* * *
أردتُ الاندفاع فورًا لإنقاذ الشخصين. كان من الواضح ما سيحدث إذا تُركا ليُسحبا هكذا.
طقطقة
لكن إذا تدخلتُ الآن، قد أنقذ الأخوين، لكن العقل المدبر سيظل مختبئًا، و سينتهي الأمر.
لن أتمكن من معرفة إلى أين يذهبُ هذا الرجل أو مَن يقابل.
‘لا تدعي العواطف اللحظية تجعلكِ تنسين الهدف. تلكَ اللّحظة ستكون فرصة للعدو.’
عضضتُ شفتيّ بقوة وتحملتُ. كان جسدي يرتجف من الغضب المكبوت.
في تلكَ اللحظة، شعرتُ بدفء يلامس يدي المشدودة على فخذي.
“تحمّلي قليلاً.”
“…حسنًا.”
كانَ هو، الذي يبدو أنه يكبح غضبه أكثر مني، مع عروق بارزة على جبهته، يواسيني.
دفء يده، الخفيف لكنّه قوي، كانَ أكبر دعمٍ لي في تلكَ اللّحظة.
بعد قليل، عندما غادرَ الرجل الخيمة مع الصبي، أصدر كاليد أوامره لجيرمان كما لو كان ينتظر هذه اللحظة.
“اتبعه. اكتشف وجهتهم والعقل المدبر، وبعد التأكد، يمكنكَ التخلص منهم. تحرّك بهدوء.”
“ماذا لو كان هناكَ وجه مألوف؟”
“سأترك ذلكَ لتقديركَ.”
اختفى جيرمان في لمحِ البصر بعد تلقي الأوامر.
بدت متابعتنا السابقة و كأنها لعبة مقارنة باختفائه دونَ أثر.
“…أعتذر، لقد انفعلتُ قليلاً.”
“تحرّك جسدكِ قبل عقلكِ. افعلي ذلك بحذرٍ حسب الموقف.”
“…حسنًا.”
عندما أقررتُ بخطأي بصوتٍ ضعيف، تنهّدَ كاليد باختصار و نهض من مكانه.
نهضتُ أنا أيضًا متابعةً له، مترددة. لا يزال الطفل الذي يبكي وحيدًا في عينيّ.
شعرتُ بألمٍ عميق في صدري.
تقدمتُ نحو الطفل عبر الطين، غير مبالية بتطاير المياه القذرة.
“مرحبًا… هل أنتَ بخير؟ اسمكَ روان، أليس كذلك؟”
تحركتُ بحذر حتى لا أخيفَ الطفل.
شجعني أنّ كاليد لم يمنعني.
لكن عندما اقتربتُ من الطفل، شعرتُ فجأةً بنظرات حادة من كل أنحاء قرية الخيام الهادئة تتجه نحوي.
تجمدتُ من الرعب.
“آه… إذا كنتِ مسافرة، اخرجي من هنا!”
كانَ من الصّعب تصديق أن هذا الطفل الذي كان يبكي للتو يتحدث بمثل هذه القسوة والحدة.
توقفتُ متردّدة.
كانَ الـطّفل يحدّق بي مباشرةً وهو يذرف الدموع، ممسكًا بجسده بحذر، كأنه يحمي نفسه.
هل كان يرتجفُ من الحذر أم من الخوف؟
شعرتُ بألمٍ في قلبي.
هذا الطفل، وكلّ الناس هنا، هم ضحايا فيضان بيلانيف العظيم.
هذا المشهد، و ليس القرية الهادئة التي رأيتها من نافذة النزل، هو بيلانيف الحقيقية.
حياة يعيشونها بالكاد، بعد أن فقدوا موطنهم، وسُرقت إمداداتهم، وجلسوا تحت أعباء الديون، جائعين، يتمسّكون بالحياة بأنفاسهم فقط.
هذه ليست حياة، بل مجرّد بقاء.
“…لستُ مسافرة. جئتُ لمساعدتك.”
اختنقَ صوتي.
