مِتُّ.
……ثمّ وُلِدتُ من جديد. وُلِدتُ كأصغرِ ابنةٍ مدلّلة وجميلة في عائلةِ كونت!
‘هل هذا ثمنُ المعاناةِ في حياتي السابقة؟ يا للحظّ!’
وُلِدتُ في عالمٍ يشبه ما نراه في رواياتِ الفانتازيا. ومنذُ اللحظةِ التي بدأتْ فيها ذاتي بالوعي والتفكير، أدركتُ أنني قد بُعثتُ من جديد.
في حياتي السابقة، كنتُ امرأةً في العشرينات، تعيش في كوريا الجنوبية في القرن الحادي والعشرين.
وإن كان هناك شيءٌ مميزٌ في قصتي، فهو أنني متُّ بسبب الإفراطِ في العمل في سنٍّ مبكّرة.
تلقّيتُ اسمَ “ييرين” من والديّ اللذين تخلّيا عني عندما كنتُ صغيرة.
وبمجرّد خروجي من دارِ الأيتام، بدأتُ أعمل كلَّ ما أستطيع، لأكسب المال في هذا المجتمع البارد الذي لم يرحمني، فقضيتُ أوائل عشريناتي في الاستغلال.
عملتُ في المصانع التي توفّر المأوى والطعام، وادّخرتُ المال. كانت نوبات العمل مرهقة، لكنني تحمّلتُها بشبابي.
‘عليّ أن أُعيلَ نفسي بنفسي.’
وبعد الدوام، كنتُ أدرسُ للحصول على الشهادات على ضوء المصباح، وأجتهدُ في حياتي.
نجحتُ في الانتقال إلى وظيفةٍ إدارية، وادّخرتُ ما يكفي لأستأجرَ منزلًا. كان الأمر شاقًا، لكنني أحببتُ أن يكون لي بيتٌ أعدّ فيه الطعام الدافئ وأمارس هواياتي.
لكن ذلك كان قبل أن أكتشف أنّ الأمرَ كان احتيالًا عقاريًّا.
خُسرتِ الشقّة في المزاد، ولم أستطع استرداد مالي، فطُرِحتُ من جديد في الشارع. استأجرتُ غرفةً صغيرة على عَجَل.
‘عليّ أن أدرس. لا بدّ من الدراسة.’
وبينما كنتُ أُحمّلُ نفسي اللومَ على جهلي، التحقتُ بجامعةٍ ترتبط بمكان عملي. كنتُ أعمل في أيام الأسبوع، وأذهب إلى الجامعة في عطلات نهاية الأسبوع. أما الوقت المتبقي، فكنتُ أقضيه بين الدراسة والعمل في مركز توزيع.
‘انتهِ من الدوام، أرجوك…’
ومع نهاية السنة، ازدادت ساعات العمل الإضافي، وكَثُرَت مهامي في مركز التوزيع، فازدادت معاناتي. كنتُ أرتجف من البرد، فأغلقتُ سحابَ معطفي القديم حتى الرقبة، وعدتُ إلى المنزل.
‘أوه، كم هو بارد… سأستحمّ بماءٍ دافئ وأنام فورًا.’
بمجرّد أن وصلتُ، خلعتُ ملابسي عند المدخل ودخلتُ الحمّام. انهمر الماء الساخن على رأسي.
‘آه… أنا أذوب… كم هو مُنعِش…’
وبشكلٍ ساخر، كانت تلك آخرَ فكرةٍ خطرتْ لي قبل موتي.
ما كنتُ أعرف أنّه يجبُ أن أرتاح بعد الإفراطِ في العمل قبل أن أستحمّ.
سمعتُ صوتَ سقوطي، ورأيتُ البلاطَ يلطخُه اللونُ الأحمر، ثمّ غلبني النعاس، وأغلقتُ عيني.
