حان وقت إظهار مهاراتي.
يبدو أنّني أجلس على المكتب أكثر هذه الأيام، لَكِنْ ربما أكون مخطئة.
المكتب يكون أجمل ما يكون حين يتراكم عليه الغبار لأنَي لا أعمل عليه.
أما هذا الحبر هو الأكثر قيمة عند استخدامه لتزيين المذكرات وليس العملَ.
“آسفةٌ أيّها الحبر.”
كانت شعري الطويل يزعجني، ولَمْ أجد رباطًا، فالتقطت زهرة واحدة من المزهرية التي أعطاني إيّاها الدوق ولففتها في شعري كعصا لتثبيته.
تمّ الإنتهاء من هذا.
وضعتُ تقرير الموقع على المكتب بعزمٍ شديد.
رفَرفة-
خشخشة.
رفَرفة-
خشخشة.
امتلأت الغرفة بصوت تقليب الأوراق وصوتي أثناء تدوين الملاحظات.
بينما كنتُ أتحقّق من الأشياء دون تردّد توقفت يدي عند نقطة معيّنة، لوجود أمر يزعجني.
“القنابل المتفجّرة المتبقية في الموقع ليست من إمبراطورية كاليديا؟”
قنابل خاصة ليست من الإمبراطورية، إذن.
صناعة المناجم شائعة في شمال كاليديا، ولَمْ يكن من الصعب الحصول على قنابل الإمبراطورية إذا كانت الأعمال مرخّصة.
وكانت أسعارها معقولة. ومع ذلك، استخدام قنابل خاصة من دولة أخرى يعني…
‘إما تواطؤ مع منظمة إجرامية أجنبية، أو أنْ يكون فعل دولة أخرى.’
شراء مواد دولة أخرى سرًّا واستخدامها يتيح لهم تفادي تحديد هويتهم من خلال سجلات الشراء، ويصعّب عملية التتبّع.
تمّت كتابة نص ذهبي سريعًا على الفراغ في المستند.
‘أي دولة؟’
‘إذا كان هناك تواطؤ، أي عائلة متورطة؟’
‘ما الفائدة التي سيجنونها؟’
‘فائدة سياسية؟ اقتصادية؟ أم كلاهما؟’
ما يجب القيام به أولًا لمعرفة كل ذلك كان واضحًا.
“يجب أن أبدأ بقائمة مالكي المناجم.”
بالتأكيد لديهم حصص في المناجم بطريقة ما.
يجب عليّ الاطّلاع على قائمة تلك العائلات أولًا.
بالطبع، اسمي سيكون موجودًا فيها أيضًا.
أمرٌ محزن…
بعد ذلك، يجب تتبّع آثار الأموال غير القانونية التي تمّ تداولها بينهم.
“لنقم بذلك خطوةً بخطوةٍ.”
لم أكن أتوقع أنْ أستفيد من الماضي الحزين حين كنتُ أتابع المحتالين العقاريين وأحصل حتى على أموال صغيرة منهم، لكن كل تجربة تساعد في الحياة.
كيف يمكن معرفة مالكي المناجم؟ هناك أكثر من منجم، لذا يجب أن يكون لديّ حق الاطّلاع على إدارة البيانات.
نهضتُ بسرعة ونزلتُ للطابق السفلي. لم أختلط بالغرف هذه المرّة. طرقتُ الباب الأكثر قتامة وكآبة برفق.
“أخي~”
والدي كان قد غادر في مهمة قبل وقوع الحادث، فكان من الصعب طلب المساعدة.
التالي كان أخي الأكبر سيلفير، الذي أتى من المركز لدعم التحقيق، ربما يمتلك بعض الصلاحيات؟
لكنْ لم تتحقّق أمنيتي.
“لا تقومي بأي أمر خطير وابقِي هادئة.”
“انظر لما نظّمته. هناك سبب لكل شيء-“
“سيقوم فريق التحقيق بذلك.”
توقف كل شيء فجأة.
كنتُ أعرف أنّه صارم ويقدّر المبادئ، لكن لم أتوقع أن أُطرد فور دخولي الغرفة.
دفعتُ عبر الفتحة أسفل الباب نسخة من ملخّص ما جمعته بهدوء.