لو لم أختفِ في ذلكَ اليوم…..
أو على الأقل، لو أعددتُ الأمور لتستمرَّ بدوني…
غمرني النّدم كالفيضان في ذلكَ اليوم.
لكن الآن، لا يمكنني أن أتركَ نفسي تُجرَف بالماء.
“مساعدة؟ ماذا؟ أناس مثلكِ، لستم الأوائل! يقولون إنهم يساعدوننا بدافع الشفقة، لكنهم في النهاية يأخذون كل شيء!”
“ليس هذا ما أقصده، أنا…”
“إذًا، أين أمي؟ أين أبي؟! أخذوا كل شيء، والآن أخذوا أخي أيضًا! أعيديه! أعيدي أخي!”
صرخَ الطفل صرخةً تمزّق الجسد. صوته مليء بالغضبِ أو اليأس.
استمعتُ بصمتٍ إلى لوم الطّفل دونَ كلام.
في النّهاية، انهارَ الطفل منهكًا و جلسَ على الأرض.
كان لا يزال يبكي، صوتـهُ أجش، و دموعه لا تتوقف.
“أخي… أخي… آه!”
لم أستطع تركه يبكي هكذا.
هرعتُ إلى جانبه، ركعتُ، وأخرجتُ قطعة لحم مجفف من حقيبتي و وضعتها في يده.
“إذا واصلت البكاء هكذا، ستنهار.”
“فليكن! دعيني أموت! بدون أخي، ما فائدة العيش؟ ما الذي سيتغير إذا عشت؟!”
كانتْ كلمات ثقيلة و مؤلمة بشكلٍ لا يصدّق مِن طفل.
لا بد أن النّـاس هنا ليسوا مختلفين. الجميع يعيشون قسرًا.
حياة يتحملونها لأنهم لا يستطيعون الموت. هذه هي حياتهم اليومية.
‘لا يجبُ أن يكونَ الأمر هكذا.’
أمسكتُ قطعة اللحم المجفف التي كادت تسقط من يده بسرعة.
“يجب أن تعيش. الغضب والحزن الذي تشعر بهما فقط لأنكَ على قيد الحياة. أخوك سُحب، لكنه لم يمت، أليس كذلك؟”
“لا فرق بين ما حدثَ و بين الموت.”
“لكنه لا يزال حيًا. بعد كلّ ما مررتما به معًا بصعوبة، سيكونُ من المؤسفِ الإستسلام الآن. لذا، يجب أن تعيش.”
“…ماذا تعرفين حتى تقولين هذا؟”
“صحيح، لا أعرفُ شيئًا. لذلك أريد أن أعرف. أخبرني وأنتَ على قيدِ الحياة. عِش لتنقذَ أخاك. أو على الأقل، اصرخْ طالبًا المساعدة. افعل شيئًا.”
“…..”.
نظرتُ في عينيه مباشرة و وضعتُ قطعة أخرى من اللّحم المجفف في يده.
أمسكتُ يده المرتجفة بكلتا يديّ وقلبي وقلتُ:
“الاستسلام… بينما لا تزال حيًا، مبكّرٌ جدًا.”
كانت هذه كلمات الطفلة الصغيرة التي كانت تدفع الطعام إلى فمها بقوّة في ذلكَ اليوم.
إذا كان شعور الذنب بسببِ عدم الوفاء بالوعد يطاردني، يمكنني الآن تحمّل المسؤولية من جديد.
بعد أن ندمتُ و تألمتُ بما فيه الكفاية، حان الوقت للتوقف عن اللوم و تغيير هذا الواقع الملطّخ بالندم.
“أتريد إنقاذ أخيك…؟”
ابتسمتُ بلطف و سألتُ، فاحمرّ وجه الطفل من البكاء، و أومأ بقوة وهوَ يكبح دموعه.
مع تلكَ الإيماءة الصغيرة، انفجر صوته المليء بالتوسل:
“أريد إنقاذه…آه… أريد إنقاذه. ساعديني…آه..”
