الفصل 31 : عُذرًا، مَن تكون؟ ⁹
يا له من مزيجٍ عجيب… بلطجي يتحدّث بأدب؟ كأنّك تشرب قهوةً باردة دافئة في الوقت نفسه!
لم أُتح الفرصة حتّى لأتفاجأ من هذا النّوع الغريب من البشر.
‘إن كان قد جاء ليبتزّني مقابل استخدام المكان، فلن أُعيده بخفَّي حُنين.’
لقد حان الوقت أخيرًا لتجربة أداة السّحر الجديدة!
أخفيتُ أداة السّحر الكرويّة التي اشتريتها من إيما في كفّي، ثمّ ابتسمتُ ورددتُ:
“إذن؟ أظنّ أنّكَ تُخطئ الفهم. هذا المبنى ملكي الشّخصيّ. أتحبّ أن أُريكَ سجلات التّسجيل العقاري؟”
“ماذا عن التّحَف المقدّسة.”
قاطعني البلطجي بصوتهِ الجميل عبثًا.
تحفٌ مقدّسة؟
“أليس هذا المكان يتعامل مع ببيع التّحف المقدّسة؟ هل يعلم معبد شجرة العالم بذلك؟”
“المعبد؟”
“أسأل إن كنتِ قد قدّمتِ بلاغًا رسميًّا.”
من حيث المبدأ، أيُّ شخصٍ يتعامل بالتحف المقدّسة يجب أن يُبلّغ معبد شجرة العالم.
فهي ضمن مسؤوليّتهم، شرعيًّا.
‘لكنّ هذا القانون صدر قبل نحو خمسمئة عام!’
لا أحد يلتزم به الآن. لقد أصبح قانونًا مهجورًا.
فالكثير من التّحف التي كانت بحوزة المعبد قد فُقِدت، والمعبد لم يعد قادرًا على إدارة كلّ التّحف الجديدة التي نالت بركةً لاحقة بعد صدور القانون.
وليس بإمكانهم قلب منازل الناس رأسًا على عقب فقط لأنَّ أحدهم لم يُبلّغ.
لكن هذا البلطجي أمامي بدأ يتحدّث وكأنّه خرج للتوّ من القرن الماضي.
حينما أعدتُ عليه السّؤال، تقلّصت عيناه قليلًا.
“سأعتبر هذا تأكيدًا على أنّكِ لم تُبلّغي. إذًا…”
“لا، لم أقل ذلك. الصّمت لا يُعدّ جوابًا دائمًا.”
وبينما تردّد، قدّمتُ له الملفّ.
“انظر بنفسك. في السابع من شهر الشباط عام 912 من التّقويم الإمبراطوري، تمّ الإبلاغ عن افتتاح هذا الرّهن رسميًّا للمعبد.”
لقد كان جدّي من قدّم البلاغ.
‘أرى أنَّ هناك مَن يشبه جدّي من حيث التزام المبادئ.’
رجلٌ يبتزّ الآخرين مقابل الجلوس في أماكنهم ويتحدّث عن المبادئ؟ نادرٌ حقًّا، لكن العالم واسع.
راقبتُ البلطجي وهو يُقلب الملفّ.
‘كيف عرف بوجود التّحفة أصلًا؟ هل سمع شائعةً ما؟’
لكننا لا نملك سوى تحفةٍ واحدة حاليًّا.
‘…قلادة الزّمرّد الخاصّة بلينا.’
وأنا لم أبعها قط، فقط راهنتُها.
ولم أُخبر بها أحدًا، ولا أظنّ أن لينا فعلت أيضًا.
فهل يُعقل أنَّ هذا البلطجي من رجال خالها؟
-“ما دامت لا تقع بين يدي خالي، فلا بأس. لأنّه… لو بقيَت معي، فلن أقدر على حمايتها. لا قوّة لي، وسيأخذها منّي حتمًا.”
‘هل هذا الرّجل من رجال خالها؟’
شعرتُ بقشعريرةٍ باردة تتسرّب في دمي.
وفي تلك اللحظة، أغلق الرّجل الملفّ بقوّة.
