داخل العربةِ العائدة إلى دوقيّة الشّمال.
جلس كايل ديهارت وقد عقد ساقيه الطّويلتين، يرمق من النّافذة قصرَ فرومروز الذي كان يبتعد شيئًا فشيئًا عن نظره.
‘كما توقّعت، الأمرُ مُسَلٍّ.’
ما زال يذكر ذلك الإحساس الغامر بالرضا والنّشوة الذي انتابه حين اطّلع لأوّل مرّة على التّقرير الذي حمله إليه الكونت فرومروز.
لَوْ كان التّقرير مجرّد ترتيَب جيّدٍ للمعلومات، لَسَخطَ عليه معتبرًا إيّاه مجرّد غلاف مزيَّف، لكن…
‘لقد وجدتُ شيئًا جيّدًا بعد طول غياب.’
بل إنّ وصفه بـ “الجيّد” لا يُوفيه حقَّه. كان من الأدقّ أن يُقال إنّه “مُتَفَوِّق”.
وخُصوصًا عندما عرضتْ حلاً جذريًّا لمشكلة ازدياد تعقيد التّجارة في مناطق الشّمال مؤخرًا، راودتْه حتّى فكرة اختطافها على الفور.
لكن بدلًا من الاختطاف، تلقّى منها تقريرًا آخر بعد أن ألقى مازحًا بفكرة الزّواج.
راح كايل يقلّب الملفّ الّذي استلمه بحركة يدٍ خفيفة.
“لأقرأه قليلًا، تسليةً قصيرةً قبل أن أعودَ.”
وقعت عيناه أوّل ما وقعت على بندٍ لافتٍ من بين بنود قائمة “الرومانسيّات” المكتوبة بعناية:
>
[الدّوران عشرَ مرّاتٍ حول مدخل القصر بطريقة “خرطوم الفيل”، ثمّ السّير بخطّ مستقيم (راجِع ص.12 لمعيار الحكم)، وبعدها رسم قلبٍ على الثّلج باستخدام آثار الأقدام، ثمّ الاعتراف بالحبّ.]
“هاها!”
كايل، الذي لم يكن ممّن يُظهرون مشاعرَهم بسهولة، لَمْ يُخفِ ضحكته هذه المرّة.
فالعربةُ لا يركبها سواه على أيّة حال.
هل حقًّا كانت تملك مثل هذه الرومانسيّات؟ أم أنّها فقط أرادتْ أن تُحرجه؟
أيًّا يكن، لا فرق لديه.
‘الحصول على شخصٍ موهوبٍ يتطلّب جُهدًا دائمًا.’
فهو رجلٌ لا يتردّد في فعل أيّ شيءٍ للحصول على ما يُريد.
وقد يكون ذلك الشيء أرضًا، أو مالًا، أو سُلطة…
أو كما في هذه الحالة شخصًا.
“طالما سأقوم بالأمر، فليكن كما يجب.”
لا بُدّ من مسايرةٍ إلى حدٍّ ما، فذلك من قواعد التّفاوض.
رغم أنّه اعتاد على التّهديد أكثر من التّفاوض.
“هذه المرّة، سأبذل بعض الجهد.”
حتّى لا تُفكّر حتّى في الهروب.
“لأبدأ بهذا أوّلًا، كتمرين بسيط.”
توقّفت يده عند ورقةٍ ما وهو يقلب الأوراق.
كانت رحلة العودة إلى القصر… مسلّية للغاية.
* * *
فجأة، شعرتُ بقشعريرة تسري في ظهري، ففركتُ ذراعي لا إراديًّا. هل النّافذة مفتوحة؟
أحد الخدم لاحظ ذلك، فاقترب منّي ووضع شالًا على كتفي قائلاً:
“ما رأيكِ أن تعودي إلى غرفتكِ الآن؟ ستُصابين بنزلة برد.”
“كخ… لَمْ أجدها بعد…”
بما أنّ غرفة المكتب تحتاج إلى تهوية دائمة للحفاظ على الرّطوبة، فلطالما سادها بعض البرودة.
فور مغادرة الدوق، توجهتُ مباشرةً إلى المكتبة.
كنتُ أتوق إلى القفز على السّرير الذي ينتظرني، لكن كان عليّ التحقّق من أمرٍ ما.
‘أُريد مراجعة النّسخة المعدّلة من قانون التّجارة الدّاخليّة والخارجيّة للإمبراطوريّة.’
