كانت نبرتها متحمسة، كما لو أنها حصلتْ على لعبة رائعة.
“يجب أن أقيم حفلَ ترحيب لعودتها أمامي مجددًا، أليس كذلك؟ يجبُ أن أريها أنّه بغضّ النظر عن مدى محاولات تلكَ الفتاة لعرقلتي و إيقافي، فإنها لن تنجح.”
لهذا السّبب اختارت جينا كهديةٍ لتقديمها.
“أنتِ من قلتِ ذلك. قلتِ أنّني كنتُ أملكُ قلبًا طيبًا و رحيمًا لدرجة قبولي بشخصٍ حقير مثلكِ كصديقة. قلتِ إنني، بعد أن فقدتُ ذاكرتي، كنتُ هكذا.”
“آه، أوه…”
حاولت ليفيا استدراج إجابةٍ بلمس قدم جينا المشوهة، لكن جينا، التي كانت بالكاد تتنفس، لم تستطع قولَ أي شيء.
“كيف شعرتِ عندما عرفتِ أن سيدتكِ، التي كنتِ تتوقين لعودتها بشدة، كانت في الواقع شخصًا آخر؟”
“أوه، آه… آه.”
“هل ندمتِ على التّحدث عنها كثيرًا دونَ أن تعرفي؟ هل يؤلمكِ قلبكِ لأنكِ عرّضتِ سيدتكِ للخطر؟”
استمرَّ جسد جينا في التشنج. لقد فقدت الوعي عدّةَ مرّاتٍ من الألم والصدمة.
ضغطتْ ليفيا بقدمها على رأس جينا، وأمالت رأسها كأنها حقًا فضولية.
“كيف كان شعوركِ عندما رأيتِها بنفسك؟ لا تقولي بأنها كانت بعيدة جدًا. أعرف مدى اشتياقكِ لها.”
بسببِ هذا الأمر، عندما عادت إلى القصر، عاقبتها بجلدٍ أقسى.
لم يكن ذلكَ لأنها شعرت بالغضب من جينا، التي، على الرّغمِ من وجود سيّدتها الحقيقية بجانبها، اختارت شخصًا آخر كانت معه لخمسِ سنوات فقط كسيدةٍ لها.
كان مجرّد تنفيسٍ عن الغضب. كانت ليفيا تشعر بالإحباط الشديد لأنها لا تستطيع جلد الشخص الذي استولى على جسدها، والذي كانَ قريبًا منها.
وكانت غاضبة لأن إيرديا هي مَنْ خلقت هذا الموقف.
“سيدتكِ لم تأتِ لإنقاذكِ. ألا يعني ذلك أنها، رغم تظاهرها بالطيبة، تحسبُ مصالحها الخاصة؟”
حتى عندما ضغطت بقدمها، لم تصدر جينا سوى أنين من الألم دونَ أن تقول كلمة.
كانت جينا قد أغلقت فمها بإحكامٍ منذ أن أخبرتها أن ليفيا خلالَ السّنوات الخمسِ كانت في الواقع إيرديا.
عندما أدركت أن كل المحادثات التي تبادلوها قد تضر بها، أصبحتْ جينا صامتة كشخصٍ أخرس. كان ذلك ولاءً مذهلاً.
على الرّغمِ من أن ليفيا هي مَنْ كانت معها لوقتٍ أطول.
“الكلب الذي يَعضُّ سيّده لا يستطيع البقاء على قيد الحياة. لا فائدة من إغلاق فمكِ الآن. لقد أخبرتيني بالفعلِ بالكثير.”
انتشر ضوء ذهبي مشع من قدمها الناعمة الخالية من الجروح. لف الضوء الذهبي الرائع، الذي انتشر تدريجيًا من أصابع قدميها إلى رأس جينا، جلدها الممزق وأطرافها المشوهة.
تشوه وجه جينا من الألم بسببِ القوة المقدسة التي شفيت جروحها بما يكفي لتبقيها على قيدِ الحياة.
“لذا، اندمي و عاتبي نفسكِ. لقد خنتِ سيدتكِ الحقيقية التي كنتِ تتوقين لرؤيتها بشدة.”
تدفقت الدّموع التي لا تجف من عيني جينا، التي أصبحت قادرةٍ على تحريكِ جسدها قليلاً بعد شفاء جروحها.
لم تكن تبكي لأن مصيرها، الذي لا يُسمح لها بالموت، كان مؤلمًا. كانت دموع اليأس لأنها أصبحت رهينة دونَ أن تموت.
كانت تعرف كيفَ سيؤثّر وجودها على إيرديا.
وضعتْ ليفيا قدمها بلطفٍ على السجادة الملطخة بالدم.
رفعت أطراف فستانها المقدس قليلاً، كاشفة عن ساقيها الناعمتين، و دارت كأنها ترقص.
كانت عيناها المطأطئتان تعجّ بالبهجة. كانت حركاتها السلسة أكثر أناقة و جمالاً من الفراشة.
