3
“ما رأيُك؟”
“فـ… في ماذا؟”
“أيُّهما تُفَضّلين؟ الموتُ أم الزواج؟”
لم أسمعْ من قبل بلعبةِ خياراتٍ بهذه القسوة.
لا أريدُ الموت، ولا أريدُ الزواج، فأجبتُ على مضضٍ بخيارٍ ثالث:
“أُفَضّلُ أن يتمّ توظيفي…”
“إذًا، لنعتبرْ الأمرَ زواجًا.”
“لا، قلتُ إنّي أُريدُ التوظيف!”
يا دوق، ألم تأتِ إلى هنا من أجلِ توظيفي؟
“بعد التفكير، أظنّ أنّ الزواج أفضل.”
يا إلهي… يبدو أنّني لم أكن أملكُ أيَّ خيارٍ منذ البداية.
“أليس الزواجُ توظيفًا مدى الحياة؟”
“واو…”
“أنتِ فتاةٌ ذكية. تعطين الإجابةَ بنفسكِ.”
لا أُصدّق أنّني حفرتُ قبري بيدي.
فتحتُ فمي على عجل:
“أُريدُ الزواجَ من شخصٍ أحبّه!”
لقاءٌ طبيعي! حبٌّ خفيفٌ يُحرّك القلب!
زواجٌ مبنيٌّ على الحبّ والثقة! ومستقبلٌ هادئٌ ومستقرّ!
“ربّما لا تعلمُ يا دوق، لكنّي فتاةٌ من هذا الجيل، مدلّلةٌ ومتطلبة.”
“الشمالُ يحتاجُ إلى شبابٍ طموحين كذلك.”
“لديّ طموحاتٌ كثيرة، ولا أفعلُ ما لا أُحبّه.”
“وأنا كذلك.”
“لا… أقصد أنني أُريدُ أن أعيشَ بطريقتي، لذا لا زواجَ ولا عمل.”
“سأُحقّقُ لكِ كلّ ما تتمنّين.”
“……”
“هل لديكِ شيءٌ آخر تقولينه؟”
حين قلتُ إنّي أُريدُ الزواجَ من شخصٍ أحبّه، تجاهلَ الأمرَ تمامًا، وقادَ الحديثَ في الاتجاه الذي يُريده، وكأنّ الأمرَ محسوم.
كان عليّ أن أتمسّك بعقلي حتّى لا أُسحبَ في دوّامةِ منطقه.
‘مع أنني أشعرُ أنني سُحبتُ بالفعل…’
على الطاولة، كوبُ الشاي لا يزالُ كما هو. لم يشربْ منه رشفة.
يا له من هادئ…
“يا دوق، هل تعرفُ اسمي الحقيقي؟”
“فرومروز.”
“أقصدُ الاسمَ الأول، لا اللقب.”
“……”
“……”
لأوّل مرّة، نقصَ من كوبِ الشايِ رشفةٌ واحدة.
“هل هذا يُشكّلُ مشكلة؟”
بلى، يا دوق، هذه كارثة.
لكن بصراحة، لم يكن كلامُهُ خاطئًا.
فالزواجُ، عند النبلاء، مجرّدُ وسيلةٍ لزيادة الثروةِ أو تعزيز المكانةِ الاجتماعيّة.
إنه عقدٌ بين العائلات، لا أكثر.
“لكنني أحلمُ برومانسيّةٍ في الزواج.”
ربّما بدا كلامي ساذجًا، لكنّي قرّرتُ أن أكونَ صادقة.
ما المشكلةُ في أن يحلمَ المرءُ بهذا القدر؟
“آه، رومانسيّة.”
ردّ ببرود، كما لو أنّه يتحدّث عن الطقس.
“هل أركعُ على ركبتي وأطلبُ يدك؟”
“ماذا؟ لا، أرجوكَ لا تفعل!”
“لا أرى زهورًا هنا.”
“أرجوكَ لا تركع! قف، قف الآن، أرجوكَ!”
هل يجوزُ لرجلٍ بلقبِ دوقٍ أن تكون ركبتُهُ بهذه الخفة؟
بدا وكأنّه سيقومُ بذلك فعلًا، فهَلَعْتُ ولوّحتُ بيدي بسرعةٍ لإيقافه.
“أمرٌ صعب…”
همسَ بها وكأنّه يُفكّر بعمق.
