لمعتْ عينا آيشا عندَ سماع كلمة “جولة داخلية”.
يبدو أنها لا تزال طفلةً مليئة بالفضول. أومأت برأسها بسرعة، لكن سرعانَ ما تحول وجهها إلى تعبير كئيب وهي تنظر إلى مربيتها التي تقف على مسافة.
“سأسأل المربية!”
ذهبت آيشا بوجهٍ جاد وعادت بسرعة بوجه مشرق. يبدو أن المربية وافقت لحسنِ الحظ.
“قالت إنه لا بأس إذا لم أبتعد كثيرًا.”
ثم أخرجت شفتيها وجذبتْ كوب الماء الدافئ إليها وقالت:
“يبدو أنها لاحظت سعالي من قبل. قالت إن عليّ تناول الدواء قبل الذهاب.”
“يجبُ تناول الدواء في وقته. هكذا ستتعافين بسرعة.”
“…لكن الدّواء يجعلني أشعرُ بالنعاس الشديد.”
يبدو أن الأدوية التي تسبّب النعاس هي نفسها في هذا العالم كما في العالم السابق. على الرّغمِ من تذمرها، تناولت آيشا الدّواء بجدية.
عبست بشدة، ربما بسببِ مرارة الدواء، ثم وضعت ما تبقى من البودينغ في فمها دفعة واحدة.
حتّى هذا التصرف بدا مألوفًا جدًا.
“انتهيت! هيا بنا!”
لم تعد آيشا تخجل مني بعد الآن. اقتربت مني مبتسمة بخجل، ثم نظرتْ حولها بحذر.
“إذا رأيت القليل فقط قبل أن تعود الخالـة… لن أُوبّخَ، أليس كذلك؟”
“لقد حصلتِ على إذن المربية. لن نبتعد، فلا تقلقي. وإذا وبخوكِ… سأتعرّض للتّوبيخِ معكِ.”
دخلنا إلى الغرفة المتصلة بالشرفة، ونظرت خلفي، لكن مربية آيشا لم تتبعنا.
بدهشة، أملت رأسي و سألت:
“ألم تكن المربية سترافقنا؟”
“قالت إنها ستنتظر.”
“حقًا؟”
“نعم. لدى المربية الكثير من الأعمال، فلا يمكنها مراقبتي طوالَ اليوم.”
من المؤكد أن الدوقة جعلتْ المربية ترعى آيشا بعناية فائقة. ربّما كان هناك ظروف تجعلها تترك آيشا بمفردها في مثلِ هذه الحالات غير المتوقعة.
ومع ذلك، لم تتبعنا المربية. وحتى ردّ فعل آيشا بدا طبيعيًّا جدًا، مما زاد من دهشتي.
‘ربّما هناكَ ظروف لا أعرفها.’
لستُ قريبة منهم، وكل ما أعرفه عن عائلة دوقية شيرن هو من الشائعات. لا يمكنني معرفة كل ظروفهم.
في تلكَ اللحظة، أمسكتْ آيشا بيدي برفق.
ثم فتحتْ عينيها بدهشة، كما لو أنها فوجئت بنفسها، ورفعت رأسها وسألت:
“…هل يمكنني أن أمسكَ يدكِ؟”
كانت فتاةً ضعيفة الجسم، لكن تعبيرها عن مشاعرها كان واضحًا.
“بالطّبع. لديَّ أختٌ صغيرة مثلك، آيشا، و كثيرًا ما نمسك أيدينا و نتنزه.”
“آه! أعرفها. الآنسة سيريل فالاندي، أليس كذلك؟ سمعتُ أنها تحقق درجات ممتازة في الأكاديمية.”
يبدو أن الدّوقة، التي تُعرف بأنها سيدة الأوساط الاجتماعية، بدأت بتعليم آيشا دروس الوراثة مبكرًا، حتى أنها أخبرتها بمثل هذه القصص.
