت تزمّ شفتيها بينما ترمقه بنظراتٍ متحدّية.
نظر إليها كروديل من علٍ وتكلّم بصوتٍ بارد:
“أتظنين أنكِ قادرةٌ على إخفائها إلى الأبد؟ لا، سأعثر عليها. وسأخنقكِ بتلك القلادة بنفسي.”
“إنّها ليست لكَ. إنها لي. إرثٌ من أمي الذي ورثتُه.”
“نعم، لا بأس إن رغبتِ في مواساة نفسكِ بهذا الشكل…”
قهقه ضاحكًا قبل أن يقول بكلماتٍ تقطر شرًّا.
“وتظنّين أن أختي لم تكن تكرهك؟”
ارتعشت كاترينا.
في اللحظة التي سمعت فيها تلك الكلمات، ارتجف جسدها بالكامل.
“تظنّين أن أختي لم تمت بسببكِ؟ أليس هذا ما تحاولين تصديقه؟”
في لحظة، امتلأت عيناها الخضراوان بالدموع.
“لكن مَن يصدّق هذا؟ أختي، التي لم ترغب برؤيتكِ حتى لحظة موتها، أتظنّين أن هذا لا يعني شيئًا؟”
“أه…”
“حتى والدكِ، الإمبراطور، لماذا تظنّين أنه ذهب في رحلةٍ طويلة؟”
تلألأت عينا كروديل بغضب.
“لأنه لم يرد أن يرى تلك الابنة التي أُزهقت حياة أمها في سبيل ولادتها، والتي كبرت بهذه الصورة البائسة!”
وفي خضمّ شتائمه السامّة، فكّر كروديل.
نعم، تلك النظرة الحازمة في عينيها لم تكن سوى آخر مقاومةٍ يائسة.
لكن عندما رأى وجه كاترينا، تردّد.
تلك الفتاة الرقيقة التي كانت تنهار كلّما ذُكرت أمها، لماذا…
‘ما هذا؟’
الدموع لم تنهمر. فقط تجمّعت في عينيها.
عيناها الخضراوان أصبحتا أكثر وضوحًا بسبب الرطوبة.
إنها نفس عيني أختي. شعر كروديل بالغثيان.
“أدخِلوه.”
فتح الباب بعد لحظات، واتّسعت عينا كاترينا.
“أعتقد أنكِ تعرفين هذا الشخص. إنّه قائد فرسان الإمبراطورية، السير آيلان.”
قال كروديل متصنّعًا اللطف وهو يعقد ذراعيه.
كأنّه خالٌ طيب يشرح لأبنة أخته الحمقاء الأمور بالتفصيل.
كان آيلان في الماضي يعارضه في كل شيء، لكن ذلك أصبح ماضيًا الآن.
‘طالما أنني أسيطر على الفرسان، فلا خيار أمام آيلان سوى الطاعة.’
لأن شرف العديد من الفرسان يعتمد على ذلك.
‘كان يجب أن أفعل هذا منذ البداية.’
فالتمسّك بالمبادئ يجعل التعامل أسهل.
لأنّه يكفي أن نغيّر تلك المبادئ!
وليس هذا فقط.
‘وإذا رفض مجددًا، فأنا أملك بطاقةً قادرة على تدميره!’
أغلق كروديل عينيه وتكلّم بهدوء:
“السير آيلان يبحث حاليًا عن القلادة التي ‘فقدتها’، لذا سيعود بها قريبًا. فلا تقلقي كثيرًا.”
“…ماذا؟”
“أليس كذلك، السير آيلان؟ أليس كذلك؟ أنت تتبع أوامري بإخلاص، أليس كذلك؟”
تكلّم آيلان بوجهه الخالي من التعبير.
“نُجري حاليًا عملية تفتيش في حي الرماد.”
“نعم، هذا ما يجب فعله. إنه أمرٌ من الوصيّ الملكي.”
لكن كروديل، الغارق في نشوة النصر، لم يرَ الوجه الشاحب لكاترينا حين سمعت حي الرماد.
