بَغتةً.
“أواه! ألا تطرُق الباب أوّلًا؟”
“لْنَتناول الغداء معًا.”
“لكنّني بالفعل آكل الآن.”
نظر الدوق إلى الطبق الموضوع على الطاولة، حيث بعض الحساء والخبز، وقطعة من لحم الخنزير مع بيضة، كلّها مجتمعة في صحنٍ بسيط.
“إنّكِ تأكلين قليلًا جدًّا.”
“لَستُ جائعة…… هل ستتناول غداءك هنا قبل أن تغادر؟”
“الأرجح. عليّ أن أعود إلى القصر مشيًا على كلّ حال.”
“أوه…….”
“يجب أن أتناول الطعام لأحظى بالقوّة التي تمكّنني من العودة سيرًا.”
رغم أنّ قلبي خفق للحظة، إلّا أنّني تظاهرتُ بالثقة.
رمقتُه بطرف عيني، ثم أمرتُ الخادم أن يجلب قدرًا قليلًا جدًّا من الطعام. ‘لو جاع، فلن يفكّر حتى في العودة مشيًا.’
“الأفضل أن يكون وافرًا من اللحم.”
“لا. قليل جدًّا. فطورٌ خفيف فقط.”
“إن متُّ في الطريق، فسأكتب اسمكِ كرسالة موت أخيرة.”
“أحضِرْ كثيرًا، أرجوك.”
يا له من تافه.
وضعتُ أدوات الطعام فوق الطبق، ورشفتُ قليلًا من الماء.
ولأنّني بالكاد بدأتُ طعامي، قرّرتُ أن أنتظر طعامه لآكل معه.
“كنتِ نائمةً نومًا عميقًا للغاية.”
“بفف-!”
تفوّهتُ بالماء الذي كنتُ أشربه.
“كحّ، كحّ!”
“يا للأسف.”
مسحتُ فمي بالمنديل الذي ناولني إيّاه، ولم أستطع رفع رأسي إلّا بعد جهد.
“هل…… فعلتُ شيئًا؟”
“مَن يدري…….”
فجأةً تذكّرتُ مزحة أخي الأصغر حين قال إنّني أثناء نومي أشخُر، وأصرّ على أسناني، وأسيل لعابي، بل وأُهملل بأغانٍ غريبة.
صفعتُه يومها بقبضتَيّ وأنا أؤكّد أنّه يكذب.
إلى أن تدخّل أخي الأكبر.
“ليس إلى هذا الحدّ، لكن لديكِ بالفعل عادات في النوم.”
“……!”
بكيتُ غضبًا يومها، وضربتُ أخي الأصغر أكثر بعد اعتراف الأكبر الصامت.
‘لا يعقل…….’
هل حقًّا كنتُ أشخر؟ أو أصرّ على أسناني؟ أو أُغنّي؟ شعرتُ بعرقٍ بارد يسيل على جبيني.
طَرق، طَرق.
“أحضرنا الطعام.”
وُضعت على الطاولة قطعة لحم كبيرة سميكة، مع أصناف متعدّدة من المرافِقات، وزجاجة نبيذ. بدا أنّهم أضافوا ستيكًا صغيرًا أيضًا ليشاركني، بلمسة ذكيّة.
“شارِكيني الطعام يا آنسة.”
“فقدتُ شهيّتي…….”
ولمّا رآني عاجزةً حتى عن حمل السكين، سحب الدوق طبقَيّ الستيك معًا نحوه. هل كان ينوي التهام حصّتي أيضًا؟
‘نعم، تفضّل يا دوقنا…… كُل حصّتي أنت أيضًا، أيّها الخنزير…….’
بل بدأ بتقطيع حصّتي أوّلًا.
راقبتُه بدهشة صامتة.
“لم تتفوّهي بكلامٍ غريب في نومكِ، فلا تقلقي. كُلي.”
ثم أعاد الطبق إليّ بعد أن قطّع اللحم إلى قطعٍ مناسبة، بل وضع الشوكة في يدي بنفسه.
“حقًّا؟”
“أجل.”
“هذا لي؟”
“أو هل كنتِ تظنّين أنّني سأخطفه؟”
كنتُ أظنّ ذلك بالفعل.
تردّدتُ بين النظر إلى الشوكة ثم إلى قطعة اللحم ثم إلى وجهه.
“أ…… شكرًا؟”
“يا لها من رسميّة زائدة.”
“أشكركَ على الإطراء.”
رغم أنّ شهيّتي تلاشت منذ قليل، إلّا أنّ رؤية الستيك المقطّع إلى قِطع صغيرة دافئة أثارت لعابي.
