تذكّر كاسيان اللحظة التي سلّم فيها بطاقة عمله إلى أليشيا.
رغم أن أطراف أصابعهما تلامست، إلّا أنّه لم يشعر بشيءٍ غريب.
وكان يراقبها باستمرار، لذا حتى إن كانت قد استخدمت أداةً سحرية، فلن يكون من الممكن نزعها أو تركيبها في تلك المدّة القصيرة.
‘كان في متجر الرّهن الكثير من التعاويذ الأمنية. هل يمكن أنني خلطتُ بينها وبين تأثير أداةٍ سحرية؟ لكن هذا غريب. قائد فرسان القصر لا يمكن أن يقع في هذا النوع من الخطأ.’
وكان هناك أمرٌ آخر يُقلقه.
‘من الغريب أيضًا أنَّ أداة بطاقة الأعمال تعطّلت فجأة.’
تمكّن كاسيان من الوصول في الوقت المناسب بفضل تلك الأداة السحرية، والتي كانت تُمكّنه من سماع الصوت لحظة التلامس.
لكن جودة الصّوت لم تكن كما اعتاد.
「…تجارة التُحف المقدّسة…」
「…تنفيذٌ بالقوّة…」
ثم انقطع الصوت فجأة.
كان مضمون الحديث مثيرًا للريبة، لذا جاء مسرعًا. ولحُسن الحظ، لم يقع شيءٌ خطير.
بل إنَّ إليشيا بدت بخير تمامًا، حتّى أنّها كانت تتحدث عن الأمير المتألّق.
‘لا بدّ أنَّ ذلك كان بسبب تدخّل القوّة المقدّسة لقائد الفرسان.’
كان يرتدي بروشًا لتتبّع الآثار المقدّسة، وقد تعرّف كاسيان عليه فورًا.
لكن بخلاف بروش كاسيان، الذي يتتبّع قطعةً واحدة بعينها، فإنَّ بروش القائد يلتقط فقط وجود الطاقة المقدّسة بشكلٍ عام، ما يجعله أقلّ دقّةً وكفاءة.
‘لكن على الأرجح، لم تكن تلك مهمّةً رسميّة، بل جولةٌ تمهيديّة فقط، خصوصًا أنّه لم يُفصح عن اسمه.’
لعلّه يُنفّذ أمرًا سرّيًا.
‘وبما أنّه لا يُريد إثارة الجلبة، فقد انسحب بسهولةٍ أكبر مِمّا توقّعت.’
ثم توصّل كاسيان إلى قرار:
‘عليّ أن أبدأ التّحقيق مع قائد الفرسان أوّلًا.’
***
عندما وصلتُ إلى قاعة الاجتماعات، كان على وشك أن تبدأ.
كانت هيلينا تُصدر تعليماتٍ هنا وهناك بسرعةٍ كبيرة، وما إن رأتني حتّى استقبلتني بوجهٍ مُشرق.
“مرحبًا بكِ، العضوة إليشيا. لكن لماذا أنفاسكِ متقطّعة هكذا؟ هل جئتِ جريًا؟”
“أنا أيضًا سعيدةٌ جدًا، هاه، بل أكثر من سعيدة! لكن انظري إلى هذا أوّلًا، السيّدة هيلينا!”
دفعتُ إليها الوثيقة مباشرة.
وما إن بدأت هيلينا بقراءتها بعينٍ فاحصة حتى تحوّل وجهها إلى البرود التّام.
“هل أنتِ متأكدة؟ هل مصدر هذه المعلومات موثوق؟”
“بالتّأكيد!”
هيلينا، بما أنّها تضع مصلحة الشّارع بأكمله أولًا، فهي لن تُفشي سرّ المصدر.
أخبرتُها بكلّ ما سمعته من المصدر، وهمستُ في أذنها بكلّ التفاصيل.
شهقت هيلينا بخفوت، ثم صعدت إلى المنصّة بوجهٍ صارم.
“انتباهٌ جميعًا! سيتمّ تأجيل موضوع المهرجان إلى وقتٍ لاحق.”
“ماذا؟!”
“لماذا فجأة؟ ما الذي يحدث؟”
“لأنَّ هناك مسألةً عاجلةً وأكثر خطورة! سأشرح الآن.”