كنتُ قد ضمّنتُ هذا الجانب في التّقرير الذي أعددتُه بدلًا عن أبي.
تحديدًا ما يتعلّق بشروط التّجارة المعروفة باسم “إنكوترمز”، وكيف تُطبَّق في الإمبراطوريّة.
‘في ذلك الوقت، لَمْ يكن لديّ وقتٌ كافٍ لإجراء مراجعةٍ تقاطعيّة جيّدة.’
أدخلتُ مفاهيم مثل التأمين الضّماني، واستغلال “المُرسِل السّاحر” بديلًا… اعتمادًا على خبرتي في حياتي السّابقة،
لكن بقيَ في نفسي بعض القلق من أنّني بالغتُ في الاجتهاد.
‘مجرد تأكيد! فقط أتحقّق إن كانت النّقاط سليمة، ثمّ أعود للنّوم.’
…أو هكذا ظننتُ قبل ثلاث ساعات.
“أتـــشـــو!!”
“يا إلهي، آنسة! ما زلتِ في المكتبة؟!”
“نعم، وجدتُ نفسي هنا… آتشو!”
“لو عَلِمنا أنّكِ ستبقين كلّ هذا الوقت، لأتينا لكِ بالشّاي!”
“لا، لا بأس. سأتوجّه إلى غرفتي الآن فعلًا.”
عطستُ خفيفًا وأنا أُرتّب الكتب التي كنتُ قد أخرجتُها، وأعدتُها إلى أماكنها.
كنتُ أنوي أخذها إلى غرفتي، لكن مع كلّ مراجعة، كانت تظهر نقاطٌ جديدة تحتاج إلى التّحقّق، فلم أستطع التّوقّف.
‘على الأقل، تأكّدتُ أنّ كلّ شيءٍ على ما يُرام!’
وإلّا، كنتُ سأُفكّر بها فجأةً قبل النّوم وتُفسد مزاجي.
أفضل من أن يكتشف الدوق خطأً لاحقًا ويأتي ليُوبّخني.
الآن يُمكنني أن أمدّ ساقيّ وأنام بطمأنينة.
“هل يُمكنكِ تحضير ماء الاستحمام؟”
“بالطّبع! سأجهّزه فورًا.”
“شكرًا لكِ.”
أردتُ طرد البرودة من جسدي قبل النّوم، فاغتسلتُ بماءٍ دافئ.
حتّى أنّني لم أنسَ الحصول على تدليكٍ خفيف قبل الغطس في الماء.
ويبدو أنّهم وضعوا زيتَ الورد الفاخر المُعدّ خصيصًا لعائلة فرومروز؛ فرائحته كانت ناعمة ومُنعشة، مما أبهجني.
أنهيتُ الاستحمام قبل أن يبرد الماء، وارتديتُ ثوب النّوم، ثمّ قفزتُ على سريري بحالةٍ منعشة.
“أحبّ هذا السّرير كثيرًا!”
دائمًا ما أقول ذلك، لكن فعلًا… حياة التّرف والرّفاهية هي الأفضل.
“هذه الحياة… أروع ما عِشْتُه على الإطلاق.”
غدًا، سأنهض في وقتٍ متأخّر جدًّا!
* * *
“آتـــشــو!”
رغم أنّني اهتممتُ بتدفئة جسدي وضبط حالتي قبل النّوم، إلّا أنّني أصبتُ بالزّكام على أيّ حال.
استيقظتُ باكرًا على وخزٍ في حلقي وسعالٍ مفاجئ.
يبدو أنّ الشّمس لم تشرق بعد، إذ كانت الغرفة مغمورةً بضوءٍ أزرق باهت.
حين أردتُ التّحقّق من الوقت عبر النّظر من النّافذة…
“آآاااه!”
تلاقت عيناي مباشرةً مع زوجٍ من العيون الصّفراء المتوهّجة!
“……..”
لقد… لقد فَزِعتُ!
ومن لا يفزع؟!
بمجرّد ما فتحتُ السّتائر، وجدتُ نسرًا عملاقًا يُحدّق بي من خلف زجاجٍ رقيق لا يفصلنا إلّا بمقدار شعرة.
تجمّدتُ في مكاني، غير قادرة على التّحرّك.
