كان التوقيت سيئًا للغاية، لكن لم يكن بإمكاني تفويتُ حفل الشاي. لم أستطع التطرق إلى موضوع القوّة المقدسة دونَ يقين.
كان هذا هو السّبب في استبعاد مسألة القوة المقدسة بالكاملِ من خطتي هذه المرة. نزلتُ من العربة ونظمت أفكاري بسرعة.
كان قصر أرفين، كما هو متوقع، مثاليًا.
لم يكنْ هناكَ أي أثر للغبار على الجدران الحجرية البيضاء، و كانت الأزهار البيضاء التي تنمو على الكروم التي تسلقت الجدران تبدو و كأنها مباركة بالقوّة المقدسة.
كانت الأرضيات الرخامية تمتد بشكل أنيق إلى البوابة الرئيسية، وكانت حدائق الورود الحمراء تتفتح ببهاء على جانبي الطريق.
‘لا يزال ذوقها سيّئًا كما هو.’
شعرتُ بنفسُ الشّعور الذي أحسستُ به عندما تلبست جسد ليفيا لأوّل مرة.
كان قصر أرفين ينضح بأجواء مقدسة ونبيلة تليق بعبارة “النسب العريق”.
الجدرانُ البيضاء، الكروم التي تتسلقها، والأزهار البيضاء التي تتفتّح بهدوء بينهما. لكن الورود الحمراء التي بدت وكأنها رذاذ دم وسطَ كلّ ذلك أضافت شعورًا بالغرابة.
لم تكن متناغمة، بل كانت تلفت الانتباه أكثر من القصر نفسه، مما يعكّرُ جماله الأصلي.
على الرّغمِ من أن الوقت مبكّرٌ لتفتح الورود.
كانَ من الواضحِ أن نيّة ليفيا هي جذب الانتباه، لكن ذلك لم يستدعِِ حتى ضحكةً مني.
‘هذا يعني أن المعركة قد بدأت بالفعل.’
رفعت عيني إلى قصر أرفين المألوف جدًا، وشعرتُ بهدوءٍ بارد يتسلّل إلى مشاعري.
المكان الذي كان دافئًا و ودودًا تحوّلَ الآن إلى عرين نمر يفتح فمه تجاهي.
كانت الخادمة التي جاءت لاستقبالي وجهًا غريبًا. تبعتها وأنا أراقبُ بهدوء فتح أبواب القصر.
تنفّستُ ببطء. لم أعد متعلقة بلحظات التّجسد.
هذه المرة، لستُ ليفيا، سيّدة هذا القصر، بل إيرديا التي تعودُ لتمشي في هذا المكان مجدّدًا.
كانت خطواتي أخفَّ مما توقعت.
سقطَ ضوء الشّمس الناعم على الشرفة المتصلة بالداخل. كانت الحديقة الخلفية للقصر تبدو أكثر هدوءًا و أناقة مما تذكرت.
تحتَ المظلة الطويلة، كانتْ هناكَ مجموعات شاي متنوعة و حلويات محضرة بعنايةٍ مرتبة بشكلٍ أنيق، وكانت الحديقة وكلّ شيء محضر بدقّة و يتألق بفخامة.
“يا إلهي! أشعرُ وكأنني في حفلة حديقة!”
أعجبتْ إحدى السّيدات النبيلات المزينة بإتقان بالمحيط، وهي تصفّقُ بحماس. كان واضحًا من تعابير الضيوف المبتهجة أن حفل الشاي الذي أعدته ليفيا كان ناجحًا للغاية.
كان حجم الحفل يمكن أن يُسمى حفلة حديقة، لكن تسميته “حفل شاي” كان بسببِ تقييد عدد الحضور إلى عدد قليل.
كانت ليفيا تعرفُ بالضبط كيفَ تجعل الناس سعداء.
على الرّغمِ من أنّهُ حفل شايٍ صغير، فإن حقيقة دعوتهم من قبل سيّدة القوة المقدسة مباشرةً جعلت هذا التجمع يبدو كـ”مجموعة المختارين المباركين”.