—
ثمّ، وُلِدتُ من جديد، في عائلةِ كونتٍ من شمالِ إمبراطوريةِ كالديا.
‘بل هذا أفضل~’
أتقولين: ألستِ نادمةً على حياتكِ الشاقّة؟
أبدًا!
ملابسٌ فاخرة، أسرّةٌ ناعمة، قصرٌ واسع، طعامٌ دافئٌ ودسم يوميًّا، رغم برودةِ الطقس، لأنّني من النبلاء. وثروةٌ تكفيني لعيش ثلاثِ أجيالٍ من الترف، حتى دون عمل.
“إيرين، آنستي. يجب أن تستيقظي الآن.”
“أيقظوني بقبلةٍ لو سمحتم~”
“أوي، حسنًا حسنًا.”
وعائلةٌ حنونة ومخلصة، لم أحظَ بها في حياتي الماضية، لا تُقدّر بثمن.
“آنسة إيرين، هل ستدخلين؟”
“نعم~ هل انتهت تدريباتُ الفرسان؟”
“نعم. الجميعُ بذلَ جهدًا كبيرًا اليوم أيضًا.”
“أحسنتم. لكن، بما أنّ الجميعَ متعب، فلا تستحمّوا مباشرةً بماءٍ ساخن. خذوا قسطًا من الراحة أولًا، مفهوم؟”
“……؟ نعم، سنفعل.”
وفرسانٌ يحمونَ عائلتنا، آلَ “فرومروز”، بكلّ تفانٍ.
سواءٌ كان صدفةً أو قدَرًا، أطلقَ عليّ سكانُ هذا العالم اسم “إيرين”، القريب من “ييرين” في حياتي السابقة، وأطعموني، وعلّموني، وحموني في كلّ وقتٍ ومكان.
كلّ شيءٍ كان مثاليًّا.
‘سأعيشُ هذه الحياة بهدوءٍ، كعاطلةٍ غنية، حتى النهاية.’
كلُّ شيءٍ… كان مثاليًّا.
إلى أنْ وصلتُ إلى عامِ بلوغي…
‘كيفَ آلَ بي الحالُ إلى هذا…؟’
بعيونٍ زائغة، حدّقتُ في الفراغ، ثمّ سقطتُ على كرسيّ المكتب كمن فقدَ روحه.
—
منذ أن عادَ كايل ديهارت من الحرب منتصرًا، ازدادَ تدخّلُ وليّ العهد في شؤونِ الأراضي الشمالية علنًا، فشعرَ نبلاءُ الشمالِ بالقلق.
فقد خافوا أن يُغضِبوا القصرَ الإمبراطوريّ إنْ أطاعوا أمرَ الدوق، وتردّدوا في العصيان مخافةَ أن يُعيقوا ازدهارَ أراضيهم.
‘لكنْ، أليس القصرُ هو الأقوى في النهاية؟!’
فراح النبلاءُ يُماطلون، ويتجاهلون مصلحة الشمال، مفضّلينَ مصلحةَ عائلاتهم.
“هذا تقريرُ هذا الأسبوع.”
تصفّحَ كايل ديهارت الأوراقَ بصمت. كلّما قلبَ صفحةً، ازدادَ التوتّر في أصابعه.
ثمّ… طَفّ.
ما إن أنهى قراءة آخر ورقة، سادَ الصمتُ في قاعةِ الاجتماع. تنفّسَ كايل ضاحكًا بسخرية، وتكلّم.
“يبدو أنّكم تخافون من القصر، لا منّي. أو لعلّكم…”
حين اخترقَ صوتُه العميق المنخفض، ونظراتُه الحمراء الحادّة أفرادَ القاعة، ارتعشَ النبلاءُ وتجنّبوا النظرَ إليه.
“ما كنتم لترفعوا إليّ تقريرًا كهذا لو لم تردوا موتَ أنفسكم.”
“م، مَن؟! لم نقلْ شيئًا كهذا!”