“تأكّدتُ من الأمر.”
“هلّا اعتذرتَ على شكّك المتسرّع إذًا؟”
“لا. على ما يبدو، سأحتاج إلى الاعتذار لاحقًا، لذا سأؤجّل ذلك الآن.”
لأوّل مرّة في حياتي، أرى شخصًا يشكّ بي بهذا القدر… وبعباراتٍ مؤدّبة ومعقّدة إلى هذه الدّرجة!
وما إن صُدمتُ حتّى رأيتُه يستدير.
كان يتوجّه إلى الطّابق الثّاني.
“افتحي الباب.”
هناك حيث تحفظ الرّهائن.
وتحديدًا، حيث قلادة لينا.
“عذرًا؟”
“سأقولها للمرّة الأخيرة. افتحي الباب.”
سواء كان فارسًا حقيقيًّا أو بلطجيًّا يرتدي زيّ الفرسان، لا فرق الآن.
ففي كلتا الحالتَين، الوضع سيّئ.
‘التّصدّي للسّلطة غباء… لكن لا مفرّ، لا بدّ من بعض الحماقة الآن!’
“إن لم تفتحي الباب بحلول العدّ إلى ثلاثة، سأنفّذ الأمر بالقوّة.”
وقبل أن يبدأ العدّ، قذفتُ نحوه أداة السّحر التي كنتُ أُمسكها.
“واحد.”
طارت الكرة في الهواء، مرسومةً قوسًا جميلًا.
كانت أداةً دفاعيّة، تُطلق خيوطًا تحاصر من تُصيب، هكذا وصفتها إيما.
سأقيّده بها ثم أُعلن أمام الجميع: “هذا البلطجي حاول ابتزازي!”
‘لم يُعرّف عن نفسه حتّى. يمكنني الادّعاء أنّني لم أعلم أنّه فارس. فليحاول إثبات العكس!’
ذلك كان مخطّطي.
“اثنان.”
…هكذا ظننت.
“ثلاثة.”
طقطق.
تدحرجت.
“……”
راقبتُ الكرة وهي ترتدّ إلى الأرض وتتدحرج بلا أيِّ تأثير.
‘إيما، هل بعتِني قطعةً فاسدة؟’
‘هذا ليس تصرّفًا أحمقًا فحسب، بل أنا حمقاء بحق!’
ضاق ما بين حاجبَي الرّجل وهو ينظر إلى الكرة المتدحرجة.
“ما هذا؟”
“هاهاها، لديّ هوايةٌ في لعبة رمي الكرة، لا أكثر.”
لقد انتهيتُ.
ما العذر الذي قد يُنقذني الآن؟
“محاولة الإخفاء واضحةٌ جدًّا. إذًا…”
اندفعتُ لأقف أمام الباب، أُعيقه.
تغيّر تعبير الرّجل الوسيم، وتجمّع الغضب بين حاجبَيه.
“تنحّي جانبًا.”
“لا يمكنني ذلك. كمالكة للمكان، لا يمكنني ترككَ تُخرّب الممتلكات.”
“إذًا، افتحيه بنفسك.”
“أودّ ذلك، لكنّي أضعتُ المفتاح، كما ترى… أنا شخصٌ كثير النّسيان.”
“في هذه الحالة، من الأفضل أن تتنحّي. سأقوم بفتحه.”
“الأشياء هناك باهظةٌ جدًّا. ماذا لو أفسدتَ شيئًا؟ ستتحمّل المسؤوليّة؟”
“بكلّ سرور.”
آه…
تنهدتُ ووضعتُ يديّ على صدري.
“أأنت تبحث عن التّحفة المقدّسة؟”
يبدو أنّه لم يتوقّع منّي أن أسأله مباشرة.
فنظر إليّ طويلًا، بتعبيرٍ يزداد سوادًا كلّ لحظة.
“وهل يغيّر ذلك شيئًا؟”
“طبعًا. كيف عرفتَ أنّها هنا أصلًا؟”
نظرتُ بسرعة إلى البروش الذي بدأ يضيء ويخفتٍ أكثر من المعتاد.
