“حتى من أجل الأشخاص الذين يقلقون عليكِ، اعتني بنفسكِ.”
كانت كلماته باردة، كما لو أنه لا يدرج نفسه ضمن “الأشخاص الذين يقلقون”.
اختفى الدّفء الذي شعرتُ به للتّو في لحظة.
“سأكون حذرة. لا أريد أن أرى والدي و سيريل يحزنان.”
ابتسمتُ بحزن و أطرقتُ رأسي بهدوء.
لم يكن كلامه خاطئًا. كانتْ طريقتي تعتمد على تعريضِ نفسي للأذى، كما لو أنني أقـظددّم لحمي لأحصل على العظم. أن تنتهي الأمور بهذا الشكل السّلس كان مجرّد حظ.
‘…ما تلكَ القوّة من قبل؟ هل كنتُ أنا حقًا من فعل ذلك؟’
إن لم تكن أنا، فكما قال كاليد، لم أكن أفعل شيئًا غير تعريض نفسي في خطر.
لم أندم، لكنني تلقيتُ المساعدة مرّةً أخرى. لا يمكنني أن أظلَّ أعتمد على الحظّ أو أنتظر مَن ينقذني.
لأحمي نفسي و أحمي شخصًا آخر—أحتاج إلى قوّةٍ حقيقيّـة.
ليس إبرة صغيرة في يدي، بل قوة حقيقية يمكنها حمايتي وحماية الآخرين.
‘إذا كانتْ تلكَ القوة حقًا قوتي…’
في تلكَ اللّحظة، ظهرَ ظلّ بلا صوت أمام كاليد بهدوء.
“سيدي، يجب أن ترى هذا بنفسك.”
كان من “باسراين”، منظمة المعلومات السرية وجزءًا من ظلّ كاليد.
* * *
وصلنا إلى مكان ما في المنخفضات المغمورة بالمياه، مخفيًا بمهارة بين الأنقاض.
كانت الأنقاض والجذور المتشابكة تحجب المكان تمامًا، وفي الوسطِ كانت سفينة راسية بهدوء في الظلام.
عندما صعدنا إلى السطح، ترددت أصوات خطوات خفيفة في الظلام.
“سيّدي.”
ظهرَ جيرمان من الضّباب الكثيف. خلفه، كانت أضواء خافتة تومض، كما لو أن أعضاء آخرين من باسراين كانوا في انتظار قريب.
‘منظمة كاليد السرية، فرسان الظلّ… لم أتوقع رؤيتها هكذا.’
على الرّغمِ من أن الحرس الملكي “إلباردان” هو المعروف ظاهريًا، إلا أن جمع المعلومات، المراقبة الداخلية، و التّجسس تقع على عاتق باسراين.
حتى عندما كنتُ ليفيا، صادفتُهم عدّةَ مرات، لذا تعرفتُ عليهم فورًا… لكن يجب ألا أظهر معرفتي.
سيكونُ من الغريب أن تعرف ابنة ماركيز من الشرق، مثلي، عن منظمة كاليد السّرية. لذا تظاهرتُ بعدم المعرفة.
“ما الذي وجدته؟”
سألَ كاليد باختصار، فأومأ جيرمان بثقل.
“هناك آثار تجاربٍ أُجريت على أشخاصٍ محتجزين. يبدو أنهم تحركوا بشكلٍ منظّـم للغاية، لذا تخلصنا من الجميع عدا الرأس المدبر.”
“…تجارب؟”
سألتُ مندهشة، فانتقلت نظرة جيرمان إليّ.
أومأ كاليد بعد أن ألقى نظرة عليّ، فواصلَ جيرمان:
“يبدو أنّ داخل السفينة استُخدم غالبًا للتجارب. لم يتم تنظيفُ بعض الأجزاء… من الأفضل أن ترى بنفسك.”
إذا كانَ جيرمان يتحدث بهذا الحد، فلا بدّ أنها ليست تجاربَ عادية.
تقدمتُ، فتردّدَ جيرمان للحظة، كما لو كان يفكر في منعي أو تركي. ارتجفت عيناه قليلاً، لكنه سرعان ما أطرق رأسه و فتحَ الطّريق.
“مِـن هنا.”
تبعنا جيرمان عبرَ السطح إلى داخل المقصورة.
كانت السلالم المؤدية إلى المقصورة مبللة، وكانت رائحة الحديد الصدئ و الدّم تنتشر ببطء.
عندما فتحتُ الباب، ضربتني رائحة كالضباب.
مشينا في ممر ضيق بجدران متعفنة، تحيط به غرف معزولة على الجانبين.
“…هنا المختبر.”
كانَ صوت جيرمان جافًا و منخفضًا، واضحًا أنه يحاول كبح مشاعره.
توقفت أنفاسي. ليس بسببِ الرّائحة، بل بسببِ المشهدُ المروّع أمامي.
تحركت شفتاي بالكاد، لكن صوتي لم يخرج. مددتُ يدي ببطء لأمسكَ بلوح خشبي رث.
كان سياجًا هشًا مصنوعًا من قطع خشب متعفنة.
لم يكن مصممًا لحبس أحد بجدية. لو كان الهدف الحبس، لما استُخدمتْ مواد قابلة للكسر بسهولة.
