عندما فَتحتُ عينيّ، كنتُ هنا مجددًا. في قارّة “بيسيا”، حيثُ عشتُ خمسَ سنوات كليفيا.
لكن يبدو أنّ الرّغبة التي تحقّقتْ كانت مجرّد انتقال عبرَ الأبعاد، فالمكانُ الذي انتقلت إليه لم يكن لطيفًا على الإطلاق.
“من بين كل الأماكن، غابة فيغاس!”
لن تتمَّ إعادتي إلى راجان فقط لأنني أشتكي، لكن جسدي المرهق جعلني أتذمر تلقائيًا.
“يقال انّها غابة مليئة بالوحوش…”
منَ الغريبِ أنّني لم أواجه أيّ وحشٍ و لو مرّة واحدة. على الرغم من أنها كانت غابة خطرة للغاية.
هل بدأَ الحاكم أخيرًا بحمايتي من اقتراب الوحوش؟
“أنا لستُ ليفيا…”
بالطّبع، لا يمكنُ أن يكون الأمر كذلك.
ربّما، مثلما تنامُ الحيوانات في الشّتاء، لا تظهر الوحوش كثيرًا. كانَ عليّ أنْ أعتبرَ نفسي محظوظةً فقط.
لكن لمْ أستطع التّخلي عن التوتر، فأعطيت قوة لساقيّ المعرجتين و أسرعتُ خطواتي.
كانت راجان مدينة تشبه شكلاً ثمانيّ الأضلاع. من بين البوابات الثمانية، كانت البوابات الشمالية الثلاث متصلة بغابة فيغاس، و لم تكنُ تُفتح بدونِ إذن.
كانتْ حاجزًا للإمبراطورية، يصدُّ الوحوش و الحيوانات المفترسة في الغابة.
منَ المفارقة أنّ مركز الإمبراطورية هو أيضًا الخط الأمامي. هكذا يتمُّ الشّعور بإرادة الإمبراطور الذي وقفَ في الخطّ الأمامي لحماية شعبه.
لم يُطلق عليه لقب البطل عبثًا.
“حتّى لو خرجتُ من الغابة… هل سأتمكّن من دخول راجان؟”
أخطرُ ما يحمي الغابة هي البوّابات الشّمالية الثلاث المتصلة بها.
كانتْ تتميّز بجدران أكثرَ صلابة و بأمن مشدّد مقارنة بالبوابات الأخرى. كانَ فرسان “فيغاس”، الذين سمّاهم الإمبراطور بنفسه، يحرسونها بعيون حادة، مما جعلَ الدّخول مِن هناك مستحيلًا.
“سيبدو الأمر مشبوهًا. لوْ خرجَ شخصٌ فجأةً من غابة فيغاس، حتّى أنا كنتُ سأشكّ لو كنتُ مكانهم.”
في النّهاية، كانَ عليّ أنْ أسلكَ طريقًا آخر.
لذلك، اخترتُ البوابة الغربيّة. كانت الأقرب من حيث المسافة، و كانت طريقًا يسلكه التّجار كثيرًا.
بما أنّها مكانٌ يمرّ منه الكثير من النّاس، كانَ من السهل التّسلل بينهم، و كانتْ أيضًا البوابة الأقلّ حراسةً بين الثمانية.
“لقد دخلَ متسلّل. يبدو أنّه تنكّرَ كحارس قافلة، لذا قدْ تجدينَ نفسكِ متورّطة في أمرٍ خطير.”
“هل هناكَ شيء يمكنني القيام به للمساعدة؟”
“أن تظلّي في مكانٍ آمنٍ دون أيّ مشاكل هو أكبر مساعدة تقدّمينها لي ، ليفيا. لا أريد أن أراكِ تتأذين.”
تذكرتُ كلماته الرّقيقة و هو يعانقُ خصري بقلق، فشعرت بألمٍ في صدري.
كانتْ ذكرى سعيدة.
كمْ من الوقت الصّعب تحمّلت حتى سمعتُ تلكَ الكلمات الرّقيقة.
استغلّتْ ليفيا سلطتها كسيّدة القوة المقدسة لارتكاب العديد من الأفعال الشّريرة. شعرتُ أنني يجب أن أصحّح تلكَ الأخطاء لأكون واثقةً من نفسي، و لأستحقَّ البقاء إلى جانبه.
كانَ الأمر نفسه مع البوّابة الغربيّة. لذا شعرت بقلق كبير عندما قال كاليد ذلك.
كانت البوابة الثامنة ممرًا اشترته ليفيا لتسهيل “أعمالها”. لهذا كانتْ الحراسة هناك متساهلة.
على الرّغم من طردِ جميع الحراس الذين تمّت رشوتهم، إلا أنّ المكان الذي أصبحَ فيه ثغرة لا يتغير بسهولة حتى لو تغير الأشخاص.
كانَ الانضباط قد أصبح متراخيًا للغاية، و بقيتْ الأمور على حالها حتّى مع تغيير الأشخاص.
“لكن بفضلِ ذلك، أصبحَ بإمكاني دخول راجان الآن.”
حاولتُ جاهدة تنظيف الجرائم التي تركتها ليفيا، لكن ذلك كانَ بعيدًا عن الاكتمال. و مع ذلك، طالما اخترتُ العيش كليفيا، أردتُ مواساة الأشخاص الذين جرحتهم أخطاؤها، و لو قليلاً.
أردتُ ألاّ يتأذّى المزيد منَ النّاس. ألاّ يكون هناك من يرى كوابيس بسبب “ليفيا أرفين”، أو إنْ أمكن، أن يقلّ عددهم.
هكذا قضيتُ خمسَ سنوات.
لم تكن الجرائم التي ارتكبتها أنا ، لكن بما أنّني أصبحتُ ليفيا، احتضنت خطاياها كما لو كانت خطاياي و حاولتُ التكفيرَ عنها.
كانَ من ضرب الخيال توقّع أن تختفي الجرائم التي ارتكبتها هي على مدى عشر سنوات في خمس سنوات فقط.
ومع ذلك، كانتْ خمس سنوات كافية لإظهار أنّ الشّخص قد تغيّر.
تمكّنتُ إلى حدّ ما من تغيير قلوب أولئكَ الذين كانوا يكرهونها و يحتقرونها. كوّنتُ عائلة، بنيتُ صداقات، و كان لديّ حبيب أحبّه.
“لم أكنْ أطلب الكثير…”
كبحتُ الشّوق الذي أخدَ يتصاعد في صدري.
عانقتُ جسدي المرتجف من القلق، وتنفّست بعمق.
الآن، يجب أنْ أذهبَ إلى البوابة الثامنة.
يجبُ أنْ أخرج من هذه الغابة قبل غروب الشمس. عندما يحل الظلام، ستنتشر الوحوش والحيوانات.
التعليقات لهذا الفصل " 6"