تذكرت صورة جينا وهي تُحتضرُ أمام الكاتدرائية، مما جعلَ رؤيتي تتشوش للحظة. كان القرار الذي اتخذته كافيًا بعد رؤيتها في تلكَ الحالة دونَ أن أتمكن من فعلُ أي شيء.
خطوةٌ واحدة. لا، خطوتان، ثلاث خطوات.
إذا لم أتقدّم، فقد يكون الشخص التالي الذي ينهار هناكَ هو شخصٌ آخر. لمنعِ أي شخص أحبه من المعاناة بهذا الشّكل مرة أخرى، لم يكن عليّ أن أنطق بكلماتٍ ضعيفة.
حتى لو كان الطّريقُ الذي اخترته الآن مروعًا… فقد بدا أفضل من الجحيم الذي كان بعيدًا عن متناول عيني ويدي في ذلك البعد الآخر.
“إذن، اتخذتِ هذا القرار… ربما كان سموّه يعلم أنكِ ستتخذين مثل هذا القرار.”
“…كاليد؟”
“نعم. قال سموّه إنكِ ستحتاجين إلى وقت.”
“…ماذا؟”
نظرَ إليّ الماركيزو هو يتفحّص وجهي، ثم خدش جبهته بإحراج و تحدّثَ ببطء:
“لقد عرف. أنكِ… كنتِ ‘ليفيا’ التي كان يحبّها في قلبه.”
توقّفَ قلبي للحظة. كيف عرف؟
إذا كان قد عرف، فمتى حدثَ ذلك…؟
ربّما كانت ردة فعلي تجاه جينا غريبة، لكنه هل لاحظَ شيئًا قبل ذلك؟
قبل مغادرتي إلى كاتدرائية ديرفولد، قررتُ أن أخبر كاليد بكلِّ شيءٍ عند عودتي. ربّما بسببِ هذا القرار، لم تكنْ معرفته بالحقيقة صادمًا بشكلٍ غريب.
كان هذا سيحدث عاجلاً أم آجلاً. لكنني لم أتوقع أن تكونَ هذه اللحظة الآن.
تنفست ببطء.
“كنتُ دائمًا أفكّرُ في كيفية قول ذلك. لكنه… عرفَ قبلَ أن أقول. ربّما هذا أفضل.”
أردت أن أخبره.
تعهّدت مرّاتٍ عديدة أنني سأخبره بنفسي يومًا ما. كان من الألم أكثرَ مما توقعت ألا أستطيع قول الحقيقة و أنا بجانبه.
كنتُ ألومهُ أحيانًا لأنه لم يتعرّف عليّ بسببِ تغير مظهري. من المضحكِ أنني شعرت أنني سأختنق من الوحدة إذا لم أفعل ذلك.
إذا انتظرت… سأتمكنُ من قول ذلك يومًا ما.
قليلاً فقط، قليلاً أكثر.
“الآن، حانَ الوقت للتوقف عن الاختباء. لن أهرب بعد الآن.”
أخرجت الكلمات التي أعددتها منذ أن قررتُ التحدث.
“كنتُ خائفةً من إيذائه، و من أن أُجرح… ظللت واقفة في مكاني. كنت أؤمن أنني سأحمي الأشخاص المهمين… لكنني كنتُ مخطئة.”
ارتفعت زاوية فمي تلقائيًا. لم أعرف إن كنتُ أبتسم أم أشعر بالمرارة.
“إذا واصلتُ الهروب… فلن أستطيع حماية أي شيء في النهاية. بعد أن رأيتُ شخصًا يخصّني في تلك الحالة… كيف يمكنني الهروب مجددًا؟”
استدرت لأنظرَ عبر النافذة حيث كان ضوء الشمس يتدفق.
في يومٍ مشمس، التّحدث مع الأشخاص المفضلين لي وشرب الشاي… هل كان هذا حلمًا كبيرًا إلى هذا الحد؟ هل كنتُ أطالبُ بالكثير؟
لا. إنها حياتي.
السعي وراء السّعادة لا يمكن أن يكونَ حلمًا كبيرًا. أنا الآن إيرديا، و لست ليفيا.
