الفصل 13 : أَنا أَبذُلُ كُلَّ ما بِوسعي مَهما كان الخَصم ⁴

“……نعم؟”

“لماذا؟ طالما أنْ الشاي سليمٌ فلا مشكلة، أليس كذَلك؟ لهَذا السبب أطلبُ منكِ أنْ تشربيهِ. حالًا!”

ارتجفت عينا إليشيا كأنهما ترقصان.

‘كما توقعت، لا بد أنْ في الشاي شيئًا ما!’

أمسك هيوغو بسيفهِ وهو يرتدي قفازهُ الجلدي، وتحدث بوحشية:

“على أيِّ حال، يُمكنكِ شرب الشاي بيدٍ واحدةٍ فقط.”

تهديدٌ مرعب بقطع يدها.

‘بالطبع، لا أنوي قطعها حقًا.’

لَمْ يكُن هُناك سببٌ وجيه، فقط لأن هيوغو كان ضعيف المعدة.

حتى إنْ رائحة المعطر المنبعثة مِن متجر الرهونات كانت تُشعره بالغثيان.

‘لكن لا يُمكن لتلكَ الفتاة أنْ تعرف ذَلك. على الأرجح وضعت منوّمًا في الشاي؟ لتفرّ عندما أغفو.’

وإنْ كان منوّمًا، فالعمل سيكون أسهل. حين تنام إليشيا، يُمكنه إمساك يدها وإجبارها على التوقيع.

“……حسنًا. سأشربه.”

راقب هيوغو إليشيا وهي تشربُ الشاي أخيرًا، بنظرةٍ مُفعمةٍ بالفرح.

وبعد أنْ أنهت شربه، كانت الدموع تملأ عينيها الكبيرتين.

“في المرة السابقة……”

هل ستعتذر الآن وتقرّ بخطئها؟

سخر هيوغو في داخله، لكن…

“في المرة السابقة، تم توبيخي بشدةٍ لأنني استقبلتُ الضيف في الشارع، لذا أعددت الشاي هَذهِ المرة……”

هم؟

لَمْ يصدّق هيوغو ما سمعه.

“ماذا قلتِ؟”

“‘ألَمْ أعلمكِ كيف تستقبلين الضيوف! عليكِ دائمًا تجهيز فنجان شاي كي تتمكني مِن سكبهِ في وجه الشخص إنْ استدعى الأمر!’… هَذا ما قيل لي.”

ليست طريقة التعليم الغريبة هي المهمّة هُنا، بل مَن قالها.

“قيل لكِ؟ مِن مَن؟”

“على الأرجح سأتعرّضُ للتوبيخ مُجددًا اليوم. لأنني، بسبب طبيعتي اللطيفة، لَمْ أسكب الشاي على وجهكَ بل شربتُه كله.”

“ع، عمّي يعلم ما حدث في ذَلك اليوم؟ أَلمْ يكُن مريضًا؟ ألَمْ يكُن طريح الفراش؟ بل، ماذا تعنين بـ (سأتعرّض للتوبيخ مُجددًا اليوم)؟!”

‘لا يعقل أنْ يكون عمّي هُنا؟!’

كان هيوغو يلتفتُ حوله بقلقٍ حين…

كووونغ—

دوى صوتٌ عالٍ مِن الطابق العلوي. فوثب هيوغو في مكانه.

“م-ما هَذا؟!”

تكرر الصوت مرةً أخرى.

والأغرب مِن كل شيء، أنْ إليشيا كانت هادئةً تمامًا، كما لو أنها لَمْ تسمع شيئًا.

“ما بكَ يا كونت؟”

شحُب وجه هيوغو تمامًا.

فهو يعرف هَذا الصوت الذي يهزّ الأرض.

حين كان ميكيلي دوقًا، وكان هيوغو لا يزال طفلًا…

ذات مرة، سمع أنْ سلاحًا جديدًا وصل، فذهب إلى ساحة التدريب في قصر الدوق مدفوعًا بالفضول.

ومِن مسافةٍ بعيدة، بدأ يسمع أصواتًا مدوية، فظن أنهُ مدفعٌ أو شيءٌ مِن هَذا القبيل، لكنه جَمُد ما إنْ فتح الباب.

“مَن هُناك؟!”

كان ميكيلي، مُمسكًا بمطرقةٍ ضخمة للغاية، يلوّح بها على دروعٍ يرتديها الفرسان.

دوي! دوي!

ما إنْ تصيب المطرقة أحدهم، حتى يطير كما لو أنه ورقةٌ ممزقة.

وعندما التفت ميكيلي إليّه بعينيه المُشتعلتين، أغمي على هيوغو مِن شدة الرعب.

لاحقًا فقط، بعد أنْ استيقظ، عرف أنْ أولئكَ لَمْ يكونوا فرسانًا بل دمى تدريب، لكن ذكرى ذَلك اليوم المروّعة لًمْ تُمحَ مِن ذاكرته.

‘ذَلك الصوت…!’

إنه يأتي مِن فوق رأسهِ مُباشرةً!