كانت أطراف فستانها المقدس، المشبع بالضوء، تنتشر كالدّم على الرّغمِ من بياضه النقي. كان يبدو كأن آثار الدم تُترك بوضوحٍ في كلّ مكانٍ تمر به قدماها.
كما لو أن كل ذلكَ وهم، تركت إيماءات يديها و خطوات قدميها ضوءًا ذهبيًا خافتًا. كما لو كانت غبار الزهور يتطاير مع رفرفة أجنحة الفراشة.
رقصت ببطء على إيقاع بكاء جينا المنهارة على الأرض، مبتسمة بهدوء.
“إدموند.”
“نعم.”
“هل أعجبتها هديّتي؟”
نظرَ إدموند إليها بعيون مبهرة، و ركعَ على ركبة واحدة وأطرق رأسه:
“لقد تأكدتُ أنها انهارت من السّعادة.”
“ومع ذلك، من المؤسف أنني لم أرَ ذلك عن قرب. لا يمكن أن تنهار بهذه السهولة…”
تذكّرتْ ليفيا النّظرة التي تبادلتها في الساحة.
على الرّغمِ من أنها كانت مجرّد نظرة عابرة عبر نافذة العربة الصغيرة من مسافة، شعرت بها بوضوح.
الغضبُ المشتعل في تلكَ العيون السوداء.
جلستْ ليفيا على الأريكة، وهي ترفرف بأطراف فستانها، ومدت يدها ببطء لتمسد ذقن إدموند الذي اقتربَ منها بشكلٍ طبيعي.
“سنستخدم تلكَ الخطّة في الجنوب. لا خيار آخر لتعويض هذه الخسارة.”
“هل أنتِ متأكدة؟ لقد أبقيتِ على هذه الخطة لمواجهة الدّوقة الكبرى.”
“إدموند، فكر جيدًا. لقد دمّرتْ تلكَ الفتاة كانيس كونتينتيو الثّمين الخاص بي بالكامل. حتى المناطق التي تم إخلاؤها، كانت تعرف مواقع المختبرات بدقة. كيف عرفت بذلك؟”
“هل تعنين أنها حصلت على هذه المعلومات عندما كانت في جسدكِ؟”
“نعم. للأسف، ليسَ لدي أي ذكريات عن الوقت الذي استولت فيه تلك الفتاة على جسدي. كل ما حصلت عليه كان من استجواب هذه الفتاة. لكن… هل كانت هي مثلي تمامًا؟ إنها تعرف الكثير جدًا.”
كانت الفكرة بحدِّ ذاتها تجعلها تشعر بالاشمئزاز. مدّت ليفيا يدها ببطء وأمسكت بذقن إدموند بقوة. تحت نظرتها، كان الرجل المطيع دائمًا يغلق عينيه، متقبلاً لمستها بسرور.
“لا بد أنها تعرف عن آدم أيضًا. لذا، عجّل بالإنتاج. لا توجد طريقة أخرى لتعويضِ الأموال المفقودة.”
“سأقوم بالتّرتيبات على الفور.”
أرختْ ليفيا قبضتها ببطء. أمسك إدموند يدها بلطف، و فركَ خده بها كالقط.
“امنحني وقتًا للتحضير. يجب أن نعقد حفل شاي.”
“نعم، سأجهز ذلك.”
“أرسل دعوة لتلكَ الفتاة أيضًا. أنا متأكدة أنها لن ترفض.”
نظرتْ ليفيا إلى جينا المنهارة و ابتسمت بسخرية.
“أنا متحمسة لمعرفة ما ستحضره.”
قبّلَ إدموند يدها، ثم انتقلت شفتاه إلى معصمها وكتفها، لكن ليفيا كانت تفكر في شيءٍ واحد فقط.
على الرّغمِ من أن خسارتها كانت أكبر بكثير، شعرت برضا غريب لسببٍ ما. كان وجه المرأة المنهارة يطفو في ذهنها باستمرار.
كانت تتطلع إلى لقائهما القادم بشدة.
* * *
كان الهدوء يعم الغرفة.
لم يكن هناكَ سوى صوت أنفاسٍ متصدعة، كزجاج مكسور، تملأ الغرفة.
نظرَ كاليد ببطء إلى الحرارة المتبقية في يده.
كانت أطراف أصابعه المرتجفة تروي قصّة أنّه كان يحتضنُ شخصًا ما قبل قليل.
لم يشعر بأيِّ إحساسٍ من الخدوش العميقة التي تركتها أظافرها على يده.
كان الألم الحقيقيّ في مكانٍ آخر.
“إيرديا.”
جسدها، الذي كانَ يبكي بغضب، قد فقدَ كلّ قوته وأصبحَ متراخيًا.
كانَ وجهها الفاقد للوعي شاحبًا، و كانت جفونها المرتجفة تبدو كمَنْ يرى كابوسًا لا ينتهي.
كانت كدميةٍ مكسورة، فقدتْ وعيها هكذا.
كانت رموشها المبللة، التي لا تجفُّ حتى بعد مسحها مرّاتٍ عديدة، تتساقط عليها قطرات الماء وكأنها تبكي في حلمها.
