عندما سحبتُ الدانتيل، لم توقفني ليفيا، لكنها رفعت حاجبها قليلاً.
“سيكون مؤلمًا لبعضِ الوقت، لكن سنًا جديدًا سينمو. ألا يجب أن ننزع السّن الفاسدة، حتى لو كان ذلكَ مؤلمًا؟”
فهمت ليفيا مغزى كلامي على الفورِ وضحكت بسخرية. بعد أن ألقتُ نظرةً سريعة على الدانتيل في يدي، نزعت الدانتيل من كتفها الأخرى بنفسها وألقته على الأرض.
“إذا كنتِ تستطيعين نزعه، انزعيه. قد ينمو سن جديد إذا نزعتِ السن الفاسد، لكن… حسنًا.”
“…..”
“لا يوجد شيءٌ يمكن أن يحلَّ محلي.”
كان نبرتها المتغطرسة والواثقة تنمُّ عن شخصٍ لم يشكَّ أبدًا في هذه الحقيقة.
“لا، سوف يدركُ الجميع في النّهاية أنه لا توجد طريقةٌ أخرى سوى نزعه.”
بدت ليفيا مستاءةً من كلامي، فداست على الدانتيل الملقى على الأرض وهي تحذّر بنبرة منزعجة.
“افعلي ذلكَ إنْ استطعتِ. لن أكونَ متساهلةً كما كنتِ اليوم. أنتِ تعرفين جيدًا مدى خفّـةِ حياة الآخرين بالنسبة لي. أنا متحمّسة نوعًا ما لمعرفة إلى أي مدى يمكنكِ حمايتهم.”
كانت كلماتها، التي تلمّح إلى أنها يمكن أن تملكَ المزيد من الأرواح، كما لو أن تهديد حياة آيشا كان مجرد لعبة، جعلتني أشدّ قبضتي دونَ وعي.
“ألم تنسي؟ تنبؤات سيّدة القوة المقدسة لم تخطئ أبدًا.”
في تلكَ اللحظة، خطر في بالي “آدم”.
تنبأت ليفيا بالحربِ في الساحة، ومعرفة أنَّ كلامها لم يكن مجرد تبجح جعلت ظهري يقشعر أكثر.
لكنني لن أقفَ مكتوفة الأيدي وأترك الأمور تسير حسب رغبتها.
“ستختبرين ذلك بنفسكِ. أوّل تجربة تخطئ فيها تنبؤات سيدة القوة المقدسة.”
“هذا مثيرٌ للاهتمام.”
رسمت ليفيا ابتسامةً ساخرة على وجهها البارد.
“حسنًا، سأنتظر… بترقّب.”
* * *
عندما غادرتُ القصر، كانت السّماء ممتلئة باللون القرمزي.
ربّما بسببِ التوتر من المحادثة المرهقة مع ليفيا، شعرتُ بصداع ينبض. وجهتُ يدي إلى جبهتي و توجهتُ ببطء نحوَ العربة.
“…ليس سهلاً.”
على الرّغمِ من أن الأمور بدت و كأنها انتهت بشكلٍ جيد، إلا أن جزءًا من قلبي لم يشعرْ بالراحة. لا تزال جينا تعاني هناك.
لقد حددتُ بالفعلِ المكان الذي قد تكونُ فيه جينا.
سمعتُ من مالكوم أن ذلكَ المكان هو الأرجح، لكنه لم يذهب إليه بنفسه من قبل، لذا لم يكن متأكدًا.
لذلك، تظاهرتُ اليوم بجولة داخلية و توجهتُ إلى غرفة الاستقبال، وتنصتتُ على محادثات الخادمات.
الآن أعرفُ الموقع. كل ما تبَـقّى هو إنقاذها بنفسي.
على الرّغمِ من أنني تجاوزتُ هذا اليوم بسلام، كان يجب أن أظل متيقظة.
“لا يزالُ من المبكّر الشّعور بالإرهاق.”
كعادتي، كنتُ على وشكِ أن أصفع خدي، لكنني توقفتُ متردّدة. لا يزال خدي، الذي صفعته الدوقة، يؤلمني.