ما إن بدأت هيلينا في الحديث، حتى هبّ الأعضاء واقفين.
“ماذا؟!”
“مسألة بهذا الحجم، ويتمّ إعلامنا بها بهذا الشكل؟!”
“وفترة الإشعار قصيرةٌ جدًّا! وكأنّهم يقولون للذين لا أهل لهم ولا يعرفون نُبلاء أن يغلقوا أبوابهم!”
“هذا ظُلم! نظام التراخيص كان يسير بشكلٍ ممتاز، لماذا تغييره فجأة؟!”
“وفوق كلّ ذلك، البدء بشارع الرّماد أوّلًا؟! ماذا فعلنا نحن؟ كلّ ما فعلناه هو العمل بجدّ!”
تحوّلت القاعة في لحظات إلى فوضى صاخبة.
وكان قلبي يصخب أيضًا.
‘إمّا أن تجلبي جدّك المخفيّ، أو أن تأتي وتتوسّلي بنفسكِ. لا خيار ثالث.’
حين قرأتُ الشّروط، ازددتُ يقينًا بأنّها من فعل روزان.
إنّها حيلةٌ لجرّ جدي إلى السّاحة.
فالشّخص الوحيد الذي يمكن أن يُثبت نسبي، بخلاف جدي، هما هيوغو وروزان.
وروزان لن تخسر شيئًا في الحالتين.
إن لم أفعل شيئًا، سينتهي أمر متجر الرّهن، هذا الشّوك في عينها.
‘يا لها من امرأةٍ شرّيرة!’
نظرتُ إلى التُّجّار المُجتمعين.
مَن كان يُصْدِر احتجاجات، ومن جلسَ منهارًا، ومن بكى بخفوت.
‘كلّ هذا فقط للإيقاع بشخصٍ واحد؟ وتستخدمين الشّارع بأكمله رهينة؟!’
ذلك المنطق الذي يُعامل النّاس كذباب، فقط من أجل تحقيق هدفٍ ما… جعلني أرتجف غضبًا.
‘تماسكي. يجب أن أكون هادئة.’
شدَدْتُ قبضتي وتنفّستُ بعمق.
لا شكّ أن روزان مطمئنةٌ، لا تتوقّع أبدًا أنّني سأهاجمها.
‘لكنّكِ تجهلين شيئًا يا روزان.’
تذكرتُ مقالات الصحف التي قرأتُها قبل عودتي بالزمن.
أعدتُ كلّ تفصيلةٍ تتعلّق بليونيت إلى ذاكرتي، وخرجتُ من القاعة.
‘بإمكاني أنا أيضًا أن أحتجز أحبّاءكِ كرهائن!’
اتّجهتُ إلى محطّة القطار.
“أسرع تذكرةٍ إلى مقاطعة راوم. كم ثمنها؟”
***
شرق الإمبراطوريّة – مقاطعةُ راوم التابعة للبارون.
ارتعدت الخادمات في مكانهنّ عند سماع الصّراخ الآتي من الجناح الدّاخلي.
“أقلبتم غابةً كاملة من الصنوبري ولم تجدوا شيئًا؟! أيعقل هذا؟!”
إنّها روزان ليونيت.
“سيّدتي، من فضلكِ، اهدئي…”
“أتظنّ أنَّ بإمكاني ذلك الآن؟!”
تبع صراخها صوتٌ آخر، كان يرتجف:
“نعم… نعم، لكن…”
إنّه صوت نيكولاس راوم، البارون نفسه.
لكن صوته سرعان ما غرق تحت هدير غضب روزان.
“أجل. لا بُدّ أنّك نسيت شيئًا عند رسمك!”
“ماذا تقصدين…؟”
“أنتَ من رسم نُسخة غابة كولونيا. ألا تتذكّر شيئًا؟! هل حذفت شيئًا رأيتَه غير مهمّ؟ أم تجاهلتَه عمدًا لتُهينني؟!”
“س… سيّدتي، كنتُ فقط أتّبع الرسم الأصلي…”
تحطّمت كأس زجاجيّة بصوتٍ مدوٍّ.
“اخرج!”
“سيّدتي…”
“أخبرتكَ أن تخرج! لم أعد أطيق رؤية وجهكَ الغبيّ!”