وبينما كنتُ مذهولة، نشر النّسر جناحيه العريضين ثمّ انطلق بعيدًا عن القصر.
كانت هذه أوّل مرّةٍ في حياتي أواجه فيها وحشًا بريًّا،
فزفرتُ بارتياح بعد زوال الخطر.
“هل مرّ مصادفة فقط؟”
وحين كنتُ أُغلق السّتائر، لاحظتُ ظلًّا صغيرًا وسريعًا يقترب من بعيد.
كبر ذلك الشّيء تدريجيًّا…
يا إلهي. لقد عاد النّسر نفسه!
“آآآآآآاه!!”
إن اصطدم هكذا، سيتحطّم الزّجاج تمامًا، وسأتحوّل إلى أشلاء!
بكلّ ما أُوتيتُ من قوة، فتحتُ النّافذة وقفزتُ جانبًا.
“أوووه…”
دخل النّسر الغرفة واستقرّ فيها بسهولة.
أنا، وقد خارت قواي، سقطتُ أرضًا عاجزةً عن الوقوف.
كان حجمه يُقارب نصف جسدي، بل إنّه بدا قريبًا منّي في الحجم وأنا جالسة.
لا يُمكنني التّعامل مع هذا الموقف وحدي.
في حياتي، لم أرَ سوى عصافير ويمامٍ وغِربان!
‘عليّ أن أصرخ لطلب المساعدة!’
“هَلْ من أحَـدٍ خـ ـكح ـكح ـكح!!”
صرختُ قدر استطاعتي، لكن حنجرتي المريضة لم تساعدني،
وزاد السّعال الطّين بلّة.
ويبدو أنّ صياحي أثار النّسر، فبسط جناحيه الضّخمين بطريقةٍ مُهدّدة.
فأغمضتُ عينَيّ بقوّة.
‘سأُقتل الآن بهذه المخالب والمِخلَب المخيف…!’
يا للخسارة… أنتهي في هذه الحياة بمهاجمة وحشٍ بريّ؟
كاد البكاء يغريني.
انكمشتُ مستعدّةً للألم القادم… لكنّه لَمْ يأتِ.
‘همم؟’
بدلًا من ذلك، شعرتُ بحرارة شيءٍ ما يُلامس ظاهر يدي.
فتحتُ عينيّ ببطء، فوجدتُ النّسر يُدلّك رأسه بذراعي.
هل هذا… تدللٌ؟
بل حتّى أنّه سلّمني ريشةً من جناحه!
ربّما أتوهم، لكن يبدو أنّه ينتظر “مديحًا”!
‘ما، ما الذي يجب أن أفعله؟ هل أمسح على رأسه؟ هل أُعطيه طعامًا؟ أليس هذا مخلوقًا مفترسًا؟’
قد نكون نُخطئ فهم بعضنا البعض بسبب اختلاف لغات الجسد.
لكن ما دامت هذه الوسيلة الوحيدة الآن…
ببطء، مددتُ يدي وربّتُّ على رأسه.
كان مشهدُ وحشٍ شامخ يتمايل برأسه فرحًا مُدهشًا جدًّا.
‘هل النّسور تُحبّ أن يُداعَبَ ريشُها؟’
هل سيُصبح نسرًا أصلعًا مع كثرة التّربيت عليه؟
في ظلّ هذا الوضع السّريالي، قرّرتُ التوقّف عن التّفكير.
“أوه؟”
بعد أن هدأتُ قليلًا، لاحظتُ لفافةً مربوطةً بساق النّسر.
“ما هذا؟”
حللتُ العقدة وفتحتُ اللّفافة.
وما إن أخذتُها، حتّى أطلق النّسر زقزقةً صغيرة، ثمّ قفز نحو حافة النّافذة، وكأنّه أنهى مهمّته.
من المجنون الذي يربط رسالةً على ساق مخلوقٍ مفترس؟
لكن ما إن فتحتُ ختم الرّسالة، عرفتُ من الفاعل.
> [من كايل ديهارت.]
“يا لهذا المجنون…”
من الّذي يُرسل ثلاث رسائل في اليوم باستخدام نسرٍ يُستَخدم في زمن الحرب؟
ثمّ يبعثها لي في الفجر؟!
✧───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────✧
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً لهذهِ الرواية في واتباد وقناة الملفات،
حَسابي واتباد : _1Mariana1
( حسابي السابق قد حُذف)
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 4"