لن أعيشَ حياة شخصٍ آخر بعد الآن، ولن أدع الشّعور بالذنب يقمعني.
“حان الوقت للمواجهة. سأقاتل ليفيا الآن على منصب سيدة القوة المقدسة.”
استمع الماركيز إلى كلماتي بهدوء. كانت نظرته تقول إن أي قرار أتخذه مقبول، مهما كان.
“للقيامُ بذلك، أحتاج بالتّأكيد إلى مساعدة كاليد. كنتُ أنوي إخباره بعد عودتي من الساحة… لكنه عرفَ قبل أن أخبره.”
عَـمَّ الصمت للحظة. على الرغم من قبولي الأمر بهدوء، سألت بحذر بسببِ الأفكار التي ظلت تدور في ذهني:
“…كيف كان؟ هل غضب؟”
تردّدَ الماركيز للحظة، ثم ظهرت تعبيرات متقلصة على وجهه. لم يقل شيئًا، لكن تعبيره قال كل شيء.
ترددتُ، ثم سألت مجدّدًا:
“…هل تألّٕمَ كثيرًا؟”
خرجَ مني صوتٌ مرتجف. هذه المرة أيضًا، لم يقل الماركيز شيئًا. لكن صمته كان كافيًا.
أطرقتُ رأسي و تنهّدت بعمق.
“…إذن هكذا.”
كنت أتمنى لو كانَ قد غضب وسألني لماذا أخفيت الأمر طوالَ هذا الوقت. لكنه، مثلما فعلت أنا، تألم بمفرده… و لامَ نفسه هكذا.
“…أيها الأحمق.”
شعرتُ وكأن المشاعر ستغمرني، فأغلقت عينيّ بقوة ثم فتحتهما مجددًا. الآن ليسَ وقت تهدئة مشاعري.
“…إذن، ماذا كان يعني بقوله إنني سأحتاج إلى وقت؟”
“ربّما كانَ يخشى أن تلومي نفسكِ و تهربي. ظننتُ أنا أيضًا أن هذا سيحدث…”
مسحَ الماركيز لحيته ببطء وضحكَ ضحكة جوفاء.
“لم أتوقع أن تقبلي الأمر بهذا الهدوء. كان لدى سموّه رسالة لكِ… لكن يبدو أنها ليست ضرورية الآن.”
“رسالة؟”
“نعم. قال: ‘حتى لو أخفيتِ الحقيقة، لم تكذبي أبدًا. لذا، أنتِ لم تخدعيني أبدّا. إذا أردتِ لوم نفسكِ، فعليكِ لومي أنا، الأحمق الذي لم يتعرف على حبيبته.'”
كلمات تحمّل كلّ اللوم على عاتقه، كما لو كان أحمق. كانت كلمات كاليد تمامًا.
رغبتُ في الركض إليه على الفور، لكنني كبحت نفسي بقوة.
كلماته بأنني “سأحتاجُ إلى وقت” ساعدتني قليلاً، وإن لم يكن بالطريقة التي توقعها… كان عليّ الآن القيامُ بشيءٍ ما.
“يجب أن أنقذ جينا. لا يزال من الممكن أن تكون على قيدِ الحياة. أعلم أن هذا طلب صعب… لكن أليست هناك طريقة لدخول قصر أرفين؟”
“كما قلت من قبل، قصر أرفين ليس مكانًا يمكن الوصول إليه بسهولة. سيكون أمرًا خطيرًا وصعبًا…”
“لكن لا يمكننا ترك جينا هناك.”
“همم.”
التّسلل إلى قصر نبيل لن يكون صعبًا على شخص يدير قافلة تجارية مثله. لكن إذا تحدث بهذا الشكل، فإن قصر أرفين كان بمثابة حصنٍ منيع.
ربما كانت الأمور الأكثر خطورة تحدث بداخله، لذا كانت الحراسة الشديدة أمرًا متوقعًا. عضضت شفتيّ كعادتي و فكرت.
أنا مَنْ يعرف قصر أرفين أكثرَ من أيّ شخصٍ آخر.
بينما كنتُ أشعر بالإحباط لعدم وجود حلٍّ واضح، سمعت طرقًا على باب غرفة الاستقبال.