كانت يدها قويّةً لدرجةِ أن من الطبيعيّ أن يتركَ ذلك كدمة.
إذا رأى الماركيز فالاندي هذا، قد يثير ضجّةً لبعض الوقت. سينظرُ إليّ بعيون مليئةٍ بالأسى كلما رأى خدي.
ومع ذلك، عند التّفكير في أن هذا الحادث تم تسويته بسلام، فإن صفعةً واحدة كانت ثمنًا زهيدًا.
كبتُ ضحكة خرجت دونَ قصد، وعندما وصلتُ إلى البوابة، لمحتُ صورة ظلية تقفُ أمام العربة.
كانَ ينظر إلى الحديقة المليئة بالورود الحمراء، ثم أدارَ رأسه ببطءٍ كما لو شعرَ بوجودي.
كانَ كاليد.
كانت أشعّة الغروب تتدفق على كتفه المصبوغة باللّون الأحمر. بدا وكأن قطعةً من فصل نسيتها ظهرتْ فجأةً أمام عينيّ. تحرّكَ قلبي بهدوء، لكن بعمق.
حفل الشاي، المحادثة مع ليفيا، إنقاذ جينا. كل الأفكار المعقدة التي ملأت رأسي اختفت في لحظة، وحلّ مكانها شخصٌ واحد فقط.
شعورٌ أثقل من ذلكَ ضغطَ على حلقي.
كانَ عليَّ مواجهة المشاعر التي تجنبتها طويلاً.
ماذا أقول؟ كيفَ أواجهه الآن بعد أن عرفَ مَـنْ أنا؟
مِنْ أينَ أبدأ… لم أفكّر بعمق. أو بالأحرى، لم أستطع.
ماذا لو… خابَ أمله عندما رأى مظهري الجديد؟ ماذا لو لم يُثـِر مظهري، الذي لا يضاهي جمالَ ليفيا، أيّ انطباعٍ لديه؟
على الرّغمِ من أنني أعرفُ أنّ كاليد ليسَ من هذا النّوع، إلا أنّ الخوفَ كانَ يسبق الحقيقة.
بينما كنتُ متردّدةً في قلقي، تقابلتْ أعيننا. كانت نظرته الحمراء، الأعمق من الغروب، تنظرُ إليّ دونَ أي اهتزاز.
“…..آه.”
كانَ كاليد يعرف ما أخافه، فـفتحَ ذراعيه ببطءٍ دونَ كلام.
كما في الأيّامِ التي كنّا فيها حبيبين.
كما لو كانَ ينتظرني.
عضضتُ شفتيّ بقوّة تحتَ وطأة شعورٍ لا يمكن تفسيره. حاولتُ كبح دموعي، لكن وجهي انهار.
“أنا، كاليد نومين إيفيرنيا، أقسمُ أمام الحاكم الأولى بيسيا. سأحبّكِ إلى الأبد.”
لماذا تذكرتُ نذرَ يوم زفافنا في تلكَ اللّحظة؟
لكن بفضلِ تلك الكلمات، استجمعتُ شجاعتي.
تساقطت دمعة.
في اللّحظة التي سقطت فيها الدّمعة، لم أعد أستطيعُ الصّمود و ركضتُ إلى أحضانه.
هذه المرّة، لم تتعثّر قدماي. لم يكنْ هو مَنْ يسندني لأنّني كنتُ على وشكِ السّقوطِ.
كانتْ ذراعا كاليد مفتوحتينِ فقط لاحتضاني.
أحاطني حضنهُ القويّ دونَ أيّ اهتزاز.
لم أعد بحاجةٍ للخوفِ من المغادرة مرّةً أخرى. لم أعد بحاجةٍ لتركِ أيّ ندم.
هذه الحقيقة وحدها جعلتْ الدّموع تتدفق دونَ توقف.
“هك… آه… كاليد…آه…”
على الرّغمِ من أنّني كنتُ أعرف أنني أبدو مثيرةً للشّفقة، لم أستطعْ التوقف عن البكاء. دفنتُ وجهي في صدره و أجهشتُ بالبكاء.