حتى إذا كان المكان فاخرًا بحجم حفلة حديقة؟
‘سيشعرون وكأنهم أشخاصٌ مميّزون حقًا.’
الجميع يريدُ أن يكون مميزًا. وحتى لو لم يكن لديهم هذا الرغبة، لا أحد يكره أن يُعامل معاملة خاصة.
كانت ليفيا تعرف جيدًا أنَّ شعورَ “الاختيار” يمكن أن يتلاعب بسهولةٍ بمشاعر الناس.
في النّهاية، كان حفل الشاي هذا مسرحًا مثاليًا صممته ليفيا. كما توقعت… لكنه كان محضرًا بعناية أكثر مما كنتُ أتخيل.
‘ومع ذلك، مكان حفل شاي يسمح بالتنقل بين الداخل والخارج هو ميزة بالنّسبة لي أيضًا.’
لمعرفةِ مكان جينا، كان عليّ التحقق من الداخل. في مثلِ هذه الأجواء، لن يبدو تصرفي غريبًا إذا تجولت قليلاً داخل القصر.
بالطّبع، قد يكون كل هذا فخًا آخرَ أعدته ليفيا، لكن بالنّسبة لي، لم يكن لديّ خيار في هذا الجزء.
بينما كانَ عطر الشاي و رائحة الحلويات تنتشر، بدأ صمتٌ هادئ يتسلل. تحولت أنظار الناس تلقائيًا نحو اتجاه واحد.
“الأم الكبرى؟”
مع همسة أحدهم، دخلت امرأة بمساعدةِ خادمة إلى الحديقة.
كانت الدوقة بياتريس شيرن، مرتدية حجابًا أسود فوق شعرها الأبيض المرفوع بعناية.
كانت رمزًا للنبلاء، لم تُثرْ حولها أي شائعة حتى بعد المأساة، و كانت ثروتها الجنوبية الأولى معروضة بأناقة مقتصدة من خلالَ بروش فضي واحد.
كان وجودها وحده ينضح بالهيبة، ممّا جعلَ المحيط يهدأ بشكلٍ طبيعي. تغيرت الأجواء التي كانت مأخوذة بمسرح ليفيا في لحظة.
وكانت هناك فتاة صغيرة و هشة تمسك بيدها بقوة.
‘تلك هي وريثة شيرن، آيشا…’
كانت آيشا، التي ربما تبلغ من العمر ثماني سنوات، ترتدي قبعة واسعة الحواف و شعرها مربوط برباط أسود، تسير ببطء، و كأنها غيرُ معتادة على مثلِ هذه المناسبات.
اختبأت خجلاً خلفَ الدوقة عندما شعرت بالأنظار المسلطة عليها.
ظهرتْ ليفيا فجأةً من مكان ما، كما لو كانت تنتظر، و تقدّمت مع الخادمات لاستقبال الدوقة.
“مرحبًا، سيّدتي الدوقة. زيارة عائلة شيرن جعلتْ حفل الشاي هذا أكثر تألقًا.”
“أنتِ تبالغين، أميرة أرفين.”
كانَ رد الدوقة هادئًا كما سمعت من قبل.
لم يكن متألقًا، لكنه كان بنبرة ثابتة و نظرة هادئة لا تُغلبها أيّ شخصية.
‘بياتريس شيرن.’
نبيلة كبيرة تمتلكُ نصف أراضي الحبوب في الجنوب، و تُعرف في الأوساط الاجتماعية بـ”الأم الكبرى” بسببِ نفوذها الهائل.
“هل هذه الطفلة الجميلة هي آيشا؟”
“نعم، لا تزال ضعيفةَ الجسم، لكنها ذكية جدًا. تحب قراءة الكتب، مما يجعلني سعيدةً جدًا.”
“إذن، دراسة الوراثة ليست مملة. يسعدني لقاؤكِ، آيشا.”