“ع، عمّي يُجرّب سلاحًا الآن؟!”

“أوه، جدي كان يفعل مثل هذَهِ الأشياء أيضًا؟”

أسندت إليشيا ذقنها إلى يدها، وعيناها البنفسجيتان تبدوان باردتين بشكلٍ غريب.

“ألَمْ تسمعي ذَلك؟ إنه صوت مطرقةٍ تضرب شيئًا!”

“آها، إذن أنتَ تخاف مِن جدي؟ كنتُ أعلم أنكَ تخشاه لكن لَمْ أعرف السبب. الآن عرفتُ. معلومةً جيدة.”

“ماذا تقولين…!”

نهض هيوغو مِن مقعده بفزع.

“مَن هُناك!”

صوت صراخ ميكيلي دوّى في المكان.

نفس الصوت تمامًا الذي سمعهُ في ذكرياته.

انهارت قوى هيوغو في ساقيهِ وجثا على الأرض.

وتوسّل سريعًا:

“أجِبي، بسرعة!”

“همم؟ ولِمَ؟ ماذا قال؟”

تصنّعت إليشيا الجهل، رغم أنها سمعت بوضوحٍ. مِما جعل توتّر هيوغو يزداد.

“أ، ألَمْ تسمعيهِ يقول (مَن هُناك)؟! أخبريه إنْ كل شيءٍ على ما يرام، بسرعة!”

“لكن هُناك بالفعل ما يدعو للقلق، أليس كذلك؟ الكونت حضر بنفسه. ثم، ألَمْ تطلب مني قبل قليل أنْ أكفّ عن الكذب…؟”

لا يُعلم إنْ كانت تتصنّع البراءة أم أنها ببساطةٍ ساذجةٌ للغاية، لكن إليشيا أمالت رأسها مُتعجبة.

ولَمْ يكُن أمام هيوغو خيارٌ آخر.

فميكيلي يبدو وكأنه سينزل فورًا، وإليشيا أمامه كانت الأمل الوحيد.

“أرجوكِ، أتوسّل إليكِ. على الأقل، سيستمع لكِ كونكِ حفيدته، أليس كذَلك؟ هاه؟”

“أليس هُناك ما يُسمّى بالكذبة البيضاء في هَذا العالم؟! نعم، مثل ما قلتِ في الجبل. لَن أُلاحقكِ بشأن ما جرى في الماضي، لذا…”

“بمعنى…”

لخصَت إليشيا كلمات هيوغو المتدفقة بكلمةٍ واحدة:

“نتعادل؟”

“نعم! هَذا بالضبط!”

“لذا، تطلب مني أنْ أُخبر جدي بذَلك؟”

هزّ هيوغو رأسهُ بيأسٍ شديد.

“حسنًا، أيُها الكونت هيوغو ليوني، بما أنكَ مَن اقترح ذَلك وفوّضتني بالأمر… أليس كذلك؟”

“قلتُ لكِ نعم! لا تُصعّبي الأمر، أقصد أنْ تُخبري عمي بأيِّ شيء، فقط نفذي الأمر بطريقةٍ ما!”

عندها، ضغطت إليشيا على القلم المُعلّق في مريولها، وكأنها كانت تنتظر هَذهِ الكلمات.

هيوغو كان يرتجف دوّن أنْ يحاول حتى تخمين ما تعنيه بتصرفها.

نظرت إليّه إليشيا بلا مبالاةٍ وقالت:

“لا بأس، جدي، لا يوجد شيءٌ في الطابق الأول.”

رغم نبرة صوتها الخالية مِن أيِّ روح، خيّم الصمت على الطابق العلوي بعد كلماتها.

تقدّمت إليشيا وجلست أمام هيوغو، الذي كان على وشك أنْ يتنفس الصعداء.

“هل أنتَ بخير؟”

“هل أبدو بخير؟!”

“في الواقع، كان جدي يتهيأ لمواجهتكَ منذ مدة. حاولت منعه قدر الإمكان، لذا مِن الجيد أنكَ لَمْ تلتقِ بهِ اليوم.”

رغم تعابيرها القلقة، إلا أنْ كلماتها كانت تحذيرًا بلا أيِّ فرصةٍ لالتقاط الأنفاس.

تخيل هيوغو مشهد هراوةٍ حديدية تتأرجح أمام أنفه، وسأل متلعثمًا:

“أنتِ… منعتِه؟”

“أنا لا أعرفُ الأمور تمامًا، لذا أُنفذ ما يأمرني به جدي فحسب. لكنكَ لا تبدو كشخصٍ سيئ جدًا، أيُها الكونت.”

“آه…؟”

“في النهاية، أنتَ القريب الوحيد الذي جاء لزيارتهِ في مرضه. كما أنكَ أعطيتني مصروفًا.”

بدأت عجلةُ تفكير هيوغو تدور مُجددًا بعد أنْ كانت متجمدة.