“كُل أنتَ أيضًا كثيرًا. أمامكَ طريق طويل.”
“سأفعل.”
مرّ وقت الغداء هادئًا.
“ألن يكون من الأفضل أن نذهب معًا؟”
“سافر بخير!”
غادر الدوق بالفعل مشيًا بلا عربة، ولم يترك سوى قوله إنّه سيُرسل طائره تايفون حال وصوله.
‘هل هذا حقيقي؟’
لو كنتُ مكانه، لتمسّكتُ بالركوب أو لاختلستُ عربةً في الخفاء.
“أسطورة الصلابة…….”
وحين غاب عن بصري وصار مجرّد نقطةٍ بعيدة، عدتُ إلى الداخل.
لكنّ كايل في الواقع صعد إلى العربة التي أوقفها في منتصف الطريق.
‘متى أصل مشيًا، وأنا مثقل بالمهام؟’
تكوّمت أمامه ملفات كثيرة أجّلها بسبب مجيئه إلى قصر فرومروز الليلة الماضية.
وبمزاجٍ ساخرٍ، أمر تايفون أن يكسر زجاج النافذة، كنوعٍ من الدعابة. بطبيعة الحال، بعد أن تأكّد أنّها لم تكن جالسةً قرب النافذة.
أما الورود، فقد انتقاها الخدم النُّبلاء بعناية، ومع ذلك كان ثمّة باقة اختارها بنفسه، وكم ضحك حين التقطت الآنسة إيرين تلك الباقة بالذات.
“هاها.”
لا بأس. كان وقتًا مسلّيًا.
وحتى غناؤها العجيب في نومها كان مثيرًا لاهتمامه.
لكن اللحظة المرحة مضت، والآن عليه أن يعمل.
التقط أوّل ورقة فوق الرزمة أمامه. حافظ على جلسته المستقيمة وتركيزه رغم اهتزاز العربة.
“همم، اقتراح تافه.”
مزّق الورقة ورماها خارج النافذة. فهي ليست سوى قمامة. أقصى ما قد ينفع فيه هذا الورق أن يُشعل به أحدهم نارًا.
وبينما يقلّب مئات الأوراق، تذكّر فجأة المغلّف الذي سلّمته له إيرين قبل مغادرته.
‘لأفتحه الآن؟’
[ “بشأن سَحب العمّال لبناء جناح إضافي في برج السحر الشمالي.” ]
أها. لم يكن خطابًا شخصيًّا له، بل تقريرًا إداريًّا.
رغم مظهرها العجيب والساذج أحيانًا، إلّا أنّها تملك حدسًا حادًّا وتلتقط جوهر المسائل.
فكيف لا يترقّب منها المفاجآت؟
فتح الملف، فانفجر ضاحكًا.
[الاقتراح]
[ليذهب الدوق القوي بنفسه ويبنيه. حظًا طيبًا.]
[. أشكركَ حقًّا على دعمكم لدار الأيتام.]
‘يا له من تقرير ممتع الجودة.’
ابتسم كايل، ووضع الورقة على رزمة “المقبولين” بدل أن يرميها.
ثم واصل رمي الأوراق الكثيرة غير المهمّة خارج النافذة.
* * *
“يا ترى هل وصل سالمًا؟”
تقلّبت إيرين على سريرها وهي تفكّر.
“ماذا لو تجمّد حتى الموت في الطريق وكتب اسمي في رسالة الوداع؟”
صحيح أنّني أعددتُ له كيسًا سحريًّا يحفظ حرارة الكاكاو للشرب أثناء الطريق……
“لكن، ماذا لو أصيبَت قدماه بالغرغرينا؟ واضطرّوا لبترها؟”
اللعنة. دوق الشمال بلا قدمين؟ هذا مرعب!
بل قبل الرعب، ستنتشر الشائعات أنّه فقد قدميه بسبب طلبٍ مجنون من سيّدة شابّة.
قفزت من السرير، وفتحت النافذة التي أصلحها الخادم صباحًا.
”يا بون بون، تعال بسرعة~!”
”اذهب وانظر هل مات الدوق أم لا~!”
ولم يكن يخطر ببالها أنّ الدوق، في تلك اللحظة، يسترخي في عربةٍ دافئة مملوءةٍ بالأوراق.
✧───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────✧
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً لهذهِ الرواية في واتباد وقناة الملفات،
حَسابي واتباد : _1Mariana1
( حسابي السابق قد حُذف)
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
التعليقات لهذا الفصل " 15"