كانت تقفُ حافية القدمين على أرضيّة متناثرة بقطع الزّجاج المكسور، هادئة و جميلة بشكلٍ لا يتناسب مع الدّم المتساقط.
كانت الجروح التي تكونت للتّو على قدميها تلتئم بسرعة.
رغمَ أن الدّم سـالَ من المكان الذي اخترق فيه الزّجاج جلدها، إلا أن الألم لم يدم طويلًا.
“إذن هذَا هو الأمر… ههه، كنتِ أنتِ بالفعل.”
كطفلٍ حصل أخيرًا على لعبةٍ طالما رغـبَ بها، كان صوت ليفيا مليئًا بالفرح الذي لا يُقاوَم.
فتحت عينيها قليلًا، وخطتْ خطوة على قطع الزجاج وهي تهمس:
“الأمر متأخر، لكن… سأعـدُّ استقبالًا رائعًا.”
تذكرت وجه إيرديا عندما التقتها لأوّل مرّةٍ في الحفل الراقص، و رسمت ليفيا ابتسامةً ساحرة ببطء.
“قريبًا، سنلتقي مجدّدًا، إيرديا.”
* * *
هواء أثقل من ميرسين وأكثرُ جفافًا من بيلانيف.
على الرّغمِ من كونه ليلًا متأخرًا، كانتْ الشوارع مضيئة، و كانت الأسواق اللّيلية مكتظة بالنّاس لدرجةِ أنّ اللّيل بدا بلا معنى.
الهواء و المناظر كانت مختلفةً تمامًا عن ميرسين وبيلانيف، ممّا جعلني أدركُ أنني عدتُ إلى راجان.
مرّت العربة عبرَ فحص دقيق من الفرسان الذين يحرسون البوّابة الكبرى، ثم دخلت ببطء إلى القصر.
توقفت العربة، و فُتـحَ الباب بهدوء.
شعرتُ بنسيمٍ اللّيل البارد يلامس جفوني، ونزلت من العربةِ بحذر.
عندما مررتُ بالحديقة المنعشة المجدّدة و وصلت إلى الباب، رأيت وجهًا مألوفًا.
“إيرديا.”
في اللّحظة التي رأيته فيها، ذابَ التّوتر الذي لم أستطعْ التخلص منه، و غمرني شعورٌ بالراحة.
كانَ الماركيز ينظر إليّ بعيونٍ دافئة، بوجههِ الذي لم يتغير.
كان لديّ الكثير لأقوله له على الفور، لكن بما أن الخدم كانوا موجودين، انحنيت ببطء.
“لقد عدتُ ، أبي.”
لمست يده كتفي بهدوء.
كانتْ لمسة قوية ودافئة، كما لو أنه يعرفُ كل شيء دونَ الحاجة إلى كلام.
“أنا سعيد بعودتكِ سالمة.”
بدتْ عيناه و كأنّهما قد خمنتا ما حدث.
أردتُ قولَ شيء، لكن الكلمات العالقة كانت كثيرة جدًا، فتحرّكت شفتاي دونَ أن تخرج كلمةٌ بسهولة.
ربّـتَ الماركيز على كتفي و استدار بهدوء.
“لابد أنكِ تعبتِ كثيرًا. لنذهب إلى الّداخل أولًا. القصة طويلة جدًا لنناقشها واقفين.”
مرّةً أخرى، لاحظَ حالتي و فتحَ الطريق بهدوء.
عضضتُ شفتيّ و تبعته بخطواتٍ ثقيلة.
منذُ متى اعتبرتُ هذا المكان “بيتي”؟
مع الهواء المألوف الذي يحيط بي، اجتاحني الإرهاق الذي نسيته.
لم أُظهرْ ذلك، لكنني كنتُ مرهقة جدًا بالفعل.
إخفاء مشاعري أمامَ كاليد كانَ أمرًا مؤلمًا ومخنقًا أكثر مما توقعت.
لكن لم تكنْ كلّ اللّحظات مؤلمة.
