“النبلاء الذين بقوا في المرتفعات. لا بد أن هناك سببًا لعدم مغادرتهم رغمَ انهيار المدينة. يتظاهرون بالهدوء، لكنهم ينشرون الخوف بالقصص الخرافية. لكن هذه لا تبدو مجرد كلمات للتخويف.”
“ليستْ للتّخويف؟”
“نعم. أعتقد… ربما تكون كلمات للتّمييز.”
رفعَ كاليد حاجبيه لكلامي. عندما أشارَ جيرمان بأن صاحب النزل سيخرج قريبًا، سارعتُ بصب أفكاري بأسرع ما يمكن.
“حتّى لو زادَ عدد العبيد فجأة، فإن ذلكَ لا يخلق عملًا جديدًا. في مدينة مدمرة، لا يوجد سوى أعمال قليلة. إذًا، سيكون أمامهم خيار واحد.”
“هل تقصدينَ بيع العبيد؟”
أومأتُ بسرعة.
“صحيح. في حلبة الكلاب في ميرسين، كان هناكَ بالتّأكيد أشخاصٌ من بيلانيف، وإن كانوا قليلين. إذا وصلوا إلى هناك، فقد تكونُ تجارة العبيد شائعة هنا.”
“لماذا إذًا أخبرنا صاحبُ النزل بتلكَ القصة؟ لا يبدو شخصًا يقدم النصائح بدافع الطيبة.”
“ربما كانت فخًا لاستكشافِ من نكون.”
لم نعرف بعد نوايا صاحب النزل.
لكن من المؤكد أن كلامه لم يكن نابعًا من قلقٍ صادق.
في تلكَ اللحظة، سُمع صوتُ صاحب النزل وهو يخرج من المطبخ.
ابتسمتُ لكاليد بشكلٍ طبيعيّ.
“بما أننا شَبِعْـنا ، هل نصعد؟ يجبُ أن نقرّرَ ما سنفعله غدًا، كال.”
“إيجابيتكِ في كلّ لحظةٍ هي سحركِ.”
ردَّ كاليد بابتسامةٍ هادئة و رافقني بسلاسة.
لم يلاحظ صاحب النزل شيئًا. بدا وكأنه يعتقد حقًا أننا ثنائي عاشق، حتّى أنه ابتسمَ برضا.
لكن قلبي كان ينبض بجنون، رغم علمي أنها كذبة.
‘اهدئي، إيرديا.’
كنتُ خائفة من أن تتفجر مشاعري القديمة وأقول شيئًا لا يجبُ قوله.
بدأتُ أعتقد أن دور الخادم في ميرسين كان أفضل بكثير.
بعد وصولنا إلى الغرفة، توصّلنا إلى أنه لا بدّ من التحقق بأنفسنا.
القروض الباهظة للنبلاء، استعباد السكان، و حقيقة القصص الخرافية—كلّ شيء.
“سأنتظر في الزقاق خلفَ النّزل في الوقتِ المحدد.”
عادَ جيرمان إلى غرفته للتحضير. كان الوضع أسوأ مما توقعنا، مما جعلَ الجوّ ثقيلًا، لكن ذلك يعني أننا يجبُ أن نتحرّكَ بجدية أكبر غدًا.
شعرتُ بتعب الرّحلة الطويلة بالعربة يغمرني فجأة، ربّما لأنني فكرتُ أن اليوم انتهى.
عندما نهضتُ من الأريكة لأرتاح، أدركتُ فجأةً.
كان هناكَ سريرٌ واحد فقط.
كانَ كاليد يجلس على الأريكة، يتصفح أوراقًا سلمها إياه جيرمان بهدوء. كانتْ الأريكة ضيقة، لكنها كافية للنّوم بالكاد.
بدت صورته، وهو يخلع معطفه ويجلس مسترخيًا، جذابة بشكلٍ مزعج، مما جعلني أشعر بوجودِ السرير الوحيد بقوة.
“ألا يجبُ أن ترتاح الآن…؟”
لم ينظر إليّ كاليد، وأجابَ باختصار:
“نامي أنتِ أوّلاً.”
وقفتُ بتردّد بين الأريكة و السّرير، وقلتُ بحذر:
“أن أستخدم السرير بينما سموك هنا… أليس ذلك قليلاً غير لائق؟”
حتّى لو كنَّا نتظاهر بأننا زوجان، فهو وليّ العهد.
شعرتُ بعدم الراحة كوني من عامّة الشعب وأستحوذ على السرير.
نظر إليّ كاليد، وسألَ بعدمِ تصديق:
“هل أبدو كشخصٍ يطرد امرأة ليأخذَ السرير؟”
كانت نبرته الهادئة حازمة.
“بالطبع لا! ليسَ هذا ما قصدته، أنا فقط…!”
لوّحتُ بيديّ بسرعة، فضحكَ كاليد برفق.
“إذًا، هل كنتِ تأملين أن ننامَ معًا؟”
“ماذا؟!”
لم أستطع مواصلة الكلام. انسدَّ فمي.
لم أفكّر في ذلك. لم أفكر—لكن أطراف أذنيّ احترقتا، و شعرتُ أنَّ أي كلامٍ سيبدو كعذر.
الصّمت.
