كانت النصوص القديمة هي الأحرف التي استخدمها الإمبراطور الأول عند تأسيسِ الإمبراطورية، لكن بسببِ صعوبة قراءتها وكتابتها، تم التخلي عنها فور وفاته.
حتى مع تسميتها “نصوص قديمة”، لم تُستخدم إلا لجيلٍ واحد، لذا كان من النادر جدًا من يعرفها.
“لا يزال هناكَ شيءٌ مثل هذا؟”
“جمعُ مثلِ هذه الأشياء هوايتي.”
“هواية فريدة.”
“بفضلها، حصلتُ على هذه المعلومات.”
لم يكن كاليد يعرف كيفيّة قراءة النصوص القديمة. لكن، بشكلٍ غريب، لم تكن الأحرف أمامه تبدو غريبة تمامًا.
“وفقًا لهذه الوثيقة، هناكَ أثرٌ مقدس يمكنه تحديد وجود القوة المقدسة.”
“هو ليس موجودًا في المعبد، أليس كذلك؟”
“لا. الأثر الموجود في المعبد هو الذي منحه بيسيا لعائلة نومين عندما استولوا على العرش. قد يكون قد تلاشى من ذاكرة الجميع الآن، لكن سموكَ يعلم. كان أول سيّدٍ للقوة المقدسة هو الشّخص الأول الذي اختاره بيسيا.”
عبسَ كاليد وهو يحدّق بحدةٍ في الورق القديم. أصبحت الذكريات الغامضة أكثرَ وضوحًا مع كلمات الماركيز.
“أعرف ما تقصد. الآن أفهم لماذا بدتْ هذه الأحرف مألوفة… تذكرتها. لقد رأيتها من قبل.”
أومأَ الماركيز بحماس، و وجههُ يضيء.
“هذا هو بالضّبط. كانت جلالة الإمبراطورة الأولى، هي القدّيسة الأولى التي اختارها بيسيا و أوّل سيدة للقوة المقدسة، تمتلكُ شيئًا يُسمى ‘سلسلة الطهارة’. من المحتمل أن يكون هذا الأثر المقدس هو ما يمكنه تحديد وجود القوة المقدسة.”
على عكسِ الماركيز الذي بدا متفائلًا، تصلّبَ وجه كاليد أكثر.
“إذا كان هذا الأثر قديمًا إلى هذا الحدّ ، فلا بدّ أنه محفوظ في خزائن الإمبراطورية الآن. للوصول إلى هناك…”
“سأذهبُ إلى القصر الإمبراطوري بنفسي. لا أعرف إذا كان سيُسمح لي… لكن إذا لم يُسمح، سأجد طريقة للتسلل.”
كانَ التّسلل إلى خزائن العائلة الإمبراطورية جريمة خيانة عظمى. كانَ تصريحًا خطيرًا، لكن هذه المرة كانت قضية ملحة و مهمّـةً إلى هذا الحدّ.
“إذا كانت تلكَ القوة هي القوة المقدسة حقًا… هل سألتها ماذا تنوي فعله بها؟”
“لم أسألها مباشرةً بعد. لكن، بناءً على طباعها، من المحتمل أنها ستسعى لحمايةُ نفسها و مَنْ حولها.”
تذكر كاليد إيرديا قبلَ ساعات، وهي تحدّقُ بليفيا داخلَ العربة بعيونٍ مشتعلة بالغضب. عيناها الحمراء المليئة بالدّموع، وهي تبكي بحرقة، كانتا مختلفين تمامًا عن مظهرها البريء و النّقي المعتاد.
مهما كان قرارها، أراد أن يحقق لها ما تريده.
“سأسألها عندما تستيقظ. إنها مرهقة جسديًا وعقليًا، لذا أرجو منكَ مراقبتها جيدًا.”
نهضَ كاليد من مقعده، فتبعه الماركيز بسرعة.