إذًا، كل هَذهِ الفوضى…

‘بأمرٍ مِن عمي؟’

“رغم أنكَ تمتلك كرمًا لا يُقارن حتى بأعواد تنظيف الأذن، إذ أعطيتني فضةً وتركت الذهب… ورغم عادتكَ بالصراخ أولًا والتفاخر بسيفٍ لا تستخدمه… إلا أنْ…”

بعد ذَلك، توقّف هيوغو عن الاستماع.

‘يعني أنْ عمي هو مَن خدعني، وليس هَذهِ الفتاة؟ هي لَمْ تكُن تُخطط لشيء؟’

الأمر أصبح مُتعلقًا بالكرامة.

فإنْ كان مَن خدعه هو عمه، وليس هَذهِ الفتاة الريفية التي كان يزدريها طوال الوقت، فهَذا لا يعني أنهُ أحمق، بل يعني أنْ عمه ذكي!

“رغم أنكَ كتبت بنفسكَ عقد الاحتيال، ثم اتهمت الآخرين بأنهم محتالون، ويبدو أنكَ مِن النوع الذي يرى أنْ أفعاله رومانسيةٌ بينما يرى أفعال الآخرين خيانة، لكن على أيَّ حال…”

نظر هيوغو إلى إليشيا التي كانت تتمتم لنفسها.

‘صحيح، لا يُعقل أنْ تكون هَذهٍ الفتاة بهذا الذكاء.’

يعني، أنْ هَذا الوجه الساذج كان حقيقيًا؟

“على كل حال، لا يُغير هَذا مِن حقيقة أنْ جدي سيزورك قريبًا…”

“ماذا؟! تعنين أنْ عمي يعلم أنني أقيمُ في فندق الحي الثاني؟!”

“أوه، يعرفُ تمامًا الآن.”

غطّت إليشيا فمها ونظرت حولها.

“كان غاضبًا جدًا وهو يقول: ‘ما لَمْ تعُد غابة كولونيا، فَلَن أُسامح ذَلك الهيوغو!’ “

“…ماذا؟ قال غابة كولونيا؟”

غابة كولونيا، لَمْ تكُن سوى لوحةٍ تافهة بلا قيمة.

“نعم.”

“يعني يكفي أنْ أعيدها فقط؟ فقط هَذا؟!”

“نعم. جدي لا يكرهُ الناس لمُجرد الغضب، لو عادت تلكَ اللوحة، سأتمكن مِن الحديث معه وتهدئته.”

سحب هيوغو عقد التنازل عن الملكية الذي كان ينوي أنْ تُوقع عليه إليشيا، وكان قد نشره على الطاولة.

رغم أنه شعر بثقلهِ قليلًا، لَمْ يُعره اهتمامًا.

رسم خطًا عريضًا بالقلمٍ ثم كتب “غابة كولونيا” واسمه بخطٍ كبير، ثم وقع بسرعة.

“ها! سلّميها لعمي! سأرسل غابة كولونيا فورًا!”

كان هيوغو يهمّ بأنَّ يقول شيئًا آخر لإليشيا.

فقد أظهر وجهًا شنيعًا اليوم أكثر مِن مرة.

لكن، قبل أنْ يتفوه بكلمة، لاحظ عيني إليشيا تتجهان للأعلى فجأةً.

ما الذي يحدث؟ لَمْ يُكمل تفكيره حتى…

دَوِيّ!

صوتٌ صاخب مِن الطابق العلوي جعله يفرّ هاربًا مرعوبًا.

“سـ، سأرحل الآن!”

تفاجأ مساعد هيوغو الذي كان يقفز تارةً ويجلس تارةً أخرى، ثم يهمس في حيرة، قبل أنْ يرى سيده يفرّ مِن المكان.

“كونت؟!”

أحضر السيف معه بكُل هيبة، فأين ذهبت تلكَ الجرأة الآن؟

“آآآه!”

بدأ يتساءل بجديةٍ إنْ كان هيوغو قد تناول شيئًا غريبًا.

‘ما الذي أصابه؟ كأنهُ سمع صوت رعدٍ أو شيء مِن هَذا القبيل.’

رغم أنْ متجر الرهونات كان هادئًا تمامًا.

***

بعد أنْ ابتعد المساعد وهو ينظر حوله دوّن أنْ يفهم شيئًا…

أنزلتُ يدي التي كنت أُخفي بها فمي.

“رأيتُ هيوغو وهو يتوسل.”

تسلّلت الضحكة التي كنتُ أحاول كبحها.

أوه، هَذهِ هي الحياة.

“إيما، أنتِ الأفضل.”

إيما كانت ساحرة زقاق الرماد.

وكانت التعاويذ السحرية التي طلبتُها منها فعالةً للغاية.

“آه، بشأن آخر تعويذةٍ طلبتِها… تعلمين أنها تُستخدم مرةً واحدةً فقط، صحيح؟ لا أعلم لماذا أردتِها، لكن…”

التعويذة التي طلبتها كانت: ‘أسوأ ذكرى’.

═════• •✠•❀•✠ •═════

الترجمة: فاطمة 

حسابي ✿《التليغرام》

《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》