الفصل 16: أَنا أَبذُلُ كُلَّ ما بِوسعي مَهما كان الخَصم ⁷
“هل تودّ التأكّد بنفسك؟”
ما أخرجتُه لم يكن سوى كيس النّقود الفضّي الذي رماه إليّ هيوغو.
ذلك الكيس الذي كنتُ أُقلّب داخله لأُخرج القطع الذهبيّة.
‘المال لا يجب أن يُرمى أبدًا.’
عندما قدّمت النسخة المأخوذة مسبقًا من البصمات الموجودة على الفضّة، أومأ موظف البنك برأسه مذهولًا.
وبينما ذهب الموظف ليُحضر كشف الحساب، غرقتُ في التفكير.
‘هل هذا ما فعله أيضًا أولئك من عائلة ليونيت ليطّلعوا على حساب جدي؟’
خاتم الجد بحوزتي.
لكنني كنتُ أتساءل كيف تمكنوا من فتح الحساب من دون الخاتم، فإذا بها هذه الحيلة.
‘وحين وجدوا أن الثروة أقل بكثير ممّا توقّعوه، جاءوا إليه مباشرة ليسألوه إن كان قد أخفى شيئًا.’
وهكذا، كانت تلك بداية المأساة التي عشتُها في حياتي السّابقة.
لكن الغريب في الأمر، هو كيف حصلوا على الصوت الحيّ’ لجدي.
‘أدوات التسجيل السحريّة ونظام مطابقة الصّوت لم تُخترَع إلّا مؤخرًا.’
وجدي قد غادر ليونيت منذ زمن بعيد، لذا لم يكن من الممكن أن يكونوا قد سجّلوا صوته في السابق.
إذًا…
‘لقد قاموا بالتّزوير أو بانتحال الشّخصيّة. لديهم جرأة، لا شكّ.’
بدأتُ أُفكّر.
‘لو أردتُ إثارة المسألة، يمكنني فعلها في هذه اللحظة، لكن الأفضل أن أنتظر. لا بدّ أن أضربهم ضربةً واحدة قاضية.’
ولهذا السبب كنتُ أُراجع كشف حساب هيوغو.
لكي أتأكّد من تصرّفات أولئك في عائلة ليونيت.
عاد موظف البنك وقدّم لي الوثائق.
“باستخدام الصوت الحيّ، والبصمات، وتفويض الخطّي، يمكن فقط الاطلاع على الحساب. أمّا السحب، فيتطلّب وجود الخاتم.”
“لا بأس، فأنا أريد فقط الاطّلاع. شكرًا لك.”
هدفي ليس سحب بعض الدّراهم القليلة من حساب هيوغو.
عدتُ إلى محلّ الرهن وبدأتُ بمراجعة كشف الحساب.
‘كما توقّعت.’
الأمر كان كما ظننته تمامًا.
‘هذا الهيوغو لا يملك الكثير من المال أصلًا.’
مجرّد الاطّلاع على الحساب كان كافيًا لمعرفة أشياء كثيرة.
‘لكن حركة الإيداع والسحب كثيرة. وأحيانًا يدخل مبلغ كبير، لكنه دائمًا ما ينتهي عند أخته.’
من تفاصيل بسيطة كنوع الطّعام الذي يفضّله، إلى أمور أكبر كطريقة كسبهما للمال.
‘آه، الكونتيسة لوزان تستخدم هيوغو لغسيل الأموال؟’
كلّ من أودع مبالغ كبيرة لهيوغو كان مختلفًا، لكنّ فروع البنك كانت متقاربة. إذًا؟
أخرجتُ خريطة العاصمة وبدأتُ أرسم خطوطًا متقاطعة. أبحث عن موقع قريب من تلك الفروع، ومناسب لتحرّك مبالغ كبيرة.
وكان هناك مكان واحد فقط تتقاطع عنده الخطوط.
“هذا هو.”
[قاعة مزاد فيلوسوفي]
كانت قاعة المزاد مكانًا مألوفًا بالنسبة لي.
كان جدي يذهب إليها كثيرًا لبيع بعض المقتنيات التي اشتراها. بالطبع، لم يأخذني معه قط، فكلّ ما أعرفه عنها من أحاديثه فقط.
وكانت كذلك مكانًا مثاليًّا لتصرّفات أولئك الأشخاص من عائلة ليونيت المشبوهة.
“بمعنى آخر، هو أيضًا مكان مناسب لأضع فيه فخّي.”
انتهى وقت الانتظار.
حان وقت التحرّك.
