“آه، نعم! بالطّبع! يجب أن تكون متعبًا، هيا نتحدث بالداخل.”
كان لا يزال في ملابس السفر، كما لو أنه لم يأخذ قسطًا من الراحة، فأسرعتُ لأرشده إلى داخل القصر.
في قصر الماركيز، هناك مكانان لاستقبال الضيوف:
غرفة الاستقبال التي انتظرت فيها عند وصولي أوّل مرة، وغرفة الجلوس الأكثر خصوصية المخصصة للضيوف الموقرين أو للمناقشات السرية.
كلا المكانين متشابهان، لكن غرفة الجلوس أصغر وأكثر خصوصية، لذا يستخدمها الماركيز غالبًا لمناقشات الأعمال.
بما أن حديثنا لم يكن مناسبًا لمكانٍ عام، قُدته إلى غرفة الجلوس.
طاولةٌ خشبية لامعة وكراسي جلدية أنيقة. كانت الستائر الداكنة مرخية، تسمح بمرور خيط رفيع من ضوء الشمس، يرسم ظلالًا على الطاولة.
طقـطقة.
عندما سمعتُ صوتَ إغلاق الباب، تراجعتُ جانبًا دون قصد.
“هل فعلتِ شيئًا خاطئًا؟”
“ماذا؟!”
“تتصرفين كطفلٍ يحاول الكذب بعد أن كسرَ طبقًا.”
جلسَ على الأريكة بأريحية كأنه في بيته، رغمَ أنه لم يأتِ كثيرًا، وضحكَ بخفة وقال:
“هل تخافين أن يأكلكِ أحد؟”
“لا، بالطّبع لا!”
“إذا لم يكن لديكِ ما تخفينه عني، فلا داعي لتتصرّفي كجروٍ يخفي ذيله.”
شعرتُ بالحرج من توقعاتي الزائدة، وبالخجلِ من أفكاري لأنّني هنا معه وحدنا.
كالعادة، أنَا من أبالغُ في التّفكير، وربّما كان ذلك واضحًا جدًا. ربما لأنني لم أرهُ منذُ فترة.
“لمَ لا تجلسين؟”
أدركتُ عند سماعِ كلامه أنني لا أزال واقفة مذهولة، فجلستُ بسرعة أمامه.
حاولت أن أبدو طبيعية وقلتُ بابتسامةٍ محرجة:
“فقط… لأنني لم أركَ منذُ فترة.”
“ظننتِ أنني وقعتُ ضحيّةً لسحرِ جمالك.”
عبسّتُ قليلًا لأنه كان يسخرُ منّي بوضوح.
لحسنِ الحظ، دخلت الخادمة حاملةً أكواب الشاي والإبريق وصحن الحلوى، فانقطع الحديث عند هذه النقطة.
بينما كنتُ أراقب البخار يتصاعد من الشاي الأسود في الكوب، وضعتُ ظرفًا سميكًا على الطاولة من صينية أحضرتها.
“ما هذا؟”
“وثائق تلخّص تقدّم العمل.”
نظرَ كاليد، الذي كان يرتشف من الشاي، إلى كومة الوثائق السميكة، ثم مدَّ يده ليأخذها دونَ تردّد.
وضعَ كوبه جانبًا ولم ينظر حتى إلى الحلوى. هل الدوائر السوداء تحت عينيه، التي لا تختفي، ناتجةٌ عن هذا الانغماس في العمل؟
“يبدو أنكُ نجحتِ تمامًا.”
“بفضل تحركاتكَ السّريعة.”
“لم أفعل شيئًا سوى اتباعِ تعليماتك. أنتِ مَنْ خططت لهذا، فيمكنك أن تفخري بنفسك.”
ألقى كاليد مديحًا نادرًا و صريحًا.
كانت نظرته المثبتة على الوثائق لا تزالُ باردةً و حادة، لكن زاوية فمه المرتفعة كانت تعبر عن رضاه.
شعرت أن قوله “يمكنكِ أن تفخري” هو مديحٌ أكبر من قوله “عمل جيد”.
ارتعشت زاوية فمي ثم ابتسمتُ بسعادة.
“لم أكن لأظلَّ مكتوفة الأيدي.”
عبثت بيديّ الموضوعتين على فخذيّ وأنا أقبل مديحه بسرور.
كانت الخطّة من وضعي بالتّأكيد، لكن نجاحها كان ممكنًا لأن كاليد آمن بي دونَ شـكّ.
تذكرتُ محادثتنا في بيلانيف وقلت:
“خطّة خطاب التّوصية نجحت.”
