على الرّغمِ من تمتمتي بذلك، وجدتُ يدي تشتد دون وعي.
طنين مزعج دوى في أذني، وأصبحَ تنفسي مضطربًا. لاحظَ جيرمان اضطرابي و أرسل إشارة حذرة بعينيه، لكنني لم أستطع الرد.
‘وجهٌ لم أره من قبل. إذن، م!ن أنتِ؟’
‘آه… أنا إيرديا من عائلة الماركيز فالاندي. أعتذر عن قلة اللياقة بسببِ المفاجأة، سموّ ولي العهد.’
وجه مشوّه بالألم عند سؤال ‘مَن أنتِ؟’
عيونٌ حزينةٌ تشبه الأسى، ظلت عالقة في ذهني بشكلٍ غريب، ذلكَ اللّقاء في ذلك اليوم عاد إلى ذاكرتي.
في ذلكَ الوقت، شعرتُ أن كلَّ هذا الاضطراب كان مجرّد إنزعاجٍ و عدم راحة.
‘لا يمكن… أن يكون ذلك.’
‘سموك؟’
تلكَ التعابير الصّادقة لا يمكن أن تكون تمثيلًا.
ذلكَ اللقاء نفسه لم يكن مقصودًا، بل كانَ صدفة.
كما في ميرسين، كنتُ أنوي فقط مراقبةَ أيّ شيء مشبوه في بيلانيف.
لكن بعد وصولها إلى بيلانيف، لاحظتُ اضطرابها الغريب.
بالنّسبة لشخصٍ يشفق على اللاجئين المتضرّرين من الكارثة، كانت منغمسة عاطفيًا بشكلٍ مفرط في هذه القضية.
كما لو كانتْ تحمل مسؤولية تلكَ الكارثة بنفسها.
‘كاليد… ماذا أفعل؟ بسببي، لأنّني تصرفتُ بتهور…’
‘لكن… لو كنتُ أسرعَ قليلًا…’
تذكرتُ صورتها وهي تبكي وتتشبث بي كما لو أنها ارتكبت ذنبًا كبيرًا.
شاهدَ.كاليد في ذلكَ اليوم امرأة تقوم بمعجزات في ملاذ ذهبي متألق.
رأى كيفَ استنفدت قوتها المقدسة حتى تقيأت دمًا وتحولت شفتاها إلى اللون الأزرق. حتى بعد تحقيق المعجزة، كانت تعتذر كما لو أن كل شيء كان خطأها.
وكذلك…
‘آه.. آه… من فضلكم، اركضوا… رجاءًا…’
في اللّيلة الأولى في بيلانيف.
مثلما أصيبت بسمّ البيا، رأيتُ إيرديا تتأوّه كما لو كانت تواجه كابوسًا مروعًا.
على عكسِ خجلها عندما وافقت على النّوم في سرير واحد، كانت تلوّحُ بيدها في الهواء، تتوسل و تعتذر مرّاتٍ و مرّات.
كان ذلكَ المشهد يشبه تمامًا تلكَ المرأة في يوم الفيضان العظيم، عندما أظهرت المعجزة. كان مشابهًا لكلماتِ الاعتذار التي تمتمت بها وهي تفتح الملاذ حتى فقدان وعيها.
لم يستطعْ كاليد حتى إمساك يدها المتمردة، و ظـلَّ ينظر إليها حتّى تسلّلَ ضوء الفجر.
خفق قلبه بعنفٍ أكثر من ذي قبل. اندفعت رغبة فيه لإمساك يدها على الفور.
لم يعد بإمكانه تجاهل ذلك.
كان السّبب الوحيدُ لوجودها بجانبه، تحت! ذريعة الشكّ والمراقبة، هو أنه رأى في إيرديا، الغريبة، ملامح ليفيا التي أحبّـها.
كان أمرًا لا يُصدق. ظـنَّ أنه أُصيبَ بالجنون لعدمِ قدرته على التخلص من ذلكَ الحبّ.
لكن، في نفسِ الوقت، وبشكلٍ ساخر، تذكر كلمات ليفيا التي سخرت منه.