“على كل حال، غدًا ستُغلق تلك المنطقة لأسبابٍ تتعلّق بالتصاريح. فلا تجهد نفسك كثيرًا.”
ربّت على كتف آيلان بلا اهتمام وأشار بذقنه.
“وبالمناسبة، افحص هذه الغرفة مرّة أخرى.”
وقبل أن يخرج، تمتم ساخرًا:
“آه، هناك شائعة تقول إن لينا ابتلعت القلادة… فلا تأخذ الأمر على محمل الجد وتهرع لسحب سيفك، هاهاها.”
خرج كروديل وهو يضحك، وأُغلق الباب خلفه.
“هاه، هاه…”
وضعت كاترينا يدها على صدرها.
بعد أن التقطت أنفاسها، سألت بلهفة.
“أليس كذلك؟ صحيح؟ أنت لا تتبع أوامر خالي، أليس كذلك؟ لقد أقسمت أن تخدم العائلة الإمبراطورية، أنتَ قائد الفرسان المقدّسين…”
لكن آيلان لم يجب.
وراقبت كاترينا وجهه الخالي من أي تعبير، ثم انهارت جالسة.
أن يكون آيلان هو من خرج في المهمة، هذا يعني أن العثور على القلادة صار مسألة وقت.
في يأسها، سمعت صوتًا منخفضًا.
“نعم. كما قلتِ، أنا قائد الفرسان المقدّسين الذي أقسم أن يُكرّس كل شيء للإمبراطورية.”
آه.
هل يقصد أنّه مضطر لطاعة كروديل لأن الإمبراطور غائب؟
لكن آيلان لم يتوقّف عند ذلك.
“لقد أقسمت… أن أحمي فيلوسوفي.”
فيلوسوفي.
نظرت كاتارينا إلى خاتمها، حيث نُقش عليه اسمها: “كاتارينا فيلوسوفي”.
“استريحي، صاحبة السموّ.”
ثم غادر، وهو يشدّ على كلمة السموّ.
جلست كاترينا في مكانها، تكرّر كلماته في ذهنها.
فهو لم يفتّش الغرفة كما طلب كروديل. هل يعني ذلك أنّه ليس في صفّه؟
‘لكن…’
آيلان فارس. لا بدّ له من تنفيذ أوامر رؤسائه.
وفي النهاية، سيعثر على المتجر.
وفوق ذلك، قالوا إن المنطقة ستُغلق.
-“أراكِ لاحقًا.”
فماذا عن تلك الفتاة ذات العينين البنفسجيتين؟
‘إما أن تُسلّم القلادة لآيلان، أو…’
في اللحظة التي تخيّلت فيها تلك الفتاة تنهار أمام سيف آيلان المرفوع، كانت كاترينا تعضّ شفتيها وتدير رأسها.
حينها، وقعت عيناها على عباءةٍ سوداء بالكامل.
***
‘يجب أن أرسل برقيةً طارئة إلى ويليام. لا يهم كم سأدفع، فليُسرع بها.’
عدتُ إلى متجر الرهن لأرسل البرقية، ثم ألقيتُ نظرةً إلى الخارج.
‘الفرسان قد انتشروا بالفعل…’
كان الفرسان بالزيّ الأبيض يجولون في الخارج.
ضغطٌ غير مباشر، مفاده أنه سيتمّ القبض عليّ إن رفضت أو تسببت في أي فوضى.
‘ألم يقولوا إنهم لا يملكون قوّة بشرية؟ لكن في مثل هذه الحالات يجدونها فجأة؟’
عضضت على أسناني وأرسلت البرقية أولًا.
‘هناك مزادٌ ليلي الليلة. يجب أن أتحرّك بسرعة.’
وبينما كنت أرسل عدة برقيات متتالية وألتقط أنفاسي…
“أوه، لقد عدت بالفعل؟”
“بالفعل؟”
اقترب ألتر بوجه متجهّم وهو يعقد حاجبيه.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 39"