على الرّغمِ من قضاء الأيام في توتّرٍ شديد خوفًا من تسرّب مشاعري، كنتُ سعيدة بمجردِّ وجودي بجانبه. كنتُ أفكر أنني اتخذتُ الخيار الصحيح باختياري البقاء معه.
“من الأفضل أن ترتاحي جيّدًا اليوم.”
قال الماركيز بعد رؤية وجهي المرهق.
شعرتُ بحكّـة في حلقي بسببِ اهتمامه الدافئ. أدركتُ فجأةً أنني عدتُ إلى “مكان لا أحتاج فيه لإخفاء أي شيء”.
“لا، لنذهب إلى المكتبة. لديّ الكثير لأقوله.”
لم يكن هناكَ وقت للراحة بهدوء. وصلتُ إلى راجان مبكرًا عن الموعد لأنني أسرعتُ بالعربة دونَ توقف، وذلك لأجلِ هذا الحديث تحديدًا.
مجرّد التفكير في ذلكَ جعل أطراف أصابعي ترتجف.
لاحظَ الماركيز ارتعاشي، و أومأ بتعبيرٍ جامد للحظة.
عندما دخلنا المكتبة، قدّم لي كوبًا دافئًا من الشاي بنفسهٌ و استدار ببطء.
“سمعتُ أن قضية بيلانيف قد تمّتْ تسويتها بشكلٍ جيد… هل حدثَ شيءٌ آخر؟”
ارتشفتُ رشفة من الشاي الذي قدمه، و أخذتُ نفسًا عميقًا.
ترددت الكلمات التي ستأتي في فمي. لكن كان عليّ قولها.
خاصّـة للماركيز فالاندي، الذي يعرف هويتي الحقيقيّة، لم يكن بإمكاني إخفاء هذا الأمر.
“ليفيا… أعتقدُ أنّـها اكتشفت هويتي.”
اندلعت التوقعات المشؤومة التي حاولتُ نفيها طوال الرّحلة في العربةِ أخيرًا من فمي.
كان عطر الشّاي الخفيف يعوم في الجو، لكن لم يكن هناك وقتٌ لترطيب شفتي.
“هل أنتِ متأكدة؟”
ردَّ الماركيز بهدوء على كلامي.
“نعم. هناكَ أشياء لا يمكنُ تفسيرها إلا بهذا.”
فكرتُ مرارًا و تكرارًا أثناءَ الرحلة في العربة.
بدأ الأمر برسالةِ الماركيز. محتواها عن الاضطرابات في بيلانيف. بناءً على ذلك، استطعتُ تخمين الوضع الحالي في بيلانيف.
كانت بيلانيف بالنّسبة لي مثل إصبع مؤلم. كان هناك شعورٌ بالذنب لعدمِ تحمّـل المسؤولية حتى النهاية، لكنها كانت أيضًا المكانَ الذي استخدمتُ فيه القوة المقدسة لأوّل مرة لإنقاذ الكثيرين.
“كانت بيلانيف مصدر دخل لليفيا، لكنها كانت أيضًا مسرحًا لانتقامها مني. لقد وضعتْ سجلًا لأبحاث لم تُجـرى حتّى، كما لو كانت تريني ذلك عمدًا.”
“تقصدين أنها أرادتكِ أن تري ذلك؟”
وضعتُ الكوب الذي كنتُ أمسكه و فتحتُ فمي ببطء كما لو كنتُ أهدئ تنفسي:
“نعم. عرفت أنني إذا كنتُ ‘ليفيا التي أوقفت الفيضان العظيم و أنقذت الناس’، سأتأثر بالتأكيد.”
كما أعرف ليفيا، كانت هي أيضًا قد فهمت شخصية الرّوح التي استولت على جسدها. لذا كان انتقامها بهذهِ الطّريقة ممكنًا.
علاوةً على ذلك، كانت فضولية بشأنِ هويتي لدرجة أنها كانت على استعداد لتحمّلِ خسارة بيلانيف.
“يبدو أنها تكرهني أكثر! مما توقعت.”
كنتُ أعلم أننا لا يمكنُ أن نكونَ على وفاق.
لم أختر أن أدخلَ جسدها عن عمد.
