سمعتُ صوت جيرمان المنخفض يتسلّل من فجوة الباب بعد أن أوقفَ العربة وعادَ من استطلاع الخارج:
“هناك عدد لا بأس به من النبلاء جاءوا مختفين مثلنا.”
كان ذلكَ متوقعًا.
ليفيا، التي تمتلكُ القوة الأعظم في إمبراطورية إيفيرنيا، قد تفوقت على الإمبراطور الذي أصبح رمزًا بلا تأثير.
كانت هذه ضربةً كبيرة من ولي العهد، منافسها الوحيد.
حتّى النبلاء الذين دعموها تضرروا من قضية أموال دعم بيلانيف، وكانَ الجميع يترقب مصير تلكَ الأموال.
كانت الثقة قد تحطّمت بالفعل. النّبلاء الذين لم يكونوا من أتباعها لم يكونوا حمقى.
كانوا يقفونَ إلى جانبها فقط لأنه لم يكن هناكَ منافس يمكنه تحدِّيها، لكنهم سينقلبون عليها بسرعة إذا رأوا أن كاليد قادرٌ على هزيمتها.
فضلًا عن ذلك، كان هناكَ.العديد من القوى المحايدة التي لا ترغبُ في الانجرار إلى صراعات السلطة الفارغة. رد فعل ليفيا المنتظر قد يغيّرُ موازين القوى بشكلٍ كبير.
‘على عكس أتباعها الذين ينحنون ويصمتون بإشارة منها.’
حتى لو تحول عدد كبير من النبلاء إلى جانبٍ آخر، ستبقى ليفيا في مكانةٍ عالية مخيفة.
كان جميع مواطني راجان المجتمعين هنا من أتباع بيسيا الذين يتوقون لسماعِ كلمة بركة منها.
شعرتُ بضيقٍ في قلبي.
هل هذا شعور القتال ضدّ شخص بعيد لا يمكن الوصول إليه؟ هل كان كاليد يواجه ليفيا بهذا الشعور منذُ زمنٍ طويل؟
بينما كانت رؤيتي تتشوش بالمشاعرِ المتسللة، انقسمت الحشود.
فُتح باب الكاتدرائية المغلق بإحكام.
كرمز، ظهرت أطراف ثوبها الأبيض، الذي ترتديه دائمًا في الكاتدرائية، ترفرف مع النسيم.
خرجتْ ليفيا من الكاتدرائية بخطواتٍ بطيئة، مطأطئة رأسها.
أضاء ضوء الشمس بعد الظهيرة شعرها الفضي بلطف.
كان وجهها يتوهج بنور يبدو تقيًا وهشًا أكثر من أي شيءٍ في العالم.
‘ستقول إنها حزينة، وإنها تشعرُ بالأسف لهذا الحدث. دمعة زائفة واحدة ستجعل الجميع يغفرون لها.’
حتى لو لم يقتنع النبلاء، كانت ليفيا تعلم جيدًا أن الحشود الكثيرة هنا ستنخدع بكلمةٍ واحدة منها.
صرخَ أحدهم من الشعب:
“سيدتي المقدسة! هل حقًا لم تعلمي بما حدثَ في بيلانيف؟”
رفعَ آخر صوته:
“إلى أين ذهبت أموال الدّعمِ كلّ هذه المدة؟”
اهتّزتْ الحشود التي كانتْ تستمعُ في صمت.
نظرتُ إلى كاليد بسرعة.
كانَ هو أيضًا يتأكد، بوجهٍ متجهم، أن المتحدّث ليس مِن رجالنا.
توقفتْ ليفيا و رفعتْ رأسها ببطء، ناظرة ً إلى الناس.
كان تعبيرها المشبع بالحزن يبدو كأنه جُرحَ بعمق بهذا الصياح.
جالت عيناها الذهبيتان المتوهجتان ببطءٍ على الحضور.
مرَّ الوقت و كأنها تستحوذ تدريجيًا على الهواء الصامت والسّكون الثّقيل.
قد يرى البعضُ أن عينيها هشة وحزينة، لكن في عينيّ، كان لونها الذهبي باردًا كالجليد.
في تلكَ اللحظة، رأيتُ شيئًا يلمع بلطف في عينيها الذهبيتين.
شعورٌ بارد كأنّ أعيننا التقت.
نظرتْ ليفيا إلينا مباشرةً وقالت بصوتٍ سلس:
“…أنا آسفة.”
على الرّغمِ من صغر صوتها، إلا أنه رنَّ بوضوحٍ أمام الكاتدرائية.
“أنا أيضًا… عندما سمعتُ بقضيّة خطابِ التوصية، انهارَ قلبي.”
كان وقوفها وهي تجمع يديها على صدرها وتغلق عينيها يشبهُ بطلة قصّةٍ مأساوية.
انتشرت تنهيدات مكتومة.
أنزلتْ ليفيا يديها المجتمعتين على صدرها ببطء وهما ترتجفان.
ثم أخرجت زفيرًا كأنها تتقيأ شيئًا وقالت:
“…عندما سمعتُ بأخبار تمرّد بيلانيف، شعرت بالخوف. لقد حثثتكم على مساعدة بيلانيف دون التحقق جيدًا. إنه أمر مؤسف.”
كذبة.
كلامٌ لا يصدَّق.
“لماذا جعل تمرّد بيلانيف سيدتنا المقدسة تخاف؟”
صرخَ شخص آخر في الوقت المناسب، وانتشر صوته على نطاق واسع.
تحركت حاجبا كاليد، و أمرَ جيرمان بهدوء
“اعرف مَنْ هو.”
حتى لو تأخرنا، لم نكن لنتركَ الأمور تسير وفقَ إرادة ليفيا دونَ فعل شيء.