“ومن حسن الحظ، أنّ المزاد الليليّ سيُقام اليوم. يمكنني الذهاب بعد انتهاء عملي.”
فتحتُ الطرد الذي أرسله هيوغو، وفيه لوحة “غابة كولونيا”. كانت أصليّة.
بمجرّد أن أعدتُ تغليفها مع بقيّة القطع التي سأعرضها، بدأت الأمطار تهطل بغزارة.
‘عادةً، في الأيام الممطرة والغائمة، يزداد عدد الزّبائن.’
لعلّ الإحساس بالذنب من بيع شيء ثمين مقابل المال هو السبب؟
ففي الأيام ذات الطّقس السيء، عادةً ما يكون الإقبال أكبر.
لكن اليوم، حتى مع المطر، فالوضع مبالغ فيه.
‘أوه، هل سيسقط السقف؟’
لشدّة المطر، لم يكن هناك أحد حتى في الشّارع، ناهيك عن الزّبائن.
والمحلّ المقابل الذي يبيع الحلوى أغلق أبوابه مبكرًا.
لكن محلّ الرهن لا يمكن إغلاقه سواء أكان هناك زبائن أم لا.
فالانضباط في مواعيد الفتح والإغلاق كان من المبادئ التي أرساها جدّي.
“لا أعلم إن كان من الجيّد أم السّيّئ أن هناك ما يمكن فعله حتّى بدون زبائن.”
قرّرتُ أن أُعيد ترتيب بطاقات العمل.
رغم أنّني قد نظّمتها مسبقًا، إلّا أنّني راجعتُها مجدّدًا.
ليس بدافع الترتيب فقط. كنتُ أبحث عن معاون.
‘جدي كان لديه الكثير من الخبرة والمعرفة، فكان يستطيع تقييم كلّ شيء وحده، لكن أنا لدي نقاط ضعف.’
أنا بحاجة إلى خبير.
‘أنا ضعيفة في الكماليات مثل الخمور والسجائر، وكذلك في الأسلحة. أما المخطوطات القديمة والأدوات السحرية فأعرف عنها قليلًا، لكن وجود خبير سيكون مفيدًا.’
الاعتراف بعدم المعرفة هو أمرٌ حكيم.
أليس من الأفضل طلب المساعدة من خبير مناسب بدلًا من ادّعاء المعرفة ثم إفساد الأمر؟
“حتى لو وكلتُ الأخت إيما بالأدوات السحرية مقابل عمولة، فمَن أستعين به في الأمور الأخرى؟”
كنتُ أُقلّب بطاقات العمل واحدةً تلو الأخرى، ثم توقّفت عند واحدة منها.
بطاقة عمل بلون كحليّ باسم شخص يُدعى ‘ألتر’.
“هممم…”
بالطبع، لم أكن أفكّر فعليًّا في طلب المساعدة من ذلك المجنون.
قلبتُ بطاقة العمل.
ما لفت نظري كان انتماؤه إلى ‘نقابة المعلومات’.
“هل أذهب لزيارتهم؟ لأسأل إن كان بإمكانهم إيصالِي بخبير.”
فمهما يكن، فهذه نقابة معلومات، لا بد أن لديهم شبكة أفضل من شبكة معارفي الضيقة.
“وأتحقق ما إذا كان هذا الشخص فعلًا من أعضاء النقابة.”
قد يكون منتحلًا لشخصيّة أحد أعضاء النقابة، وإذا أخبرتهم بذلك فسيقدّرون لي الأمر، أليس كذلك؟
بينما كنتُ أفكّر، سُمِع وقع أقدام.
هل هو زبون؟ وضعتُ بطاقات العمل بسرعة وارتديتُ ابتسامة الترحيب.
كان صاحب الخطوات شخصًا يرتدي معطفًا واقيًا من المطر. من طوله وخطواته بدا واضحًا أنه ذكر.
في اللحظة التي كنتُ على وشك أن أبتسم له بترحيب أكبر، بدا وكأنه فرح لرؤيتي وتقدّم نحوي بخطى واثقة…
‘ما هذا؟’
ما إن التقت أعيننا حتى توقّف الرجل فجأة.
ثم بدأ يتراجع إلى الخلف بخطوات بطيئة.
‘ما به؟’
توقّف عن التراجع، ثم نظر إليّ بتمعّن.
ثم…
‘ما هذا بحق…؟’
عاد يقترب.
ما هذا؟ هل هي نوع جديد من الأداء الفنّي؟ رقصة تحت المطر؟
سواء كان يعلم ما يدور في رأسي أم لا، بادر الرجل بالسؤال:.