‘قالوا إنِّ المعبد يستخدم أدواتٍ لتتبّع التّحف… يبدو أنَّ هذا إحداها. أداة لرصد الطّاقة المقدّسة؟’
“عرفتَ من خلال هذه، أليس كذلك؟”
“لستُ ملزَمًا بالإفصاح.”
“آه، حسنًا. هكذا إذًا.”
يريد أن يُظهر نفسه في صورةٍ قانونيّة؟
“جيّد. إذًا…”
“ستفتحين الباب؟”
“طبعًا. لا فائدة من المقاومة. لستُ أقوى منك جسديًّا. لذا…”
ابتسمتُ ابتسامةً مشرقة.
“أحضر أمر تفتيش.”
“……”
“آه، ومعه دليلٍّ أيضًا. على الأقلّ إفادةٌ خطيّة أو رسالةُ بلاغ.”
إن كان يريد التصرّف بطريقةٍ قانونيّة بينما يقوم بأعمالٍ مشبوهة، فليُواجه القانون مثلي.
صمتَ البلطجيّ قليلًا، ثم قال:
“الحقوق التي أملكها تتقدّم على الملكيّة الشّخصيّة.”
“يمكننا معرفة رأي المحكمة في ذلك. من سيُصدر القاضي حكمه لصالحك؟”
أظنّ أنَّ هذا الخال لديه منصبٌ رفيع.
ألجأ إلى هذا المنصب، إذًا؟
تذكّرتُ هوغو ولروزان، فشعرتُ بالانزعاج.
“إذًا عد لاحقًا، ومعك أمر التفتيش، قبل أن أجمع سكّان الحيّ بأكملهم.”
بما أنّه جاء وحده، فربّما لا يرغب ذلك الخال بإثارة ضجّة.
لن يحبّ أن يُشاع أنّه يلاحق قلادة ابنة أخيه الصّغيرة بهذه الطّريقة.
حينما دفعتُ ذراعه بعيدًا عن الباب، حدث أمرٌ غريب.
“……آه.”
الرّجل الذي كان يعبس طوال الوقت، أمسك رأسه.
تجمّدتُ في مكاني.
‘انتظر، من يُفترض به أن يدّعي الإصابة هنا هو أنا، لا هو!’
ثمّ إنّني دفعته من ذراعه، فلماذا يمسك برأسه؟
يبدو أنّه محترفٌ في تزييف الإصابات. مستوى عالٍ من الاحتيال.
نظرتُ إليه، بين الدّهشة والاحترام، وإذا به يسألني:
“إن لم أتمكّن من اكتشافه… فما نوع أداة السّحر التي استخدمتها؟”
“نعم؟”
“كلّما حاولتِ الإخفاء أكثر، زادت الشّبهات.”
هل بدأ يُحمّلني المسؤوليّة علنًا الآن؟ إنّه مجرّد محتال.
تعبيره بدا فعليًّا مشوّشًا.
لو رآه شخصٌ لا يعرف السّياق، لصدّقه فورًا.
لحُسن الحظ…
“أنتَ من بدأ بالتهديد، فما هذا الهراء الآن؟”
كان هناك من يعلم الحقيقة.
“ما الذي يحدث هنا؟”
إنّه ألتر.
“كما ترى، كنتُ مذهولة.”
“لم أتحدّث إليكِ.”
دخل ألتر إلى الغرفة بعد أن كان يراقب من الباب.
في الواقع، كان هناك منذ بدأتُ أتحدّث عن أمر التفتيش.
كان مستعدًّا للتدخّل، لكنّي أومأت له أن لا يفعل.
حين هدّدتُ بجمع سكّان الحيّ، كنت أعني ألتر ضمنًا.
‘لكن… هذا الموقف يزداد غرابة.’
“سأعيد السّؤال. ماذا تفعل هنا؟”
هل هذه مواجهةٌ بين مجرمٍ وبلطجي؟
من عليّ أن أُشجّع الآن؟ لا أعلم.
‘لا بأس… من ينتصر، أنا معه!’
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 31"