داخل هذا السّياج، كان الناس متراصين فوق كومة قش، جالسين بلا حراك. كانوا يحدقون في الفراغ بعيون بلا تركيز.
أجساد راكعة، أكتاف ترتجف بوهن، عيون بلا حياة. كانوا هزيلين، يُعاملون كالمواشي، بلا حراك، كأنهم فقدوا عقولهم.
“هم هكذا منذُ البداية. مهما ناديناهم، لا يستعيدون وعيهم.”
“…هل فقدوا عقولهم؟”
“يبدو كذلك.”
“وهل هناكَ مَـنْ لا يزال واعيًا؟”
“يبدو أن هناك طفلاً جِيءَ به مؤخرًا، قادر على التواصل… لكن.”
“هل هناك مشكلة؟”
“بسبب إيذاء نفسه ليبقى واعيًا، جروحه عميقة. يتم علاجه الآن، لكنه نائم، و من غير المرجح أن يصمد طويلاً.”
حتى الرّجلان الباردان فقدا الكلام أمام هذا المشهد. كانَ المكان مروّعًا إلى هذا الحدّ.
كانت رائحة الدّم و العرق والتعفن تخترق الأنف. كانت هناكَ علاماتٌ محروقة على جلد الناس، كما لو أنها وُسمت بحديد محمى.
كان السياج مغطّى بعلاماتٍ باهتة، ربما لتصنيف الأشخاص المختبرين.
جـفَّ فمي، ولم أستطع قول شيء. كان رؤية هؤلاء الناس، المحتجزين كالمواشي دونَ حتى القدرة على الصراخ، يوقف أنفاسي.
“…في الغرفة التالية، هناك! مختبر به سجلات التجارب.”
كاليد كنتُ أرتجف وغير قادرة على رفع عينيّ، اقترب خالد بهدوء و غطى عينيّ.
“سنتمكن من إنقاذهم.”
“…وإن لم نستطع؟”
“يجب أن ننقذهم. هذا هو سببُ وجودنا هنا.”
عضضتُ شفتيّ بقوة. كان يردّدُ نفسَ الكلمات التي قلتها لروان.
ثم دفعني بلطف لكن بحزم لأخرجَ من الغرفة.
كان صوته ثقيلاً، قبضته مشدودة، وفكّـه متصلب. لم يستطع إخفاء صدمته و غضبه.
لكن هذه المرة، كانت كلماته مواساة صادقة، وهذا وحدهُ أعادَ إليّ قوتي بالكاد.
فتحَ جيرمان باب الغرفة التّالية بصمت.
لم تكن مروعة كالسابقة، لكن الأوراق المبعثرة وأدوات التجارب المكسورة كانت كافية لتوضيح طبيعة المكان.
رفعَ جيرمان ورقة من على المكتب وسلمها لكاليد.
“يبدو أن التجارب كانت تتعلق بمخدرات.”
“مثل ما حدثَ لشوريل؟”
“نعم، وفقًا للسّجلات.”
كان المخدر المستخدم على شوريل عالي التركيز وخطيرًا للغاية. لا يُسمح إلا للأطبّـاء المرخصين باستخدامه بكميات ضئيلة، ويَخضعُ لإدارةٍ صارمة على مستوى الإمبراطورية.
كان المكـوّن الرئيسي للمخدّر يشبه النباتات السامة، ليس شيئًا يمكن للعامة التعامل معه.
عبستُ.
شعرتُ بشعورٍ مألوف و غريبٍ يتصاعد.
ربما بسببِ الصّدمة التي لم تتلاشَ بعد، شعرتُ بدوار وأمسكتُ جبهتي.
في تلكَ اللحظة، لفتت نظري ورقة مبعثرة على الأرض. كانت بالتأكيد سجلّ تجارب مروع، لكن عينيّ انجذبتا إليها.
مددتُ يدي بحذرٍ و رفعتُ الورقة، فتدفقت السّجلات المكتوبة بداخلها.
『الرّقم 48692 – تم إعطاء 5 جرعات. لا استجابة. ضررٌ في الجهاز العصبيّ.
الرّقم 48693 – تم إعطاء 8 جرعات. تبلّدٌ في الحواس. شلل وظيفيّ. مقرر استبداله.
…فشل. الحكم بأن الجرعات اليومية عالية التركيز غيرُ ممكنة. مطلوب تعديل سرعة و كمّية الجرعات. إذا أمكن التّعديل، يمكنُ استخدامه فورًا.
…احتجاج نبلاء بيلانيف. طلب فصل العامّـة عن العبيد للأسر.
…تحفيز منع الخروج بالقصص الخرافية. الحذر من الخلط مع العامّـة أثناءَ الأسر.』
كانت سجلاّت تجارب غير إنسانيّةخالية من أيّ عاطفة.
و—كلمة واحدة مكتوبةٌ في زاوية الوثيقة.
『إمكانيّة ADAM…』
توقّفَ قلبي، وكأنه سقطَ إلى الأسفل.
تأكدتُ من الكلمة المألوفة مرّاتٍ و مرّات. تشابكت أفكاري في فوضى.
جـفَّ فمي.
لم أصدّق ما قرأته. لا، لم أردْ أن أصدّق.
‘…حقًا، هل بدأوا مِنْ جديد؟’
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 67"