“أنتِ حفيدة السيد ميكايلي، أليس كذلك؟”
شيء واحد تأكّد لي على الأقل.
إذا لم تكن لديه مشكلةٌ في النظر، فإن…
“تُشبهينهُ كثيرًا!”
هذا الشخص كاذب.
“تقول إنني أشبه جدّي؟”
حقًّا، إنها المرة الأولى في حياتي أسمع مثل هذا الكلام.
فباستثناء لون العينين، لا يوجد أي شبه بيننا، حتى إن الجميع كانوا يسألون إن كنتُ حفيدته فعلًا.
وكان من الطبيعي أن يتردّد التجّار، وعلى رأسهم السيدة هيلينا، في تصديقي. فما الذي يقوله هذا الرجل إذًا؟
“نعم. من النظرة الأولى عرفتُكِ. لقد حدثني عنكِ كثيرًا.”
“غريب، ومع ذلك كنتَ تتراجع إلى الخلف منذ قليل، زبوننا العزيز؟”
“كح، يبدو أن المطر قد أصابني بالبرد. هل لي بالدخول؟”
أليس هذا التفافًا واضحًا في الحديث؟
سواء شعرتُ بالسخريّة أم لا، دخل الشخص المزعوم – الكاذب أيضًا – إلى المتجر، ورفع غطاء رأسه المبلّل.
فانكشفت خصلات شعره الفضيّ المبتلّ بالمطر.
“…سأُعطيك منشفة.”
“واو، كم أنتِ لطيفة. لو كان السيد ميكايلي هنا، لأمرني بالحديث من الخارج كي لا تتبلّل أرضيّته.”
“نعم، جفّف شعرك واستعمل المنشفة لتجفيف الأرضية أيضًا. أو، تفضّل واخلع هذا المعطف المبتلّ الذي يُقطر ماءً.”
“أنا خجولٌ بعض الشيء، فخلع الملابس أمام فتاةٍ التقيتُ بها للتو…”
“لكنّك لم تتردّد لحظة في خلع غطاء الرأس. ربما لا تثق بجسدك لكنّك واثقٌ من وجهك، أليس كذلك؟”
“أه… أُحرجتُ فعلًا بطريقة كلامكِ.”
أخذ الرجل المنشفة ووضعها على رأسه وهو يبتسم.
“شكرًا لكِ. هذه أول مرة يُقدّم لي أحدٌ منشفة، وليس منديلاً صغيرًا.”
“إن شئت، يمكنني استبدالها بمنديل.”
“أتعلمين أنّ الناس عادةً يقدّمون مناديلهم ليُفكّر الشخص بهم؟ هل يحقّ لي الاحتفاظ بمنديلٍ كهذا؟”
“بالطبع. ما دُمتَ مستعدًا لدفع التكلفة، فكل شيء قابل للتأجير.”
عندما ردَدتُ بابتسامة، نظر إليّ الرجل بتمعّن.
ولم أتجنّب نظراته. فلا وقت أنسب للمراقبة من وقت تكون فيه أنت المراقَب.
من خلال خصلات شعره الفضيّ المبتلة، ظهرت عيناه بلون أخضر صافٍ ونقيّ.
وحين اختفت المزحة من ملامحه، برزت خطوط وجهه الواضحة على غير المتوقّع.
‘الحديث عن المنديل لم يكن عبثًا… لا بدّ أنه يلقى إعجاب الناس بهذا الوجه.’
هل ورد مثل هذا الوصف في دفاتر الزبائن؟
وبينما كنتُ استرجع ذاكرتي متجاهلة كل المشاعر والانطباعات، أزاح الرجل نظره وسعل.
“كحّم… أين السيد ميكايلي؟”
“أعطاني المتجر وسافر في رحلة.”
“هاه؟ أعطاكِ إياه؟ بالكامل؟”
“نعم. وإن كان لديك أمر، فأخبرني.”
“همم…”
تقطّبت جبيناه قليلًا.
“هَذا يعني يمكن أن تقيّمي لي بعض الأشياء، صحيح؟”
“يعتمد على ما جلبته. فهناك مجالاتٌ لا أُجيدها كثيرًا.”
“مثل ماذا؟”
كلّما طال الحديث، اتّضح لي أمرٌ واحد.
هذا الشخص المزعوم، يبدو أنّه يُخفي شيئًا بالفعل.
(الفصول متقدمة على قناة التيلي)
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 16"