شعرت بالتوتر وكأنني أقدّمُ تقريرًا لمديرٍ في العمل. هدأت أنفاسي و واصلت:
“كما توقعنا، أدّت الأنباء عن تزوير خطاب التوصية إلى تدفق البلاغات من السادة، وتمكنا من القبض على الجميع.”
“بشكلٍ أسرعَ مما توقعت.”
“يبدو أن نبلاء بيلانيف تسبّبوا في مشاكلَ أكثر مما توقعنا في الأقاليم التي هاجروا إليها. بمجرّدِ إعلان مشكلة خطاب التوصية، قدّمَ السادة بلاغات دون تردّد.”
قدمت وثائق تحتوي على تفاصيل نبلاء بيلانيف المقبوض عليهم.
أسماء مكتوبة على الورق، وجوه مألوفة.
كانوا أشخاصًا قابلتهم كريبيي أثناء الفيضان العظيم.
كان من بينهم من أمسك بيدي شاكرًا لي على حماية المدينة، لذا كان شعوري عند رؤية أسمائهم معقدًا.
كبتّ مشاعري و أخرجت وثائق أخرى وأنا أواصل بهدوء:
“قبل يومين، أُعلن أيضًا أن خطاب التوصية حقيقي وليس مزورًا. الرأي العام الناقد… ينتشر أسرع مما توقعنا. يقول والدي إنه لا حاجةَ حتى للتّحريض.”
ضحكَ كاليد بهدوء وتمتم:
“لمدّةِ خمس سنوات، تم تقديم الدعم لضحايا الفيضان العظيم. حتى الأحمق يعرف كمية الأموال التي أُنفقت. لا أحدَ سيبقى ساكنًا عندما يعلم أنها ذهبت كفقاعة.”
نعم. حتّى لو لم يكن الدعم مقدمًا انتظارًا لعائد، فمن الطبيعي أن يغضب المرء عندما يسمع أنه استُخدم لمصالحَ شخصية.
كل شيءٍ يسير وفقَ الخطة. وبما أنَّ النّتائج تفوق التوقعات، فإن سلطة و ثقة ليفيا ستتهاوى، و سيرتقي كاليد فوقها.
لم تظهر متغيرات كبيرةٌ حتى الآن. الاستثناء الوحيد هو بعضُ الأشخاص الذين تجاهلناهم.
“الفيكونت جوبير، المتورط في قضية ميرسين، اختفتْ أخباره أيضًا.”
نظرت إلى كاليد بحذرٍ وأنا أخفض صوتي.
“يقول والدي إنه… بعد سرقة دفتر الحسابات، بدا قلقًا و غادرَ إلى الشرق مع أطفاله على الفور.”
قال كاليد ببرودٍ وكأنه يعلم بالفعل:
“لعلّه مات. كانَ الفيكونت مسؤولًا عن تزويد ميرسين بالعبيد. وبما أن أسماء الخادمات المفقودات من قصر أرفين كانت مسجلة في دفتر الحسابات، فهذا يعني أنه كان يتولى أيضًا التنظيف بعد ليفيا.”
بما أن تحقيق ميرسين بدأ بسببِ الخادمات المفقودات من قصر أرفين، فقد آلمني جدًا معرفة أنهنّ اختفين بهذه الطريقة.
“إذا كانت أسماؤهن مسجّلةً في دفتر الحسابات، ألا يمكننا ربطُ حلبة القتال بليفيا؟”
“لا. الدفتر يحتوي فقط على سجلات تسليم العبيد، دونَ ذكر مصدرهم. منَ الأساس، لم يكونوا ليتركوا مثلَ هذه السجلات عند التّخلص من الخادمات.”
شعرت بالإحباط. كانَ دفتر الحسابات الذي حصلنا عليه بصعوبةٍ بعد التّسمم بسمّ بيا…
لاحظَ كاليد إحباطي و هزَّ رأسه.
“لا داعي للإحباط. لم يكن الدفتر يحتوي فقط على سجلات العبيد.”
“ماذا؟ إذن…”
“إنه قائمة بأسماءِ مَنْ استخدموا حلبة القتال.”
كان يعني أن دفتر الفيكونت احتوى على القائمة التي أرادها كاليد. كانت قائمة لم يمتلكها حتى سيرُو، المسؤول عن حلبة القتال، لذا كانت ذات أهمية كبيرة.
منذ البداية، كان هدفه القبض على المستخدمين أيضًا للقضاء على الأمرِ دفعة واحدة، فكانت هذه القائمة ذاتَ قيمةٍ كافية.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 81"