أخذَ كاليد نفسًا قصيرًا، ثم شدَّ ذراعيه حولي بقوة أكبر. أحاطني بحضنهِ بقوّةٍ كافية لخنقي، و تحدّثَ بهدوء كما لو كانَ يتنفّسُ بعمق.
“أنتِ دائمًا… تجعلينني أندهشُ كثيرًا.”
أغلقتُ عينيّ بقوة. حتى لو شددتُ فكي و عضضتُ على أسناني، لم أستطع كبح مشاعري. بل على العكس، اندفعتْ المشاعر التي كنتُ أكبتها خلالَ الأسبوعين الماضيين كعاصفة.
“أنتِ تجعلينني أندهشُ كثيرًا.”
“ماذا؟”
“لم تذكري أنكِ ستكونينَ بهذا الجمال.”
لم أكن وحدي من تذكّرَ ذلكَ اليوم. يبدو أن كاليد استحضرَ نفسَ الذّكرى.
كان صوته، المكتوم بقوّة، يرتجف قليلاً.
“كنتُ أعرف… أنكِ ستكونينَ بهذا الجمال.”
“آه… هك، آه…”.
على الرّغمِ من أنني كنتُ حمقاءَ و مترددة،
لكنه حطّمَ بسهولةٍ القلق الذي كنتُ أخشاه أكثر من أيّ شيء.
عانقني بقوة أكبر وأنا أبكي بصوت عالٍ، تتحدّثَ بصوتٍ مبلّل كما لو كان غارقًا.
“افتقدتكِ. افتقدتكِ كثيرًا… كثيرًا جدًا، إيرديا.”
كما لو أنه فهمَ كلّ المعاني الكامنة في هذا الاسم، كرّرَ الاسم الذي لم ينطق به من قبل مرّاتٍ عديدة.
بالنّسبة له، كانتْ السّنوات الخمس التي مرّت و كأنّ حبيبته اختفت.
في تلكَ اللّحظة، بدأ الزمن الذي توقّفَ.في يوم زفافهم يتحرّكُ أخيرًا مرّةً أخرى.
كان حضنُ كاليد، الذي طالما افتقدته، دافئًا بشكلٍ يوقف الأنفاس و بعيد المنال.
بعد أن هدأتْ مشاعري، ركبتُ العربة و وصلتُ إلى مكان لم يكن قصر الماركيز فالاندي، بل منزل كاليد الخاصّ.
من الخارج، لم يكنْ يختلف عن أيّ قصر نبيلٍ آخر.
لكن عندما مررتُ بالجدار العالي و البوابة الحديدية القديمة، كانَ هناكَ مشهدٌ غير متوقع في انتظاري.
كانت الحديقة التي تحيط بالمنزل أوسعَ بكثير مما كنتُ أتخيل. بدلاً من المناظر الطبيعية المصممة بعناية، كانت الحديقة مليئة بنفسِ الطّبيعة، مع العشب و الزهور التي تتمايل مع النسيم.
تحتَ أوراق الأشجار التي تتحرّك مع الريح، أضاءت مصابيح منخفضة مثل الحصى اللامعة الطريق المظلم.
لم أزر هذا المكانَ من قبل.
“…بعد إلغاء الخطوبة، اشتريتُ هذا القصر عندما غادرتُ القصرَ الإمبراطوري. الآن، هذا هو منزلي أيضًا.”
“غادرتَ القصرَ الإمبراطوري؟ لماذا…”
بينما كنتُ أنظرُ حولي و أمسحُ أنفي، نظرتُ إليه بدهشة، فقالَ و كأن الأمر ليسَ بذي أهمية:
“يبدو أن جلالة الإمبراطور لم يكن راضيًا عن بقائي في القصر.”
“حتّى لو كانَ الأمر كذلك…!”
“كما ترين، ليسَ سيّـئًا. لديَّ الكثير لأتحدث عنه. لكن أوّلاً… لندخل. قبلَ أن يتورّم خدكِ أكثر.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 98"