“صحيح. إذا سنحتْ الفرصة في المرة القادمة، سأعرفكما على بعضكما بالتأكيد. أنا متأكدة أنكما ستصبحان صديقتين.”
“حقًا؟ أنا لستُ بصحّةٍ جيدة… هل تعتقدين أنها سترغب في أن تكون صديقتي؟”
“المرض لا علاقة له بتكوينِ الصداقات. إذا كانت قلوبكما متوافقة، فهذا يكفي. إذا كان اللّقاء المباشر يشكل عبئًا… ماذا عن تبادل الرسائل أولاً؟”
اقترحتُ بحذر حتى لا أضغط عليها، وأمسكتُ يد آيشا بقوة.
مشينا معًا عبر الممر و دخلنا غرفة استقبال واسعة إلى حدٍّ ما.
‘لا يزال المكان كما هو.’
لم يكن بعيدًا عن مكانِ إقامة حفل الشاي.
الزخارف المرتبة على الجدران، والإضاءة الكلاسيكية، ومشهد الحديقة المتماوج عبرَ إطار النافذة—كلّ شيء أعادَ ذكريات قديمة بهدوء.
في الأيّام التي كنتُ أتجول فيها بجسدٍ غريب، كنتُ أختبئ هنا كثيرًا.
على الرّغمِ من اتساع غرفة الاستقبال، كان موقعها غريبًا، مما جعلها غير مرئية بسهولة من الخارج.
و بفضلِ التحف القديمة المرتبة في كل مكان، كان من السّهل الاختباء خلف التماثيل الكبيرة حتى داخل الغرفة.
أتذكّر كيفَ كانت الخادمات يشتكين من صعوبة تنظيف هذا المكان. كنت أفكر في ترتيبه يومًا ما، لكن لم تأتِ الفرصة أبدًا.
على الرّغمِ من الشكاوى، بدا أن الغرفة لا تزال تُنظف جيدًا، حيثُ لم يكن هناك غبار. لكن التحف القديمة أصبحت أكثر بكثير مما كانت عليه.
“هل هذا… مستودع؟”
“ربّما مكانٌ يجمعون فيه الهدايا. انظري، هذه تبدو قديمة لكنها زينة ثمينة جدًا. جاءت من القارة الشرقية.”
بالتّحديد، هذه أغراضٌ قدّمها الضيوف على مضض لليفيا، كما لو كانوا يقدمون تكريمًا. كلها نادرة لكنها عديمة الفائدة، لا يمكن بيعها، فتتراكم كعبء.
“رائع! هل يمكنني النّظر إليها قليلاً؟”
“لا بأس، طالما لا تلمسينها…”
“حسنًا!”
بدأت آيشا تنظر إلى التّحف المرتبة بعيون متألقة.
ربّما كانت هذه المرة الأولى التي ترى فيها أشياء غريبة في مكانٍ جديد، فكانت خدودها المحمرة محببة للغاية.
‘قالت إن الخروج نفسه صعب عليها.’
مشيتُ ببطء حول المكان و توجهت نحو النافذة.
بفضلٌ الموقع الغريب و الزهور البيضاء المتسلقة، كان من السهل الاختباء حتى عند الوقوف عند النافذة.
إذا كانت ذاكرتي صحيحة…
بعد لحظات، سمعت صوتًا منخفضًا كما توقعت.
“ألم نقل لكِ ألا تذهبي إلى الحديقة؟ لماذا تتسكعين هناك؟”
“لكن، لكن… السّيدة جينا…”
“حتى السيدة جينا قالت، مهما حدث، لا تتدخّلي.”
“كيف يمكنني ذلك؟ كلّ يوم، كلّ يوم تعاني هكذا… إنها السّيدة جينا…آه.”
تحوّل! الصّوت المرتجف إلى بكاء. عندما نظرت من النافذة، رأيت خادمتين تقفانٌ هناك.