شكرًا للحبر الذهبي الذي اشتريته للزينة، فالخط كان بارزًا جدًا على الورق.
“واو أخي~ سيلفير~ انظر إلى هذا. ما هذا~”
ثم سمعت صوت تمزيق الورق من الداخل. لحسن الحظ كانت نسخة.
“آه، أنا فقط أريد الاطّلاع على البيانات، سأبقى هادئة! مجرد فضول!”
“في المرة السابقة قلتِ أنّك ستبقى هادئة، لكنك اندفعتِ إلى المنجم، أليس كذلك؟”
“ذلك…!”
كنتُ أتبعه لأرى إن كان المنجم آمنًا، ثم وجدتُ نفسي محاصرة داخله.
سمعت لاحقًا أنّ سيلفير قفز فور انهيار المنجم لمحاولة إنقاذي، واستلم الخرائط لتحديد مخارج الطوارئ وأعدّ الطبيب للطوارئ.
لديّ ضمير، فلا يمكنني الردّ على ذلك…
طرقتُ الباب المجاور بعنف.
“الباب سيُكسر.”
“جئتُ لأساعدكَ، رغم أنّني لن أكون مفيدةً.”
“هل لدي شيءٌ مفيدٌ وأنا الأصغر؟”
“هل لديك صلاحية الاطّلاع على إدارة المناجم، إدِ؟”
“لا، أنا مجرد مبتدئ.”
“كنت أعلم ذلك. وداعًا.”
تراجعتُ بهدوء.
تُبقى مكان واحد فقط. لم أرغب بطلب المساعدة منه، لكن…
* * *
“هل أحضرتِ هذه الزهرةَ لي؟”
أشار الدوق إلى رأسي. صحيح، لم أفلُ شعري بعد.
مددتُ ذراعي إلى الوراء وأخرجت الوردة، فتدلت خصل شعري بشكل جميل على ظهري.
“بالطبع، كنتُ أعدّها لكَ. هل أنتَ بخير؟ سمعتِ أنّك مررتَ ألينا، لكن لم أتمكّن من تحية حضرتكَ.”
قدّمت له الوردة بشكل طبيعي كما كان مخطّطًا. الآن كان وقت المديح الصغير.
قبِل الدوق الوردة. كان وجهه أكثر إشراقًا من الزهرة الحمراء الكبيرة، لدهشتي.
ضحك خفيفًا على أسلوبي الواضح، ثم وضع الوردة خلف أذني.
“تبدو فتاتي أفضل بهذا الشكل.”
مرّر خصلة شعري خلف أذنيّ ونظر إليّ، حينها…
مياو-!
سمعت صوت قطة من مكان ما، فرفعت رأسي تلقائيًا.
“واو، صوت قطة.”
“……”
“إنه ذلك القط، أليس كذلك؟ هل تحتفظ به حضرتكَ، الدوق؟ مذهل، هل يمكنني الذهاب لمشاهدته؟ من أين جاء الصوت؟”
“……في نهاية الممر، الغرفة الصغيرة.”
كنتُ متلهفة لمعرفة ما حدث للقطّ، ففتحتُ الباب على مصراعيه.
“ألستِ يا الآنسة إيرين من عائلة فرومروز؟”
“أوه، مرحبًا.”
التقيتُ بالخادمِ، ووجهه ملطّخ بخدوش، يداه تحملان مرهمًا وشبكة لجمعهِ.
فجأة-!
“آه!”
“احذري! إنه عنيف جدًا!”
ثم قفز القط بسرعة إلى حضني. كان هادئ جدًا بين ذراعيّ.
كانت عيناه الفضية الكبيرة مستديرة، تثير الدهشة والحنان لديّ.
“جميل جدًا…”
مددتُ يدي لألمس جبينه برفق، فأصدر صوتًا جميلًا وأغلق عينيه.
نسيتُ سبب سرعتي في القدوم إلى قصر الدوق، واستمتعتُ بالاسترخاء لساعات وأنا أستمع لصوته.
حتى بدأ الدوق يراقبني ويقول بنبرة ساخرة: ‘أليس من الأفضل أن تقضي وقتً معي بدلاً عنهُ؟’
التعليقات لهذا الفصل " 26"