ظننت أنها الخادمة تحمل الطعام، لكن من فتح الباب ودخل كان كبير خدم قصر فالاندي. لم يكن يقاطع وقتَ استراحة الماركيز إلا في أمور استثنائية.
بسببِ ظهوره المفاجئ، سألَ الماركيز بتعجب:
“همم؟ ما الأمر؟”
نظرَ كبير الخدم إليّ وأنا جالسة في غرفة الاستقبال، ثم اقترب من الماركيز بهدوء.
لفتتْ انتباهي الصينية الفضية التي يحملها. أو بالأحرى، دعوة موضوعة فوقها.
“لقد وصلت دعوة للآنسة إيرديا.”
“…إلى إيرديا؟”
كان هذا أمرًا شائعًا منذ تلقي عروض الزواج. بعد حضوري حفلة راقصة مع سيريل، توقفت عن حضور المناسبات الاجتماعية، لكن كانت تصلني دعوات من السّيدات النبيلات عدة مرات يوميًا.
في مثل هذه الحالات، كان كبير الخدم يرفض الدعوات ويرسل ردودًا مع هدايا. لكن هذه المرة كانت مختلفة.
إحضارها بنفسه يعني أنها دعوة يجب التحقق منها. من المحتملِ أن تكونَ من شخصيّة بارزة.
في اللّحظة التي رفع فيها الماركيز الدعوة من على الصينية الفضية، تغيّرَ وجهه فجأةً إلى العبوس.
أمسكَ رأسه و أطلقَ أنينًا، ثم قال بصوت منخفض:
“الأميرة أرفين تدعوكِ إلى حفل شاي.”
دعوةٌ من عائلة أرفين، وليس كسيدة القوة المقدسة. كانت بمثابة تحدٍ لي.
كان من الواضح أنها تخطّطُ لشيءٍ ما. ومع ذلك، لم أشعر بالخوف بشكلٍ غريب. ولا بالتوتر.
بل ارتفعت زاوية فمي تلقائيًا.
“لقد وجدتها. طريقة لدخول قصر أرفين.”
* * *
كان أسبوعين طويلين و قصيرين في الوقت ذاته.
كان من الغريب أن يُمنح وقتٌ تحضير طويل لحفل شاي خفيف، و ليس مناسبة كبيرة مثل حفلة أو مأدبة.
كان الأمر كما لو أنها أعطتني مهلة متعمدة لأتحضّرَ جيدًا. بما أنني لا يمكنني دخول عرين النمر بلا استعداد، قضيت عدة ليالٍ دونِ نوم لأضع خطة.
خاصّةً أن المكان هو “قصر أرفين”، لذا استمررت في استرجاع ذكرياتي من أيام التجسد، مما تسبب في صداعٍ يوميّ.
لم يكنْ الأمر كذلك سابقًا، لكن في الآونة الأخيرة، مجرد التفكير في تلكَ الأيام كان يجعلُ رأسي ينبض.
‘من المحتمل أن يكون الأثر المقدس الذي يثبت القوة المقدسة موجودًا في خزائن العائلة الإمبراطورية. ذهبَ سموّه إلى القصر الإمبراطوري للتحقق من ذلك، وبما أنه لم يصلنا أي خبر حتى الآن… ربما واجه عقبات.’
كان عليهِ أن يكون في خزائن العائلة الإمبراطورية.
لا يمكن إلا للإمبراطور و الإمبراطورة دخول تلك الخزائن، وحتّى ولي العهد مثله يحتاج إلى إذن الإمبراطور. بدونِ إذنه، لن يتمكن حتى من الحصولِ على المفتاح، لذا كان من السهل تخمين أين توقف تقدمه.
ربما لم يسمح له الإمبراطور. وبما أنه لا يستطيع شرح الأسباب بالتفصيل، فهو في موقفٍ محرج للغاية.
كنتُ متأكدة أن كاليد سيجدُ طريقة لتجاوز العقبات و يتحقق من وجود الأثر. لكنني كنت آمل أن ينجح قبل حفل الشاي… لكن لم تصل أي أخبار منه بعد.
“آنسة، لقد وصلنا.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 88"