ثم قال:
“ما هذه الرومانسيّة التي تتحدّثين عنها؟”
وبينما كنتُ أمسكُ برأسي من الحيرة، أضاف:
“اكتبيها في تقرير وقدّميه لي.”
هل سَمعتُهُ جيّدًا؟
تقرير؟ عن الرومانسيّة؟
وهكذا أثبتَ الدوق أنّه لا يفقهُ شيئًا في الرومانسيّة.
“الموعد النهائي هذا الأسبوع.”
“بقيَ ثلاثةُ أيام فقط!”
“إذن، إلى اللقاء، يا آنسة فرومروز.”
إنه دوقٌ شرّير بكلّ تأكيد.
كيف يُمكن لشخصٍ أن يُطالبَ بتقريرٍ مفصّلٍ قبل اجتماعِ صباحِ الإثنين، بينما لا يبقى سوى ساعةٍ على نهايةِ دوامِ الجمعة؟
وبينما كنتُ أصرخُ في داخلي، وقفَ الدوقُ وغادر.
“سأنتظرُهُ بشغف.”
ألقى قنبلتَهُ وغادر بكلّ هدوء…
وفي الليلة نفسها…
“عليّ أن أكتب شيئًا غير معقول!”
تلك الليلة، لم أُزعجْ أبي فحسب، بل فتّشتُ في كلّ الاحتمالات.
فكّرتُ في الهرب، لكنّني أعلمُ أنني سأُقبضُ عليّ بسرعة.
أليس هو كايل ديهارت؟ إن قرّر إيجادي، فلن يستغرقَ الأمرَ يومًا.
“لا يمكنني فعل ذلك بذهني الصافي.”
ورغم ذلك، جلستُ وبدأتُ بإعدادِ التقرير.
المالُ؟ الشهرة؟ السُّلطة؟ أشياءُ يستطيعُ توفيرها بسهولة.
لكن لو كتبتُ رومانسيّتي الحقيقيّة، قد يُحقّقُها كلّها بدون أن يرمش له جفن.
“إذن، لا مجالَ للحديث عن مشاهدةِ الألعابِ الناريّة سويًّا.”
رأيتُ هذا في فيلمٍ ياباني وأحببته، لكنّي شعرتُ أنَّه سيأخذني إلى الحدودِ الشمالية ويُطلق المدافع بدلًا من الألعاب النارية.
فقط الفكرة تُرعبني.
“لنُجرب هذا…”
سأكتبُ أشياءً تجعلهُ يرفضُ الزواجَ بنفسه.
سَهرتُ طوالَ الليل.
“عملٌ في نهاية الأسبوع بلا أجرٍ إضافيّ، يا للأسف.”
ظننتُ أنني لن أنطقَ مثل هذه الجُملة يومًا ما.
“لكنني أنجزتُ المهمة، أليس كذلك؟ هاها!”
ابتسمتُ بسخريةٍ وأنا أُمرّر إصبعي على عنوان التقرير.
[قائمة الرومانسيّة: رؤية إيرين فرومروز للحبّ]
هذا هو العنوان الرسمي للتقرير.
أما العنوان غير الرسمي؟
[مشروع تدمير الرومانسيّة، كراش!]
ابتسمتُ بسعادة.
وفي تلك اللحظة، رأيتُ صديقتي القديمة نيا تمرُّ خلف الباب.
تذكّرتُ أنّها قالت لي قبل أيام: “قد أمرُّ على قصر فرومروز قريبًا.”
“نيا!”
ناديتُها من خلف الباب، فالتفتت نحوي واقتربت.
“إيرين! مضى وقتٌ طويل. كيف حالك؟”
“لستُ بخير أبدًا.”
“كنتُ سأقول إنّك بخير… هاه؟!”
توسّعت عيناها الجميلتان دهشةً.
لكنّي تجاهلتُ دهشتها وقلت:
“جئتِ في الوقت المناسب. انظري إلى هذا.”
“ليس لديّ وقتٌ كافٍ… هل يمكنكِ التلخيص؟”
“بالتأكيد. قرّرتُ أنني أفضل الموت على الزواج.”
“أوه… اشرحي لي بالتفصيل. أصبح لدي وقت.”
“اجلسي، آنسة نيا آفردين.”
جلست نيا أمامي وعيناها تلمعان بالفضول.
“سمعتُ أن الدوق زاركِ.”
“لكن كيف عرفتِ؟ لم أخبرْ أحدًا.”