برغم تعبيرها المتوتر، أمسكت آيشا بحافّة فستانها بحذر و أنحنت.
“أنا آيشا شيرن. إنه لشرفٌ أن ألتقي بسيّدة القوة المقدسة.”
ضحكت ليفيا بلطف على تحيتها اللطيفة و المهذبة.
كانت آيشا خجولة قليلاً، لكنها حافظت على سلوك أنيق متأصل فيها. كانت جديرة بأن تكون فتاة ربتها الدوقة بياتريس، الأم الكبرى التي يطمح الجميع لتعليمها.
ربّما بسببِ ظهور ضيف كبير غير متوقع، تدفق تيار غريب بين السيدات و الآنسات. كان الجميع يأمل في كسب ودّ سيدة القوة المقدسة و الحصول على بركة، لكن ظهور الأم الكبرى جعلهم يترددون في تحديد مَنْ يجب الاقتراب منه أولاً.
لكن هذا الإحراج لم يدم طويلاً. بعد أن أنهت ليفيا تحيتها مع الدوقة، تحرّكت ببطء نحو الحديقة.
تمايل أطراف فستانها الحريري الرقيق مع نسيم الهواء.
“اليوم، دعوتُ بعنايةٍ أشخاصًا لهم صلة خاصة بي. ربما كان الأمر مفاجئًا، لكن لا داعي للقلق.”
ابتسمت ليفيا بلطفٍ وهي تنظر إلى الضيوف المنتشرين من التراس إلى الحديقة، ثم تكلمت:
“آمل أن يكون هذا التجمع وقتًا أكثر حرية وراحة. حفلات الشاي الرسمية مملة، أليس كذلك؟ اليوم، استمتعوا بالحلويات و الشاي و تصرّفوا براحة.”
حفل شاي تستضيفه سيدة القوة المقدسة. ربّما تردّدَ البعض خوفًا من وجود نوايا خفية، لكنهم لم يرفضوا الحضور. خـفَّ هذا التوتر تدريجيًا مع كلمات ليفيا اللبقة.
جلستُ، و أخذتُ أشرب الشاي، وأتصرف بأكبر قدر من الراحة. كما توقعت، لم يقترب منّي أحد، ولم يقمْ أحدٌ بتحيّتي حتى.
‘هذا ما يُسمى… بالنّبـذ.’
لم أكنْ هنا للاختلاط بالناس، لكنني لم أستطع تجنب الشّعور الغريب. كلّ شيءٍ كان على ما يرام. لكن رؤيتهم يتهامسون و يضحكون بينهم وهم ينظرون إليّ جعلني أشعر… بالسّوء حقًا.
‘هل هذا أيضًا جزءًا من خطّة ليفيا؟’
كلّ شيءٍ بدا و كأنه جزء من خطتها، حتى الأمور التافهة. حاولتُ ألا أفكر في ذلك و انتظرتُ فرصةً لدخولِ القصر.
انقسمَ الناس إلى مجموعتين، واحدة مع ليفيا والأخرى مع الدوقة، و تحدثوا في مجموعات.
شعرتُ ببعضِ النّظرات العابرة، لكن لم يتحدث إليّ أحد أمام ليفيا.
ليسَ غريبًا.
في هذا المكان، أنا و ليفيا كنا المرأتان المرتبطتان بكاليد—خطيبته السابقة و الحالية. علاقةٌ لا يمكن وصفها إلا بالإحراج.
لكن هناك دائمًا استثناءات.
“…مرحبًا. هل… يمكنني الجلوس هنا؟”
اقتربت فتاةٌ صغيرة بحذر، تسأل بنبرة مهذبة. ربّما خلعت قبعتها واسعة الحواف، كان شعرها مربوطًا بضفيرتين منخفضتين.
على الرّغمِ من نبرتها المهذبة كالنبلاء، كان مظهرها اللّطيف و صوتها العالي النقي يعكسان طفلةً في الثامنة من عمرها.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 89"