“هل ستغادر دونَ البقاء حتى تستيقظ؟”
لم يكنْ الوقت الذي قضاه في غرفة الاستقبال طويلًا.
مقارنةً بالخمس سنوات التي قضاها هو، لم تستغرق سنة إيرديا وقتًا طويلًا لشرحها. ربّما كان ذلكَ كلَّ ما يعرفه الماركيز.
لم تكن إيرديا من النّوعِ الذي يتحدث مطولًا عن آلامها. نظرَ كاليد نحو غرفة إيرديا النائمة و هـزَّ رأسه بهدوء.
“…ستحتاج إلى وقت. مجرّدُ معرفتها أنني علمت بكلِّ شيء سيجعلها تلوم نفسها. إذا شعرتَ بأيّ علامةٍ على ذلك…”
“…..”
“حتى لو أخفتْ الحقيقة، فهي لم تكذب أبدًا. لذا، أخبرها أنّها لم تخدعني. إذا أرادت لوم أحد… فلتلمني أنا، الأحمق الذي لم يتعرّفْ على حبيبته.”
“صاحب السّمو.”
“بهذه الطريقة، لن تتجنّبني بسببِ شعورها بالذنب.”
أطلقَ كاليد ضحكةً خفيفةً كالنّسيم و استدار.
“يجبُ أن أقولَ هذا على الأقلّ، حتى تواجهه.”
لأن هذا لم يكنْ خطأ.
تركَ كاليد ضحكةً ساخرة و غادرَ غرفة الاستقبال. سمعَ تنهيدة الماركيز المليئة بالأسفِ من الخلف، لكنه لم يلتفت.
لم يكن لدى كاليد نيّةٌ لفقدان حبيبته مرّةً أخرى بعد أن فقدها مرّةً واحدة بالفعلِ. لم يكن يجبُ أن يخسرها مجدّدًا بسببِ الشعور بالذنب بعد أن التقيا أخيرًا.
لقد أضاعَ وقتًا طويلًا بالفعل.
اشتاق إليها دونَ أن يدركَ أنها بجانبه، و عاشَ و هو يلوم حبيبته البريئة. لم يرد تكرار هذا الحماقة مرّةً أخرى.
لذا، على أملِ أن تشاركه نفسَ المشاعر، أسرعَ بخطواته.
خارجَ القصر، كانَ.جيرمان ينتظر مع العربة جاهزة.
“إلى أينَ تنوي الذهاب؟”
بعد خطابِ ليفيا في السّاحة، تراكمت الأمور التي يجب التعامل معها. رتّـبَ كاليد أولوياته بسرعة، ثم صعدَ إلى العربة وقال:
“إلى القصر الإمبراطوري. سأزور جلالة الإمبراطورة.”
* * *
شممت عطرًا مألوفًا من مكانٍ قريب. شعرت بدفء كنت أتوق إليهِ بشدّة في أطراف أصابعي. شعور كما لو أنَّ شخصًا ما يمسكُ بيدي بقوة.
على الرّغمِ من أنني أعلم أن هذا مستحيل، كان دافئًا لدرجةِ أنني لم أردْ الاستيقاظ من النوم.
كان استيقاظ الوعي دائمًا قاسيًا بهذا الشكل. هل كان من الأفضل لو بقيت في الحلم؟
رفعت جفوني الثقيلة، كما لو أن حجرًا وضع فوقها.
حتى في الضبابية، شعرت و كأنني حلمت حلمًا دافئًا جدًا… لكنني لا أتذكر.
نظرتُ إلى الجانب. كان هناكَ كرسيٌّ فارغ، لم يكن هناكَ أحد يملك الدّفء الذي أمسكَ بيدي في الحلم.
‘مستحيل.’
أغلقتُ عينيّ للحظة ثم فتحتهما مجددًا. كان رأسي ثقيلًا.
عندما تنفست، شعرتُ بألم عميق في صدري.
تذكرت بوضوح المشهد الذي رأيته قبل أن أفقد وعيي، ككابوس مروع.
