كانت الأراضي المنخفضة لا تزال غارقة في المياه، وكشفت القرية في الأراضي العالية عن تحولها إلى أنقاض تحت وطأة النفاق والتجاهل.
ومع ذلك، بدأت شرارة أملٍ هادئة في التّفتح في عيون سكان قرية الخيام تجاهَ موطنٍ جديد.
كما توقعت إيرديا، كان النبلاء الرئيسيون قد هربوا بالفعل. أولئكَ الذين تم القبض عليهم كانوا في الغالب نبلاء من الطبقة الدنيا، لا يعرفون حتى حقيقة الكارتل داخل بيلانيف.
لكنهم، مع ذلك، استغلوا عمل سكان قرية الخيام الذين تحولوا إلى عبيد، وشاركوا في اختلاس أموال الدعم الوطني، و لو بمبالغَ صغيرة.
لذلك، لم تُمنح لهم فرصة للاعتذار أو المقاومة.
بعد إضفاء الطّابع الرسمي على مشكلة بيلانيف، اصطفت عربات الهجرة متجهة إلى ميرسين.
غضبَ بعض النبلاء الذين كانوا يتبرعون لجهود الإغاثة، بينما شعر آخرون بالراحة. لقد حسبوا أنهم لن يُجبروا بعد الآن على دفع أموال غير ضرورية تحت اسم “الدّعم”.
تصرفوا بحذر، مرسلين فرقَ إغاثة لتجنّبِ أي اتهامات بتورطهم مع نبلاء بيلانيف، محاولينَ الحفاظ على مسافة آمنة.
لم يرفض كاليد فرق الإغاثة التي أرسلوها. كان هناك الكثير من السّكان المهاجرين، ولم تكن فرقة الفرسان كافية بمفردها.
تحركت فرق الإغاثة والفرسان بجدٍّ لتنظيم الحشود.
في خضم هذا الصخب، كان هناك ظل هادئ يتحرك عبر ظلام المدينة.
بدأت نخبة باسلين بنقل ضحايا التجارب الذين فقدوا عقولهم بسرية.
منذ الليلة التي غادرت فيها إيرديا بيلانيف، بدأت فرقة ولي العهد بنقلِ هؤلاء الضحايا إلى إقليم أرفين الدوقية دونَ أن يراهم أحد.
وفي وسطِ هذا الصخب، كان كاليد يختبئ بهدوء.
لقد أدركَ بالفعل أن الهدف الذي يراقبه سيتحرك في أوقات الصّخب بدلاً من هدوء الليل.
“بعد مغادرة السّيدة إيرديا، بدأ يراقب محيطه بحذر أكبر. إذا كان سيتحرك، فسيكون الآن.”
أومأ كاليد بصمتٍ ردًا على كلام جيرمان المنخفض. كان يراقب غرفة النزل من خلالَ شقٍّ ضيّقٍ داخل المخزن.
غادرت إيرديا بالفعلِ في اليوم السابق، وكان كاليد يخطط للتوجه إلى راجان بعد زيارة إقليم أرفين.
لكن قبلَ ذلك، كان هناك شيء يجب تأكيده.
كان هذا هو السّبب وراء إرسالِ إيرديا إلى راجان أولاً.
صاحب النزل.
ضيّقَ كاليد عينيه.
كان صاحب النزل شخصًا مشبوهًا منذ البداية.
رأى جميع سكّان الأراضي العالية في بيلانيف سكان قرية الخيام يتحوّلون إلى عبيد، وتبين أنهم تلقوا، و لو مبالغ صغيرة، من أموال الدعم التي نهبها النبلاء.
كان صاحب النّزل الوحيدَ البريء من بينهم. بل إنه لم يكن من بيلانيف أصلاً.
قال انّـه تولى النّزل بناءً على توصية قريب، ولم يكن يعلم بما يحدثُ هنا.
لم يكن هذا بحدِّ ذاته أمرًا غريبًا. لم يكن هؤلاء الأشخاص غير موجودين تمامًا.
لكن هذه النّقطة بالذات هي التي جعلته الأكثر إثارة للريبة.
الخرافة.
الشّخصُ الذي أثار هذه القصة لأوّلُ مرة لم يكن سوى صاحب النزل.
لم يكن سكّان قرية الخيام يعرفون شيئًا عن الخرافة، لكن سكّان الأراضي العالية كانوا على يقين بأن الخروج ليلاً قد يؤدي إلى أمور سيئة، دون أن يعرفوا التفاصيل.
فكيفَ عرف صاحبُ النّزل، القادمُ من الخارج، هذه الخرافة بتفاصيلها؟
هو، الشخص الأكثر انفصالاً عن هذا المكان، الهادئ و النظيف.
عندما قالت إيرديا إن “محتوى الخرافة مشبوه”، كان وجهُ صاحب النزل أوّلَ ما تبادر إلى ذهن كاليد.
‘…لذلك جعلته تحت المراقبة.’
كانت التقارير من أعضاء فرقته متسقة.
أظهر صاحب النزل اهتمامًا خاصًا بإيرديا. كانت عيناه دائمًا تتبعانها.
“غريب. إذا كان شخصًا زرعته ليفيا، فالهدف الذي يجبُ أن يراقبه يجبُ أن يكونَ أنا.”
لم يكن هناكَ سببٌ يجعل ليفيا ترسل شخصًا لمراقبة إيرديا بهذه الطريقة. أومأ جيرمان بهدوء موافقًا.
كانت قطع الأحجية المتناثرة في ذهنه تجد أماكنها تدريجيًا.
شعرَ بالتّوتر، وشـدَّ قبضته بشكلٍ غير معتاد.
“إنه يدخل.”
عند كلمة جيرمان، نقلَ كاليد نظرته إلى الشق الضيق.