“لكنني قرأتُه هكذا.”
رمى كايل بالأوراق على الأرض. تناثرتْ على بلاطِ الرخام البارد. تردّدت أنظارُ النبلاء بينه وبين تلك الأوراق.
“يومٌ واحد.”
جملةٌ قاطعة جعلتهم يحبسون أنفاسهم.
“أمنحكم يومًا واحدًا فقط. إن أردتم النجاة، فالتقطوها. حياتكم متعلّقةٌ بها.”
وما إن أضافَ ذلك، حتى تسلّلَ الرعب إلى أجسادهم. لم يجرؤ أحدٌ على الاعتراض.
وحين غادرَ كايل، أسرعوا جميعًا بالمغادرة، وجمع أوراقهم عن طريق خدمهم، دون إضاعةِ مزيدٍ من الوقت.
—
بينما كنتُ أتناولُ الكعك في المكتبة مسترخية، عاد أبي من الاجتماع ليُفجّرَ قنبلةً في وجهي جعلتني أقفزُ من مكاني.
انكسرَ الكعك من يدي وسقط على الأرض.
إنْ لم نُقدِّم تقريرًا مميّزًا حتى الغد، سينهارُ بيتُنا؟!
أخذتُ التقرير الذي كتبَه والدي وقلّبتُ صفحاته. فتحتُ فمي من الدهشة.
“وهذا يُسمّى تقريرًا…؟”
“أتعلمين… لم يكن بإمكاني تجاهل وليّ العهد…”
“ومع هذا، هذا هراء…”
من التنسيق إلى المحتوى، كان كلّ شيءٍ كارثيًّا. تناقضاتٌ، أرقامٌ ناقصة، مراجع مفقودة.
إذا كان كايل قد اكتفى برميها، فقد كان رحيمًا. أما أنا، فوددتُ أن أمزّقها بالكامل.
نظرتُ إلى والدي الذي ابتسمَ بحَرَج، وشعرتُ أنّ الدنيا تدور. كنتُ أعلمُ أنّ مستوى العمل في هذا العالم متدنٍ، لكنْ… إلى هذا الحد؟
هدفي كان أن أعيشَ عالةً على ثروة العائلة. لكن بهذه الطريقة، سينهارُ بيتنا أمام عينيّ!
“لا يمكن أن نتركها هكذا.”
“إيرين؟”
نظرتُ إلى فتاتِ الكعك على الأرض. شعرتُ أنّها تُجسّد مستقبلَ عائلتنا.
“سامحيني يا نفسي. لقد أقسمتُ ألّا أعملَ ثانيةً…”
لكنْ، بما أنّ مصيرَ العائلة معلّقٌ بهذا التقرير، لا يمكنني أن أظلّ مكتوفةَ اليدين.
‘الترقيع لا ينفع. يجبُ أن نُريهم التغيير الحقيقيّ لعائلةِ فرومروز بهذا التقرير وحده.’
شمّرتُ عن ساعديّ وبدأتُ من الصفحةِ الأولى. تمنّيتُ لو كان لدينا برنامج “إكسل”! اشتقتُ لاختصاراتِ لوحةِ المفاتيح.
ملأتُ القلم بالحبر، ودوّنتُ الأرقام، رسمتُ رسومًا بيانيّة، وأرفقتُ المراجعَ وقمتُ بترميز الملفات بالألوان بدلًا من الفولدرات.
أعدتُ فهرسةَ المحتوى بتنسيقٍ سليم، مع إدراجاتٍ منتظمة.
‘آه، أتذكّر كيف صرخَ فيّ مديري لأنني نسيتُ مثل هذه التفاصيل، بينما هو نفسُه لا يفرّق بين “كان” و”كأن”.’
“حسنًا، التالي هو الخطّة والمقترحات.”
المحتوى السطحيّ يجبُ استبداله بأفكارٍ مبتكرة وطُرق تنفيذٍ واضحة ومُبرّرة.
