أنفاسها، ارتجافها الخفيف، علاماتُ الحياة التي تتسرّب من جسدها والتي لم ينتبه لها سابقًا، كلها كانتْ تسحقه.
تذكّرَ اللّحظة التي بحثَ فيها عنها فور وصولهِ إلى راجان.
في تلكَ اللّحظة، كان عقله يحذّره أن يكونَ حذرًا، لكن قلبه كان يتحرّكُ عكسَ إرادته.
قلقه الذي سبقَ عندما رأى إصرارها على تعلم السيف لحماية نفسها، و غيرته التي اندلعتْ عندما رآها تتفاعل بحميمية معَ أحدِ الفرسان.
خرجتْ ضحكةٌ ساخرة منه.
قلبه كان قد مالَ إليها بالفعل، لكنه ظلَّ مترددًا في اتخاذِ الخطوة الأخيرة، متمسّكًا بالشكوك، وهو الآن يشعرُ بالحقارة من نفسه.
حبيبتـهُ عادتْ إليه بشجاعةٍ و ثبـات، وظلّتْ بجانبه، بينما هو لم يستطع حتّى اتّخاذ تلكَ الخطوة.
جلسَ كاليد بجانبها لفترةٍ طويلة، يسترجع الوقت الذي مضى في صمت، محتملاً كل ذلكَ دونَ كلام.
طق طق—
عندما جفت الدموع التي بللت ظهر يد إيرديا إلى حدٍّ ما، سمعَ طرقًا خفيفًا على الباب.
“سموّكَ، هل يمكنني الدخول؟”
تحدّثَ كاليد بثقلٍ دونَ أن يلتفت:
“ادخل.”
فتح الباب، و دخلَ الماركيز فالاندي بهدوء.
توقّفتْ نظرته للحظة على إيرديا الشاحبة الممدة على السرير، ثم انتقلت إلى كاليد.
كان تعبير الماركيز متصلبًا، و عيناه تعكسانِ عزيمة رجلٍ مستعد.
“تكلّم.”
كان صوتُ كاليد منخفضًا، لكنه لم يستطع إخفاء ارتعاش مشاعره.
‘الآن أفهم لماذا تبنّى فجأةً امرأةً ظهرتْ من العدم.’
كلّ ما كان يصعبُ فهمه أصبح واضحًا الآن عندما عرفَ أن إيرديا هي “ليفيا” التي كان يعرفها.
تسرّبَ ضحكٌ ساخر منه.
تنهّدَ الماركيز باختصار، ثم فتحَ فمه بصعوبة:
“سمعتُ عما حدثَ في ساحة الكاتدرائية. ما فعلته إيرديا…”
توقّعَ كاليد أن تخرجَ كلمات كعذر، لكنها توقفت للحظة، ثم تحوّلت إلى معنى آخر.
“هل تتذكّـر ما قلتهُ لكَ من قبل؟”
تذكّـرَ كاليد كلمات الماركيز فالاندي منذُ زمنٍ بعيد. من المضحكُ أنّه تذكرها فقط الآن عندما أثارَ الموضوع.
‘السّيدة ليفيا الآن ليست الشّخصَ الذي تعرفه سموك! لذا أرجوك، لا تتعلّقْ بها!’
‘هل تطلبُ منّي الآن أن أصدّقَ ذلك؟ ليفيا كانت حبيبتي، و كانت ستكونُ زوجتي. حتى لو كانت تتحدّثُ و تتصرف هكذا الآن، ستندمُ و تتألّمُ عندما تعود ذاكرتها. إذا كنتَ تعتقد أن بإمكانكَ إقناعي بالتّخلي عنها بهذه التّرهات…’
‘لا! سموك لا يعرف. هناكَ أمرٌ غامض يُسمى التّجسد في هذا العالم، والشّخص الذي كنّـا نعرفهُ هو روح أخرى. إنها ليست ليفيا أرفين الحالية!’
‘لا أريد سماع هذا. إذا كانَ هذا ممكنًا، فلا بدّ أنه اختيار الحاكم. إذن، دعني أسألكَ.’
