كان ذلك متوقعًا. “آدم” كانَ الاسم الذي محوته أولاً، الاسم الذي لم أرد التّفكير فيه مجددًا. من بين كل الأفعال الشريرة التي خططت لها ليفيا، كان هذا هو الأكثر رعبًا، الشيء الذي لا يجبُ أن يرى النّور أبدًا.
كنتُ أشعرُ بالارتياح لأنني انتقلتُ إلى جسدها قبلَ أن يبدأ المشروع فعليًا، لكن ذلكَ الشّعور كان مصحوبًا بالرعب.
لكن، في النّهاية… يبدو أن ليفيا أعادت إحياءه إلى السطح.
“…آه!”
لم أستطعْ الـتّنفس. تجمّدت أطراف أصابعي كالجليد، وأسقطتُ الأوراق التي كنتُ أمسكها.
ضربتُ صدري الخانق مرّاتٍ عديدة، لكن دون جدوى.
“إيرديا!”
يدٌ قوية أمسكت كتفيّ، صوت كاليد يناديني بقوّة من قرب. عندما رأيتُ وجهه، تدفّقَ كلّ الحزنِ دفعة واحدة.
كنتُ متأكدّةً أنني محوتُ كلَّ شيء.
دمرتُه، أحرقته، وقضيتُ على كلّ مَـنْ كان متورطًا. لأنني شعرتُ أنه لن ينتهي إلا بهذه الطريقة.
كنتُ أؤمن حقًا أنني أنهيته……
تذكرتُ الناس في قرية الخيام، الذين يعيشون بلا أمل، مجرّدين من الحياة.
أولئكَ الذين، رغم صغر سنهم، عرفوا مصيرهم إذا أُخذوا، و قبلوا به. أناسٌ يُعاملون أسوأ من الماشية، فقدوا عقولهم.
كانتْ بيلانيف جحيمًا.
إذا كان الهدف هو “آدم”، فهذه التجارب لم تكن لها معنى. تجارب بلا فائدة، ومعَ ذلكَ استمرت حتى اليوم.
كما لو كانت تهدف إلى قتلُ كلّ مَـنْ أنقذتهم في بيلانيف قبل خمس سنوات.
‘هل هذه طريقتكِ؟ حقًا بهذه الطّريقة…’
ليفيا عذّبت بقسوةٍ مَنْ أحببتهم. لم يكن انتقامها البشع موجهًا فقطْ لمَن حولي.
شعرتُ بشيءٍ حار ولزج يغلي في أعماق بطني.
مددتُ يدي و أمسكتُ بياقة كاليد. كنتُ أرتجف، وأمسكتُ بكلِّ قوتي حتى برزت عروق يدي الصغيرة.
كان قلبي، صدري، على وشكِ الانفجار. لم أعد أميّز مَـنْ أمامي.
كان عليّ أن أخرجَ هذا قبلَ أن ينفجر صدري.
“كيف… كيف يمكن لإنسانٍ أن يفعل هذا! كيف كنتُ أشعر و أنا…”
في تلكَ اللّحظة، أصبحتْ رؤيتي ضبابيّة.
عندما انفجرت المشاعر التي كبحتها، فقدتُ الوعي.
رأيتُ كاليد، بوجههِ المذعور، يحتضنني و أنا أنهار، ثم أغمضتُ عينيّ.
“إيرديا، إيرديا!”
بينما كانَ وعيي يبتلعهُ الظّلام تدريجيًا، بدا صوت كاليد اليائس و كأنّهُ حلم.
لأنه لن يناديني بهذا اليأس إلاّ في حلم.
شعرتُ كما لو أن شخصًا ما دفعني من حافّـةِ الهاوية.
كما لو كان يثبت أن تحتَ الجحيم جحيمًا آخر، سقطتُ بلا توقّف.
* * *
سمعتُ صوتًا خافتًا.
“…إذا كنتَ بخير، هل يمكنكَ أن تحكي لي قصتكَ، ولو للحظة؟”
لم يكنْ واضحًا، لكن النّبرةَ.كانت غير معتادة بالنّسبة لكاليد، حذرة و لطيفة.
“نعم، حسنًا.”
“أولاً، هل يمكنكَ إخباري باسمكَ؟”
كان الصّوت متشققًا، لكنه بلا شكٍّ صوتُ طفل. تذكرتُ كلام جيرمان عن طفلٍ لا يزال يملك عقله.
قال إنه آذى نفسه ليبقى واعيًا…
أدركتُ حينها أنني أتنفّس بسهولة.
ارتجفت جفوني. كان وعيي لا يزال ضبابيًا، وجسدي ثقيل كما لو كنتُ غارقةً في الماء.
عندما فتحتُ عينيّ بصعوبة، رأيتُ سقفًا مضاء بنورٍ خافتٍ من مصباح.
قبلَ أن أدرك أنني في غرفة النزل التي أقمتُ فيها مع كاليد، سمعتُ صوت الطّفل الصّغير مجدّدًا.
“…اسمي آرين.”
في اللّحظة التي سمعتُ فيها الاسم، أدرتُ رأسي ببطء.
على الأريكة القريبة، حيث قضى كاليد الليلة، كان يجلسُ صبيّ بهدوء.
ربما كان في الثالثة عشرة أو الرابعة عشرة.
كان مغطى بالضمادات من رأسه إلى أطرافه الهزيلة، وتحتَ شعره المقصوص، كانت ندوب متفرقة.
كان الصّبي يبدو ضعيفًا بشكلٍ واضح، لكن عينيه كانتا تحدقان في كاليد مباشرةً.
‘…آه.’
أغمضتُ عينيّ ببطء.
