بدا أنّ حالة آرين ساءت، فأسرعَ جيرمان لدعمه وغادر الغرفة بسرعة.
غطيتُ وجهي بكلتا يديّ، و استدرتُ ببطء لأغطي نفسي باللحاف بعمق. تنفستُ بهدوء داخل اللحاف.
كانت كلمات آرين الأخيرة تتردّدُ بهدوء في الغرفة كصدى.
في البداية، ظننتُ أنني سأتحمل. لكن سرعانَ ما تدفقت الدّموع. ارتعش جسدي بلا سيطرة.
كأنَّ قطع الزمن المتجمدة تذوب بهدوء.
كانت المشاعر التي كبحتها طويلاً تنفجر دفعةً واحدة، وتتدفق كالدموع.
ربّما يجده كاليد غريبًا. بل قدْ يشكّ. لكن حتّى مع مرور هذه الأفكار، لم أعد أستطيع كبح بكائي.
“آه…. هيك…”
غمرَ الظلام الهادئ والثقيل الغرفة مجددًا.
في ذلكَ الظلام، كانَ كاليد جالسًا على الأريكة بنفس الوضعية التي كانَ عليها بالأمس. لكنه لم يقل شيئًا ولم يتحرّك.
كانَ فقط… يشاركني تلكَ اللّحظة التي تنهار فيها كل الأشياء، بهدوءٍ بجانبي.
كانَ صوت نحيبي المكتوم في اللّحاف هو الصّوت الوحيدَ الذي يتردد في الغرفة، رقيقًا و مؤلمًا.
عندما فتحتُ عينيّ مجددًا، كانَ الصّباح التالي قد حـلّ.
رفعتُ جسدي المرهقَ بصعوبة.
بعد أن بلّلـتُ وجهي بالماء البارد، نظرتُ إلى المرآة، فكانت عيناي الحمراوان المنتفختان تؤكدان ليلة الأمس.
كان الشّيء الوحيد المواسي هو أن كاليد لم يسألني لماذا بكيتُ. على الأقلّ، لم أضطر إلى اختلاق أعذار لمشاعري.
أخذتُ نفسًا عميقًا وغادرتُ الغرفة. ربما كان جيرمان في غرفته يرتّبُ أحداث الأمس.
طرقتُ الباب بهدوء و فتحته، فسمعتُ صوت محادثة منخفضة. كانت الرياح تدخل من النافذة المفتوحة، تهز الستائر بلطف.
توقفتُ لحظة أمامَ هذا المشهد الهادئ. ثم التفتتْ أنظار الاثنين نحوي.
تبادلنا التّحية بنظرات قصيرة، ثم اقتربتُ من آرين. كان جسده لا يزال مغطى بالجروح، وأنفاسه غير مستقرة.
غطيته باللّحاف بحذر بأطراف أصابعي وجلستُ بهدوء على الأريكة.
لقد بكيتُ بما فيه الكفاية بالأمس. الآن حانَ وقت القيام بما يمكنني فعله.
“هل توصلتم إلى شيء؟”
“كنتُ أتحدّث مع آرين حتى الآن. نرتب الأمور بناءً على شهادته. هل هناكَ شيء مشبوه؟”
مـدَّ كاليد الأوراق بهدوء.
كنتُ متفاجئة. توقعتُ أن يسأل عن سبب إغمائي، حتى لو لم يوبخني… لكنه لم يسأل شيئًا. بل دعاني إلى الحديث كما لو أن شيئًا لم يحدث.
شعرتُ أن كاليد لاحظ شيئًا مشبوهًا، لكنه، لسببٍ ما، كان يراعي مشاعري.
شعرتُ براحة أكبر. لأنني لم أكن لأجد طريقة للشرح.
“إذًا، بدأت عمليات الاختطاف إلى السفينة منذ عامين؟”
“نعم. قبلَ ذلك، كانوا يُرسلون إلى قصور النبلاء أو المناجم. لم يعد أحد منهم.”
بينما كنتُ أقلب الأوراق، ضغطتُ على حاجبي المعقود بقبضتي.
‘كان شوريل في ميرسين منذُ ثلاث سنوات. لكن الاختطافات بدأت منذ عامين؟ التوقيت لا يتطابق.’
على الأقل، كان يجبُ أن تكونَ حادثة شوريل بعد نجاح تجارب المخدرات…
فتحتُ فمي بحذر:
“إذًا… ربّما لم يكن هناك مختبر واحد فقط. حادثة السّيد شوريل بدأتْ قبل ذلكَ بكثير.”
أخرجَ جيرمان بعض الأوراق التي جمعها من ميرسين ونشره.
“أليس من الممكن أن يكون آرين قد أخطأ في التذكر؟”
هززتُ رأسي بحزم.
“إنه طفل ذكيّ وسريع البديهة. حتى لو كان مرتبكًا، لا أعتقد أنه سيخطئ في التوقيت إلى هذا الحد. على الأكثر، قد يكونُ هناك خطأ بضعة أشهر.”
مال رأس جيرمان، و أخرجَ ورقة وأشار إلى جزء منها.
“أرقام التجارب هنا تبدو وكأنها تُعطى لعدد الأشخاص، لكن ألا يبدو ذلك غريبًا مقارنة بعدد سكان بيلانيف؟”
كان جيرمان محقًا. لاحظتُ ذلكَ على السفينة وشعرتُ بالغرابة. قبضتُ يدي وفككتها عدة مرات، ثم أخذتُ نفسًا عميقًا وأشرتُ إلى الأرقام:
“بعد الفيضان، لم يتجاوز عدد سكان بيلانيف 180 ألفًا. لكن وفقًا لهذه السجلات، هناك ما يقرب من 50 ألف ضحية. قد يكون مجرد رمز تصنيف، لكن إذا افترضنا أنه يمثل عدد الأشخاص، فهذا كثير جدًا.”
