كان منَ المستحيل حفظ مئات أنواع السموم في غضونِ أسبوعين فقط. لذا، ركزتُ على تعلم السموم التي تُستخدم بسرية ولا تثير الشّبهات حتى لو تمَّ اكتشافها.
“يتراكم في الجسم، ولا تظهر الأعراض إلا عند تناول سمّ مضاد… هذا لا يُعقل.”
تمتمت الدّوقة بياترس بدهشة، ثم أغلقت فمها كما لو تذكرت شيئًا.
أكملتُ القصّة التي لم تستطع قولها.
“لا بد أنكم سمعتم عن دواء يُسمى ‘كريسا’.”
“كريسا ليسَ سمًا، بل دواء. هل تقولين إن السيدة شيرن أصيبت بهذا بسببِ كريسا؟ هذه قصّةٌ لا تُصدق!”
جاءت معارضة حادة من مكان ما.
“صحيح، كريسا دواء. إذن… هل تعرفون مورفيلين”
“الزهرة السوداء التي تتفتح ليلاً؟ أليست تُستخدم كعامل مساعد للشّفاء على الرّغمِ من سميتها؟”
كما هو متوقع من شخصيّةٍ بارزة في المجتمع الراقي، كانت تمتلك معرفةً أساسية حتى عن الأدوية النادرة. هذا وفر عليّ عناء الشرح الطويل.
“كريسا و مورفيلين، كلاهما دواء شفاء ممتاز عندَ استخدامهما منفردين. لكن، هل تعلمون أنهما يتحولان إلى سمٍّ قاتل عند استخدامهما معًا؟”
“هذا…”
بينما كانَ الناس يترددون، اقتربتُ ببطءٍ من الدوقة بياترس- أو بالأحرى، من آيشا التي كانت في حضنها.
“دواء كريسا المنشط يطفو في الدم، وينقيه تدريجيًا. لكن عندما يلتقي بمورفيلين، يبدأ الدم بالتّجلط ببطء.”
لم توقفني الدوقة. قرأتُ إشارة الموافقة في نظرتها، فأمسكتُ يد آيشا الصغيرة، التي بدأت تستعيد لونها، وأظهرتها للجميع.
“عندما يتجلط الدم، تصبحُ الأطراف باردة وشاحبة. تحوّل الأطراف إلى اللون الأزرق هو أحد الأعراض. بعد ذلك، يتبعه القيء و صعوبة في التنفس بسببِ نقص الأكسجين.”
على الرّغمِ من استعادة لونها إلى حدٍ ما، كانت أطراف أصابع آيشا لا تزال مزرقة. بدأ النّاس يدركون ذلك، وسُمع صوت ابتلاع أنفاسهم من هنا وهناك.
كانَ فستان آيشا مزينًا بكشكشة كثيرة تتماشى مع الموضة الحديثة، تغطي يديها، مما يجعل من الصعب ملاحظة أي تغير في أطرافها دونَ.فحص دقيق.
من المحتمل أن الجاني الذي أعطاها السّم حسب هذه النقطة أيضًا.
“ما هذا الكلام الفارغ!”
“ما إذا كان منطقيًا أم لا… يمكننا أن نسأل الطبيب الموجود هنا.”
كانت يدُ آيشا الباردة قد بدأت تستعيد بعض الدفء. شعرتُ بالارتياح أولاً. أمسكتُ يدها بحذر، أخذتُ نفسًا قصيرًا، ثم تركتها.
في تلكَ اللحظة، تحدّث مالكوم، الذي كان يراقب تعابير ليفيا، متردّدًا تحتَ ضغط الناس.
“صحيح. لهذا السّبب يُحظر استخدام كريسا و مورفيلين معًا. لكن… العديد من الأطباء لا يعرفون ذلك. إنهما دواءان نادرًا ما يُستخدمان معًا، لذا يعرف ذلك فقط مَن درسوا الصيدلة جيدًا.”
الطّب والصّيدلة مجالان منفصلان. يعرف الأطباء أن هناكَ أعشابًا تصبح سامة عند مزجها، لكنهم لا يعرفون بالضرورة أي الأعشاب بالتحديد.
عادةً، عندما يسقط شخص، يُستدعى طبيب، وليس صيدلي. لذا، كانَ هذا فعلًا مدبرًا بعنايةٍ مع الثقة بأن أدلّةَ السّم لن تُكتشف.