قالتْ إن شخصًا ما استولى على جسدها، وأن النّسخة الشريرة منها لم تكن هي.
بدا ذلك كمزحة، لكن، لسببٍ ما، أراد تصديقها.
كانت كلها خدعًا من ليفيا، لكن التفكير في الأمر الآن جعله يشعر بالحيرة.
لماذا سخرتْ منه بكلماتٍ سخيفة كهذه؟
عندما خطرت له فكرة ‘ماذا لو’، هزّت قلبه بقوة.
الفكرة، بمجردِّ أن نبتت، نمتْ بسرعة، جعلته يراقب كل عاداتها الصغيرة، تصرفاتها، نبرتها، و تعابيرها بعناية.
وجد آثارَ.حبيبته فيها، وكلَّ شيء بدا وكأنه يقول إنه ‘الجواب الصحيح’.
وأخيرًا، حصلَ على اليقين من كلماتها.
قولها إن تجارب بيلانيف لم تكن سوى لعبة.
وأن ليفيا قد تكره تلكَ الفترة التي لا تتذكرها.
إذا كان هناك بالفعل شخصٌ استولى على جسد ليفيا، وإذا عادت ليفيا و عرفت بذلك؟
الخيانة المفاجئة، كل أفعالها عندما سخرت منه بقسوة—كل ذلكَ أصبحَ له تفسير.
إذا كانت ليفيا، فهي بالتّأكيد قادرةٌ على ذلك.
كانت كلّ قطع الأحجية تشيرُ إلى حقيقة واحدة.
أرادَ أن تكون تلكَ الفرضية المذهلة صحيحة.
لكن إذا كانتْ صحيحة، فلماذا لم تقل شيئًا؟
لذلك، تجنّبَ سؤالها عمدًا. لأنه كانَ يخشى أن ينهار إذا قالت ‘لا’.
لم يردْ التفكير بأنها كانت آمال زائفة، أو أنه أصيب بالجنونِ لعدمِ قدرتهِ على نسيان حبيبته السابقة.
قلـبُ كاليد قد قرّرَ بالفعل أنها هي المرأة التي أحبها، لكن الماضي المليء بالخداع همس له بأن يبحث عن المزيد من الأدلة.
لم يستطعْ التخلص بسهولةٍ من الخوف الجبان.
قلبه الممزّق بالفعلِ بالجروح، لم يعد قادرًا على تحمل المزيد.
لذلكَ، أرادَ أنْ يصدّق.
أن تكون هي تلكَ المرأة التي تقدمت بشجاعة من أجلِ الآخرين، حتّى لو أدّى ذلك إلى أذيته.
حتى لو لم تكن هي، أرادَ على الأقل ألا تكون مرتبطة بليفيا.
أراد ألا يتحطم هذا القلب الذي بدأ يحملهُ مجددًا.
لكن كلمة واحدة من ليفيا، التي بدتْ و كأنها تعرف إيرديا، كانت كافية لزعزعة هذا العزم.
الذكريات التي عادت كـكابوسٍ مروع ضغطت على قلبهِ بشكلٍ فوضوي.
‘إذا… لم يكن ذلكَ صحيحًا.’
إذا كانت مجرد خدعة أخرى من ليفيا…
عضّ كاليد على أسنانه، محاولًا استعادة رباطة جأشه.
بدت ضحكة ليفيا الساخرة و كأنها تتردد في أذنيه، لكنه حاول طردها. وبدلًا من ذلك، تذكّـرَ الوجه الذي نظر إليه بخجلٍ مبتسمًا.
تذكّرَ الوجه الشاحب المنهكَ من البكاء، كما لو كان يحملُ كل تعاسة بيلانيف بمفرده.
لم يكن بإمكان عينيها المتورمتين الحمراء أن تكونا كذبًا.
‘سموك، هل أنتَ بخير؟’
‘…أنا بخير.’
عندما تذكّرَ وجه إيرديا، استعاد عقله المتذبذب توازنه أخيرًا.
كانَ الهدوء قد عـادَ إلى الغرفة بعد انقطاع الاتصال.