‘…..’
‘لماذا استخدم الحاكم مثلَ هذه الطريقة الغامضة لوضعِ روحٍ أخرى في جسد ليفيا؟ إذا اتّخذ مثل هذا الاختيار، لماذا… أخذها مرّةً أخرى؟’
كانت ذكريات تلكَ الفترة دائمًا ضبابية كما لو كانت مغطاة بالضباب.
الخطبة الملغاة، خيانة الحبّ الذي آمن به، كلّ الأوقات العاطفية التي مرّتْ كانت كأنها مجرّد تمثيل للسّخريةِ منه الآن.
حاولَ التّوسل، وحاولَ النّسيان بجهد.
لكن في كلّ مرة، كان يتزعزع عندما كانت ليفيا تأتي إليه متظاهرةً بحبّها القديم.
كان يكرهُ نفسه لأنه أعطى قلبه لامرأةٍ فظيعة. لم يستطع الحفاظ على رشده إلا بالسكر.
لذلك، لم يصدق كلمات الماركيز فالاندي آنذاك. كانت مشابهةً لما قالته امرأةٌ مجهولة أرسلتها ليفيا، فاعتقد أنها لا تستحق السماع و تجاهلها.
ارتعشت عينا كاليد ببرودة.
هل كانتْ تلكَ القصّة… حقيقية؟
أمسكَ قبضته دونَ وعي.
“أتذكر.”
“الآن… هل تصدّقُ تلكَ الكلمات؟”
لم يستطع إلا أن يصدّق.
لقد رأى و سمعَ بنفسه.
منذُ لحظة تأكده، لم تعد كل الذكريات مع حبيبته تبدو كأنها تخص “ليفيا”. منذُ لحظةٍ ما، أصبحت كل الذكريات مع المرأة التي يحبّها تخص إيرديا، وليس ليفيا.
عادتها في صفعِ خدها و نفضها بقوّة لتشجيع نفسها عندما كانت تشعر بالإحباط.
على عكس النبيلات اللواتي يغطين أفواههن و يبتسمن بأناقة، كانت ابتسامتها المشرقة التي تملأ وجهها كأنها تريدُ نقل السعادة.
ردود أفعالها الحسّاسة تجاهَ آلام من حولها أكثر من حساسيتها تجاهَ جروحها الخاصة.
وقبلَ كلّ شيء، تلكَ النظرة المملوءة بالحبّ الذي لا مثيل له، التي كانت تنظرُ إليه بعينيها.
كلّ شيء، من البداية إلى النهاية، كان يخصّها.
كان من السّخيف نفيُ ذلك، لأنه هوَ مَنْ كان ينظر إليها بعيونٍ مشوهة.
لم يكن ذلكَ موجودًا في ليفيا الشابة، لكنه كان موجودًا في ليفيا التي كانت حبيبته. تلكَ النظرة المتلألئة كما لو أنها تحمل أشعة الشمس، كان يعرفها منذُ اللّحظةِ الأولى التي رآها فيها.
“أصدق. كيف لا أصدّقُ عندما عادت حبيبتي إليّ هكذا؟”
كان صوته المرتجف مليئًا بالصّدق دونَ أدنى شكّ.
سارعَ الماركيز لإضافة كلمات، و كأنه يخشى أن يلوم كاليد إيرديا لمعرفته بالحقيقة:
“كانت الآنسة ترغبُ دائمًا في إخباركَ. كنتُ أنا مَن منعها. ظننتُ أنكَ ، بسببِ ما حدث، ستجدُ صعوبة في تصديق ذلك. لم يكن هناك نية للخداع…”
“أعرف.”
“…..”
“لو قالتْ ذلك منذُ البداية، لما احتفظت بها بجانبي. لا أعتقد أنني خُدعت، فلا داعي للقلق.”
“إذن…”
“أنا مَنْ أخطأ. لم أتعرّفْ على حبيبتي التي أحببتها كثيرًا.”