لو كان مالكوم من أتباع ليفيا أو طبيبًا لم يدرس الصيدلة، لربّما مرَّ الأمر دونَ معرفة السبب.
سألتُ مالكوم بحيثُ يسمع الجميع.
“لقد أدركتَ على الفور أنه نوع معقد من السم، أليس كذلك؟”
“لقد درستُ الطب والصيدلة معًا.”
“يا لها من مصادفة.”
تنفستُ الصعداء كما لو كنتُ مرتاحة، ثم قلتُ للناس:
“كما قال الطبيب، إنه نوعٌ من السموم لا يعرفه إلا الصيادلة البارعون في الصيدلة. لو لم يعرف الطبيب هنا ذلك، ولم يعرف أحد… ماذا كان سيحدث؟”
لم يجب أحد.
لأن الإجابة كانتْ واضحة جدًا.
“لكانَ من المستحيل معرفة نوع السم الذي أصيبت به آيشا… ولما تمكنا من العثور على الجاني، أليس كذلك؟”
“…..”
“أو ربّما كان سيُتهمُّ شخصٌ بريء.”
كنتُ أنا من تمَّ اتّهامه في البداية. هل لهذا السبب؟ بدأ الأشخاص الذين كانوا يضغطون عليّ قبل قليل ينظرون حولهم بحذر.
حتى لو تمَّ الكشف عن الحقيقة لاحقًا، لكان الوقت قد فات. كانت الشائعات ستنتشر بسرعةٍ عبر شخصيات المجتمع الراقي هنا، وكان أولئك الذين يخشون ليفيا سينضمون، مما كان سيؤدي إلى اتهامي و دفني في لحظة.
‘ليستْ المشكلة مجرد الدفن في المجتمع الراقي. آيشا هي وريثة شيرن… و ربّما كانوا سيربطون هذا بوليّ العهد كاليد.’
مجرّد كوني خطيبة وليّ العهد كان كافيًا لإشراك كاليد. لو لم أتنبأ و أتجنّب ذلك، لما كانتْ المشكلة ستنتهي عند خطأي فقط.
كان التّفكير في النّتيجة المروعة يجعلني أرتجفُ من شراسة خطّة ليفيا.
حتى تلكَ اللحظة، كانت ليفيا تراقبُ الوضع بهدوء، وأخيرًا فتحت فمها.
“لقد لاحظتِ أعراضًا لم يتمكن الطبيب من ملاحظتها على الفور، يا آنسة فالاندي. يبدو أنكِ ملمّـة جدًا بالسموم. حتى أنكِ جئتِ بحقيبة الأدوية المضادة إلى حفل الشّاي الخاص بي… هل كنتِ قلقة من أنني ربما سأضعُ سمًا في الشاي؟”
“أنا مهتمة بالصيدلة، وقد قرأتُ الكثير من الكتب مؤخرًا. وحفلُ الشاي هذا تستضيفه سيّدة القوة المقدسة، فكيف يمكنني التفكير بمثل هذا؟”
“إذن، كيف جئتِ بدواءٍ مضاد؟”
كان سؤالًا متوقعًا منذُ لحظة جلبي لدواءٍ مضاد إلى حفل الشاي. هززتُ كتفيّ بهدوء وأجبتُ:
“كان سمو وليّ العهد قلقًا مؤخرًا بسببِ الأحداث غير السارة. قال إنه قد يكونُ هناك مَنْ يحمل ضغينة بسببِ قضية بيلانيف، لذا أوصاني بحمل الدواء المضاد أينما ذهبت، وقد أعطاني إياه كهدية.”
“…سموّ وليّ العهد بنفسه؟”
“كانت هناكَ العديد من الأحداث غير السّارة مؤخرًا.”
“بالتأكيد، كان هناك مَنْ تأثروا بتلك القضية…”
كان سببًا منطقيًا تمامًا. لم أحضر الدواء بنفسي، بل كنت أحمل هدية من “ولي العهد”، وهذا أقنع الجميع.
عندما رأيتُ ليفيا تعضُّ شفتيها بهدوء، لم أفوت فرصة إضافة:
“قد يكون العلاج مصادفة، لكن تسميم آيشا لم يكن مصادفة أبدًا. ما يجب أن نركز عليه الآن هو… مَنْ أعطى آيشا السم، و لمدّة طويلة بما يكفي ليتراكم في جسدها؟”
“…..”