شعرتُ بالظّلم، لكن من ناحيةٍ أخرى، استطعتُ فهم مشاعرها قليلًا. لو أن شخصًا ما استخدم جسدي لسنواتٍ و غيّـرَ حياتي بالكامل… لكنتُ غاضبة أيضًا.
“أفهم لماذا تكرهني… لكن لا يمكنني مسامحتها على ما فعلته بالآخرين.”
لقد سخرت من كاليد مرّاتٍ لا تحصى، و تركت جروحًا عميقة في أولئك الذين أعتز بهم.
تصرفت ليفيا كما لو كانتْ تحطم كل ما كنتُ أملكه واحدًا تلو الآخر.
“على الأقل… كان يجبُ ألا تمسّ الأبرياء.”
عندما رأيت داخل السفينة واكتشفت أنها طورت “آدم” مجدّدًا، فقدتُ وعيي على الفور.
لم يكن مجرد إغماء، بل منذ وصولي إلى بيلانيف، كنتُ أتأثر عاطفيًا في كلّ لحظة. حاولتُ الحفاظ على رباطة جأشي، لكنني تصرّفتُ عاطفيًا في عدة مناسبات.
إذا كانت بيلانيف نفسها فخًا من ليفيا… لقد تم كشفي بالفعل. لأنها كانتْ تراقبني.
“ربما يكون ذلكَ أفضل. بدلاً من تحطيم ما أعتز به دون تمييز، ستحاول الآن تحطيمي أنا.”
“قد يصبح ذلكَ خطرًا عليكِ.”
“أفضّلُ ذلك على انهيار مَنْ حولي. يجب أن أواصل تقوية نفسي لحمايةِ نفسي.”
أفهم قلق الماركيز. أعرف ضعفي جيدًا. كنتُ قد عزمتُ مرّاتٍ عديدة أثناء الرحلة على تطوير قوتي لحمايةِ نفسي في اللّحظات الحرجة.
تذكرت القوّة الغامضة التي ظهرت في بيلانيف.
“حدثَ شيءٌ غريب في بيلانيف. كنتُ في لحظة خطيرة للغاية… لكن قوة غامضة حمتيني.”
“قوة غامضة؟”
ضاقت عينا الماركيز و أصبحتا حادتين.
“نعم. شعرتُ و كأن شيئًا يخرج من داخلي. لم أره بعيني، لكن شعرتُ وكأن شيئًا يحيط بي… كما لو أن ساحرًا ألقى درعًا.”
“همم… هل كانَ هناك شيء آخر؟”
“كان الأمر سريعًا جدًا، وكانت الظروف ملحة، فلم يكن لدي وقت لفحصه بعناية. لكنني متأكدة أن تلكَ القوة حمتيني.”
وضعَ الكوب و مال نحوي. بدا تعبيره جديًا، كما لو أن شيئًا ما خطر له، فشعرتُ بالتوتر بدوري.
مرَّ صمتٌ قصير، ثم تحدث بحذر:
“تلك القوة… ألا يمكن أن تكونَ القوة المقدسة؟”
“فكرتُ في ذلكَ أيضًا… لكن كيف يمكنني أن أمتلك القوة المقدسة؟”
شعرتُ و كأنَّ الأطر الثابتة التي كنتُ أعرفها تهتز.
“لكن القوة التي تحمي شخصًا دونَ إرادة… باستثناء تعويذات السحرة، فإن القوة المقدسة هي الوحيدة.”
كان نبرته حذرةً لكن حاسمة.
انتقلت نظرته ببطء من أطراف أصابعي إلى وجهي، ثم إلى عينيّ، كما لو كان يحاول تأكيد شيء ما.
“القوة المقدسة هي بالتأكيد نعمة . قوة تولد مع الإنسان، لا يمكن اكتسابها بالجهد. لكنكِ… استخدمتِ تلكَ القوة من قبل، أليس كذلك؟”
“ذلك… لأنني كنتُ ليفيا. كنتُ في جسد تلقى نعمة الحاكم…”
“صحيح. ماذا لو كان ذلكَ بسببِ تأثير ذلك التجسد؟”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 76"