لم أستطع فتح فمي، واستمرَّ كاليد في النّظر إليّ لفترةٍ طويلة.
“استخدمي السّرير. لن يؤثرَ عليّ البقاء مستيقظًا لليلة واحدة.”
رمى كلماته القصيرة و استلقى على الأريكة بهدوء.
كانَ كاليد هادئًا، بينما كنتُ أنا مَـنْ تتأثر بكلِّ كلمة يقولها. عضضتُ شفتيّ بقوة، وجلستُ بحذرٍ على حافة السرير.
كانَ الخارج غارقًا في الظلام، وكان الضباب يتصاعد فوق النهر المغمور بعيدًا.
كان كأنفاس الظلام تتسلّل بهدوء.
هادئ، لكن مشؤوم بطريقة ما.
أتمنى أن أتمكّنَ هذه المرة من مساعدة هذا المكان بشكل صحيح.
أغلقتُ عينيّ بقلبٍ مليء بالأمل للغد.
* * *
هبت عاصفة لا تهدأ.
كانَ النّهر الهادئ يتدفق بقوّة مخيفة.
متى بدأ هذا؟ فجأةً، كان الماء يغمر قدميّ.
تردّدتْ أصوات صراخٍ حادة تخترق الأذنين من مكانٍ ما.
أدرتُ رأسي بسرعة، لكن قدميّ كانتا ثقيلتين كالرصاص، و نفسي انقطع.
كنتُ أعلمُ أنَّ هذا حلم، لكنني شعرتُ بالخوف.
تقدمتُ عبرَ الماء الذي وصل إلى فخذيّ، مررتُ بأشخاص باهتي الهيئة.
كانَ النّاس المذعورون يركضون للهروب، دونَ اكتراث بما يعترضهم، سواء كانوا أشخاصًا أو أشياء، يدوسونهم و يهرعون.
كلُّ هذه الفوضى كانت بسببي.
“أسرعوا! اركضوا إلى مكانٍ آمن!”
رأيتُ النبوءة.
لكن، هل يمكنُ تسميتها نبوءة حقًا؟
كيفَ وقد تأخرتُ هكذا؟
في إمبراطورية إيفيرنيا، كانتْ سلطة سيّدة القوة المقدسة أكثرَ من مجرد احترام. كانت كوارث البلاد التي تنبأت بها تحدث بالتأكيد، وبفضل تنبؤاتها، تمَّ تجنب الكوارث الكبرى.
كان الثقة العمياء بها كبيرة.
لكن بينما كانت تنبؤات الكوارث تأتي قبلَ شهر أو أسبوع، لم تظهر لي إلا قبلَ يومٍ واحد.
عندما هرعتُ إلى بيلانيف، كانت المدينة مغمورة بالنصف بالفعل.
صراخٌ حاد، بكاء، تأوهاتٌ مؤلمة.
كل شيء كان يصرخ بي، كأنه يقول إنه مهما حاولتِ، فأنتِ لستِ الحقيقية.
“من فضلكم! لا تتوقفوا، اركضوا!”
وقفتُ بجسدي أمامَ التيار الهائل.
توسلتُ و دموعي تُغسلُ بالمطرِ الغزير.
في الوقتِ نفسه، انبثق ضوءٌ عظيم من جسدي، وأوقفَ التّيار الهائل الذي كادَ يبتلع المدينة في لحظة.
توقفتْ مياه السماء و النهر المتدفق كما لو أنّ الزمن توقف.
أظهرت قوّةٌ مقدّسة هائلة لم أرَ مثلها من قبل جدارًا ذهبيًا عظيمًا في المدينة.
طفلٌ يبكي، عجوز يتعثر، آباء يبحثونَ عن أبنائهم.
في لحظة، لم يُسمع أيّ صوت.
كانت المنطقة المقدسة النّاتجة عن القوة المقدسة معجزة حقيقية.
عندما توقّفَ الناس، الذين شاهدوا المعجزة، مدهوشين، اضطررتُ للصّراخ بأعلى صوتي.
كان قلبي يتمزق. كنتُ أعلم أن هذه القوة لن تدوم طويلاً.
شعرتُ كأن أحشائي تتمزق. كل ما يمكنني فعله الآن هو إيقافُ التيار المتدفق.
لذا، من فضلكم، لو استطاع شخصٌ واحد إضافي أن ينجو.
بووووو
مع صوت تحذيري عالٍ، تدفق فرسان بالدروع كالموجة.
“انتبهوا جميعًا! من الآن فصاعدًا، سيتولى الفرسان القيادة. حافظوا على النّظام!”
كان هذا صوتَ جيرمان.
وفي تلكَ اللّحظة—عانقني حضنٌ قوي بينما كنتُ أنهارُ من الإرهاق.
“أنتِ حقًا… بفضلكِ، قلبي لا يجد راحة.”
“كاليد… ماذا أفعل؟ بسببي، لأنّني تأخرت، لقد تأخرتُ كثيرًا…”
“لا بأس، لقد أظهرتِ معجزة بالفعل.”
كانَ كاليد.
كعادته، كان أنيقًا، ونظراته كانتْ موجهة إليّ دون اهتزاز.
كانت ملابسه المبللة بالمطرِ باردة، لكن حضنه كان دافئًا كالعادة.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 63"