دخلَ صاحب النزل إلى الغرفة بهدوء وأغلقَ الباب.
تفقد النافذة عدّةَ مرات، ثم أخرجَ جهازًا مألوفًا من أعماق الخزانة.
‘…جهاز اتصال.’
وضعه بحذرٍ على المكتب، وفرك ظهر يده المرتجفة.
سعلَ ليهدئ توتره، ثم تفاجأ بصخب خارجي وتفقد النافذة مجددًا. بعد التأكد من إغلاق الباب، سعل مرّةً أخرى ليصفي صوته.
أخذَ نفسًا عميقًا و مـدَّ يده نحو جهاز الاتصال.
في اللحظة التي لامست فيها أصابعه الجهاز، ظهر رمز ذهبي باهت فوقه.
“أوه… سيدة القوة المقدسة، استجيبي لصلاتي.”
همسٌ صغير و منخفض لكنه متحمّس.
ركعَ و جمع يديه بأدبٍ تجاهَ الطّرف الآخر من جهاز الاتصال غير المرئي.
في تلكَ اللحظة، خرجَ صوت أنثوي مألوف لكنه غريبٌ جدًا من جهاز الاتصال.
〔باسم بيسيا، فلتصل بركة الحاكم إليك. كنتُ أنتظرك، أيها التّابع.〕
“آه، آه! شكرًا، شكرًا!”
تأثر صاحب النزل بكلمات السّيدة القدّيسة المباركة، وانحنى و دموعه تترقرق.
كانت هي. لا أحد غيرها، ليفيا نفسها كانت تتواصل بشكلٍ مباشر.
〔أخبرني. ماذا حدث؟〕
انحنى صاحب النزل بعمق ردًا على كلام ليفيا، وخفض صوته ككاهن :
“…غادرت امرأة تُدعى إيرديا اللّيلة الماضية. عند وصولها، كانت تبدو و كأن لها قّـصة معقدة هنا. تظاهرتْ أنها زوجة وليّ العهد أمامي، لكنها كانت تنظر إلى الخارج بحزنٍ أحيانًا.”
〔هممم، تابع.〕
“رأيتها تتجه إلى قرية الخيام، وبدا أنها تفقدت السّفينة أيضًا. أغمي عليها، وعندما عادت، حملها ولي العهد بنفسه. بعد استيقاظها، لم تظهر أي تصرفات غريبة، لكنها كانت تتفاعل بحميمية مع أطفال قرية الخيام. وأيضًا…”
كلما استمرّ حديثه، بدا أن أنفاس ليفيا عبر جهاز الاتصال تزداد حدة.
عندما انتهى حديثه، بدأت تضحك بهدوء أخيرًا.
لم تكن ضحكتها تعبيرًا عن الفرح أو الازدراء.
كانت مجرد ضحكة عفوية، غير قادرة على إخفاء مشاعرها في لحظة ممتعة للغاية.
〔ههه… هاها! نعم. هذا ممتع حقًا. كانت توقعاتي صحيحة.〕
“هل… كنتُ مفيدًا؟”
〔بالطّبع. ساعدتَ كثيرًا في تأكيد أنّ ذلك الأمير الغبي الذي لا ينسى و لم يستطع التخلي عن الماضي… وكرّرَ نفسَ الاختيار مرّةً أخرى.〕
ارتجفت حواجب كاليد قليلاً. كانت كلماتها تحمل معنى مزدوجًا واضحًا.
في يقينه شبه المؤكد، تسبّبَ شك “ماذا لو” في صدع عميق.
〔لقد أزعجتها بالتّأكيد… ههه، لا حاجةَ لمزيدٍ من التأكيد. إنها أفضلُ مما توقّعت.〕
لم يستطع إيقاف قلبه الذي كان يخفق بهدوء لكنه واضح.
لم يستطع نطق ذلك الاسم، لكن عقله كان ممتلئًا بها بالفعل.
كانَ يردّدُ أنها ليست هي، لكن الشكَّ الذي بدأ ينمو سريعًا.
وأكثر ما لم يستطع تحمله هو أن قلبه كان يميل بالفعل نحو الماضي.
‘…كاليد! يجب أن تصدّقني! هناك روح تحاول الاستيلاء على جسدي! لستُ أنا! تلكَ الروح الشريرة ليست أنا!’
في يومٍ ما عندما طردها بوحشية، كانت ليفيا تبكي وتقول ذلك
وهي تمسك يديه بقوة، بوجه متوسل… تتوسل أن يصدقها.
‘هل تعرفني؟ كاليد، ليفيا التي أحببتها هي أنا. كنتُ في ذلكَ الجسد حينها، لكن هذا هو مظهري الحقيقي. لا أعرفُ لماذا مررتُ بهذا الأمر الغريب…! لكن حبي لكَ كان صادقًا!’
ثم، يومًا آخر، جاءت امرأة غريبة تتوسل.
قالت انّ كل لحظات فقدان الذاكرة كانت بسببُ ذلك. كرّرت ليفيا أفعالًا مشابهة كما لو كانت تلوث الذكريات الثمينة، مرّاتٍ و مرات.
عاشَ كاليد شعور اليأس والإحباط مرارًا.
‘اشتقتُ إليك، كاليد… من فضلك. أنقذني.’
كانَ يعلم. لم يكنْ هناك أي صدقٍ في كل ذلك.
الكلمات التي نطقت بها، الدموع التي أذرفتها، الحب، و الادعاء بأنها كانت صادقًا—كلها كانت جزءًا من مسرحية محكمة لتحطيم كاليد، الذي لم يستطع نسيان السّنوات الخمس الماضية.
كانت الشقوق الناجمة عن الذكريات الماضية تنتشر بشكلٍ أكبر و أوسع.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 74"