ذلكَ الوجه… كان مألوفًا جدًا. كانَ وجه الطفل الذي ظلَّ يتبادر إلى ذهني منذُ وصولي إلى بيلانيف.
‘يجب أن نعيش! كيف يمكننا التخلي عن الحياة التي حصلنا عليها بصعوبة؟ والداي ضحيا بحياتهما لإنقاذي… هل أتخلى عن ذلكَ فقط لأنني فقدتُ منزلي؟!’
‘اسمي آرين. شكرًا جزيلًا لإنقاذي.’
‘أنا… بخير! والداي، و حياتي التي أنقذتها السيدة المقدسة، لن أضيعها أبدًا. سأعيشُ بجـدٍّ حتى النهاية!’
ذلكَ الطفل، الذي بكى بابتسامةٍ مشرقة وشكرني.
عندما استسلم الجميع، هو الوحيد الذي صرخ “سأعيش”.
ذلكَ الطفل… كان على قيد الحياة هكذا.
جسده محطم، مغطى بالندوب… وظهر أمامي مجددًا.
شددتُ فكّي المرتجف.
“شكرًا… لإنقاذي.”
توقّفَ آرين لالتقاطِ أنفاسه، ثم واصلَ ببطء:
“لقد… رأيتكَ من قبل. أتيتَ مع السيدة المقدسة، أليس كذلك؟”
“…..”
بقيَ كاليد صامتًا، لكن آرين أومأ كما لو كان يعرف بالفعلِ دونَ ردّ.
“أنتَ سمو ولي العهد، أليس كذلك؟ جئتَ لإنقاذ بيلانيف… صحيح؟”
“…نعم. لكن، للأسف، جئتُ متأخرًا.”
في نادرة، تحدّثَ كاليد بنبرةٍ مليئة بالندم العميق. ربّما، مثلي، أو ربّما أكثر منّي، كان يعاني من شعورٍ بالذنب.
لأنني أعرفُ هذا الشّعور جيدًا، بقيتُ أحدق في السّقف بصمت.
“اسألني أيّ شيء. سأخبركَ بكل ما أعرف. قد لا أعيشُ طويلاً بهذا الجسد… لكن حتى يوم موتي، سأحاول العيش.”
“إن كان الأمر صعبًا، لا داعي لذلك.”
“لا، يجب أن أعيش بجد. لمنع أيّامٍ مثل هذه من الحدوث مجددًا… أريد أنْ أكون مفيدًا. هذا هو ردّ الجميل لمَنْ أنقذني.”
كانت هناكَ براءة في كلماته لا تتناسب مع طفل تحمّلَ هذا الألم. لم يقل كاليد شيئًا، لكنه أطرق رأسه بصمت.
“لم أنقذكَ طمعًا في ردِّ الجميل. لا داعي لتحمل هذا العبء. لقد… عانيتَ بالفعل أيّامًا كثيرة.”
كانت كلمات كاليد أعمق و أخفض من المعتاد، وكأنني أستطيع رؤية وجهه دون النظر إليه. كنتُ أعلم أنه يشعرُ بنفسِ الألم و الذنب الذي شعرتُ به.
كانَ عدم قدرتنا على مواساة بعضنا أكثر إيلامًا.
لكن آرين، بعد استماعه بصمت، ابتسمَ بلطف، وهو يضغطُ على شفتيه المتشققة.
“في يوم الفيضان، بدت سيدة القوة المقدسة كالمخلّص. حينها فقط فهمتُ لماذا يسمونها القديسة.”
“…..”.
“لقد فوجئتُ حقًا. شخصية عظيمة كهذه… يمكنها البكاء هكذا. صرختْ بشدة، ‘يجب أن تعيشوا’، بكلّ قوتها.”
“…..”.
“كانت تبدو خائفةً أيضًا. لكنها، رغم ارتعاشها ووجهها الشّاحب، وقفت لتوقفَ ذلكَ الماء الجارف.”
“…..”.
“لم ينجُ والداي في النّهاية… لكنني نجوتُ بفضل قلبها المليء بالتوسل. لذا، لا يمكنني الاستسلام بسهولة. سأشعر بالأسف تجاهها.”
لا بدّ أن كلَّ يومٍ كانَ جحيمًا بالنّسبة لآرين.
بعد مغادرتي، أصبحت بيلانيف ملطّخة بظلمِ النبلاء، الاستغلال، و التّجارب المروعة.
كانَ من الصّعب تصديق أن آرين تحمّلَ كل هذا بمفرده وهو طفل.
ومع ذلك—
“لذلك عشتُ بكلّ جهدي. كنتُ أعتقد أن هذا هو الرد الوحيد الذي يمكنني تقديمه لمَنْ أنقذني. و… إذا عشتُ، ربما تأتي أيّامٌ جيدة مجددًا. مثل اليوم، ربما يتمُّ إنقاذي مرّةً أخرى.”
كانت عينا آرين… لا تزالان مليئتين بالنور.
مدَّ كاليد يده بهدوء و مسحَ رأس آرين.
“حتى سيدة القوة المقدسة… ستكون شاكرة جدًا لأنكَ عشتَ هكذا.”
“أليس كذلك؟ هل… لا تزال تتذكّـرني؟ إذا التقيتَ بها، أخبرها من فضلك. أنني بخير. و ألاّ تقلق كثيرًا.”
“…حسنًا.”
كان ردّ كاليد ضعيفًا، كأنه يتلاشى في الهواء.
كأنه يتمنى حقًا أن يتحقّق ذلك.
أمسكتُ الملاءة بقوّة و أنا أشعرُ بشوقٍ عميقٍ في كلماته.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 68"