وبعد لحظات، خرج نيكولاس من الغرفة، يجرّ قدميه في كآبةٍ عميقة.
‘أريد الهروب.’
لكن لم يكن هناك مكانٌ يهرب إليه.
عاشَ طوال عمره داخل هذا القصر، بلا أقارب، بلا أصدقاء.
في البداية، ظنّ ذلك نعمة.
أن يتزوّج من سيّدةٍ نبيلة اكتشفت موهبته رغم فقره.
أن يُمنح لقب بارون، رغم أنه كان رسّامًا مغمورًا بلا اسم.
ما كان ليحلم بأكثر من ذلك.
‘…لكن.’
اتّضح أن الحظ لم يكن سوى غلافٍ زائف.
تحت الورق الورديّ، كانت الحقيقة سوداء دامية.
نظرات الشفقة من الخادمات، والمصير الذي لا مفرّ منه… كأنّهما يخنقانه.
“سأذهب إلى المُرسم…”
المكان الوحيد الذي يلجأ إليه، هو كوخٌ قديم في أقصى طرف القصر.
لا يدخله أحد إلّا حين يُرسل الطعام.
حتّى هذا المنفذ الضئيل للهواء ينتمي إلى القصر، وهذا ما سحق صدر نيكولاس.
فتح الباب بثقل، وتناول فرشاته.
“يجب أن أنهي هذه النّسخة الأسبوع القادم، وتلك اللوحة بنهاية الشهر. لا وقتَ لديّ.”
ردّدها لنفسه، كما لو كان يُخدّر قلبه.
لكن يده سقطت فجأة.
خطّ أصفر مزّق اللوحة.
لقد أفسدها.
غامت رؤيته.
لن تغفر روزان هذا التأخير.
لكن ما أخافه لم يكن صراخها، بل…
“لم أعد أشعر بالسعادة عند الرّسم…”
ربّما ما أفسده… لم يكن اللوحة فقط، بل حياته بأكملها.
كان عليه أن يشكّ في ذلك الحظّ.
كان عليه أن يختار السّعادة البسيطة، لا البريق الزائف.
نيكولاس الذي كان يحبّ الفرشاة قد اختفى.
“هاه… هاه…”
“إنّها لوحةٌ رائعة.”
فجأة، شهق نيكولاس وارتدّ في مكانه.
“مَن… مَن أنتِ؟”
“آه، عذرًا. كانت اللوحة جميلة جدًّا، فلم أتمالك نفسي.”
مسح دموعه، ونظر إلى مصدر الصّوت.
كانت شابّةً ذات شعرٍ زهريّ.
لم يهمّه من تكون. بل حتى لو كانت شبحًا، ما كان ليُمانع.
لقد مرّ وقتٌ طويل منذ سمع رأيًا إيجابيًّا في أحد أعماله.
“لكن… هذه ليست لوحتي. مجرّد نُسخةٍ فقط.”
لكن سرعان ما اجتاحه شعورٌ بالذنب.
ما رسمه لم يكن سوى تقليد. لا يستحقّ المديح.
لابدّ أنّها كانت تُعجب بالأصل فقط.
لكن…
“لا، أعني هذه اللوحة.”
وأشارت إلى صحنٍ صغير.
“كيف استطعتَ رسم شلّالٍ بهذا الجمال على طبقٍ صغيرٍ كهذا؟”
لقد رسم عليه فقط لأنّه كان تالفًا.
ولم تكن تلك نُسخة.
وفي تلك اللّحظة التي رأى فيها لوحته الصّغيرة، انفجر بالبكاء كطفل.
‘أجل… هذه لوحتي. يوم رسمتُها، كنتُ سعيدًا.’
انتظرتْ الفتاة بصمت حتى هدأ تمامًا.
“آسف. بدا مظهري بشعًا.”
“لا، البارون نيكولاس، على العكس تمامًا. لقد منحتِني فرصةً أطول لتأمّل هذا الجمال.”
ما إن سمع لقبه حتى صحا فجأة.
تلعثم وسأل:
“هل… هل تعرفينني؟”
“أجل. أعرفكَ.”
“لكن… من أنتِ؟”
“أنتَ لا تعرفني. لكن أعتقد أنّ جدّي يعرفكَ جيّدًا.”
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 33"