“ألا يمكنُ أن يكونوا من بين السّكّانِ المتبقين؟”
“50 ألفًا؟ إذا اختفى هذا العدد من مدينة واحدة دونَ أن تلاحظَ الإمبراطورية… فهذا أكثر غرابة.”
أومأَ كاليد. حتى لو كانت الإمبراطورية غير كفؤة في ذلكَ الوقت، وتزامنَ ذلك مع فترة عزلة كاليد، فلا يمكن إخفاءُ أمرٍ بهذا الحجم.
“في ذلكَ الوقت، غادرَ بعض اللاجئين بدعمٍ مالي، حاملين خطابات توصية من سيدة القوة المقدسة. كان عددهم حوالي 20 ألفًا. إذًا، السكان المتبقون أقل من 160 ألفًا… واختفاء 50 ألفًا دون أن يلاحظ أحد لا يستقيم.”
كنتُ أتمنى أن يُقبلوا جيدًا في أماكنَ أخرى، وأن يجدوا موطنًا جديدًا. لذلك، دققتُ في فحص اللاجئين وتأكيد هوياتهم.
كانت خطابات التوصية بمثابةِ ضمانات، تُستخدم قوة سيدة القوة المقدسة لفرض قبولها، وكانت فعالة جدًا.
“هذه الأرقام لا يمكن تفسيرها ببيلانيف وحدها. كان هناكَ مناطق أخرى، مختبرات أخرى. إذا كانت هناك فرضية أخرى…”
ابتلعتُ ريقي وكررتُ التنفس العميق بوعي. من الآن فصاعدًا، كانَ حديثًا لا أريد قوله حقًا.
‘عندما عادت ليفيا وأدركت أن آثار آدم اختفت، بدأت من جديدٍ على الفور. جمعت الأشخاص، استعادت البيانات المحذوفة… وبما أنها فعلت ذلك من قبل، كانت أسرعَ هذه المـرّة.’
إذا كان الأمر كذلك، عامٌ للتّحضير. و عامٌ آخر للتّجارب الفعلية. ثم اكتمل المخدر، وسقط شوريل… و مرّت سنة أخرى.
“آدم”، الذي أردتُ تدميره بشدة، ربما أصبح الآن حقيقة ملموسة.
هذا يعني أن التّجارب بدأت قبلَ اختطاف شوريل.
‘اختفاء الخادمات والوصيفات في قصر أرفين… كان بسببِ هذا.’
شعرتُ أنني وجدتُ نقطة البداية التي لم أكتشفها في ميرسين. لم يُستخدموا فقط كعبيد في حلبة القتال.
هزّني الخوف من أنَّ الشكوك التي راودتني على السفينة قد تكونُ صحيحة. لكن كان عليّ قولها.
سواءَ كانت الفرضية صحيحة أم خاطئة، لم أعد أستطيع تحملها بمفردي.
“…ماذا لو كانت هذه التّجاربُ نفسها مزيفة؟”
سادَ صمتٌ قصير.
كسر جيرمان الصمت بصوت منخفض:
“كلّ سجلات التجارب كانت حقيقية. الأضرار حقيقية، و تتطابق مع السجلات.”
ضغطتُ على جفوني بأطراف أصابعي. كان فتحـ فمي مؤلمًا.
“ليس التّجارب… ربما كانت مجرد لعبة أو نزوة شخص ما.”
“هل جننتِ؟”
“جيرمان.”
“أعتذر. فقدتُ أعصابي.”
ابتسمتُ بجهدٍ ولوحتُ بيدي.
“لا بأس. لو سمعتُ مثلَ هذا الكلام، ربما كنتُ سأرد بنفسِ الطريقة.”
“لا، لقد كانَ كلامًا لا يجبُ قوله مهما كانت الظروف. لقد أسأتُ إلى الآنسة فالاندي، خطيبة سموك. سأتقبل العقاب.”
حتّى دونَ توبيخ من كاليد، اعترفَ جيرمان بخطأهِ بالكامل.
لتلطيف الأجواء المتصلبة، قلتُ مازحة:
“إذًا… إذا ارتكبتُ خطأً مشابهًا في المرة القادمة، فقط اغضّ الطرف مرة واحدة. هل يناسبكَ ذلك؟”
لحسنِ الحظّ، انخفضَ التّوتر قليلاً. ارتفعت زاوية فم كاليد الذي كانَ يراقب بهدوء.
شعرتُ كأنني أُقَيَّـمُ، فنظرتُ إليه بنظرةٍ خاطفة ثم أعدتُ تهيئة تعبيري و جلستُ.
“أممم. للتّلخيص—ما حدثَ في بيلانيف قد لا يكون تجربةً ذات هدف، بل مجرّد… لعبة أو نزوة شخص ما.”
“مَنْ يمكن أن…”
توقفَ جيرمان دونَ أن يكمل جملته.
تجمّدتْ الأجواء التي كانت قد بدأت تهدأ في لحظة.
اتكأ كاليد على الأريكة ببطء. غاصت عيناه الحمراء، و انتشرت هالة مخيفة.
“…هناكَ شخصٌ واحد.”
لم يكن هناكَ حاجة لنطق الاسم. بمجردِّ ظهور المخدر مجددًا، كان الاسم سيُذكر لا محالة.
خلالَ الصّمت القصير، فكّـرَ الجميع في نفسِ الشّخص.
‘ليفيا أرفين.’
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 69"