“كان والدي هناك. ويبدو أنكِ كتبتِ مقترحًا مدهشًا؟”
عندها فقط أدركتُ أن قصّة الدوق وانتقائي انتشرتْ في كلّ منزلٍ نبيل.
بل والأسوأ؟ أن الدوق، بعد أن قرأ ملفّي، شعرَ بمزاجٍ جيد، فقرّر ألا يقتلَ باقي النبلاء، بل أطلقَ سراحهم!
وضعتُ يدي على جبيني.
لقد أصبحتُ محورَ الشائعات…
“كنتُ قلقةً عليك، لكن يبدو أنّكِ بخير.”
“أنا لستُ بخير أبدًا.”
هل ترينَ وجهي؟ لقد رعبتُ منه أنا نفسي صباحًا!
“لكن ما قصة الزواج؟”
“خيّرني الدوق بين الزواج منه أو الموت.”
“ماذا؟!”
أدركتْ نيا أخيرًا فداحةَ الموقف، واتّسعت عيناها.
أغلقتُ فمها بيدي وأعطيتُها تقرير الليلة الماضية.
“برأيك، ما أسوأ طريقةٍ للاعتراف بالحب؟”
فكّرت نيا للحظة، ثم أجابت:
“ممم… الاعتراف أمام الناس؟”
“بالضبط!”
قد يظنّ البعض أنّ الاعتراف أمام جمعٍ غفيرٍ رومانسيّ، لكنّه في الواقع مُحرج ومُهين.
حتى بين النبلاء، يُعتبر هذا التصرّفُ طفوليًّا.
“أُخطّطُ أن أجعل الدوق يعترفَ لي أمامَ ساحةِ المدينة.”
“لا أظنّه سيوافق.”
“وهذا ما أُراهن عليه. إن لم يُحقّق رومانسيّتي، فلا زواج.”
نعم، هناك من يعترفُ أمام الجميع.
لكن ذلك يحدثُ غالبًا بعد إعلان الخطوبة في قاعةِ الحفلات، لا قبل.
والأهم؟ أن هذا “الدوق” تحديدًا لا يُمكنه ذلك.
كرامتُهُ ستمنعه. بل حتمًا لن يفعل.
لكن، ولأنّ هناك دائمًا احتمالًا ولو ضئيلًا لحدوث استثناءٍ ما، فقد بذلتُ جهدي الكامل في إعداد قائمةٍ أخرى أيضًا.
“ما هذا الآن؟ إرسال ثلاث رسائل في اليوم للاطمئنان؟”
“مجرد رؤيتها يُشعركِ بالضجر، أليس كذلك؟”
“التسلّل ليلًا من فوق الجدار؟ علينا أنْ نحمدَ الله أنّ هذا لم يكن ضمنها…”
“فكرة جيّدة، هل نُضيف هذا أيضًا؟”
رفعت نيا رأسها وسألت بينما كانت تقلّب أوراق الورق السميك.
“لكن، لماذا تفعلين كلَّ هذا أصلًا؟”
“لأنّي لا أُريد الزواج. وخصوصًا أنْ يتم بهذه الصورة المفاجئة.”
“لكنّ الدوق يُعتبر فرصةً ممتازة، أليس كذلك؟”
“نيا، أنتِ لم تري الدوقَ من قبل، أليس كذلك؟”
أمالت نيا رأسها قليلًا إلى جانبٍ واحد، وتحدّثت بصوتٍ لطيفٍ كأنّها تواسي.
أملتُ رأسي أنا الأخرى في الاتجاه نفسه وسألتها، مما جعل نيا تبتسم بخفة.
“رأيتُ صورته فقط. كان وسيماً للغاية.”
“آه…”
لم أستطع الإنكار.
كانت لقاؤنا الأوّل قويًّا للغاية، وانشغلت لدرجة أني لم أجد وقتًا لأتأمل الأمر بعدها…
“هو فعلًا وسيم…”
شعرٌ أسود قاتم، وعينان بلون الياقوت الأحمر، بعمقٍ ونقاءٍ كأنّه نُحتتا بدقّة.
ملامح وجهه مرسومة وكأنّها نُقشت بإتقانٍ إلهيّ، لدرجة أنّ من يراه يتوقف عن التنفّس للحظة.
‘في حالتي، توقّف تنفّسي من شدّة الخوف فقط.’
رغم أنّ ذوقي يميل أكثر إلى الوجوه الناعمة البراقة، إلّا أنّ الدوق كان يمتلك من الوسامة ما يفوق الذوق الشخصي.