“ليس خطأ أحد. مَـنْ كان يتوقع مثلَ هذا الأمر؟ فقط… كانت الآنسة قلقة أكثرَ من أي شيء بشأنِ الألم الذي قد تشعرُ به.”
عند كلمات الماركيز، تحوّلت نظرة كاليد إلى إيرديا النائمة.
كانتْ الكلمات التي كبتها في حلقه تغلي.
عند سماعِ أنها كانت قلقة عليه أكثرَ من أيّ شيء، مـرّت كلّ الآلام التي لا حصر لها و التي عانت منها أمام عينيه.
“…غبية، غبية. كان يمكنها تجاهلُ ألمي.”
عـمَّ الغرفة صمتٌ ثقيل.
لم يكن هناك مَـن يلوم أحد، لأنه لم يكن هناك مَنْ أخطأ.
كل شيء كان اختيار الحاكم الذي جعلَ هذا الأمر الغامض يحدث.
في صمتٍ يبتلع حتى الأنفاس، تجمّدت عينا كاليد ببطء في الفراغ.
“أخبرني. أريدُ أن أسمع بالتفصيل القصّة التي لم أسمعها يومها.”
* * *
تحركوا بهدوءٍ إلى مكانٍ آخر خوفًا من أن تستيقظَ إيرديا على صوتِ الكلام.
في غرفة استقبال صغيرة بجوار غرفة النوم، سمع كاليد كل ما حدثَ لإيرديا.
“هذا كلّ ما مرّتْ به الآنسة.”
أطرقَ كاليد رأسه دونَ كلام.
كانت من عالمٍ آخر، و استحوذتْ على جسد ليفيا دونَ قصد، ثم عادت فجأةً إلى جسدها الأصلي، و تاهت لمدّةِ عام حتى عبرت الأبعاد مجددًا.
اختلاف تدفّق الزمن لا يقلل من الألم. لم يجرؤ كاليد على تخيّل الألم و اليأس الذي عانته.
“الآن وقد عرفتَ سموك، لم يعد هناكَ حاجةٌ للإخفاء.”
“هل هناكَ المزيد؟”
تردّد الماركيز للحظةٍ قبل أن يفتح فمه:
“ما سأقوله الآن مجرّد تخمين. حتى الآنسة لم تكن متأكدة.”
“حسنًا.”
“عندما كانت إيرديا في خطرٍ في بيلانيف، قالت إن قوة مجهولة قامت بحمايتها.”
تذكّرَ كاليد المشهد الذي أنقذ فيه إيرديا من الخطر. كان يعتقد أنها نجتْ فقط لأنه وصلَ في الوقت المناسب.
“أعتقد أن تلكَ القوة ربّما كانت القوّة المقدسة.”
“…هل تعني أنّ إيرديا تستخدم القوّة المقدسة؟”
“ليس مؤكدًا. لذلك أردنا التّحقق مما إذا كانت إيرديا تمتلكُ القوة المقدسة بالفعل.”
“ليس أمرًا سهلاً. إذا مررنا عبر المعبد، ستصل الأخبار إلى أذني ليفيا.”
أدركَ كاليد على الفور لماذا أثارَ الماركيز هذا الموضوع. حتى مع قوة الماركيز و شبكة معلوماته الواسعة، كانت قضايا “القوة المقدسة” مجالًا لا يمكنه الاقتراب منه بسهولة.
“لا فائدة من إخباري. المعبدُ يعطي الأولوية لكلام ليفيا أكثر من الإمبراطورية. لو لم تكن سيدة القوة المقدسة موجودة، لكان الأمر مختلفًا، لكن الآن لا يمكن إجراء اختبار القوة المقدسة دونَ أن تراها عينيها.”
“هذا صحيح. لذلك فكّرتُ في إيجاد طريقة أخرى للتحقق دونَ المرور عبر المعبد… و خلال ذلك، وجدت هذا.”
أخرج الماركيز بحذرٍ لفافة قديمة و مهترئة من جيبه. عندما فتح اللفافة الصغيرة، كانت مليئة بحروف غريبة.
“إنها نصوص قديمة. لا بد أنكَ رأيتها من قبل.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 86"