قد يبدو صعبًا، لكن… عليّ أن أتذكّر: أنا من القرن الحادي والعشرين.
‘هذا عالمُ ملكيّةٍ غيرِ مُعاصر.’
تعلمتُ التاريخَ من التعليمِ النظامي، وألقيتُ نظرةً على الأخبار للمشاركةِ في الانتخابات، وهذا يكفيني الآن.
مزجتُ بعضَ مبادئِ الديمقراطيّة والرأسماليّة بما يُناسبُ أجواءَ كالديا المحافظة، وأضفتُ رؤيتي، ثمّ أنهيتُ التقرير.
“انتهيت~”
رتّبتُ الأوراق، وتمطّيتُ واقفة. استغرقني الأمر نحو ساعتين، وأبي… كان قد غطّ في النوم وهو يشخر. فكّرتُ أن أضربَه، لكنني تركته.
‘لأعتبرْهُ نوعًا من البرّ بالوالدين…’
—
قاعةُ الاجتماعات ذات الجدرانِ الحجريّة السميكة، تسودُها برودةٌ وهيبة.
رغم النوافذِ الكبيرة، ظلّ ضوءُ الشمسِ خافتًا، فخيمتْ أجواءٌ باردة.
دبّتْ أصواتُ الأقدام، بينما كان الخدمُ يُجهّزون الطاولةَ الطويلة المصنوعة من خشبِ البلوط.
وبعد نحو ساعة، ومع شروق الشمس وانعكاسها على الثريّا، بدأ حُكّامُ شمالِ كالديا بالوصول.
“وصلتُم مبكّرًا جميعًا.”
“هل استعددتَ كما يجب؟”
“أبذلتُ جهدي، لكن لا أعلم إن كان الدوق سيرضى…”
“كم تمنّيتُ ألّا آتي اليوم.”
“أنا لم أنَم طوالَ الليل.”
“هل سيقتلنا فعلًا…؟”
وجوهٌ متعبة، عيونٌ متورّمة، وأوراقٌ سميكة في أيديهم.
“فرومروز، تبدو بحالةٍ أفضل.”
“أه، حسنًا…”
وقبل أن يُكملَ ريتشارد فرومروز، دوّى صوتُ خطواتٍ منتظمة قادمة من الممر. فصمتَ الجميع ورتّبوا أنفسهم.
مقعدُ المركز كان خاليًا.
دخلَ الدوقُ بخطىً حازمة.
شعره الأسود الحريري لم يتحرّك، وعيناه الحمراوان المتوهجتان كأنّهما وحشٌ في الظلام.
مرّ بين الجالسين واحدًا واحدًا، وتوقّف في مركزِ الطاولة.
جلسَ بهدوء، ثمّ قال بصوتٍ منخفض:
“لنبدأ.”
وبإيماءةٍ منه، تقدّم الجميعُ بتقاريرهم.
“لا يجبُ أن تُخيّبوا أملي.”
“……”
“إنْ كانت حياتُكم تهمّكم، طبعًا.”
رفعَ كايل ديهارت التقريرَ الأقرب إليه.
—
“هاه؟”
خرجتْ مني هذه الكلمةُ من غيرِ وعي. فما الذي يحدثُ بالضبط؟
“لقد أعجبتني.”
“هاه؟!”
كنتُ نازلةً لتناول وجبةِ الإفطار وأنا في حالٍ من النعاسِ والكسل، فإذا برجلٍ وسيمٍ غريبٍ في بيتنا… يُلقي بقنبلة!
“هل عليّ أن أُكرّر؟”
“هل أنا في حلم…؟”
“لم يعد في قلبي سواكِ.”
اللعنة… رجاءً، فليقلْ لي أحدٌ أنّ هذا حلم.
الآنسةُ تكره الحياةَ الجادّة!
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 1"