مثل المرّة السّابقة، يمكنني إعادة إعطاء الأمل.
هذه المرّة، سأبقى حتى النهاية.
عندما هدأ بكاء روان، قال كاليد:
“سأتفقد المنطقة المحيطة. لن يستغرق الأمر وقتًا طويلاً، فلا تتحركي.”
شعرتُ بنبرته الحازمة وكأنها تؤنبني، فأومأتُ بهدوء.
كانت نظرته كما لو كان ينظر إلى حيوانٍ أليف قد يتسبب في مشكلة إذا تُرك بمفرده.
بينما كنتُ أراقبُ كاليد وهو يختفي في الضباب، عرضتُ المزيد من اللحم المجفف على روان، الذي كان لا يزال ينشج بجانبي.
“روان، ما الذي كان شقيقكَ يخبركَ به كل يوم؟”
مضغ روان اللحم المجفف وهو يرمش بعينيه.
كان وجهه، الملطخ بآثار الدموع، يثير الشفقة أكثر من القذارة. أخرجتُ منديلاً و مسحتُ وجهه بلطف وأنا أربت على ظهره.
“قال لي ألا أخرجَ أبدًا في اليوم الأول من الشّهر. لأنه يتم اختيار مَـنْ سيُؤخذ في ذلك اليوم. كان يذكرني كل يوم حتى لا أنسى.”
“يُؤخذ؟”
“ألا تعرفين ذلك؟”
عبس! روان ونظر إليّ بنظرة مشككة، كأنه يتساءل إن كنتُ حقًا شخصًا يمكنه المساعدة.
“إنه اليوم الذي يأتي فيه هؤلاء الذين أخذوا أخي! يتمّ اختيار الناس و يُؤخذون.”
امتلأتْ عينا روان بالدّموع مجدّدًا.
عندما مسحتُ دموعه بحذر، فركَ عينيه بظهرِ يده الصغيرة بقوّة.
“أنا لا أزال صغيرًا، لذا ربّما أكون بخير… لكن لم يعد هناكَ الكثير من الناس. لذلكَ كان أخي يقول ذلك، للاحتياط.”
تركت كلماته أثرًا في قلبي.
‘إنه أمرٌ غريب إذا كان مجرّد صيد عبيد.’
مجيئهم في نفسِ اليوم كلّ شهرٍ لاختيار شخص وأخذه قد يعني أن هناكَ هدفًا يتجاوز استغلال العمالة أو تجارة العبيد.
“آه؟! أختي، اختبئي بسرعة!”
سحبني روان فجأةً من ملابسي ودفعني داخل الخيمة وهو ينظر إلى شيءٍ ما.
اختبأتُ في الخيمة الضيقة كما أراد، وفي تلك اللحظة، عادَ الرجل ذو اللحية الكثيفة الذي أخذ أخاه إلى قرية الخيام.
“سيأخذون شخصًا آخر.”
همسَ روان وهو يرتجف من الخوف، ممسكًا بملابسي بيأس.
من خلال فجوة الخيمة، كان الخارج مغمورًا في صمت يبتلع حتى الأنفاس.
راقبتُ بهدوء، وسط رائحة الطين والغبار، ما كان يفعله الرجل.
نظر حوله ثم اتجه بثقة نحو خيمة أخرى.
“آه!”
“لا، توقف!”
جرّ الرجل فتاة نحيفة في عمر أخ روان تقريبًا من شعرها.
مدّ رجل عجوز بالقرب منها يده الهزيلة، لكنه لم يصل إليها.
في الصمت الذي كادَ يفيض، شعرتُ، بدلاً من غليان الدم، بحرارة تتزايد تدريجيًا في داخلي.
التعليقات لهذا الفصل " 65"
القديسة قذرة بشكل دمرت اغلب مدن الامبراطورية بجرائمها وولي العهد قاعد يكافح لوحده والامبراطور الخرا مجرد مزهرية اتمنى يمسكون ذي العاهرة المسعورة بسرعه