كلّما أخرجَ كاليد زفيرًا، شعرَ بألمٍ في صدره كأنه سيجـنّ. لقد شعرَ بهذا طوالَ الطّريق إلى قصر الماركيز وهو يحملُ جسدها المنهار، متظاهرًا بأنه بخير.
“…إيرديا.”
كرّرَ اسمها مرّاتٍ عديدة.
أرادَ أن يقولَ شيئًا، لكنه لم يستطع سوى إغلاق فمه. حتى النّظر إلى وجهها جعلَ قلبه يؤلمه، وشعرَ بالاختناق.
ربّما كانَ الأمر كذلك. ربّما كانت هي حقًّا.
على الرّغمِ من أمله، لم يستطع التّخلص من شكوكه بأنها قد لا تكونُ هي.
كانت الأمور التي فعلتها ليفيا به قد أمسكتْ بكاحلهِ أخيرًا.
لو أنه تخلّصَ من شكوكه و حاولَ التحقق، لكانَ قد أدركَ الأمر بسرعة. لو أنّـهُ اتّبعَ قلبه قليلاً، لما استغرقَ الأمر كلَّ هذا الوقت بشكلٍ أحمق.
لقد حاولَ دائمًا كبحَ نظراته المتوجهة إليها، و قلبه الذي كانَ يميلُ نحوها. حاولَ وضع حدودٍ بالتصرف بقسوة أكثر. ظـنَّ أنّه مجنون و حاولَ إبقاء مسافة.
في النّهاية، كان ذلكَ بسببِ خوفه الضّعيف من أن يُجرحَ مرّةً أخرى.
“…ها.”
كان الاسم يقلقه منذُ أن سمعهُ لأوّل مرّة.
‘أريد أن أُدعى باسمي الخاص، وليس ليفيا أرفين.’
هل اختارتْ هذا اللّقب الغريب كاسمٍ لها لهذا السّبب؟
حتّى لو تغيّـرَ مظهرها، أرادتْ أن يَتعرّفَ هو عليها.
غطّى كاليد وجهه الجافّ بيده. كان يتذكرها باستمرار في اللّحظة التي التقيا فيها لأوّل مرة.
كان النّدم يغرقه لأنّهُ تذكّـرَ وجهها المصاب بخيبة الأمل و الجرح عندما سألها “مَن أنتِ؟”.
لماذا، لماذا أدركَ ذلك فقطْ بعد أنْ انهارت تمامًا؟
كان يَجبُ أن يمسكَ بها و يسألها عندما أصبح متأكدًا في بيلانيف. لو فعلَ ذلك، لما وقعتْ في هذا اليأس العميق.
على الأقل، كانَ بإمكانه مساعدتها على عدم مواجهة شخصٍ عزيزٍ عليها بهذه الطّريقة.
كيف لم تخبره بالحقيقة منذ البداية؟
لكنه لا يستطيعُ الشّعور بالاستياء، لأنها، هي التي لا تستطيع الكذب جيدًا، كانت تُظهر لهُ كلَّ شيءٍ منذُ البداية.
نظراتها التي لم تخفِ إعجابها، تصرّفاتها كما لو أنهما يعرفان بعضهما منذُ زمنٍ طويل، و فوقَ كل شيء، الاسم الذي لا يعرفه سواه.
“لقد كنتِ… تخبرينني بكلِّ شيءٍ منذُ البداية.”
عند التّفكيرِ في الأمر، كانت كلّ لحظة كذلك.
كان هو مَنْ تجاهل تلكَ العيون المتلألئة التي ألقت بنفسها إليه بحماس.
لمسَ كاليد معصمَ إيرديا المحمرّ بحذر.
طق.
علامةٌ حمراء واضحةٌ على بشرتها البيضاء الشاحبة. على عكسِ ليفيا، كانت يداها خشنتين و متضرّرتين.
سقطت دمعة، ثم اثنتان، على ظهرِ يدها، بينما كان يحاول كبح دموعه.
كانت العلامة الحمراء على معصمها المنتفخ تؤلم عينيه. شعرَ كاليد بارتجافِ أصابعه.
لم يجرؤ على لمسها.
هل يستحقُّ هو، الذي لم يتعرّف على حبيبته على الفور، أن يلمسها؟
كم عاتبتْ نفسها؟ كم تألّمتْ وهي تلومُ نفسها على كلِّ الألم الذي تلقته؟
لم يكن الشّعور الذي شعرَ به تجاه إيرديا منذُ البداية إزعاجًا. و لا كان استياءً.
لم يحبَّ ليفيا، التي كانت عدوته القديمة، بشكلٍ مختلف.
لقد أحبّـها هي لأنها كانتْ في داخلِ جسمها.
أغلقَ كاليد عينيهِ بهدوء.
على الرّغمِ من أنَّ وجهها المحصور في يديه كان مبللاً، أمسكَ يدها المتراخية بيأس.
“…لقد كنتِ أنتِ منذُ البداية.”
رنَّ صوته منخفضًا كأنه يتلاشى.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 85"