بينما كنت أراقب جيرمان و هو يختفي وسط الحشود، أعدت نظري إلى ليفيا.
ثم خرجتْ من فمها كلمات لم أتوقعها على الإطلاق:
“لأن الحاكم… أراني كارثةً قبل ذلك.”
توقفّتْ أنفاسي.
أكثرَ من أيّ وقتٍ مضى.
كان صوت ليفيا يرتجف، وكانت يداها الممسكتان بصدرها ترتجفان، لكن…
اهتزّت الحشود الكثيرة في السّاحة بشدة. تحول الهواء المكتوم إلى اضطراب في لحظة.
“الحاكم! أي كارثة أخبركِ عنها؟”
لم يتمكن جيرمان من القبض على صاحبِ الصّوت بعد، إذ عادَ الصّوت من بينِ الحشود.
تمايلت ليفيا كمن تلقّى صدمة كبيرة وقالت:
“تلك الكارثة… كانت مروعة جدًا.”
أمسكتُ بحافّةِ نافذة العربة بقوة حتى ابيضت يدي.
“كانت الجثث مكدسة كالجبال، وكانت السماء مظلمة، لا يصلها الضّوء المقدس. كل ما سمعته كان صراخ وهتافات… و صوت السيوف تتصادم…”
شعرتُ وكأن أنفاسي ستتوقف.
‘لا. مستحيل. إنها كذبة.’
كان قلبي يخفق بقوة.
كانَ الصّوت يرنُّ بوضوح في أذنيّ.
“إنها الحرب! تنبؤ بحرب ستقع على البلاد! آه!”
بوف!
انقطع صوتُ صاحب الصّياح بصراخ قصير، كما لو أن جيرمان أمسكَ بهِ أخيرًا.
لكن كلمة واحدة كانت قد ترسخت بعمقٍ في أذهان الجميع في الساحة.
‘الحرب.’
ارتجفَ جسدي بعنف. شعرت وكأن كل الشتائم التي أعرفها ستنفجر في أيّ لحظة.
“…مستحيل.”
كان الناس يرسمون الكارثة في أذهانهم بناءً على “التنبؤ” الذي أطلقته سيّدة القوة المقدسة.
تخيلوا مأساةَ الحرب المروعة، وبدأوا يصرخون هنا وهناك. بدأ البعض يصاب بالهلع.
كان تنبؤ سيّدة القوة المقدسة هو المستقبل القريب. بكلمات قليلة، غمرت ليفيا الساحة بأكملها بالخوف والرّعب.
عضضت شفتيّ، لكن أنفاسي المرتجفة تسرّبَ منها صوت.
تدفّقَ العرق الباردُ على قفاي.
كأنَّ هذا لم يكن كافيًا، تحرّكتْ ليفيا ببطء جانبًا و فتحت فمها أمامَ الحشود الصاخبة:
“لقد تحققت أيضًا من قضية خطاب التوصية. كان يجبُ التّحقيق بدقّة في كيفيّة وصول خطاب كتبته إلى مثلِ هؤلاء الأشخاص…”
في تلكَ اللّحظة، خرجَ رجل ضخم من الكاتدرائية يجر شخصًا خلفه.
كان الجسد المتراخي، بذراعيه المربوطتين خلف ظهره، يبدو فاقدًا للوعي.
كان شعره ملطخًا بالتراب والدم، وملابسه الممزقة بالكاد تغطي جسده. كان مغطى بالكدمات، وجلده متشقق، والدم جاف عليه.
وجه منتفخ، شفتان متشققتان، أصابع مكسورة.
امتدت آثار دم طويلة من داخل الكاتدرائية، دليل على أنها لا تزال تنزف.
كانَ المشهد مروعًا لدرجةِ تجعل الأنفاس تتوقّف.
حتى معَ الوجه المدمر لذلكَ الشّخص ، عرفته على الفور.
كانت الفتاة التي كانت دائمًا الأقرب إليّ منذ البداية.
كانت جينا.
خادمتي، صديقتي، عائلتي.
شعرتُ و كأنَّ أنفاسي ستنفجر. أمسكتُ بحافّةِ نافذة العربة بقوّةٍ حتى كدتُ أكسرها، غير مدركة أن أظافري كانت تتضرر.
نظرتْ ليفيا ببطءٍ إلى جينا.
ثم أطلقتْ تنهيدةً عميقة وأظهرت تعبيرًا غارقًا في الحزن.
“هذه الفتاة استغلّتْ عدم تذكّري لأحداث الفيضان العظيم و سرقت خطاب التوصية. لم أكن أعلم أن خطابًا كانَ يجب أن يُستخدم لمساعدة ضحايا الكوارث المساكين سيُستخدم لمصالحَ شخصية.”
شعرتُ وكأنَّ الدّم يتدفّقُ عكسيًا.
كانَ حلقي مسدودًا فلم أستطعْ إصدارَ أيّ صوت.
لا. لا، لا، لا. جينا… أرجوكِ…!
لم أستطعْ تصديقَ ذلك. أمسكَ كاليد بجسدي المرتجف بسرعة.
كانتْ آثار التعذيب مروّعةً لدرجةٍ جعلتْ الجميع يحبسون أنفاسهم.
“كان خطأي أنني لم أدرّبْ أشخاصي جيدًا ولم أراقبهم. على الرّغمِ من أنني اكتشفتُ ذلك متأخرًا وعاقبتها، إلا أنها لم تتب وحاولت الفرارَ عدّةَ مرات.”
“كذبة!”
شعرتُ وكأنَّ صبري، الذي كنتُ أكبته طوالَ هذا الوقت، قد انقطعَ بصوتٍ واضح.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 83"