“شخصٌ مقرب تمكن من تكرار التسميم دونَ إثارة الشبهات، وكان اليوم أقرب شخص إلى آيشا.”
تحولت أنظار الناس تدريجيًا نحوَ الدوقة شيرن. لكن عينيها كانتا مثبتتين على شخصٍ واحد فقط منذ البداية، دونَ أي اهتزاز.
المرأة التي كانت متوترة منذُ بدء الحديث عن السم. كانت مربية آيشا ترتجف وتهزّ رأسها بعنف.
قالت الدوقة بياتريس، وهي تحتضن آيشا بقوّةٍ أكبر وتنظر إلى المربية:
“…دونا، هل هذا من فعلكِ؟”
“سيّدتي! كيف يمكنني… كيف يمكنني أن أفعل شيئًا كهذا…!”
لم يكن لتبريراتها، التي نطقت بها و وجهها الشاحب، أي مصداقية. لم تستطع حتى تقديمَ تبرير مناسب، مجرّد تكرار أنها لم تفعل ذلك.
“مربية تسمم طفلة تحت رعايتها…”
“لا يمكن تصديق ذلك. لماذا تفعل شيئًا كهذا…؟”
تحولت الهمسات إلى ضجيج كبير تدريجيًا. عبست ليفيا بشدّة و تراجعت خطوةً بهدوء.
مع ظهور ملامح الجاني بوضوح أكبر، كان هناك تهديد مميت في هيبة الدوقة. انهارت المربية على ركبتيها كما لو أن قوتها قد نفدت.
“هذا ليسَ صحيحًا! سيّدتي، لا… سيّدتي الدّوقة… لم أفعل ذلك حقًا…”
لم تقل الدوقة شيئًا. كانت فقط تضم فكها بقوّة كما لو كانت تكبت غضبها.
كانت المربية بالتأكيد من أعطت السّم لآيشا. من المحتمل أنه بمجردِّ تحديد حضور حفل الشاي، بدأت بإعطاء كريسا لها باستمرار.
ثم الدواء الذي جعلت آيشا تتناوله بحجة التجول في الداخل-
‘كان ذلك مورفيلين، على الأرجح.’
كانت آيشا تتناول الأدوية بانتظام، وكانت المربية دائمًا مَنْ يعتني بها. لذا، بالطبع، ابتلعت الدواء الذي قدمته دونَ شكّ.
بما أنه تم تحويله إلى شكل حبوب، كان من الصعب اكتشافه مسبقًا. حتى أنا لم ألاحظ شيئًا حتى بدأت آيشا بالتشنج.
كنتُ أتوقعُ أن يتم التسميم في حفل الشاي، لكنني لم أتخيل أنها ستأتي وقد تمَّ تسميمها بالفعل.
‘الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أنها خطة دبرت بعناية لتتم من خلال أيدي الآخرين دونَ أن تتسخ يداها.’
كانت دقيقة و ماكرة.
تصاعدت الضجة من كلّ الجهات بشكلٍ لا يمكن السيطرة عليه، و انتشرت القضية أيضًا. كان مجرد حقيقة محاولة تسميم وريثة عائلة جريمة كبيرة، لكن أن يكون الجاني شخصًا موثوقًا به كان صادمًا أكثر.
بالنّسبة لعائلة شيرن، كان ذلكَ عارًا بحدِّ ذاته.
بدت الأمور و كأن المربية تم اختيارها كجانية لتشويه سمعة شيرن في حالة فشل الخطة.
لا، من المحتمل أن يكون ذلك صحيحًا. المربية ليست سوى بيدق لمرّةٍ واحدة في لعبة ليفيا.
“لقد أظهرنا مشهدًا مؤسفًا. بما أن تعافي الطفلة هو الأولوية، سأغادر أولاً.”
كبحت الدوقة بياترس غضبها المشتعل و ودعت بكرامة وسط الصخب.
دخل فرسان عائلة شيرن، الذين جاءوا معها، إلى غرفة الاستقبال.
نظرت إليهم الدّوقة بياترس بوضعية رزينة لا تتزعزع وأصدرت أمرًا.
“كبلوا دونا. لكن، لا يسمح لأحد أن يمسها بإصبع. إنها… مَن تجرأت على محاولة قتل وريثة شيرن.”
لم يعدْ هناك أثر للطريقة الحنونة التي نادت بها اسمها قبل قليل.
لقد اتخذت قرارًا باردًا و حاسمًا.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 96"