غمره إحساس بالخطر، فاندفعَ كاليد إلى داخل الغرفة.
عندما فتح الباب بعنف، كان صاحب النزل يبتسم بسعادة مخيفة، و قد أسقط زجاجة فارغة من يده.
“سيدة القوة المقدسة… فلتتحقّق إرادتكِ…”
ملأ صوت غريب، كأن حنجرته تنشق، الغرفة بنبرة مزعجة.
تحول وجهه و رقبته إلى اللون الأسود، ثم تقيأ دمًا وانهارَ على الأرض بصوتٍ مكتوم.
نظرَ كاليد إلى الجثة بصمت.
على الرّغمِ من أنه انتحرَ بسمّ مروع، كانت الابتسامة المتبقية على وجهه مليئة بالرضا بشكلٍ مخيف.
‘…اللعنة.’
كان لا يزال هناكَ المزيد لمعرفته.
ما هي المحادثة التي جرت قبل دخوله مباشرة، وما هي التعليمات التي تلقاها لمراقبة إيرديا هنا… الآن، أصبحَ من الصّعب معرفة ذلك.
‘لم أسمع نهاية الاتصال بوضوح، لكن… يبدو أنه تم توجيهه للانتحار.’
كانت مجرد كلمات قليلة من ليفيا.
عادت صدمة الماضي المروعة، و أصابهُ الهلع. ظـنَّ أن مثلَ هذه الأمور لن تحدث مجددًا…
بسببِ ظهورِ إيرديا الجديد، عادت النوبة التي هدأت لفترةٍ طويلة.
أكثرَ من حقيقة أنه لم يعد بإمكانه جمع المزيد من المعلومات، كان قلق جيرمان العميق في عينيه أكثر إيلامًا.
مرّرَ كاليد يده المتوترة على وجهه بعنف، و أطلق تنهيدة طويلة.
“….هذا خطأي.”
“من سرعة انتحاره، يبدو أنه كانَ مجرّد أداة يمكن التخلص منها. ربما صُمّمَ لعدم ترك أي شيءٍ سوى الاتصال.
“….لم نعرف الغرض.”
نظر جيرمان إلى جهاز الاتصال على المكتب، ثم هزَّ رأسه بهدوء.
“جهاز الاتصال هذا أيضًا للاستخدام مرة واحدة. علاوةً على ذلك، تم تهيئته للإرسال من هذا الجانب فقط. …لكنكَ تعرف الغرض بالفعل، أليس كذلك؟”
أغلقَ كاليد فمه عند كلمات جيرمان الباردة.
لأنّ ما كان يخمنه لم يكن ما يتمناه.
مهما كانتْ الحقيقة، كان خيارًا لا مفر منه. إذا كان هناكَ حتى أدنى احتمال، فلا يمكن التغاضي عنه.
“….أخبر باسلين أنْ لا يفقدوا إيرديا من أعينهم أبدًا”
“…..إذا ظهرت أي ظروف مشبوهة، ماذا ستفعل حينها؟”
كونه بجانبي لفترةٍ طويلة، كان جيرمان يعرف قلبي أكثرَ من أيّ شخصٍ شخص آخر.
لقد أدركَ بالتّأكيد أنني أعطيتُ قلبي لها إلى حدٍّ ما، وأنني أرى شخصًا آخر من خلالها.
لذلك، كانَ يسأل لمنع أيّ ارتباك قادم.
“….كما في السابق، سأعاقبها على إهانة ولي العهد.”
على الرّغمِ من أنني نطقت ببرود، كان قلبي ينكر بشدّة.
مـرَّ أمل يائس عبر تعبيري المشوه.
أرجو ألا تكونَ الشّكوك صحيحة. أرجو أن تكون مجرّد كلام فارغ.
أرجو ألا أضطر إلى تنفيذ هذا القرار الذي اتخذته الآن.
وفي مكانٍ بعيد،
كانتْ امرأة ترتدي زيًا أبيض مطرزًا بالذهب ببراعة تضحكُ بهدوء.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 75"