فكّ قوي، أنفٌ بارز، عينان عميقتان، وحاجبان كثيفان، جميعها سمات الرجولة الصارمة.
لكن، الوسامة شيء، والرغبة في الزواج أو العمل شيءٌ آخر.
ما لم أكن واقعةً فعلًا في حبّ الدوق…
“وبالمناسبة، إيرين، ألَمْ تكوني ترغبين في العمل؟”
“أبدًا.”
“لكنّكِ كنتِ مهتمّة بالتّجارة والاقتصاد، أليس كذلك؟”
كان ذلك فقط لأحقّق حلمي في الكسب السهل، من خلال جهدٍ قليل، ومعلوماتٍ مسبقة في هذه الحياة.
لم تكن صديقتي النبيلة الطفولية، التي أمامي الآن، تدرك هذه النوايا الدفينة بداخلي، فأضافت قائلة:
“لا تكوني متشائمة. حاولي التفكير بإيجابيّةٍ.”
“لا، لا، لا أُريد العمل، ولا الزواج. سأعيش في حضن أبي ككنغر طيلة حياتي.”
“كنغر؟”
“نعم، هناك شيءٌ كهذا.”
سأبقى في أحضان والداي لأطول مدّةٍ ممكنة. ولهذا السّبب ما زلتُ أُناديه بـ”أبي”، وليس “والدي”.
لأنّ قول “أبي~” بهذا الشكل الطفولي، سيجعلهم يرونني كطفلةٍ للأبد.
“أوه، أطَلْنا الحديث. يجب أنْ أذهب فعلًا الآن.”
“شكرًا لأنّكِ خصّصتِ وقتًا لي، نيا.”
قالت نيا إنّها ستأتي لاحقًا لاحتساء الشاي معي في وقتٍ مناسب. وبينما كانت تجهّز أمتعتها لتغادر، أضافت:
“رغم كلّ هذا الكلام…”
“همم؟”
“رأيكِ هو الأهمّ، إيرين. أرجو أنْ تسير الأمور بما يُرضيكِ، أيًّا كان قرارك.”
“لو اضطررتُ للذهاب إلى المعبد، فادعي لي بالحظّ السعيد.”
ضحكت نيا ضحكةً صغيرة عند رؤيتها نظراتي المتوسّلة، ثمّ غادرتَ أخيرًا.
رافقتها إلى الخارج، ثمّ عدتُ إلى غرفة الاستقبال حيث بقيتُ وحدي، ممسكةً بملفّاتي الثمينة. وفكّرت:
‘أستطيع فعلها! هيا بنا!’
‘لا أستطيع… اللعنة، اللعنة…’
لقد جاء الدوق ” فعلًا إلى قصر فرومروز فور انتهاء العطلة.
كنتُ قد ناولتُه الملفّ بثقةٍ تامّة، لكن كلّما مرّ الوقت، بدأتُ أفقد تركيزي بسبب انحراف الأمور عن مسارها الذي كنتُ أريده.
“هل نظّمتِ الفهرس حسب الأولويّات؟”
“نعم، نعم…”
“هناك بعض الأمور يمكن حلّها دفعةً واحدة. لا مانع أنْ نُعالجها بشكلٍ أكثر كفاءة، أليس كذلك؟”
“نعم، نعم…”
لا شكّ أنّ هذا الرجل مجنون.
ليس عبثًا أنّ لقبه يتضمّن كلمة “المجنون”.
“هل حدّدتِ عدد الجمهور؟ إنْ كان عليّ جمع عددٍ معيّن منهم، فيجب الاستعداد مسبقًا.”
“انظر في الصفحة المرفقة مع الملحق…”
هل كان هذا الرجل دائمًا بهذه الكثرة في الحديث وهذا المظهر المرح؟
“سأراجع الأمر وأتواصل معكِ.”
“أراكَ لاحِقًا…”
لا أعلم كم من الوقت مضى.
لقد استُنزفتُ تمامًا، وغادرت مكاني بضعفٍ لتوديعه.
وقبل أنْ يخرج من الباب، توقّف لحظةً، وأدار رأسه قليلًا ناظرًا إليّ وقال:
“لقد كان وقتًا ممتعًا.”
“عفوًا؟”
“آنسة إيرين.”
نيا… أعتقد أنّ مشروعي قد فشل…
كادت دموعي تسقط.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 3"