توقفّت الخادمة التي كانت غاضبةً عن الصراخ عند رؤية الخادمة الأخرى تبكي، و تنهّدت بعمق.
“إذا تدخلتِ و حاولتِ مساعدتها، ستجعلين الأمور أسوأ بالنّسبة للسيدة جينا. حتى لو أحضرتِ كوب ماء، اللّيلة ستصبح العقوبة أقسى.”
“ماذا نفعل إذن… أريدُ أن أفعل شيئًا، أيّ شيء، آه، لا يمكنني الوقوفُ هكذا دونَ فعل شيء… هيك، أن أنتظر هكذا!؟”
“مَنْ لا يعرفُ ذلك؟! لا توجد طريقة! بعد عملكِ لأشهر، يجبُ أن تعرفي الآن. ألم تشعري بذلكَ عندما ذهبتِ إلى غرفة السّيدة لأوّل مرة؟”
“…..”
“إذا دخلتِ إلى المستودع الشّرقي، لن تخرجي على قدميكِ. هذه المرّة، لم تذهب هي بدلاً منكِ لتتلقى العقوبة.”
“آه، آه… السًيدة جينا…”
“توقّفي عن البكاء! ألا تعلمين أن اليوم هناكَ حفل شاي للسيّدة؟ إذا اكتُشفتِ هكذا… ستنتهين في المستودع الشرقي!”
أخرجتْ الخادمة العصبية منديلاً و مسحت وجه الخادمة الباكية بعنف. على الرّغمِ من لهجتها القاسية، كانت هي أيضًا تعاني، حيثُ كانت تعبس.
كان صوتها الذي يحاول كبحَ البكاء يرتجف، وتنهداتها تحمل استسلامًا عميقًا.
أدرتُ عيني بشكلٍ طبيعيّ و اتجهت في اتجاه آخر. كان الحديث قصيرًا، لكنه قدّمَ معلومات أكثر! فائدة مما توقعت.
الأهمّ من ذلك، تأكّدتُ أن جينا على قيدِ الحياة حقًا. شعرتُ بألمٍ في قلبي عند معرفة أنها تعاني من آلام أكبر مما تخيلت،… لكن هذا كان متوقعًا.
‘من حسنِ حظي أنني تذكّرتُ أن هذا المكان يختبئ فيه الخادمات للراحة.’
مع هذه المعلومات، شعرت أنها كافية، و استدرت.
كنتُ لا أزال قلقةً بشأنِ اختفاء ليفيا مع الدوقة.
كح!—
“…آه؟ كح!”
فجأةً، بدأت آيشا، التي كانت تتفحص التحف ببطء، تسعل بشدة.
“آيشا؟”
هرعت إليها وأمسكت بظهرها لدعمها. كانت آيشا ترتجف، مندهشة هي نفسها، بعيونٍ مفتوحة على مصراعيها.
“آه… هذا، اغغ، كح.. شيء غريب… كح—!”
فقدت آيشا قوتها في ساقيها و سقطت، فأمسكت بها في حضني على عجل.
لكن السّعال لم يتوقف. أخيرًا، تقيأت آيشا ما يشبه كتلة دم، و.تحوّل وجهها إلى اللون الأبيض.
أمسكت ثيابي بيدها الصغيرة وهيَ مغرورة بالدموع. عضضتُ شفتي دونَ وعي.
“آيشا؟ آيشا! لماذا فجأةً… آيشا، هل تسمعينني؟”
كانت آيشا خائفة، تمسكُ بطنها و تغلق فمها بإحكام.
“لا! لا يجبُ أن تتحمّلي الآن!”
ما اعتقدته كتلة دم كان في الواقع البودينغ الذي أكلته من قبل.
كان القيء الممزوج بالدّم يرتجع، مما يعني أن إغلاق فمها كالعادة قد يسد مجرى الهواء.
عادةُ آيشا القديمة في “التحمل” كانت تهدّدُ حياتها الآن.
التعليقات لهذا الفصل " 91"