“…ها.”
كم منَ الوقت نمت؟
كانت غرفة النوم مغمورة بالظلام الهادئ.
كان الظلام مريحًا. لم أرَ شيئًا، ولم أفكّرْ في شيء. نهضت ببطءٍ من السرير.
كان من السّهل التجاهل و الهروب. لكن حتى لو هربت من الألم المؤقت، سيأتي وقتٌ أواجهه في النهاية.
لذا، بدلاً من الألم و الندم لاحقًا، من الأفضل مواجهته الآن. كانت هذه فكرة تعلمتها من خلالَ تجارب الندم العديدة.
طق—
“يا إلهي! سيّدتي! متى استيقظتِ؟!”
اندفعت خادمةٌ تحمل صينية عليها ظرف يبدو أنه دواء و كوب ماء، متفاجئة.
تدفّقَ ضوء ساطع من فجوةِ الباب المفتوح. ظننتُ أن الغرفة مظلمة تمامًا لأنها ليل، لكن يبدو أنني كنت مخطئة.
“هل يمكنكِ التحرك بالفعل؟”
“نعم، أنا بخير. كم من الوقت كنت نائمة؟”
“لم يمرَّ وقتٌ طويل. وصلتِ في المساء الباكر و نمتِ على الفور… و الآن تجاوزنا الظهر بقليل.”
كما قالت الخادمة، لم أنم لفترةٍ طويلة. شعرت بالارتياح لذلك.
“هل خرج والدي؟”
“لقد أنهى طعامه للتو، لذا ربما يستريح الآن في غرفة الاستقبال بجوار مكتب العمل. كان يعمل حتى الفجر الباكر، ولم ينم إلا قليلاً قبل أن يستيقظ و يعود للعمل.”
شعرت بالأسف لأنني أعلم أن لديهِ الكثير من الأمور التي يجب حلّها.
تناولت الدواء الذي أحضرته الخادمة و غيرت ملابسي.
“ماذا عن طعامكِ، سيّدتي؟”
“سآكل شيئًا خفيفًا. سأذهبُ إلى والدي، فهل يمكنكِ إحضاره إلى هناك؟”
“نعم، سيّدتي.”
طلبتُ الطعام و توجهت إلى غرفة الاستقبال حيث يستريح الماركيز.
طرقت الباب مرّتين باختصار، ثم دخلت، فسألني الماركيز فالاندي بصوتٍ مليء بالقلق:
“وجهكِ شاحب. ألا يجبُ أن ترتاحي أكثر؟”
على الرّغمِ من مظهره الأنيق المعتاد، كانت هناك ظلالٌ عميقة تحت عينيه، كما لو كان مريضًا لفترة طويلة.
مع علمي أنه يجهدُ نفسه عندما لا تسير الأمور كما يجب، سألته بقلق أكبر:
“ما الذي لا يسير على ما يرام؟ وجهكَ أيضًا ليس جيدًا.”
الآن، اصبحت كلمة”والدي” تخرج من فمي بسهولة أكبر. أومأ الماركيز عند سؤالي.
“لم يكن الأمر سهلاً. لكن ظهرَ بصيص أمل صغير، مما جعلني أشعر ببعض الراحة.”
“بسببِ الأثر المقدس لتحديد القوة المقدسة، أليس كذلك؟ كنتُ أتمنى تسريع هذا الأمر… هذا جيد.”
“هل هناكَ شيء آخر تريدين القيام به؟”
شيء أريد القيام به. لم أعد أرغب في البقاء عند كلمة “أريد”.
الآن، إنه شيءٌ يجبُ أن أفعله.
“أنوي أن أصبحَ سيّدة القوة المقدسة.”
كان هناكَ فرق كبير بين اتخاذ القرار في قلبي و نطقه بصوتٍ عالٍ. كان وزن الكلمات أثقل من أي شيء آخر.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 87"